شعار قسم ميدان

لماذا كل هذا التطرف والعنف؟ محاضرات "تيد" تجيبك

midan - تيدكس

"بالبنادق، يمكنك أن تقتل الإرهابيين.. بالتعليم، يمكنك أن تقتل الإرهاب"

 (مالالا يوسف زاي، ناشطة باكستانية حاصلة على جائزة نوبل) (1)

 

أصبح التطرف والعنف والإرهاب أمرا اعتياديا في نشرات الأخبار، وعلى الرغم من أن ظاهرة الإرهاب والتطرف لا يمكن وصفها بأنها جديدة أو طارئة على المشهد العالمي، إلا أن تصاعدها بشكل هائل في السنوات الأخيرة لتضرب مناطق مختلفة من العالم، جعل من الطبيعي وضعها تحت المنظار لدراستها بشكل أكبر وأكثر تعمقا من مجرد اعتبارها عرضا جانبيا لصراع سياسي مشتعل في المنطقـة منذ عقود.

 

على مسرح تيد، ألقيت في السنوات الأخيرة مجموعة من المحاضرات السريعة المركزة التي تتناول الظاهرة من منظور شديد التبسيط والوضوح. المحاضرات تروي وقائع حقيقية وحوادث واقعية يرويها جنـاة وضحايا وخبراء ومحللوون تكشف النقاب عن هذه الظاهرة ومآلاتها، وربما تفتح الطرق لوضع حلول جذرية لها على المدى البعيد.

 

كيف ينضم الشباب للجماعات المتطرفة العنيفة؟

  

في العام 2011، وكجزء من تحضيرها لدرجة الدكتوراه عن التنشئة السياسية للشباب، خاضت "إيرين سالتمان" مغامرة مثيرة عندما التحقت بمعسكر لليمين المتطرف في دولة المجر. اضطرت إيرين سالتمان إلى تغيير اسمها وهويتها، والتحقت بالمعسكـر الذي يعنى بتربية الشباب المجري على مجموعة من أبرز المبادئ المتطرفة مثل كراهية المهاجرين والغجر واليهود وبعض السياسيين المنفتحين على المناخ الديموقراطي. باختصار، كان الجو مشحونا بكراهية وعنصرية حتى النخاع في هذا المعسكر.

 

خلال فترة قضائها لبعض الوقت في هذا المعسكر، استنتجت إيرين مجموعة من المبادئ التي تعتبرها هي أساس وجود كافة أشكال التطرف الديني السائد في العالم حاليا، لا سيما في الشرق الأوسط مع صعود تنظيم الدولة في السنوات الأخيرة. ترى إيرين أن الأمور التي عايشتها في ذلك المعسكر الشبابي في المجر هي نفسها المسؤولة عن توليد المتطرفين سواء كانوا إسلاميين أو مسيحيين أو من أي خلفية دينية. هي نفس الأدوات بالضبط، وإن اختلفت تطبيقاتها من بيئة لأخرى ومن مجتمع لآخر.

 

في محاضـرتها التي ألقتها في العام 2016 على مسرح تيد وحققت ما يقرب من المليون مشاهدة، تؤكد إيرين سالتمـان حقيقـة أن الإقناع الذي يمارس على هؤلاء الشباب في كل التنظيمات الراديكالية والمتطرفة يكون مدروسا بعناية، وليس محض هراء. وتؤكد أيضا أن الشباب الذين يسافرون للانضمام إلى هذه التنظيمـات ليسوا مجموعة من المرضى النفسيين أو القتلة السايكوباثيين، بل يتم تجنيدهم وتحويلهم إلى التطرف في عمليات مدروسة بشكل كامل.

 

في نهاية المحاضرة تضع المتحدثة "روشتة" بمجموعة من الطرق المبتكرة والقابلة للتطبيق المباشر لمنع التطرف والتصدي له من جذوره بأساليب منهجية مبسطة، وليس فقط بأساليب أمنية أو عسكرية أثبتت أنها تفشل في اقتلاع التطرف بشكل حقيقي من جذوره وتكتفي بإطفائه في منطقة ما مؤقتا ليعيد الظهور في منطقة أخرى.

 

أبي كان إرهابيا.. وأنا اخترت طريقا آخر


"أتحدث اليوم على أمل أنه ربما يكون هناك شخص ما يشاهد هذه المحاضرة، وهو مُجبَـر على استعمال العنف بسبب أيدولوجية تربوية ترعرع في وسطها. أنا لم أصبح متعصبا، رغم أن والدي كان إرهابيا محضا. عوضا عن ذلك، اخترت أن أستعمل تجربي في محاربة الإرهاب والتعصب من أجل ضحايا الإرهاب وأحبائهم"

 

محاضرة شهيرة ألقيت على مسرح تيد في العام 2014 بواسطة زاك إبراهيم، لامس عدد مشاهداتها سقف الخمسة ملايين مشاهدة، واحتوت على فقرات طويلة من تصفيق الجمهور تشجيعا وإعجابا من طرفهم بعمق التجربة وتأثرها. زاك إبراهيم هو ابن "السيد نصير" المصري الجنسية الذي اتهم بالتورط في حادث تفجير المركز التجاري العالمي في العام 1993.

 

في المحاضرة يروي زاك بشكل مركز طبيعة التربية التي تلقاها والأفكار العنيفة التي ترعرع عليها منذ طفولته التي جعلته -بشكل تلقائي- ينفذ ما يطلبه منه والده، بدءا من الذهاب بشكل مستمر للتدرب على الرماية، وليس انتهاء باتخاذ مواقف عنيفة في آرائه وأفكاره. في النهاية، وبعد أن بدأ وعي زاك في التشكل، قرر أن يتخذ طريقا مغايرا تماما لطريق والده، على الرغم من أنه عانى بشكل مضاعف بسبب نظرات الكراهية التي لاحقته طوال فترة مراهقته وشبابه تقريبا عندما يعرف الناس أنه ابن شخص تمت إدانته بالضلوع في عملية إرهابية.

 

المحاضرة تعتبر واحدة من أهم المحاضرات التي توضح كيفيـة برمجة العقول على أفكـار متعصبة من ناحية، وكيف يمكن التحرر من هذه الأفكـار المتعصبة من الناحية المقابلة. يوضح زاك أن التخلص من هذه الأفكار لم يكن أمرا سهلا، وأنه استلزم منه جرأة في التفكيـر بنفسه لمراجعة كافة الأفكار التي زرعت في عقله على مدار سنوات طفولته بالكامل، أدت في نهاية المطاف إلى أن يسير في طريق مغاير تماما لطريق والده.

 

عقــل متطرف.. ما الذي قاده إلى هذه الحال؟

  

يقف بلحيته الكثة ومظهره الإسلامي المحافظ الواضح أمام جمع غفير من جمهور تيد، متحدثا عن واحدة من أعمق وأهم التجارب الإنسـانية التي مرّ بها في حياته وقادته إلى الانضمـام لجماعات العنف المسلح لفترة طويلة من شبابه، جعلته يتورط في عمليات عنف وإرهاب في الشرق الأوسط وآسيا على مدار عقد الثمانينيات بالكامل تقريبا.

 

"لوقت طويل، كنت أعيش من أجل الموت.  كنت شابا يؤمن أن الجهاد يُفهم في لغة القوة والعنف.  كنت أحاول أن أصحح الأخطاء عن طريق القوة والهجوم. كنت أحمل هما كبيرا لمعاناة الآخرين ورغبة قوية في أن أساعدهم وأشعرهم بالارتياح. كنت أفكر  أن الجهاد العنيف كان نبيلا، مقداما، وأنه الطريقة المثلى لتقديم المساعدة."

 

منوار علي يشرح في محاضـرته التي تجاوز عدد مشاهداتها المليون والنصف قصـته في الانتقال من متطرف ينتهج منهج العنف المسلح إلى ناشط سلمي. ما الذي جعله يشترك في هذه الأنشطة الجهادية العنيفة بكل هذا الحماس في فترة من فترات حياته؟ الأمر أعقد وأصعب وأكثر ألما بكثير من مجرد زرع أفكـار متطرفة في عقله، وإنما لها منابع وجذور دفعته دفعا إلى هذا التطرف.

 

يخوض المتحدث في شرح العديد من التفاصيل التي أوصلته إلى هذه النقطة، أهمها أنه شهد بعينيه مقتل 22 فردا من أفراد أسرته البنغالية المسلمة بسبب اقتتال طائفي، ورؤيته لأخيه الأكبر يُقتل أمام عينه، ورؤيته لعشرات الجثث التي تقتات عليها الكلاب الضالة بعد حدوث هذه المجزرة المروعة التي نجا منها بأعجوبة، وحولته إلى مسار العنف لسنوات طويلة. ثم في النهاية، رغم كل هذه الكوارث التي مر بها في حياته، أدرك أن دائرة العنف يستحيل إغلاقها، وأن الشيء الوحيد القادر على إنهاء العنف هو إحلال الخير والهدوء والتفهم للآخرين.

 

نجوت بأعجوبة من حادث إرهابي.. وتعلمت الكثير

 

لم أتخيـل في حياتي مطلقا أن مفجرا انتحاريا مراهقا بعمر الـ19 سوف يكون سببا في تعليمي درسا قيّما طوال عمري، ولكنه فعل. علّمني أن لا أضع أحكاما مسبقة أبدا عن أي أحد لا أعرفه.

 

على مسرح تيد في العام 2016، ألقت غيل هيكس محاضـرة قيّمة تعج بالدروس والمعاني رغم مدتها القصيرة. لم تستلهم غيل محاضرتها من مواقف حياتيه عادية مرت بها، وإنما استلهمتها من حدث يعتبر هو الأهم في حياتها، وهو أنها كانت تركب في نفس عربة المترو التي ركبها مفجـر انتحاري كان هو السبب في الهجوم الإرهابي الشهير الذي وقع في محطة قطارات لندن في السابع من يوليو عام 2005، وخلّف وراءه 26 قتيلا ومئات الجرحى في واحدة من أكبر الهجمات الإرهابية التي شهدتها بريطانيا في العقد الأول من القرن العشرين.

 

في المحاضـرة تروي غيل هيكس مجموعة من الأحداث المفزعة التي مرّت بها في مواجهـة هذا الحدث الإرهابي والتصقت في ذاكرتها وأصبحت دافعا أساسيا لتغيير محاور حياتها بشكل كامل منذ تلك اللحظة. مشاهد الأشلاء والدماء والصرخات، وحقيقة أنها نجت بأعجوبة وسط عدد كبير من الأشلاء المتطايرة كان من المفترض أن تكون جزءا منها، كونها كانت في نفس العربة التي استقلها الإرهابي، هذه المواقف وغيرها خرجت منها بمجموعة من العبر والدروس، أهمها: لا تضع أحكاما مسبقة على أحد، قد تضع حكما استباقيا بأن فلانا شخص جيد فيتضح العكس، وقد تضع أحكاما استباقية بأن علانا شرير ليتضح أنه تجسيد للخير بكل تفاصيله في النهاية.

 

التطرف المضاد.. في محاولة فهـم عقلية المتعصبين

  

من الناحية الأخرى، كيف تبدو حملات التعصب والكراهية والتطرّف الراديكالية ضد الثقافات والأديان الأخرى في المجتمعات التي بنيت أصلا على دعاوى الانفتاح واستيعاب الآخر؟ لدينا هنا محاضـرة تبرز جانبا خافيا بخصوص عقلية الكراهية والتعصب ضد المسلمين في المجتمع الأميـركي تصل إلى مراحل الترويج الفاضح بعبارات الكراهية ودعمها ماليا.

 

نيجين فرسـاد، أميـركية من أصول إيرانية تعمل في المجال الكوميدي، قامت بعمل فيلم وثائقي ساخر بعنـوان "المسلمون قادمـون"، الفيلم يرصد ردود أفعال المتطرفين الأميركيين تجاه الإسلام والمسلمين وتعاملهم العدائي المباشر مع هذا الدين ومعتنقيه بشكل يصل إلى أقصى طبقات التطرف والكراهية. تحكي نيجين فرساد في هذه المحاضرة المليئة بالكوميديا تصوراتها بخصوص الشحن الديني المبالغ فيه في بعض الأماكن في الولايات المتحدة، وفقه الكراهية السائد بدون أي مبرر سوى "الكراهية البحتة" للآخرين.

 

المحاضـرة طرح ذكي للكوميدية الأميركية، إيرانية الأصل، في الإشارة إلى ألوان التعصب الموجودة في المجتمع الأميـركي الذي اعتاد أن يسم المجتمعات العربية والإسلامية بالإرهاب والتعصب أساسا. شوهدت المحاضرة أكثر من مليون وربع مشاهدة، وألقيت على مسرح تيد في العام 2016، واعتبرت من أكثر المحاضـرات التي تناقش فلسفة الكراهية والتعصب ودوافعها من زاوية مختلفة.

 

العلاقة بين الإرهاب والبطالة

   

على مسرح تيد في العام 2013، يلقي "محمد علي" المدافع عن حقوق الإنسان محاضرة من أبرز المحاضرات التي تتنـاول ظاهرة الإرهاب من زاوية مختلفة تماما، وهي زاوية الربط بينها وبين البطالة. المحاضرة حققت أكثر من مليون مشاهدة، وركز فيها المتحدث على تسليط الضوء على ظاهرة الإرهاب في القرن الإفريقي الذي يعاني من معدلات فقـر وبطالة مرتفعة للغاية، تتناسب طرديا مع معدلات العنف في هذه المنطقة.

 

المعادلة بسيطة: شباب ومراهقون تعج عروقهم بالدماء والحماس، يجدون أنفسهم عاطلين دون أي فرصة عمل تلبي أدنى احتياجاتهم النفسية والجسدية، والأهم: تلبي طموحاتهم المشتعلة لمستقبل يلبي ربع طموحاتهم، فتكون النتيجة أن يتحول كل هذا الحماس إلى غضب مكبـوت يجد طريقه بسهـولة عبر تجنيدهم من قبل المجموعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة، لينتهي بهم الحال في معارك ضارية؛ يتسببون في مقتل الأبرياء والأطفال قبل أن ينتهي بهم الحال هم أيضا أشلاء ناتجة عن عملية انتحارية لم يخططوا لها أو يفهمـوا المغزى من ورائها أصلا.

 

المحاضرة تعج بتفاصيل مهمة قد تكون ملامسة بشكل كبير لنفس الأوضاع التي يعيشها الشباب العربي في منطقة الشرق الأوسط المشتعلة بحمى الإرهاب في السنوات الأخيرة، خصوصا مع ارتفاع البطالة في بعض البلدان بشكل قياسي أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والإنسـانية والاجتماعية والتي أخرجت بدورها المزيد من المتطرفين.

 

نظرة على الإرهاب من جانب "تسويقي" بحت

    

في هذه المحاضرة التي ألقيت في العام 2012، يتطرق المحامي جيسون ماكيو لظاهرة الإرهاب بشكل مختلف تماما عما هو سائد. تعامل ماكيو مع الإرهاب من ناحية تسويقية بحتة، فاعتبره "منتجا سيئا" يجب أن يحارب بنفس الطريقة التي تحارب بها المنتجات السيئة في الأسواق؛ من ناحية، الهجوم على العلامة التجارية الخاصة به بشكل كاسح بتقليل قيمة المنتج وإظهار جرائمه، ومن ناحية أخرى، التنافس مع هذا المنتج بخلق بدائل له، حيث يتم اجتذاب كل العناصر التي في الإمكان أن تميل لهذا الفكر المتطرف، وإعادة ضمهم إلى الفكر المعتدل الذي يؤمن بالاندماج في المجتمعات ورفض التعصب.

 

المحاضرة حققت أكثر من نصف مليون مشاهدة منذ رفعها على منصة الموقع، ويمكن وصفها بالمحاضرة الدسمة؛ حيث استمرت قرابة عشرين دقيقـة -وهو أمر غير معتاد في تيد حيث تكون المحاضرات بالمتوسط ما بين 10 دقائق إلى ربع ساعة- شرح فيها المحامي المتخصص في دراسة الإرهاب طرقا جديدة لمهاجمته وإضعاف مصداقيته وتفكيكه خصوصا في أعين "المستهلكين" الذين يشترون هذا المنتج؛ وهم المجندون الذين تجندهم المنظمات الإرهابية.

 

في المحاضرة يوضح المتحدث فكرته بالعديد من القصص الحقيقية التي مرّ بها هو بنفسه وغيره من الناشطين في مكافحة الإرهاب الدولي، استخدموا هذا المنهج في عمل تحوّل كبير لمقاومة هذه الظاهرة بشكل أكثر كفاءة.

 

أخيرا، هذه المحاضرات وغيرها من التي ألقيت على مسرح تيد في أوقات ومدن وعواصم مختلفة تقرر أن الحقيقة أكثر تعقيدا بكثير من مجرد حصر أسبابها في تطرف ديني أو نزعة فوضوية، بل تمتد لتشمل تجارب وأفكـار وظروفا اجتماعية واقتصادية متشابكة تصب في النهاية في صنـاعة هذا الوحش العالمي المسمّى بالإرهاب.