شعار قسم ميدان

تيفاني هاس تروي قصتها في التعايش مع الوسواس القهري

ميدان - النظافة

لن تتضح بالنسبة لي الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تكراري لبعض الأفعال، وكوني أغمض عيني بطريقة معينة أو أتلو عد الأعداد الفردية، أو أنظر خلف ستارة الحمام لضمان عدم وجود أحد يختبئ هناك ويخطط لاختطافي، أو أتأكد من أن أسلاك الحاسوب ليست ذيول فئران.
 

هل هي نتيجة رد فعل سيئ للتخدير الذي خضعت له أثناء خلع ضرس العقل؟ لقد بدأت هذه الأفكار المزعجة والقهرية تراودني بعد هذا الإجراء مباشرة؟ أم أنها تتعلق بحالة اختلالات المناعة الذاتية النفسية والعصبية المصاحبة لعدوى البكتيريا الكروية السبحية في الأطفال؟، وهي النظرية التي تشير إلى وجود علاقة غريبة بين عدوى تحلل المجموعة "أ" بيتا من البكتيريا الكروية السبحية، والتطور السريع لأعراض الوسواس القهري في العقد القاعدية؟ أم هي مجرد نتيجة ثانوية لتركيبتي الجينية مع شخصيتي العصبية؟ أم أن هذا تكتيك دفاعي أصبت به نتيجة التعامل مع أمٍّ قلقة بشكل مفرط؟
 

عواقب الوسواس القهري

خلال نشأتي كان الوسواس القهري خفيفًا وكامنًا لذلك لم أطرح أبدًا مثل هذه التساؤلات الغريبة حتى عام 2002، حين تفاقمت أعراض الوسواس القهري بشدة بين ليلة وضحاها حتى كادت تصيبني بالشلل العقلي، كنت قد فرغت لتوي من خلع ضرس العقل، وعلى الفور انتابتني أفكار غير مرغوب فيها تتراوح بين الخوف من كوني مثلية، إلى التساؤل حول ما إذا كانت السماء زرقاء حقًا، كانت أفكار مماثلة قد مرت في ذهني من قبل؛ إلا أنها كانت على ما يبدو لا تترسخ في العقل الواعي، فلم تكن مثل هذه الأفكار المسببة للعجز قد خطرت في بالي من قبل.

كانت الأفكار التي لا تهم أحداً ولا تحمل أي قدر من الأهمية منهكةً لي، كما كانت تمنعني من إنجاز أبسط المهام اليومية، فقد كنت أعيد ربط حذائي بشكل متكرر؛ مما  يتسبب في تأخري عن العمل والمدرسة، وكنت أقضي ساعات طويلة في الحمام منخرطةً في طقوس متعلقة بالوسواس القهري، مثل الطرق على الأشياء إلى ما لا نهاية وبلا هدف، وأخيراً الانسحاب من الكلية لأسباب طبية لأغادرها نهائياً، ليس هذا العدد من العواقب وحسب؛ بل إن ضعفه كان مجرد بعض مما تحملتُه نتيجة اضطراب الوسواس القهري.

طلب المساعدة
undefined

 

بعد رؤية طبيب أخصائي لعلاج الوسواس القهري، جربت خليطًا من الأدوية لأكثر من 10 سنوات، بما في ذلك إسيتالوبرام (لكسابرو)، فلوكستين (بروزاك)، الريسبيريدون (ريسبردال)، أريبيبرازول (أبيليفاي)، سيرترالين (زولوفت)، كلوميبرامين (انافرانيل)، اللاموتريجين (لاميكتال)، وأخيًرا  لوراسيدون (لاتودا) بعد أن أوحى تشخيص حديث لإصابتي بأنها اضطراب ثنائي القطب، وكان لوراسيدون (لاتودا) هو الدواء الوحيد الذي أوقف الأفكار الاقتحامية والدوافع المتكررة، فقد خفف الأعراض بنسبة تقترب من 60-70٪.
 

يعتبر علاج الوسواس القهري عن طريق "التعرض ومنع الاستجابة"  منهجًا عدوانيًا وفظًّا، فضلًا عن أنه لم يحقق نجاحًا معي، رغم أنه ربما يكون مفيدًا للنفوس المتشددة التي تفضل التعامل بهيكلية مباشرة

يؤكد كثير من علماء النفس والأطباء النفسيين أن مزيجًا من العلاج المعرفي السلوكي (CBT) والإدارة الدوائية قد يكون نهج العلاج الوحيد الناجح لمن يعاني من الوسواس القهري.

فإذا كان الشخص شجاعًا بما يكفي للخضوع لعلاج "التعرض ومنع الاستجابة" (ERP) -وهو نوع من العلاج المعرفي السلوكي الذي ثبت أنه يخفف من أعراض الوسواس القهري والقلق من خلال إزالة الحساسية والتعود- فإنني أنحني احترامًا له، غير أنني أمتلك رؤيةً مختلفة رؤية لم تدرس بعد، أو تثبت بالتجارب السريرية، ولكنها مجرد آلية للتعايش تعلمتها من خلال سنوات المعاناة وساعات العلاج الطويلة التي سمحت لي بأن أرى الضوء في نهاية النفق.
 

تحمل تجربتي مع العلاج السلوكي المعرفي ما قد يكون مفيدًا جزئيًا في تفكيك أهمية الأفكار الوسواسية أو إعادة هيكلتها في ترتيب هرمي؛ لكني لا أزال أواجه العديد من المشاكل مع هذا النوع من العلاج، لا سيما أن كل فكرة قهرية تتسلط على عقلي تكون لها أهمية كبرى سواء كانت كبيرة أو صغيرة، توجد جذور عميقة داخلي للأفكار المرتبطة بأن أصير حبلى أو أن أرى عائلتي تعاني، أو أن أعيش مع الفئران. إلا أن مجرد تفكيك هذه الأفكار إلى المحركات الكامنة وراءها، لم يكن المنهج الذي حقق أي نجاح معي.

في معظم حالات الوسواس القهري الشديد أعتقد أن الإدارة الدوائية أمر لا بد منه؛ إذ أن العطل العصبي الحادث في تلك الحالات يحتاج بالتأكيد إلى أدوية تعمل على موازنة هذا الخلل في بعض الناقلات العصبية.
 

يعتبر العلاج عن طريق "التعرض ومنع الاستجابة" (ERP) منهجًا عدوانيًا وفظًّا، فضلًا عن أنه لم يحقق نجاحًا معي، رغم أنه ربما يكون مفيدًا للنفوس المتشددة التي تفضل التعامل بهيكلية مباشرة، فعندما التحقت ببرنامج علاج الوسواس القهري في جامعة كاليفورنيا، كان لدي خوف شديد من زيادة الوزن لدرجة ظننت معها أن جسدي سيصير بشعًا، وأتذكر أنهم كانوا يحثّونني على سكب الشوكولاتة السائلة على فخذي عندما يعاودني الخوف المتكرر من أن الشوكولاتة قد تتسرب عبر طبقات البشرة إذا لامستها، وبالتالي تزيد من حجم أفخاذي.

وبينما تحلّيت بالجرأة والشجاعة لأنفذ هذه التقنية التي أوصى بها متخصص العلاج بالتعرض ومنع الاستجابة، كانت الأفكار الاقتحامية والسلوكيات القهرية المرتبطة بالوسواس القهري لا تزال تقف حائلًأ أمام هذه التقنيات، أجل إن فكرة إثارة  نوع معين من القلق على أمل التعود وإزالة التحسس من مسبباته تبدو عظيمة نظريًا وحتى بالمعنى العلمي التقني، ولكن بوصفي إنسان له مشاعر وأحاسيس حقيقية، بدا لي هذا العلاج عدوانيًا إلى حد ما، ويتعدّى على مستوى الراحة الخاص بي.
 

كيف تغلبت على الوسواس القهري؟

undefined

إذن ماذا يفعل الشخص الذي يشعره الوسواس القهري بالعجز؟ لو كان لدي جواب، بوصفي مصابة بالوسواس القهري الحاد، لكنت خرجت من بيتي أكثر مما أفعل، وخُضت المخاطرة ولو مرة كل فترة، وعِشت بحريّة دون خوف من المضايقات العادية المرتبطة بالأماكن العامة.

لقد كانت تجربتي مع الوسواس القهري أن أتعامل مع كل ثانية على حدة، وأن أكون ممتنة لتلك الثواني الجيدة، إذا أردت أن أتعامل مع الوسواس القهري يومًا بيوم، ستختفي ملايين المعارك الداخلية على مدار 24 ساعة.


تعلمت أن أتعايش مع الوسواس القهري من خلال الكتابة والإلقاء، لقد استغرقت بعض الوقت لاستكشاف ألمي وتحويله إلى شكل من أشكال الفن وهو الإلقاء، الذي سمح لي باستكشاف موضوع الألم باعتباره موضوعا مفيدا ومثيرا للاهتمام.


أنا آخر شخص يمكنه أن ينصح المصابين بالوسواس القهري بنهج معين للعلاج؛ ولكنني أشجع كل إنسان لاستكشاف ألمه، وأعتقد أن التعامل مع هذا المرض قد يتمثل في صور عديدة، تتنوع بين التقنيات الكلاسيكية إلى الأشكال الفنية المعقدة من أجل البدء في الاستشفاء.

____________________

المقال مترجم عن: الرابط التالي

المصدر : الجزيرة