شعار قسم ميدان

منتجات التجميل المقلدة والمغشوشة.. خطورة مُغلّفة بغلاف أصلي!

midan - makeup 2

"مد رجليك على قد لحافك"، قول متوارث يُحكى لمواساتك بأن ما بجيبك هو ما يكفيك. ولكن إن كان ما بجيبك يمكنه أن يوفر لك هيئة أنجلينا جولي بأقل التكاليف، فما المانع من مد مستوى فخامتك بتكلفة لحاف بسيط؟ في ظل مقاييس الجمال الحديثة والتي تتبدل بين فترة وأخرى، أو التي تتجدد مع كل مشهور يفرض وجوده على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح طموح الكثيرات أن يحظين بهيئات المشاهير بأقل التكاليف. الجمال مغناطيس البشر، نحن مبهورون بحُب الجمال والتقرب من كل ما هو جميل. ولكن إن كان نفس الجمال هذا يُجبرك على الاستهانة بسلامتك، فهل هو حقا جميل؟

 

الانجراف وراء استنساخ الجمال يجعل الكثيرات يعتقدن بأن ما تحظى به الشهيرات من المؤثرات والممثلات لا يمكن أن يكون حصرا لهن، بل هناك بدائل عدة تجعل من السيدة المتواضعة الدخل تحظى بنفس إطلالة مشهورة ثرية بأقل التكاليف، وهي قاعدة صحيحة إن كانت البدائل سليمة لا تؤذي الجسد ككل، ولكن إن كانت أبعاد هذه الإطلالة قد تُكلّفك فقدانك للبصر، أو حروقا جلدية، أو شللا وربما الموت. فهل الإطلالة الثرية تستحق هذه البدائل المغشوشة الرخيصة؟

 

ضريبة الجمال المغشوش.. أنت!
 تظن السيدة أن مساحيق التجميل أو العدسات اللاصقة هي منتجات تخدمها لفترة قصيرة من يومها، فما المخيف أو الضار من استخدام منتج غير أصلي يؤدي الغرض لبضع ساعات دون إرهاق جيبك؟ الحقيقة أن الأمر يتعدى أن يكون مخيفا أساسا. فإستراتيجية العرض والطلب هي التي تتحكم بما يوجد في الأسواق، فما يهم التاجر حقيقة هو جيبك وليس سلامتك. وبات من السهل الحصول على كل المنتجات المغشوشة عن طريق الإنترنت. الصين، المورد الأكبر لكل منتج غير أصلي؛ عاصمة التزييف إن صح التعبير، نعلم جميعنا أن الصين شهيرة باستنساخها لكل المنتجات بمواد أقل تكلفة، بداية من الإلكترونيات، للأقمشة والملابس، لمساحيق التجميل، وحتى الطعام! (1)

 

في مايو/آيار من عام 2015 أصدرت شرطة مدينة لندن إنذارا وطنيا بعد الكشف عن حاوية شحن من الصين تحتوي على أكثر من 4700 نسخة مغشوشة من منتجات مقلدة للعلامة التجارية الشهيرة المتخصصة بمساحيق التجميل "ماك" (MAC) والتي تصل إلى أوروبا الشرقية وبريطانيا من خلال المواقع الإلكترونية ومن ضمنها  "أمازون" (Amazon)، و"إي باي" (eBay). تقول لويس إيميري وهي إحدى المتضررات اللواتي استخدمن منتجات مغشوشة ابتاعتها من أحد المواقع الإلكترونية: "بعد استخدامي للمستحضر وبحلول المساء كان وجهي تورم إلى ضعف حجمه الطبيعي وكان لي ما يشبه الحروق الشديدة تحت عيني.. كنت قلقة من إصابتي بندوب ستبقى مدى الحياة. واستغرق الأمر أسبوعين إلى جانب الالتزام بمضادات الهيستامين والمضادات الحيوية حتى يهدأ التورم". لا تزال بشرتها حساسة ومشوهة حتى بعد انقضاء فترة العلاج وتعافيها. (2)

  

بفحص المنتجات التي تم ضبطها في لندن، وُجد أن كمية الرصاص المستخدم في مساحيق التجميل المغشوشة أكثر بـ 19 ضعفا من الكمية المسموح بها قانونيا، كما وُجد أيضا مستويات مرتفعة من الزرنيخ والسيانيد وحتى البول البشري وفضلات الفئران! مستويات السموم المرتفعة في هذه المستحضرات أدّت إلى إصابات جلدية خطيرة، مثل الطفح الجلدي والحروق والتشوه، وارتبط استخدامها أيضا بمشاكل صحية بعيدة المدى مثل العقم، وارتفاع مستويات ضغط الدم. (3)

 

     

عينك أغلى من عدسة رخيصة الثمن!
 أما بما يتعلق بالعدسات اللاصقة، فالأطباء يحذرون من أضرار استخدامها بشكل عام دون وصفة طبية واستشارة طبيب. فمقاس العين يختلف من شخص لآخر واقتناء أي عدسة ملونة بإهمال هذه المعلومة قد يكلفك الكثير. فإن كانت هذه ملحوظة الأطباء على العدسات بشكل عام، فكيف سيكون الحديث عن عدسة مغشوشة رخيصة الثمن تُوضع في عينك! في عام 2010 قام رجل يبلغ من العمر 23 عاما بشراء زوج من العدسات اللاصقة المغشوشة، كان يعقّمها ويستبدلها كل شهر ظانا أنه وفر الكثير واقتنى ما يفي بالغرض، ولكنه استيقظ يوما بعدوى حادة في عينه، بعد الاستشارة اعتقد طبيبه أنه رمد. ولكن بعد أيام قليلة كان في المستشفى ليعاني من تقرح القرنية مما تطلب 15 عملية جراحية تتضمن سبع محاولات لزراعة قرنية والذي كان مجموع تكاليف عملياته ما يعادل ربع مليون دولار! أدى ذلك إلى خسرانه لوظيفته ومحدودية قبوله في أي وظيفة أخرى بسبب ضعف رؤيته الشديد في عينه اليُسرى! (5)(4)

 

يُعلق توماس ستينمان، المتحدث الرسمي باسم الأكاديمية الأميركية لطب العيون:(6)

"لا يوجد فرق بين العدسات المصححة للنظر وبين العدسات الملونة، كلاهما يحتاجان إلى شخص مؤهل لكتابة وصفة طبية بهم. وتلك العدسات التي تُصنع بأسعار بخسة، يتم استخدام أصباغ رخيصة مؤذية وقاسية على العين ولم يتم الموافقة عليها من قِبل هيئة الغذاء والدواء، وأيضا لا يتم تصنيعها بآلية تسمح للعين بالتنفس، إلى جانب إهمال مواصفات سطح العدسة نفسها الذي قد يؤدي إلى الإصابة بالفيروسات المُعدية".

 

ومن مظاهر مواكبة الجمال والمحافظة عليه الإقبال على عمليات التجميل، الحقن بالبوتوكوس وغيره من المواد لإخفاء التجاعيد وتحسين المظهر العام للبشرة ومنحها الشباب الدائم. ولكن بداية، ما البوتوكس؟ في الحقيقة هي مادة يتم استخراجها من بكتيريا تعيش في الغابات والبحيرات، ويمكن العثور عليها من أمعاء بعض الثدييات وخياشيم الأسماك؛ بكتيريا تحدث بشكل طبيعي وتنتمي للجراثيم غير المؤذية عموما. ولكنها تؤذي عندما يزيد عددها مما يؤدي إلى التسمم. تستخدم هذه المادة -البوتوكس- في عمليات حقن العضل مما يقلل علامات حركته التي تظهر على شكل تجاعيد تعلو سطح البشرة، وهي سموم أُثبت أن مقدارا بسيطا منها لا يؤذي، ولكن أثبتت الأبحاث أيضا أن غراما واحدا من هذه المادة السامة المركزة -البوتولينوم توكسين وهو الاسم الطبي للبوتوكس- كفيل بقتل مليون شخص، وبمضاعفة الرقم إلى غرامين، فهذه كمية سمية كافية لقتل كل إنسان يعيش على سطح الأرض! (7)

 

في حوادث عدة حدثت لمجموعة من النساء حول العالم، نساء انجذبن لمغناطيس الجمال الأكبر هذه الأيام وهو البوتوكس، تم خداعهن عن طريق الترويج لبعض حقن البوتوكس رخيصة الثمن بحجة أن هناك عروضا تخفيضية عليها، أو أن ممرضة تكتفي بحقن الزبائن في بيتها دون الحاجة إلى عيادة مرخصة! وأيضا استخدام بعض المواد غير المرخص بها، أو بوتوكس حقيقي ولكن صلاحيته انتهت مما حوّله إلى مادة سامة أدّت إلى تشوّهات وشلل. (8)

   

كيف نتفادى الوجه القبيح للجمال؟
undefined
     
لا ييأس الخبراء والأطباء من تكرار النقطة ذاتها: الوعي، فالوعي، ومن ثم الوعي. على المستهلك أن يعي تماما أن ما يهم حقا ليس مواكبة كل جميل على حساب التعرض للأذى. يبدو أن الكثير يجدون صعوبة في التعايش مع مجتمعات تحكم على المظهر وتُعاملك على أساسه، والغزو الإلكتروني لترويج الجمال واختراع مقاييس مواكبة الموضة يلعبان دورا مهما في خيارات الكثيرين، خصوصا الفتيات الصغيرات اللواتي يعتقدن أن ما يفعله المشهور هو حلم يجب تقليده والوصول إليه مهما كلّف الأمر، وهنا تكمن الرقابة من الأهالي على خيارات الصغيرات والشبان أيضا، فالشباب يلجأ لحقن البوتوكس كما النساء.

 

من المهم التأكد من مصدر كل منتج يلامس الجسد، الاستهانة بقيمة المنتج قد تنعكس على الاستهانة بقيمة الجسد ككل. فما توفره عند شراء عدسات لاصقة، أو مستحضر تجميل أو حقن تجميلية، قد يجعلك تدفع ثمنه حياتك، أو وظيفة حيوية، أو عمليات متواترة تكلفك ما وفرته بمضاعفات لم تكن قد جدولتها في حساباتك.

  

في الأسواق بدائل مرخصة لعلامات تجارية موثوقة وموافق عليها من الجهات المختصة بأسعار تناسب الجميع، فما الحاجة إلى اقتناء نسخة مغشوشة مقلدة يستخدمها مشهور طالما أن باستطاعتك اقتناء منتج مشابه بسعر يناسبك وبسلامة مضمونة لجسدك؟ لن يتبرع المشهور بعينه إن فقدت أنت عينك لتقليده، ولن يمنحك بشرتك التي تشوّهت لأنك أردت تقليده، ولن يهبك حياته إن سلبك البوتوكس حياتك.

المصدر : الجزيرة