شعار قسم ميدان

كيف يتسبب زواجك في فشلك أو نجاحك بالحياة؟

ميدان - زوج زوجة خلافات رجل امرأة

كانت ويندي دي روزا متوترة وعاجزة أمام سيل عملها المطرد بلا هوادة؛ فقد أرسلت ردا عبر بريدها الإلكتروني أثناء جلوسها على مائدة الإفطار ثم استضافت حلقة نقاشية عبر الإنترنت في المساء، وشعرت بالإحباط عندما طلب منها زوجها جيمس تسجيل الخروج والتمتع بالغداء الذي أعدّه لها أو القيام بنزهة مع ابنتهما الصغيرة. لقد تمنّت لو أمكنها التوقف والاستمتاع ببعض الوقت لا أكثر، ولكن باعتبارها المعيل الرئيسي للأسرة وامرأة تحاول توسيع نشاط عملها التجاري في مجال الصحة، لم تجد بديلا لجدول أعمالها الممتد على مدار اليوم. في هذه الأثناء، شعر جيمس بالإهمال عندما باتت الوجبة التي أعدها بمحبة دون أن تُؤكل، وحتى عندما تناولت زوجته الوجبة، كانت تفعل ذلك بعجلة بينما تطالع شاشة حاسوبها. تقول ويندي: "كنت في حالة جنون عمل، وشعرت وكأن زوجي كان يعرقل مسار عملي".

 

تصاعد الاستياء المتبادل فيما بينهما إلى أن ذهب الزوجان إلى أخصائي ساعدهما على تخطّي الصعوبات التي يواجهانها. هذه الصعوبات كانت تكمن في اعتقاد ويندي الدفين بأنه كان عليها إعالة الجميع، بينما كانت مخاوف جيمس بأن تهجره زوجته. وجدا حلولا لتصحيح اختلال التوازن فيما بينهما، كان جيمس يساهم في تحمّل مسؤولية العائلة من خلال تولّيه الجزء الأكبر من رعاية الأطفال والأعمال المنزلية، ولكن العمل في وظائف لا تُشكّل مصدر إلهام كان يزعجه. لذا، تمكّنت ويندي من استخدام مهاراتها في ريادة الأعمال لمساعدته على تطوير معسكر لركوب الأمواج والذي حقق نجاحا كبيرا في مسقط رأسه في كوستاريكا، حيث يعيش الزوجان الآن منذ نصف عام، كما بدأت توظيف موظفين لمساعدتها في أعمالها.

 

بدلا من استنزاف بعضهما بعضا، أضحى الزوجان يمتلكان نظاما للدعم المتبادل، أحدهما يتضمن تناول وجبات طعام بعيدا عن شاشات الأجهزة الإلكترونية، ومسارات مشي وتسلق صباحية، ونشاطين تجاريين مزدهران. تقول ويندي: "شعرت في السابق أن زوجي مسؤولية إضافية واقعة على عاتقي، رغم أنه كان يرعاني أيضا. لم أكن أسمح له بتقديم هذه الرعاية، لكنه علمني كيف أتلقى الدعم والرعاية".

     

undefined

     
ساعدني أساعدك

من خلال الاعتراف وقبول مساعدة بعضهما البعض، اختبرت ويندي وجيمس ما أسماه عالم النفس بجامعة بيتسبيرج إدوارد أوريك بـ "الأداة المتصوَّرة المتبادلة" (mutual perceived instrumentality). يشير بحث أوريك مع زميلته أماندا فورست إلى أنه عندما يشعر الزوجان بأنهما مفيدان لبعضهما البعض، فإنهما يصبحان أكثر رضى عن علاقتهما؛ رغم اعتراف أوريك بأن كلمة "الأداة" (instrumentality) يمكن أن تبدو منفّرة.

  

يوضح أوريك سبب استخدامه لكلمة أداة: "يمكن لفكرة رؤية شريكك كأداة لما تريد تحقيقه أن تعطيك شعورا بالقسوة. إذا فكرت في استخدام شخص ما لتحقيق النجاح المالي، فقد يبدو ذلك انتهازيا وخاليا من المشاعر، ولكن إذا فكرت في استخدام شخص ليشعر بأنه محبوب وحائز على الاهتمام، يبدو ذلك أدفأ وأبعث على الرحمة، كما يحدث عندما يهتف الأصدقاء لدعم بعضهم البعض أثناء ركضهم في سباق الماراثون أو عندما يتعانق الأشقاء في الجنازات".

  

يريد شركاؤنا مساعدتنا، ويرى أوريك أن إتاحة الفرصة لمساعدتنا من خلال نصيحة أو دعم آخر، يمكن أن يعزز مزاج زوجك بقدر إهدائه هدية أو أي شكل آخر من أشكال الرعاية. وأشار أوريك: "يريد الناس أن يشعروا بأنهم مفيدُون من منظور الآخرين ومن منظورهم. عندما تكون مفيدا لشخص آخر، فإنك تشعر بالإنجاز، وتشعرُ بأهميتك وقيمتك بالنسبة له".

 

ظاهرة مايكل أنجلو

جرت العادة في تعامل البحوث مع السعي وراء الأهداف كمسعى انفرادي، لكن التجارب اليومية تُظهِر أن علاقاتنا يمكن أن تعزِّز أو تعرقِل تقدمنا. إذا كنت ترغب في الاستيقاظ في وقت مبكر من كل صباح، تكون أحسن حالا مع الزوج الذي ينام مبكرا. إذا كنت تريد أن تغيّر نظامك الغذائي فإن ذلك سيطول زوجك أيضا، والآن يدرس الباحثون هذا الأثر.

    

undefined

    

توصّلت دراسة أجرتها جامعة واشنطن إلى أن الزواج من شخص يتسم بدرجة عالية من الوعي الضميري، أي إنه منظَّم وموثوق به، يتنبأ بالرضا الوظيفي في المستقبل وزيادة الدخل. تشير الأبحاث التي أجراها فيلهلم هوفمان في جامعة كولونيا في ألمانيا إلى أن الرضا العالي عن العلاقة يؤثر بشكل إيجابي على الشعور بالسيطرة على السعي لتحقيق الهدف. ويفترض هوفمان أن استقرار العلاقات السعيدة يجعل التركيز أكثر سهولة، وأوضح قائلا: "عندما يشعر الناس بأن حياتهم اليومية مستقرة ويمكن التنبؤ بها، فإنهم يشعرون بقدر أكبر من التحكم في قدرتهم على تحقيق أهدافهم".

 

تقول جوديث سيلز، وهي عالمة نفسية إكلينيكية في فيلادلفيا: "إننا نتأثر كثيرا بالناس من حولنا"، مشيرة إلى أن الأبحاث حول العدوى الاجتماعية تشير إلى أن احتمال اكتساب السمنة أو ترك التدخين لدى الأفراد يتأثر بعادات أصدقائه وعائلته.

 

يرى الأستاذ آرون زئيف أن معتقدات شركائنا وسلوكهم تجاهنا يمكن أن يقربنا من الشخص الذي نرغب أن نصيرَه، أي "الذات المثالية"، في عملية تسمى ظاهرة مايكل أنجلو. يقول آرون: "مثلما رأى مايكل أنجلو عملية النحت الخاصة به كإطلاق للأشكال المثالية المخبأة في الرخام، فإن الشركاء المقربين ينحتون بعضهم بعضا ليقرّبوا كل فرد إلى ذاته المثالية، وبالتالي إبراز أفضل ما لديهم". في مثل هذه العلاقات، نرى نموا شخصيا ومزدهرا ينعكس في عبارات مثل: "أنا شخص أفضل عندما أكون معها".

 

مسرور بمقابلتي

يمكن لشريكنا تشكيلنا بطرق لا نتوقعها أيضا. فمثلا، رأت إيرين وايت نفسها على أنها عقلانية وبعيدة عن السخافات واتبعت القواعد بصرامة عندما كانت امرأة شابة. تعمل وايت في التنظيم المجتمعي في فيلادلفيا، واعتادت شراء ملابسها من محالّ السلع الرخيصة، وعاشت في شقة صغيرة بدون تلفاز أو مكيّف هواء. عند ارتيادها المطاعم، تمسكت بطلب الماء بدلا من الشاي المثلج أو العصير لأنهما باهظان بشكل مسرف بالنسبة لها.

   

undefined

    

ثم التقت بزوجها كريس عندما كانت في الثالثة والعشرين من عمرها. وقد قام كريس بتقديم إيرين إلى جانب جديد تماما من نفسها، فقد كانت إيرين تستمتع بالواقع بالمنتجات باهظة الثمن. وعلقت إيرين قائلة: "كنت أفكر في نفسي كنوع معين من الأشخاص، لكن عندما تزوجت من كريس تبيّن أنني كنت مختلفة بعض الشيء، كنت مغامِرة وأكثر طيشا مما تخيّلت قط". وأضافت: "لقد رآني بطريقة لم يرني بها أحد من قبل، وأصبحت الشخص الذي يراه".

 

أجرت عالمة النفس في جامعة لندن مادوكا كوماشيرو أبحاثا موسعة حول ظاهرة مايكل أنجلو، ترى أنها تستند إلى مبادئ "الإقرار السلوكي" بما تقصد به على سبيل المثال أن توقعات المعلمين بإنجاز الطلاب ثبت أنها تؤثر على الأداء الأكاديمي للتلاميذ. وتقول: "إذا اعتقد شخص ما أمرا بخصوصك، فمن المرجح إيقاظ هذه الصفات والخصائص والسلوكيات بك".

 

وتضرب كوماشيرو مثلا، زوجا يظن أن زوجته مرحة ويتندّر على نكاتها ويشجعها على إعادة روايتها أمام الآخرين. تقول: "بمرور الوقت، قد تصبح الزوجة أكثر تسلية ومرحا من منظور موضوعي، حتى عندما لا يكون الزوج موجودا. إنها تعرف نوع النكات التي يجب أن ترويها، وتشعر بمزيد من الثقة في إلقائها". ولكن إذا كان لديها زوج مختلف لا يعتقد أنها مرحة ولا يضحك على نكاتها، بل وربما يطلب منها ألا تلقي أي نكات؛ قد تصبح أكثر خجلا حتى عندما لا يكون الزوج حولها.

 

لا يجعل ذلك بالضرورة من هذا الزوج شريكا سيئا، فقد يبرز جوانب أخرى من ذاتها المثالية، ربما من خلال العمل الجاد أو المسؤول. الشريك مثل النحات لا يخلق شيئا من العدم، كلاهما يبرزان الصفات الموجودة بالفعل. تعلّق كوماشيرو على ذلك: "لكي ننحت كتلة من الحجر ببراعة، ينبغي ألا يفهم النحات الشكل المثالي الراقد في الكتلة فحسب، بل يجب أن يفهم أيضا الكتلة في حد ذاتها؛ وما الاحتمالات الكامنة في الكتلة، وما العيوب التي يجب مواجهتها".

 

التطبع بالآخرين

لطالما كان ليام كارنهان منفتحا؛ اعتاد قضاء كل عطلة نهاية أسبوع مع أصدقائه قبل مقابلة زوجته جاكلين. يقول ليام: "كنت أشعر بالفزع إذا حلّت عطلة نهاية الأسبوع ولم يكن لدي أي مخططات". بعد أن التقى بجاكلين، شاركها جميع مخططاته. لكن بعد مرور شهر على علاقتهما، أخبرته جاكلين أن يذهب لحفلاته ولقاءاته التي لا تُعد ولا تحصى لوحده، موضحة أنها تفضّل ملازمة المنزل. استاء ليام في البداية، وفكر بما سيقوله لأصدقائه ومعارفه؛ لكنه اتفق وزوجته على مشاركتها في أي حدث يهمّه، ولن يطلب مشاركتها بهذه المناسبات أكثر من مرة في الشهر.

   

undefined

     

والأفضل من ذلك أن ليام قد اكتشف جانبا جديدا في نفسه، فهو يحب أحيانا البقاء في المنزل. فبدلا من الشعور بالقلق عندما تأتي العطلة وهو لا يمتلك أي مخططات، يشعر بسعادة غامرة لقضاء عطلة نهاية أسبوع كاملة مع زوجته أو لعب ألعاب الفيديو أو إكمال العمل المتكدس. ويقول: "إن إنتاجيتنا أفضل لأنني لا أمضي كل وقتي خارج المنزل في نهاية كل أسبوع. والآن أقضي عطلات نهاية الأسبوع في عمل جانبي خاص بي، والذي كان سببا في نجاح كل من حياتي العملية وعلاقتي بشريكة حياتي".

 

السيطرة والتغيير

لا يصيبنا شركاؤنا بالعدوى بأهداف معينة فحسب، بل يؤثرون أيضا على كيفية عملنا على هذه الأهداف. وجدت الأبحاث التي أجرتها الأخصائية النفسية في جامعة ديوك غرين فيتسمونز والأخصائي النفسي جون بارغ من جامعة ييل أن طلاب المرحلة الجامعية الذين كانوا مهيَّئين للتفكير في أمهاتهم تفوقوا في أدائهم في الاختبار على مجموعة المقارنة. كانت مجموعة أخرى من المشاركين أكثر استعدادا للتطوع في دراسة ثانية عندما طُلب منهم التفكير في صديق مقرب مقارنة بأولئك الذين هُيّئوا للتفكير في زميل لهم في العمل.

 

ومع ذلك، فإن التفكير في أحد الأحباء لا يعني دائما أنك ستعمل بجد أكثر، فقد توصلت دراسة لاحقة أجرتها فيتسمونز وإيلي فينكل من جامعة نورث وسترن إلى أن التفكير في كيفية دعم البعض الآخر لهدف ما جعل المشاركين أقل التزاما بهذا الهدف من الأفراد في مجموعة المقارنة. وقد وصف المؤلفون هذه الظاهرة بـ "الاستعانة بمصادر خارجية للتنظيم الذاتي" (Self-regulatory Outsourcing)، على الرغم من أنه يمكن أن يكون لها نتائج سلبية على المدى القصير، مثل جعل شريك أكثر راحة بالتخلّي عن ممارسة الرياضة، فإن مشاركة نظام تنظيمي بهذه الطريقة غالبا ما يكون مفيدا للزوجين إذا مكّنهما من مضاعفة موارد ضبط النفس بمرور الوقت.

 

تشعر هيلي داونز في بعض الأحيان بالقلق من أن دعم زوجها مارلان الذي لا يتزعزع يمكن أن يغذّي كسلها، موضحة أنه يسارع إلى تشجيعها على تخطّي تمارينها الرياضية عندما تقول إنها متعبة. أوضحت: "غالبا ما يقول لا بد أنكِ متعبة، لقد مررتِ بيوم عصيب. لِمَ لا تستلقين؟ سأحضر العشاء".

 

لكن مع مرور الوقت، أدركت داونز أن تصرف مارلان اللطيف هو موازنة جيدة لميلها إلى القسوة على نفسها. "إذا قلت إنني سأركض لمسافة ميلين، لكن ركضت مسافة ميل واحد فقط. أعود إلى البيت وأقول: ’لقد ركضت لمسافة ميل واحد فقط!‘"، وسيرد مارلان: "لقد ركضتِ ميلا!"، دائما ما يبحث عن إنجازاتي. اعتادت على الاعتقاد بأنه كان يسمح لها بالتخلص من ملامة نفسها، لكنه كان يشجعها في الواقع على أن تكون رحيمة مع نفسها.

   

undefined

    

توضح كوماشيرو إمكانية موازنة الشركاء بين شخصيات بعضهم البعض في العلاقات الجيدة. قد ترغب مدمنة عمل في إنهاء تقريرها قبل الذهاب في نزهة يوم الأحد، ولكن ربما ستعمل بشكل أكثر فعالية خلال الأسبوع إذا سمحت لشريكها بإقناعها بإغلاق جهاز الحاسوب المحمول يوم عطلتها والذهاب في نزهة في الطبيعة.

 

تقدير المهارات التي تهم شريكك

عندما يتعلق الأمر بالأهداف والقيم، فإن بروك ويليامز وزوجها كريستوفر متناغمان بالكامل؛ كلاهما يريد الاستمتاع بالحياة مع أطفالهما وتطوير أنفسهم ككاتبيْن والحصول على دخل ثابت وتأمين صحي جيد. يتفقان أيضا حول ما لا يعجبهما، ألا وهي الأعمال المنزلية. تقول بروك: "هناك الكثير من الأشياء التي نريد القيام بها كل يوم، ولكن هناك الكثير من الأشياء التي يتعيّن علينا القيام بها. إنها مفاوضات مستمرة".

 

ولضمان ملاحظة كدحه في العمل، استخدم كريستوفر مهاراته كمسوّق محترف، معلنا تنظيفه أرضية المنزل أو تجميع قمامة المنزل ورميها. أثار ذلك حنق بروك، واكتشفت أن العديد من الأزواج الآخرين واجهوا نزاعا مماثلا بعد أن نشرت مقالا يسلّط الضوء على مشاركة الزوجين في الأعمال المنزلية في صحيفة نيويورك تايمز، حيث كتبت: "لقد حدد أجدادي أدوارا لما قاموا به، لكن جيلنا مختلف للغاية".

 

ساعدهما مستشار الزواج في رؤية أنهما بحاجة إلى عقد اتفاق، وبعد تقسيم ملكية الأعمال المنزلية، تمكّن كلاهما من التركيز على أوجه التشابه فيما بينهما وتحويلها لنقاط القوة. إن مهارات كريستوفر الترويجية التي تثير غضب زوجته مفيدة للغاية عندما يعصف هو وبروك ذهنهما لاختيار عناوين رئيسية لمقالات زوجته. وهو يتفهم كيفية التعامل مع حالات الرفض من الناشرين والتقلبات الأخرى كذلك في مهنة الكتابة. ربما الأهم من ذلك أنه كان على استعداد لتحمّل بعض الحرج الشخصي ودعم بروك عندما كشفت تفاخره وتبجحه بالقيام بالأعمال المنزلية في صحيفة وطنية. لقد فعل ذلك لأنه يراها كما تريد هي: كاتبة موهوبة يجب سماع صوتها حتى لو تسبب ذلك بحرج له.

   

undefined

    

عندما يتعلق الأمر بالتسويق، يريد كريستوفر أن يكون مفيدا لأن هذه هي المهارة التي يقدّرها في نفسه، هذه الميزة ضرورية بلا شك. يقول أوريك إن المزايا التي يحصل عليها شركاؤنا من مساعدتنا هي أقوى بكثير في المجالات ذات المغزى بالنسبة لهم، حيث يبتغون التقدير. ويضيف أوريك: "إذا كان شريكك يحب الطهو وتطلب منه طهي وجبة خاصة، فقد يستفيد من ذلك. ولكن إذا كانت مهمة لا يستمتع بها، فلن يكون لها الفائدة نفسها".

 

الحصول على ما تحتاج إليه

في ذات الوقت، يمكن لعدم طلب المساعدة في مجالات معينة أن يقلل من الرضا عن العلاقة. تذكر الطبيبة النفسية أندريا براندت العمل مع زوجين حيث يفتخر الزوج بقدرته على إصلاح العديد من الأشياء حول المنزل. تقول براندت: "لم تلقِ الزوجة بالا لذلك، فبنظرها يمكنه الاتصال بعامل. لم تكن تدرك أن تصرفها كان يزعزع اعتزازه بنفسه". كانت قادرة على احترام مساهمات زوجها عبر تغيير سلوكها.

 

يرى أوريك أن معظمنا لا يجيد التعرف على الطريقة التي يكون بها أحبابنا مفيدين لنا. على سبيل المثال، عندما يُسأل الطلاب الجامعيون عن كيفية مساعدة ذويهم لهم، يذكر عدد قليل منهم ما يتعلق بالدعم المالي. لكنهم يدركون مدى مساعدة أهاليهم لهم بعد ملء استبيان يقيّمون فيه المساعدة الأبوية في فئات مختلفة مثل الصحة وأوقات الفراغ والتمويل. يقول أوريك: "بمجرد أن تضيف ذلك كخيار، فإنهم يدركون ذلك بالطبع إذ تومض الفكرة برؤوسهم: ’صحيح، إنّ والديّ يدفعان إيجار السكن‘".

 

يوصي أوريك بالاطلاع على كل الأشياء التي تفعلها شريكتك دون سؤالك أو حتى التفكير فيها، مثل إدارة الأعمال المدرسية للأطفال. يمكن أن يساعدك ذلك في تطوير تقدير أكبر لكيفية مساهمة شريكك في نموك، وتحويل التركيز بعيدا عن الأشياء التي كنت تتمنى لو أنها كانت تقوم بها. بالنسبة للموسيقيّ آدم كول، كان يعني ذلك التخلي عن رغبته في سماع زوجته تتفاخر في كل مرة يكتب أغنية لها. يذكر كول: "لقد كتبت لزوجتي عشر أو اثنتي عشرة أغنية على مر السنين، وهي تحبها بلا شك. لكن في كل مرة أقوم بكتابة أغنية لها؛ لا ألقى الصدى الذي توقعته منها. تقدّر زوجتي هذه الأغنية، لكنها لا تعني لها بقدر ما تعني كتابتها لي".

   

undefined

     

لقد أحبطت كول ردود زوجته الفاترة. كان يحاول إرسال رسالة إليها ولكنها لم تسمعها. ثم أدرك أنه إذا أراد أن يوصل مشاعره، فقد ينبغي له محاولة الاستماع أولا. علّق على ذلك قائلا: "أدركت أنني إذا كنت أريد أن أكون محبا، فيجب أن ألقي القمامة عندما تطلب مني ذلك. وترى ذلك كمحبة بطريقة لا تكون تعكسها الأغاني".

 

مع مرور الوقت، أصبح كول يرى استفادته من الطرق المباشرة السخيفة أحيانا التي تتبعها زوجته. على سبيل المثال، يقول كول إنه عندما يكون مشغولا، يمكن أن يصبح نزقا ويعامل الآخرين بازدراء. إشارة زوجته لأسلوبه السلبي أفادته وإن كانت صراحتها مؤلمة بعض الشيء. ويوضح كول: "أكتب أغنيات تساعدني على تنمية شخصيتي والتواصل مع الآخرين. لذلك ها هي زوجتي تتواصل معي وتساعدني في ذلك، ولكن بسبب عدم ارتباطها بالأغاني، كان يصعب عليّ تقدير جهودها سابقا".

 

أشرك زوجك لتحقيق أهدافك

في بحث عام 2015 حول ترابط الأهداف، استنتجت فيتسمونز وفينكل أن الناس يكونون أكثر تحفيزا للعمل نحو هدف عندما ينضم إليهم آخرون. ويستشهدان بدراسات تشمل فرقا تعمل معا على هدف فقدان الوزن، والمشاركين في المختبر الذي يعملون على حل أحجيات كلامية. إن إشراك شخص في هدفك من شأنه أن يساعدك في تحقيق التقارب بينكما مما يجعلك أكثر عرضة للنجاح. ومع ذلك، يشير أوريك لكي يكون تفاعلا دافئا، وهو أمر يجعل الشركاء يشعرون أنهم قيّمون وليسوا مستخدمين، ينبغي أن يشعروا أنهم اختاروا بحرية تقديم المساعدة، ويجب الاعتراف بمساهمتهم.

 

كما ينبغي للأزواج تجنب "تأثير بجماليون" (Pygmalion effect)، حيث يقوم الشركاء بفرض المُثل العليا الخاصة بهم على الزوج. على سبيل المثال، تقول جوديث سيلز مؤلفة كتاب "فخ الراحة" (The Comfort Trap) إن أحد الشريكين سوف يعلن في بعض الأحيان عن هدف شخصي كالتوقف عن تناول الحلويات، في حين أن هدفه الحقيقي هو أن يتوقف الزوج عن تناولها. تقول سيلز: "يمكن لذلك أن يكون نقدا مبطّنا".

   

undefined

   

ليس مستغرَبا أن يؤثر هذا النوع من السيطرة على الأهداف على ارتياح الزوجين بشكل سلبي. ترى سيلز إن أفضل طريقة تكمن في العثور على أهداف يمكن ممارستها بتكافؤ، مثل هدف تناول ثلاث وجبات عشاء عائلية على الأقل في الأسبوع، أو هدف تتلمس فيه خبرة شريكك كمساعدتك في أن تكون أكثر حزما في العمل أو الصبر عند التعامل مع الأطفال. وتشير سيلز بأن هذا يكون أفضل بكثير للتناغم بين الشريكين بدلا من تجنيد شريكك لمراقبة نظامك الغذائي أو محاولاتك للتوقف عن التدخين؛ فتطبيق الخبرة يختلف كليا عن التذمّر والإلحاح.

 

وتضيف أن الشركاء ينبغي لهم تحمّل مسؤولية تناقضاتهم وازدواجيتهم. توضح: "الأهداف هي أشياء نطمح إليها لأنها ليست سهلة. إنها تعني التضحية بشيء نحبه، وإلا لن يكون هدفا، بل ستكون عادة لا أكثر". وفقا لِأوريك بدلا من إزعاج بعضنا بعضا، يفضّل الشركاء إيجاد طرق لتقديم الدعم، مثلا من خلال الاعتناء بالأطفال بينما يذهب الزوج أو الزوجة إلى الركض أو وضع قائمة أغانٍ منشّطة ليستمع لها الشريك بينما يمارس الرياضة.

 

اتباع نسخة طبق الأصل

لا يشترط أن يكون العون الذي يقدمه الشركاء لبعضهم البعض علنيا بالضرورة، غالبا ما يساعد الأزواج بعضهم دون أي جهد واعٍ. قام كريس بتقديم زوجته إيرين للجانب المغامر والمتسامح من شخصيتها، ولكن بعد أن أصبحت إيرين والدة بدوام كامل في المنزل لأبنائهما، عادت شخصيتها الواقعية المملة الرصينة بقوة. ويعزى ذلك جزئيا إلى المسؤوليات الهائلة التي تصاحب تربية الأطفال الصغار، ولكنها لاحظت أيضا أن زوجها لم يقدم تماما الرعاية اللازمة في دوره كأب. ويعود ذلك جزئيا لطبيعة عمل كريس في المحاماة، حيث كان يعمل بدوام كامل من أجل دعم الأسرة وإفساح المجال لنفسه بطرق أخرى حيث مارس رياضة ركوب الدراجات وأخذ دروسا في رياضة الجيو جيتسو البرازيلية.

 

في البداية، بما أن الأمومة كانت مستنزفة لإيرين، شعرت بالانزعاج من احتفاظ كريس بهذه الأمور لنفسه. ولكن خلال رحلة إلى باريس بدون أطفالهما، حصلت إيرين على بُعد كافٍ عن مسؤولياتها كأم، لترى أنه يمكنها أن تحذو حذو كريس بدلا من الاستياء منه. عندما عادا، بدأت إيرين بخلق مساحة لنفسها عبر القيام برحلات بمفردها أو مع الأصدقاء، والحصول على جليسة أطفال، واستئجار مساحة مكتبية حتى تتمكن من استئناف مهنتها في الكتابة. نشرت كتابها الأول تحت عنوان "التنازل لأجلك".

   

undefined

     

من خلال محاكاة كريس، جعلت إيرين من زوجها خبيرا، الأمر الذي جعل الموقف أقل إثارة للجدل حول من نال وقتا أكثر لنفسه. يقول أوريك: "يمكن أن يكون شريكك نسخة طبق الأصل". أو مرآة كما تقول إيرين التي لا ترغب بالعودة إلى حياتها في الخامسة والعشرين من عمرها. لقد غيرتها الأمومة، وهي سعيدة بذلك، لكنها ممتنة أيضا لأن كريس لم يتوقف أبدا عن رؤية تلك المرأة الشابة المغامرة، حتى عندما كانت إيرين مكتئبة ومنغمسة في دورها الأمومي. تقول: "لقد عاملني كما فعل في لقائنا الأول. وحتى عندما شعرت بأنني قد تغيرت من تجربة الأمومة، فإنني لم أتغير في نظره مطلقا".

 

لقد ساعد منظور كريس لِإيرين في دمج هاتين الشخصيتين بداخلها: فتاة طائشة وأم واقعية في هوية ثالثة فيما تصف إيرين قائلة: "لا أحاول العودة إلى ما كنت عليه سابقا، ولم أبق في هوية الأمومة المبكرة. أضحيت الآن شخصا آخر".

——————————————-

ترجمة (آلاء أبو رميلة)

هذا التقرير مترجم عن: Psychology Today ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان

المصدر : الجزيرة