شعار قسم ميدان

محاضرات "تيد" يجب أن يشاهدها كل مهتم بالصحافة

midan - ted

"الصحافة العظيمة هي التي دائما تجتذب القـراء. الكلمات والصـور والبيـانات التي تعتبر أدوات الصحافة يجب دائما أن يتم تغليفها ببراعة لتكـون الغذاء للعقل والمحرّك للقلب"

(روبرت مردوخ، رجل أعمال ومليـاردير يُطلق عليه "إمبـراطور الإعـلام")

   

صناعة الإعلام في العصر الحالي تعتبر في مقدمة الصناعات العصرية بكل أدواتها. الإعلام بكل مشتملاته من صحافة وتلفزيون وأخبار وإذاعة وتدوين يعيش الآن في أزهى عصوره، حيث الخبر لا يستغرق نقله سوى دقائق قليلة ليصل إلى المشاهد أيا كان موقعه وأيا كانت لغته، وحيث الحدث وتحليلاته وأبعـاده دائما متاحة للجميع. على مدار عقود لعب الإعلام أدوارا متباينة في التأثير على واقع المجتمعات، لكن يمكن القول قطعًا إنه في السنوات الأخيرة تحديدا تحوّل الإعلام إلى قوّة حقيقية شديدة التأثير على الأرض قادرة على توجيه الرأي العام في كل الاتجاهات.

   

هذا التوسع الهائل في صناعة الإعلام شهد مؤخرا إمـا تطويرات كبيرة في مسار الإعلام التقليدي من ناحية، أو ظهـورا لوسائل إعـلامية جديدة موازية تمّثلها "شبكات التواصل الاجتماعي" (السوشيال ميديا) من ناحية أخرى، وظهور موجات التدوين المكتوب والمرئي والمسموع، الأمر الذي بإمكانه أن يُعقّد الأمور كثيرا بالنسبة للمشتغلين التقليديين في هذا المجال وغير القادرين على استيعاب كل هذه التطورات السريعة ومجاراتها للبقاء في المشهد.

   

هنا نستعرض مجموعة من أفضل محاضرات "تيد" في مجال الإعلام. هذه المحاضرات تعتبر دُروسًا قيّمة لكل العاملين في هذا المجال، سواءً صحفيين أو مدوّنين أو مزوّدي محتوى أو مستثمرين في جهات إعلامية.

   

للمدير: الموازنة الصحيحة بين الربح والمصداقية في صناعة الإعلام

    

"كانت هنـاك وصية ماركوس إيريليوس الشهيـرة مكتوبة أمامي على الحائط: إذا لم يكن ما سوف تقوله صحيحا فلا تقله، وإذا لم يكن ما سوف تفعله صحيحا فلا تفعله. ظللت أفكـر طويلا في هذه العبارة التاريخية، وأتساءل: هل كان بالفعل من الضروري أن نجتاز 2000 عام لنقوم بتطبيق هذه المقولة مع علمنا بمصداقيتها؟"

في محاضـرته الاحترافية التي يُخاطب من خلالها كل من له علاقة بالعمل الإعـلامي يطرح المحاضر ديفيد بوتمان واحدا من أهم الأسئلة وأخطرها وأصعبها بخصوص الإعلام: هل للإعلام -بكافة صوره- واجب أخـلاقي يسعى من خلاله إلى خلق مواطنين واعين ومن ثمّ رأي عام نشط وقوي يمكنه المساهمة في تطوير الواقع السياسي والاجتماعي للمجتمع بشكل صحيح؟ أو -في الجهـة الأخرى- أمام الإعـلام الحرية المطلقة والحق المشروع في السعي وراء جني الأرباح بأية وسيلة، باعتبـاره في النهاية مثله مثل أي مشروع أعمال يهتم بالأرباح التي تضمن له البقاء والانتشار؟

 

المحاضـرة التي أُلقيت على مسرح "تيد" بصوت ديفيد بوتمان الهادئ وسياقه الاحترافي لا تُركّز فقط على استعراض المشكلة وإنما تطرح أيضا حلا وسطا بين المعضلتين، قد يكون حلا مناسبا للتوازن بين الربح والمسؤولية. هذا الحل قائم بالأساس على الدمج بين احترافية الإعـلامي -سواء كان صحفيا أو مدونا أو حتى مخرجا- وبين التركيز على ما هو واقعي، ومن ثم خلـق قصص على قدر عالٍ من الإثــارة مبنية على الحقائق الموضوعية وليست الخيالات المضللة. هذا الحـل يعتبر مسكا للعصـا من المنتصف، وفي نفس الوقت يؤدي إلى إنجـاز روح العمـل الإعلامي: المصداقية والتشويق والربح.

 

للصحفي الميداني: لديك هاتف ذكي؟ استخدم البث الحي

    

"للغاز المسيل للدموع تأثيران رئيسان لكن متضادان تماما: الأول، يمكنه حرق عينيك حقا، والثاني، يمكنه أيضا مساعدتك لتفتحهم. ساعد الغاز المسيل للدموع بالتأكيد على فتح عيني على شيء ما أريد أن أشاركه معكم في هذا اليوم: إنّ البث الحي قوة البث المستقلة عبر الشبكة التي يمكن أن تكون مغيرة لقواعد لعبة الصحافة في النشاط السياسي، وكما أرى، في الخطاب السياسي أيضا"

 

الكاميـرا هي سلاح الصحفي الأساس، وهي أداة تشغيل حركة الإعلام الحالية سواء على المستوى الورقي أو الرقمي. ومع ذلك، يرتبط في عقول الكثيـرين من الصحفيين والمدوّنين أن الكاميرا هي سلاح الصحفي المحترف، وأن مَن لا يملك كاميـرا احترافية فلا وجود له في عالم الصحافة الاحترافية.

 

في عام 2011، وأثناء مظاهرات حاشدة في مدينة ساو باولو البرازيلية، كان الصحفي برونو ترتورا يقوم بتغطية المظـاهرة لصحيفة كان يترأس تحريرها، تعرّض خلالها إلى الإطلاق المكثف للغازات المسيلة للدموع. كانت هذه اللحظة هي شرارة تغييـر عميق في طريقة تفكيــره في مسيرة عمله الاحترافي، حيث قرر التخلي بشكل كامل عن عمله والتركيز على ما أسمـاه "البث الخام المباشر غير المنقّح للحقائق على الأرض كما هي". لا تجميل للوقائع، لا تحليلات، لا كلمـات، فقط هاتف ذكـي متصل بجهاز مودم يستطيع أن يسجل بشكل مباشر كل ما يحدث على الأرض ويرفعها إلى وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، منافسا بذلك كل المعدات الصحفية المتطورة.

 

يحكي الصحفي برونو ترتورا عن النتائج المذهلة لما قام بفعله في تحويل هاتفه الذكي إلى نافذة للعالم كله ليرى ما يحدث على أرض الواقع، وكيف استطـاع بعدة طرق أن يُركّز على تجريب البث الحي على الشبكات مباشرة دون المرور بفلاتر إعلامية لمؤسسات إخبارية، وما العقبات التي واجهته، بل وكيف تحوّلت لاحقا هذه الأدوات البسيطة إلى مساعدته في إنشـاء شبكة إعـلامية حديثة جدا يُديرها بشكل احترافي، بما تعتبر صحافة موازية تماما بها أدوات مختلفة، أصبحت الصحافة المؤسساتيّة تلجأ إليها لتغطيـة الأحداث على الأرض، خصوصا مع التنامي المُطـرد لشبكات التواصل الاجتماعي والبث الحي الذي تتيحه هذه الوسائل طوال الوقت.

 

لصاحب المؤسسة الإعلامية: الواقع الافتـراضي هو أساس صناعة الأخبار في المستقبل

     

"قد تبدو الحـرب في سـوريا بعيدة جدا.. إلى أن تختبـرها بنفسك!"

 

نحن الآن في أزهى عصور انتقال الأخبار وصياغتها وعرضها وسرعة تحليلها في زمن قياسي. عشرات الوسائل التي تساهم في نقل وصناعة الخبر وفلتـرته وبثه عبر وسائل مختلفة سواء منصات اجتماعية أو مواقع إنترنت أو صحف مكتوبة ومرئية ومسموعة. الكل يركز على نقل الخبر، توضيحه، بل تحويـره وصياغته بشكل يجعـل القارئ يميل إلى جهـة إعلامية دون غيـرها، وهو أساس المنافسة الصحفية.

 

لكن السؤال: ماذا عن المستقبل؟ كيف ستبدو صنـاعة الأخبار في المستقبل القريب؟ هذا السؤال من الطبيعي أن يطـرحه أي صحفي أو إعـلامي -مهما كان مجال تخصصه- لسبب بسيط، وهو الانتشار الهائل للتقنيـات التي ترسّخ لقـُرب انفجار ثورة معلوماتية وتقنية أخرى، خصوصا مع بزوغ فجر الواقع الافتراضي. هل يمكن أن تكون الصحافة هي أكثر المستفيدين من هذا الواقع الجديد، باعتبار أن الصحافة تحديدا هي دائما في مقدمة المستفيدين من أي تقنيـات مرئية أو مسموعة حديثة؟

 

نوني دي لابينا تطرح هنا قبسا من شكل صحافة المستقبل، حيث يمكن للقارئ أن يجرّب قصة ما بكامل إحساسه وليس فقط عن طريق عقله. عبر محاضـرتها المليونية التي أُلقيت في عام 2015 توضح لابينا شكلا جديدا من أشكال الصحافة الذي سيجمع بين الطريقة التقليدية للأخبار مع تقنيات الواقع الافتراضي التي نشأت مؤخرا وتتطور بشكل سريع للغاية، بهدف نهائي هو دمج المتلقّي بالقصة التي يقرأها، وبالتالي تجربة مذهلة غير مسبوقة في إثارة العواطف والأفكار، من المؤكد أنه سينتج عنها فهما جديدا مختلفا تماما لطريقة استعراض الأخبار وصياغتها.

 

صحافة الواقع الافتراضي ستجعل القارئ قادرا على أن يعيش في أجواء الحرب السورية بدلا من أن يقرأ عنها، وستنقل قارئا آخر ليعيش بشكل كامل مجاعة في أفريقيا، وسترسل قارئا ثالثا لاحتفال مبهج في ريو دي جانيـرو. باختصار، هي صحافة ستجعل القارئ يعيش كل خبـر كما هو، بدلا من أن يكتفي بقراءته ويترك عقله يحلل أو يتخيل مسار الأحداث لا أكثر.

 

للمحرر: انتبه! الأخبار الكاذبة قد تؤدي إلى كوارث غير متوقعة

    

"يجب عليّ الاعتراف هنا بأنني لم أكن محايدة أو هادئة أو نزيهة كصحفيّة في تغطية القصة. أستشيط غضبا عندما أتأمل الفرص التي أُهدرت لإنقاذ هؤلاء الفتيات بسبب الأخبار المزوّرة. أعتقد أن لدى الجميع دورا لنؤديه تجاه هذا الموضوع، لأننا نحن مَن يقوم بمشاركة المحتويات، ونحن مَن يقوم بمشاركة الأخبار والقصص على الإنترنت، ففي هذا الزمان جميعنا ناشرون، ولدينا مسؤولية"

 

في (أبريل/نيسان) من عام 2014 قامت منظمة "بوكو حرام" المصنفّة باعتبارها إحدى المنظمات الإرهابية العالمية في نيجيريا باختطاف ما يقارب من 200 طالبة من المدرسة الثانوية في مدينة تشيبوك. كان هذا الحدث هو بداية لاضطـراب هائل في تناقل الأخبار في تلك الفتـرة، حيث تعرضت الصحافة النيجيـرية لارتباك هائل في استعراض الأخبار وتحليلها وتقديمها ثم سحبها، إما بسبب عدم المهنية الصحفية من ناحية، أو بوادر فسـاد حكومي من ناحية أخرى.

 

في الوقت الذي كان العالم كله مهتما بمصير الفتيات كانت وسائل الإعلام النيجيرية مرتبكة في تغطية الحدث، حتى إن المسؤولين الحكوميين قالوا إن الأمر برمّته مجرد خدعة. هذا الارتباك أدى إلى تأخير جهود عديدة لإنقاذ الفتيـات بسهولة وإعادتهنّ سالمات إلى أهاليهنّ. كانت الأخبار المزوّرة سببا في قتل العديد من هؤلاء الفتيـات، وإصابة بعضهنّ، وبقاء بعضهنّ في الأَسْر لفترة طويلة مجهـولات المصير حتى يومنا هذا.

 

في هذه المحاضرة من "تيد" التي أُلقيت في (فبراير/شباط) من عام 2017، وحققت عددا كبيرا من المشاهدات في منصة "تيد" الرسمية تجاوز المليون مشاهدة في عدة أشهر، تقوم الصحفية النيجيرية ستيفاني بوساري باتخاذ نموذج حادثة تشيبوك النيجيرية كمثال فاضح عن الكوارث التي تنتج من تداول الأخبار المشوّشة والمزوّرة سواء من الإعلام الخاص أو الإعلام الرسمي. وكيف يؤدي هذا التزوير والارتباك في تداول الأخبار إلى إفشـال فرص إنقاذ حياة الأشخاص أو تحريرهم من أزمات كبيـرة كان من الممكن إنجازها بسهـولة في المقام الأول، لولا أن التشويش زادها صعـوبة وأدى بها إلى طرق مغلقة.

 

للصحفي والمدون المرئي: كيف تجعل فيديوهاتك تنتشـر بشكل فيروسي؟

  

يعرف المدوّنون وأصحاب المشروعات الإعـلامية بمختلف أنواعها أن العصـر الحالي هو عصر التدوين المرئي بشكل أكبر من التدوين المكتوب. مع تنامي قوة منصات التواصل الاجتماعي التي تعتمد على السرعة مثل يوتيوب وتويتر وفيسبوك، وصعود وسائل تواصل أخرى متخصصة في مشاركة الصور والفيديوهات تحديدا، أصبح الفيديو هو المحتوى الإعـلامي الأبرز الذي من المتوقع أن يستمر في الصعود خلال السنوات المقبلة.

 

كتابة مقال تحليلي بخصوص قضية ما قد يختصرها فيديو مصنوع في 3 دقائق. ومع ذلك، وعلى الرغم مما يبدو عليه الأمر من بساطة فإن صناعة فيديو جيد يحقق انتشارًا فيروسيا في وسائل التواصل والأخبار يتطلب حتما مهارات إعـلامية خاصة تساعد في انتشـاره بشكل أكبر. هذه المهارات لا تقوم على "الخبـرة" بقدر ما هي مجموعة مبادئ أساسية لصـناعة فيديو ذائع الانتشار يستطيع أن يطبقها المحترف والهاوي.

 

كيفين ألوكا، هو مدير في يوتيوب ولديـه عين فاحصة بخصوص صنـاعة الفيديوهات، يشارك هنا خلاصة خبـرته في "كيف تجعل أي فيديو ينتشر فيـروسيا؟". يصف كيفين ألوكا نفسه أنه "يشاهد فيديوهات اليوتيـوب" كوظيفة أساسية له، ومن ثم يمكن للجميع أن يثق في نصـائحه بخصوص كيفية عمل فيديو ذائع الصيت، والابتعاد عن صناعة فيديوهات الويب السخيفة التي تعتبر استنزافا لوقت ومجهود أصحابها دون طائل.

 

المحاضـرة أُلقيت على مسرح "تيد" التعليمي في عام 2011، وحققت مشاهدات مرتفعة للغاية تجاوزت سقف المليوني مشاهدة، وعلى الرغم من مدتها القصيرة نسبيا (7 دقائق) فإن المحاضـر كان قادرا على تطعيمها بأمثلة ونماذج توضّح الأفكـار وتجعل فكـرة صناعة فيديوهات فيـروسية سلسة وواضحة.

 

للمستثمر.. استثمر في الصحـافة الحرة لأنها المستقبل

    

"إنّ التّعاطي مع حدث ما من وجهة نظر معيّنة يُعطي انطباعا مُعيّنا، وإذا تعاطينا معه من وجهة نظر أخرى فإنّه سيُعْطي انطباعا مختلفا تماما. ولكن فقط عند الحصول على الصورة الكاملة يمكنك أن تفهم تماما ماذا يجري. ولكي تفهم ما يجري يجب أن تكون الصورة الكاملة "حـرة" تماما"

 

صنـاعة الإعـلام هي واحدة من أكثر صناعات العالم رواجا اقتصاديا، بحيث لا يمكن تقريبا ألا تحقق أرباحا. هي صناعة في الأساس قامت على مبدأ الأرباح في مقابل توضيح الصورة، وبالتالي هي أيضا من أكثر الصناعات تحيّـزا وتمويها، لاعتبارات تتعلق بالمموّل نفسه، والجهـات التي تريد أن تُظهـر صورة ما بكيفية ما من زاوية واحدة فقط. بمعنى آخر، احتكـار المشهد وتقديمه من زاوية واحدة للمشاهد بهدف الاستحواذ على انطباعاته أولا، ثم تسييـره في اتجـاه مخطط له بعنـاية ثانيا.

 

السؤال هنا، هل هذه الصنـاعة -وفقا لهذه الاعتبارات الخطيـرة- تعتبر بيئة آمنة للاستثمار؟ هل يمكن الدخول في نطاق استثمـاري في صنـاعة الصحافة الحرة بكل أطرافها من جرائد ومحلات وراديو وتلفزيون ومدوّنـات بهدف إيجـاد الصورة الحقيقية الشاملة غير المتحيّزة لطرف ما، وبالتالي تأسيس ديموقراطيات حقيقية، وفي نفس الوقت الحصول على أرباح كبيرة مثل أي صنـاعة أخرى؟

 

يجيب عن هذا السؤال ساسا فوسينيتش، صحفي مستقل من بلغـراد. الواقع أن الاستثمـار في الصحافة الحـرة -رغم مخاطـره- هو من أفضل وسائل الاستثمار في الإعلام، بعد أن أصبح الناس لديهم معرفة كاملة بتحيز المؤسسات الإعلامية الكبرى في عرض المعلومات والأخبار، ولجوئهم -في كل دول العالم- إلى وسائل الإعلام الحـرة التي تقدم الصورة كما هي في صورتها الكبيرة دون اعتبارات سياسية أو تمويلية من أي طرف، وبالتالي هذه الوسائل قادرة أن تحقق أرباحا ممتازة في المستقبل القريب.

 

للإعلاميين: كيف يمكن الفصـل بين "الحقيقة والخيـال" على الإنترنت؟

   

"في هذا الطوفان من المعلومات هذا هو المكان الذي تصبح فيه شبكة الإنترنت مثيرة للاهتمام بالنّسبة لصحفيّ مثلي، لأننا ببساطة نملك الآن أدوات أكثر من قبل للقيام بذلك النوع من التحقيق، وعندما تبدأ البحث في المصادر يمكنك الوصول أبعد وأبعد ممّا كان بوسعك من قبل"

 

لا شك أن هذا العصر هو العصر الذهبي للصحفيين والكتّاب والمدوّنين وكل المشتغلين بصناعة المحتوى. المعلومات متوافرة في كل مكان بكل المصادر بكل الأشكال، لكن -مع كل هذه المميزات- يظهـر في الناحية الأخرى سلبيـات قاتلة اسمها تداخل المعلومات وتضاربها وعدم مصداقيتها في زخم هذا البحر الهائل من المعلومات والأحداث والصور والفيديوهات والمحتويات بكل لغات الأرض.

 

في كل ساعة يتم تحميل آلاف الفيديوهات والصور والتحديثات على كافة وسائل التواصل الاجتماعي. هذا القدر الهائل من المعلومات قد يكون كنزا في البداية للصحفي، لكنه يتحول إلى معاناة لاحقا عند تقصي مصداقية هذه المعلومات واتخاذها كحقائق يتم البناء عليها سواء قصص أو تحليلات أو آراء، وهو ما يجعـل مهارة الصحفي والمدوّن في العصر الحالي تقتصـر أساسا على مهاراته في البحث قبل أي شيء آخر. البحث الصحيح، والقدرة على التمييز بين ما هو حقيقي ومزيّف هو ألف باء صحافة هذا العصـر.

 

على مسرح "تيد" لندن يلقي ماركهـام نولان الصحفي المخضـرم محاضـرته التي شُوهدت أكثر من مليون مشاهدة على الموقع الرسمي، مركّزا على هذا المحور تحديدا. كيف يتأكد الصحفي أن هذه الصورة المتداولة من الحرب السـورية هي صورة صحيحة، وليست مزيفة أو مأخوذة من حرب أهلية أخرى مر عليها عشرات السنين؟ كيف يتأكد الصحفي من مصداقية الأحداث التي تجري في بلاد أخرى هو أصلا يجهل لغتها وثقافتها، وكيف يعتمد على المصادر الصحيحة؟

 

لصحفيي البيانات: كيف يمكن صنـاعة "أخبار بيانات" عالية المصـداقية؟

    

"في عام 2015 كشف استطلاع للرأي أن 41% من المسلمين في هذا البلد يؤيدون الجهاد، ومن الواضح أنه أمر مفزع. مع تفحّص هذا الرقم اتضح أن الصحفيين الذين أوردوا الإحصاء أغفلوا سؤالا في آخر الإحصاء الذي يسأل المشاركين ما تعريفهم لـ "الجهاد"؟ وأغلبهم عرفه بـ "جهاد المسلم الشخصي والسلمي ليكون أكثر تدينا". فقط 16% منهم عرّفوه بـ "الحرب المقدسة العنيفة على الكفار". تلك هي النقطة الأهم التي قد تجعل صحافة البيانات صحيحة أو مضللة"

 

في محاضـرة حديثة أُلقيت في (فبراير/شباط) 2017 بواسطة الصحفية المتخصصة في صحافة البيانات منى شلبي، وحققت حوالي مليون ونصف مشاهدة عبر منصة "تيد" الرسمية، تُلقي الصحفية بأسلوب مرح للغاية بعض الحقائق شديدة الأهمية بخصوص صحافة البيانات باعتبارها واحدة من أهم أركان الصحافة العصـرية على الإطلاق، حيث الكل يسعى إلى جمع البيانات وطرحها على شكل استطلاعات أو إنفوجراف كملخصـات سريعة لعدد هائل من الحقائق الرقمية. ومع ذلك، يمكن أن تكون صحافة البيانات سببا كبيرا في اللا مهنية ربما بشكل أكبر من غيرها.

 

تثبت استطـلاعات الرأي أن الناس في مختلف دول العالم، بما فيها أميـركا، لا يثقون في استطلاعات الرأي. بشكل ما الجميع يشكك في هذه النوعية من الاستطلاعات أو صحافة البيانات التجميعية التي تبدو رياضية أكثر بكثير من كونها واقعية، خصوصا إذا كانت الجهة القائمة على هذه الاستطلاعات جهـة حكومية. لكنها -رغم كل التشككات تعتبر هذه الصحافة قاطـرة حقيقية للصحافة عموما، والصحافة العصـرية خصوصا.

 

كيف يمكن صنـاعة "صحافة بيانات" مفيدة ودقيقة وذات مصداقية عالية؟ تطرح الصحفية مجموعة من النصائح المركّزة التي تساعد في تفسيـر وفهم ما تقوله الأرقام، ودور الصحفي في إبراز هذه البيانات والتأكد من مصداقيتها قبل طرحها للرأي العام. كما تؤكد في سياق الحديث أن هذا النوع من الصحافة يمكن لأي صحفي أن يُجيده ولا يستلزم مهارات خاصة تميّزه عن غيـره.

 

لروّاد الأعمال: ثلاثة طرق لإصـلاح صنـاعة الأخبار

  

"أنا فقط إحدى رائدات الأعمال، ونحن مجرد إحدى الشركات الناشئة التي تحاول إصلاح ما هو خاطئ في الأخبار. جميعنا كان يعلم أن هناك خطبا ما في صناعة الأخبار. إنه معطل. انخفضت نسبة الثقة في وسائل الإعلام إلى أدنى مستوى على الإطلاق، لكن بإمكاننا إصلاح هذا، يمكننا إصلاح الأخبار. أنا أعلم أن هذا صحيح. يمكنكم وصفي بالمثالية، أنا أسمّي نفسي بالعاملة المتفائلة"

 

أخيرا، تختصـر لنا هذه المحاضـرة كافة خيوط صناعة الإعلام بما فيها المشكلات والأزمات التي تمر بها هذه الصناعة حاليا. الصحفية ورائدة الأعمال لارا سيتـراكيـان تشرح بشكل مركّز "أزمة صناعة الإعـلام" ومن ثم تطـرح ثلاثة طـرق لإصلاحها. صحيح أن هذا الإصلاح يستلزم تكاتف المؤسسات الإعلامية لتطبيقه، لكن هذه الإصلاحات من الممكن أن يقوم بها صحفي مبتدئ، أو صحفي ميداني، أو حتى مدوّن. هي في متناول يد الجميع.

 

بعد عملها كمراسلة في العراق، أفغانستان، سوريا، وحتى في أفريقيا، خرجت لارا بنتيجة واحدة وهي أن الكثير من الناس لا يعرفون شيئا عن العالم، لا لشيء سوى لتفريط وسائل الإعلام في تقديم الصورة الصحيحة عن العالم. فقط التركيز الكامل على منابع الإثارة والأزمات، دون تقديم صورة كاملة للمشـكلات أو الأزمات. فقط التركيز على صور مجتزأة تجذب نظر المشاهد، دون اهتمام حقيقي لشـرح الموضوع له، ناهيك عن تقديم المعلومات السليمة له أصلا.

 

بعد شرح مركّز لأزمة الإعلام الحالية تُقدّم الصحفية ثلاثة طـرق لإصلاح هذه الصنـاعة. أحد هذه الطـرق هو ضـرورة إدراك الصحفي وتفهمه لمستوى التعقيد الهائل للعالم الذي نعيش فيه، وأن التبسيط المُخل للأحداث يعتبر تنميطـا قد يصل إلى مرتبة الجريمة الإعلامية في تقديم معلومات مغلوطة تكوّن رأيا عاما خاطئا بخصوص الآخرين، وهو ما يعني تحمّلا لأي رد فعل عنصـري أو كارهٍ أو حتى غير منضبط تجاه الآخر بناء على هذه التنميطات المبسطة.

   

أخيرًا، هذه المحاضـرات هي في النهاية محاضرات سريعة مكثفة تمثّل زهـرة من كل بستان. من المؤكد أنها تعتبر مدخلا جيدا للمزيد من التعرّف أكثر على عالم الإعـلام بكل أذرعه من مختلف الزوايا.

المصدر : الجزيرة