هل سنسافر بطائراتنا الخاصة؟.. محاضرات تستعرض مستقبل وسائل النقل

لا يزال التطّور التقني يُخبئ في جعبته الكثير من المفاجآت المتعلقة بتكنولوجيا التنقل ووسائل المواصلات. إذا عُدنا إلى الوراء قليلًا ونظرنا إلى وسائل التنقل والمواصلات نظرة شاملة، سوف نرى الكثير من التطورات المذهلة التي مرت بها تلك الوسائل بمرور الوقت، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، بفضل التقنيات الهندسية التي وّفرت أفضل المحركات وأكثرها مرونة وقوة، بالإضافة إلى البطاريات الملائمة والمواد خفيفة الوزن.
خلال العقود الخمسة الماضية، كانت تكنولوجيا القيادة الذاتية محض هراء، ولم تكن السيارات ذاتية القيادة إلا سِمة من سِمات أفلام الخيال العلمي. كما كان يُنظر إلى فكرة السيارات الطائرة على أنها أبعد ما تكون عن الواقع. الآن، أصبحت السيارات ذاتية القيادة موجودة بقوة، إذ اتجهت معظم شركات تصنيع السيارات إلى البدء في إنتاج سياراتها التي تعتمد على تكنولوجيا القيادة الذاتية.
كما تحولت السيارات الطائرة من فكرة مجردة لدى المصممين والمهندسين إلى نماذج حقيقية قابلة للتنفيذ، إذ بدأت كبريات شركات صناعة المركبات والسيارات في العمل الجاد على تصميمات مختلفة ومتنوعة للسيارات الطائرة. في هذا التقرير سوف نُلقي الضوء على العديد من المحاضرات المميزة التي ألقيت في مؤتمرات "تيد" حول العالم، توضح التطورات التي مرت بها وسائل النقل وتستكشف مستقبل مجال التنقل والمواصلات.
يرى كباج أن الازدحام المروري في المدن ينجم عن سببين رئيسيين هما عدم معرفة السائقين بالمدن واستمرارهم في البحث عن أماكن مناسبة للاصطفاف، ما يسبب ما يقرب من 30% من الازدحام المروري، والسبب الآخر هو إهدار الكثير من المساحات في رغبة كل شخص في التمتع بالراحة في سيارته الخاصة.
يستعرض كباج رؤيته المستقبلية حول وسائل النقل، إذ يناقش فكرة مركبات الأجرة القابلة للتحليق والطيران وشبكات حجرات النقل المغناطيسية، إضافة إلى الحافلات القابلة للانفصال ذات التصميم التنسيقي، التي توفر الراحة الملازمة لاقتناء المركبات والكفاءة الملازمة لاستخدام القطارات والحافلات، فتسير الحافلات بسرعة مناسبة دون الحاجة إلى التوقف عدة مرات. فعند رغبة الراكب في التوقف تنفصل العربات تلقائيًا وتتحول إلى حافلات سريعة ذاتية القيادة تتخذ مسارًا في شبكة طرق ثانوية، بينما يستمر القطار في السير دون الحاجة إلى التوقف، الذي يستنزف الوقت.
يناقش ترافيس كالانك، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي السابق لشركة "أوبر"، في هذه المحاضرة التي ألقاها في فبراير/شباط 2016، فكرة تأسيس شركة "أوبر"، إذ يوضح أن الشركة لم تبدأ بطموحات كبيرة لخفض الازدحام المروري والحد من التلوث، بل انطلقت كشركة تخدم مجموعة محددة من المستخدمين يقومون بالضغط على زر للحصول على توصيلة إلى وجهتهم. لكنْ تبين بعد ذلك أن الكثير من الناس يريدون الضغط على الزر نفسه والحصول على توصيلة.
يوضح كالانك أنه بمرور الوقت أصبح الكثير من الناس يطلبون التوصيلة نفسها إلى المكان نفسه في الوقت نفسه، ما جعلهم يفكرون في كيفية استغلال ذلك بالطريقة المثلى وتحويل الرحلتين إلى رحلة واحدة للحد من التلوث والانبعاثات الكربونية طول الطريق وتقليل حدة الازدحام المروري، فضلًا عن تقليل التكاليف.
يستكمل كالانك حديثة موضحًا كيف قاموا بتنفيذ الفكرة في تطبيق تجمع "أوبر بول" (Uber POOL) الذي حقق نجاحا مميزا. بيد أنه في غضون 8 أشهر كان قد قلل 7.9 ملايين ميل من الطرق و1.4 طن متري من ثاني أوكسيد الكربون في لوس أنجلوس وحدها. يناقش كالانك في نهاية محاضرته، التي قاربت مليونَي مشاهدة إحدى الرؤى العصرية التي يمكن تطبيقها في المستقبل للحد من الازدحام المروري والتلوث بكيفية مذهلة.
ألقيت هذه المحاضرة على مسرح مؤتمر "تيد" في مارس/آذار 2015 بواسطة كريس أورمسن، رئيس برنامج غوغل للسيارات ذاتية القيادة، إذ ناقش فيها كيف يعدّ السائق الحلقةَ الأضعف في السيارة والسبب الرئيسي لحدوث الأزمات على الطرق. بيد أن خطأ واحدا قد يؤدي إلى كوراث متتالية على الطريق، تتبعها خسائر في الأرواح والممتلكات.
تطرّق أورمسن، في هذه المحاضرة، التي تخطت حاجز مليونَي مشاهدة، للمراحل التي وصل إليها برنامج غوغل للسيارات ذاتية القيادة. كما استعرض لقطات رائعة تصور كيف يمكن لسيارة أن ترى الطريق وتتخذ قرارات بطريقة مستقلة حول ما يجب القيام به، من خلال العديد من البرمجيات المُصَممة للكشف عن المُشاة وراكبي الدراجات والسيارات، فضلًا عن بقية الأشياء المتواجدة على جانبي الطريق، من كافة الجهات ومن نطاق واسع، وبدقة عالية.
إضافة إلى أجهزة الاستشعار التي تستطيع ملاحظة حركة يد سائق الدراجة أو الإشارة التي قام بها، ومن ثم توقع تحركاته المقبلة، إذ تستطيع برمجيات وأجهزة الاستشعار كشف وتوقع سلوك جميع مستخدمي الطريق، بعد التجربة لأكثر من مليوني ميل من التنقل اليومي الآمن والمريح على الطرق المزدحمة.
"اليوم، يوجد في العالم مليار شخص لا تتوفر لهم طرق صالحة للاستخدام في الفصول المختلفة. سُبع سكان الأرض معزولون تماماً لجزء من السنة، لا نستطيع إيصال الدواء إليهم بكفاءة، ولا يستطيعون الحصول على حاجاتهم الأساسية أو إيصال بضائعهم إلى الأسواق وضمان دخل مستمر".
افتتح أندرياس رابتوبولوس، الناشط اللوجستي الذي يعمل في إنترنت الأشياء واستخدام الطائرات المحركة آليًا "drones" لنقل السلع الأساسية إلى المناطق التي يتعذر الوصول إليها. وضّح رابتوبولوس في هذه المحاضرة التي ألقاها على مسرح مؤتمر "تيد" في يونيو/حزيران 2013، حجم المعاناة التي تتعرض لها فئة كبيرة من البشر حول العالم. وتابع رابتوبولوس قائلًا: "على سبيل المثال، في جنوب الصحراء الإفريقية ما يقرب من 85% من الطرق غير صالحة للاستخدام في المواسم المطيرة. بالطبع، هناك استثمارات، لكنْ وفقًا للوضع الحالي قد تستغرق هذه الاستثمارات أكثر من 50 سنة للحاق بالركب".
كما وضح رابتوبولوس في هذه المحاضرة، التي تخطت مليون مشاهدة، رؤيته حول استخدام الإنترنت لتوفير الوصول السلس إلى تلك المناطق، إذ قدّم نوعا جديدا لنظام مواصلات يستخدم آلات كهربائية طائرة ذات إدارة ذاتية لتوصيل الدواء والغذاء والبضائع والمؤن حيثما كانت الحاجة إليها خلال ساعات. وكشف رابتوبولوس قدرة هذه الطائرات قائلًا: اليوم، تستطسع هذه الطائرات نقل حِمل صغير يُقدّر وزنه بحوالي كيلوغرامين لمسافة قصيرة تُقدّر بحوالي 10 كيلومترات، لكنها تُعد جزءا من شبكة أوسع قد تغطي البلد بالكامل؛ ومن المحتمل تغطية القارة بأكملها. إنها شبكة فائقة المرونة ذات تخطيط ذاتي نطلق عليها اسم شبكة المادة.
واستكمل رابتوبولوس محاضرته موضحًا التقنيات الثلاث التي يتم استخدامها لبناء هذه الشبكة ثلاثية الأبعاد، وهي: التقنية الأولى: عبارة عن مركبة كهربائية طائرة وذاتية التحكم، في حين أن التقنية الثانية عبارة عن مراكز أرضية آلية تطير منها المركبات وإليها لتبديل البطاريات، ومن ثم الطيران لمسافة أبعد أو لنقل وتوصيل الأحمال. بينما التقنية الثالثة عبارة عن نظام التشغيل الذي يدير الشبكة بأكملها.
ألقيت هذه المحاضرة على مسرح مؤتمر "تيد" في مارس/آذار 2011 بواسطة عالم الروبوتات دنيس كونغ، وفيها استعرض أحد المشاريع التي عمل عليها لبناء سيارة آلية ذاتية القيادة للتقدم إلى إحدى المسابقات في 2007. وكشف كونغ فوزه هو وفريقه بالمركز الثالث في المسابقة وحصوله على جائزة تُقدر بحوالي نصف مليون دولار أميركي.
شرح كونغ، بعد ذلك، كيف كانت هذه المسابقة دافعًا للمشاركة في مسابقة الاتحاد الوطني للمكفوفين، التي تتطلب القيام ببناء سيارة للسائقين المكفوفين. ففي البداية، ظن كونغ أن النموذج الذي قام ببنائه هو وفريقه البحثي سوف يصبح مناسبا لدخول المسابقة الجديدة بعض القليل من الإضافات، لكنه أدرك بسرعة أن السيارة المقصودة لم تكن سيارة ذاتية القيادة تقود الشخص الكفيف حيثما أراد.
استكمل كونغ حديثه موضحًا أن الاتحاد الوطني للمكفوفين كان يرغب في سيارة يقودها شخص كفيف، بحيث يستطيع القيادة واتخاذ قرارات فعالة. ثم استعرض كيف استخدم الروبوتات وتقنيات تعيين المدى بأشعة الليزر ونظام تحديد المواقع وأدوات التغذية المرتدة الذكية في بناء سيارة للسائقين المكفوفين، بحيث يستطيعون تحديد السرعة والتقارب على الطريق، ومن ثم القيادة بطريقة مستقلة تمامًا.
ألقيت هذه المحاضرة على مسرح مؤتمر "تيد" في يوليو/تموز 2011 بواسطة آنا ديتريش، المخترعة والطيارة الخاصة. ناقشت ديتريش المحاولات التاريخية لبناء سيارة طائرة واستعرضت بعض النماذج التي كللت بدرجة كبيرة من النجاح التقني، لكنها استنكرت فشلنا في بناء سيارة طائرة يمكن قيادتها والتحكم فيها رغم ما وصلنا إليه من تطوّر تقني وتكنولوجي.
قالت ديتريش لقد نظرنا إلى المحاولات التاريخية التي سبقتنا وأدركنا أنه رغم حقيقة امتلاكنا الكثيرَ من الاختراعات الحديثة التي يمكن الاعتماد عليها مثل المواد المركبة الحديثة ومحركات الطائرات القوية ذات التدبير الجيد للوقود وإلكترونيات الطيران الزجاجية التي تجلب المعلومات التي نحتاجها مباشرة إلى مقصورة الطيران، فإننا مازلنا نحصل على النتائج نفسها التي حصل عليها الناس في المائة سنة الأخيرة. وبدلًا من محاولة صناعة سيارة يمكنها الطيران نحاول صناعة طيارة يمكننا قيادتها.
استكملت ديتريش حديثها حول نموذج سيارة تيرافوغيا، وهي عبارة عن سيارة ذات محرك واحد ومقعدين تعمل تماما مثل أي طائرة صغيرة، إذ تقلع وتهبط في مطار محلي. وبمجرد ما تصل إلى الأرض تجمع أجنحتها وتتم قيادتها إلى المنزل. وتطرقت لنجاح هذا النموذج بعد سنتين من التصميم الإبداعي ومحاولات البناء، ثم تطرقت للمشكلات والمعوقات القانونية التي تمنع توافر السيارات الطائرة حتى الآن.