شعار قسم ميدان

رضوى الشربيني.. نسوية متوحشة أم ناصحة مخلصة؟

midan - رئيسية الشربيني

قبل أيام، كانت رضوى الشربيني، مقدمة برنامج "هي وبس" محط نقاش واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب ما تقدمه من نصائح للفتيات والنساء على برنامج "هي وبس"، والذي تهدف الشربيني من خلاله لاستقبال المشكلات العاطفية التي يواجهنها النساء المصريات، ساعية لتقديم النصح والمشورة تجاه ما ينبعي عليهن فعله في مواجهة الرجال. وللمفارقة، تحل اليوم، 7 سبتمبر/أيلول، ذكرى عرض أول حلقة على الهواء مباشرة من برنامج "هي وبس" الذي تقدمه المذيعة المصرية رضوى الشربيني والذي بدأ بثه يوم 7 سبتمبر/أيلول 2017. 

  

وبنظرة على المجتمع المصري، المستهدف الرئيس من البرنامج، فإنه لا يمكن أن يخفى تفكك هذا المجتمع المكتظ بحالات الطلاق، وتفكك العلاقات، وهو ما يمكن أن نستشهد عليه من تصريحات مايسة شوقي نائب وزير الصحة والسكان، حيث ذكرت أن نسبة حالات الطلاق في المجتمع المصري وصلت إلى أرقام مخيفة، حيث بلغت في المناطق الحضرية إلى 60% بينما بلغت في المناطق الريفية 40%، وهو ما يُعدّ رقما كارثيا بكل المقاييس[1].

    

      

وبينما تحتفي الكثير من الفتيات والنساء برضوى الشربيني باعتبارها معبرة عن صمود المرأة أمام سلطة الرجل وأمام الظلم الذي تتعرض له المرأة المصرية، فإن البرنامج شهد في الآونة الأخيرة ازديادا حادا في النقد الموجه إليه، وبحسب ما يمكن ملاحظته عبر الانتقادات على مواقع الاجتماعي، فإنهم يذكرون: أنه وبدلا من أن تحفظ الشربيني الأسر من الانهيار، ساعية نحو لم شمل العائلات والحفاظ على المجتمع من التصدع والتفكك، لا تقدم الشربيني إلا خطابا هجوميا دائم التحريض على الانفصال والكراهية والاستعلاء على الرجل بشكل عام، بما لا يؤسس إلا لمزيد من التفكك. فما حقيقة وطبيعة الخطاب الذي تقدمه رضوى الشربيني؟ وكيف نفهم مضامين وتوجهات خطابها في سياق وضع المرأة العربية بشكل عام؟!

   

هل أصلا ثمة خطاب لرضوى الشربيني؟

لفهم أكثر عمقا، فإنه لا يمكن النظر إلى خطاب رضوى الشربيني بمعزل عن سياقه، فتحليل أي خطاب إعلامي -كما يشير نورمان فيركلو أستاذ اللسانيات بجامعة لانسستر البريطانية- ينبغي أن يضع في الاعتبار الظروف الخارجية المحيطة بالخطاب التي أثّرت في إنتاج النص وخروجه إلى النور[2].

 

من هذا المنطلق فإن المرأة العربية بشكل عام -والمصرية بشكل خاص- تعاني من وضع بائس يتأرجح بين مطرقة الفقر والعوز والحياة المادية الطاحنة وسندان غياب المروءة والشهامة والعنف الأسري، ففي 2017 وحدها، عانى المجتمع المصري من نحو 200 ألف حالة طلاق أغلبهم كان جراء الخلع من طرف المرأة لا من طرف الرجل[3].

   

هذا السياق للمرأة المصرية يساعدنا على فهم طبيعة المشاكل التي تأتي إلى برنامج الشربيني، حيث إن غالبية المتصلات هن فتيات أو زوجات يعانين من الاضطهاد أو القسوة والغلظة في التعامل أو من الإجحاف في الحصول على أبسط حقوقهن كإنسان، وهو الأمر الذي يؤثر في إنتاج خطاب موازٍ لهذه الممارسات بطبيعة الحال.

   

وإذا انتقلنا للنظر إلى ما وراء خطاب الشربيني، فهل يمكننا أن نجد عناصر متمايزة ومترابطة تشكل بنية متسقة من الأفكار والمفاهيم التي يقوم عليها الخطاب؟ في الحقيقة، وبعد مشاهدة الكثير من حلقاتها، فإننا لم نجد نسقا يمكننا على أساسه تصنيف خطاب الشربيني ضمن أي نسق فكري، بل على النقيض، حيث يبدو خطابها أقرب إلى النصائح العشوائية والعناصر المتناثرة التي لا يمكن إيجاد خيط ناظم واحد لها.

    

    

ومن الملاحظ عدم إيرادها لأية إحالة معرفية أو أكاديمية على الإطلاق، بل قد يتساءل المشاهد عن مقدار معرفة ثقافة هذه المذيعة التي لا يُعرف لها أي خبرة أكاديمية أو معرفية في مجال العلاقات الأسرية، مما يوضح أن الشربيني ليست إلا استجابة عاطفية للوضع المصري البائس لا أكثر، ولا يمكن اعتبار خطابها جزءا من الخطاب النسوي، فالخطاب النسوي له أدبياته وهويته وفلسفته وتاريخه ورموزه، وهي الأمور الغائبة تماما عن خطاب الشربيني.

  

يبدو إذن أن الشربيني تقدم برنامجها فيما يمكن اعتباره هامشا نقديا للممارسات المهينة ضد المرأة المصرية لا أكثر، فهي ليست صاحبة فلسفة ولا تحركها أيدولوجيا معينة، وإنما هيرد فعل تجاه الظروف الطاحنة التي تمر بها بعض الفتيات فحسب.

  

رضوى الشربيني والتنافس مع الرجل

لعل الرافد الوحيد لفكر الشربيني الذي يظهر في خطابها للفتيات أحيانا هو رافد تجربتها الشخصية، لذا فإن الشربيني تتأرجح في خطابها بين المفهوم التقليدي لإرضاء الزوج والتعامل بالحسنى بين الطرفين (وهو المفهوم المنتشر في الطبقة العليا والوسطى في مصر)، وبين تصوير العلاقة الزوجية كعلاقة تنافسية وتصارعية يتصارع فيها الطرفان لاقتناص أكبر مكاسب ممكنة من الطرف الآخر.

  

يظهر إيمان الشربيني بهذه العلاقة الصراعية في العديد من المصطلحات والنصائح التي تقدمها للفتيات، فمثلا في إحدى المشكلات التي حدثت بين فتاة وشاب على وشك الخطوبة، إلا أن الشاب تنصّل من المسؤولية، نصحت الشربيني الفتاة بإجراء "بلوك" للشاب على مواقع التواصل الاجتماعي وعدم الرد على مكالمات والدته ولا والده، فإذا رجع الشاب ليطلبها مرة أخرى "وضعت قدما على قدم ووضعت له الشروط التي شاءت"[4].

     

   

في حلقة أخرى قدمت الشربيني خمسة طرق للمرأة حتى تجعل الرجل "خاتما" في إصبعها تتحكم فيه وتلبسه أو تخلعه متى شاءت[5]. وفي مقطع آخر توصي الشربيني الفتيات بلهجة تملؤها الكراهية بأن "الدنيا لا تقف على شخص" وأن الفتيات عليهن أن "يبدلن أدوارهن مع الشباب"، وعلى الرجال أن "تشحت" الفتيات[6]. كما ظهرت مضامين في خطابات الشربيني لا تؤدي دلالاتها سوى نحو تفكيك الأسر، وعدم المحاولة للم الشمل بأي طريقة قائلة: "من باعك بيعه، هناك الكثير من الرجال على وجه الكوكب"[7].

  

في هذه النماذج نرى طغيان مفهوم التنافس أحيانا على خطاب الشربيني، وفي هذه النقطة تحديدا تلتقي الشربيني مع الخطاب النسوي بشكل غير واعٍ، أي أنها لا تستدعي بذلك معرفة نسقية، فلماذا هذه النزعة الصراعية إذن؟ وهل يمكن اعتبار هذا الخطاب خطابا بنائيا صحيا أم أنه رد فعل عاطفي يهدم أكثر مما يبني؟!

   

التنافس مع الرجل في الخطاب النسوي

حتى يمكننا فهم قضية الصراع بين الرجل والمرأة علينا أن نعود أدراجنا إلى الخطاب النسوي، في هذا السياق يرى المفكر عبد الوهاب المسيري أن ثمة اعتقادا خاطئا بأن حركة النسوية (Feminsm) المعاصرة هي مجرد مرادف أو امتداد لحركة تحرير المرأة (Women’s Liberation Movement) التي ظهرت واستمرت في الغرب حتى نهاية الستينيات، هو أمر منافٍ تماما للحقيقة كما يوضح المسيري، فكون المرء نسويا لا يعني كونه نصيرا لحقوق المرأة.

   

ووفقا للمسيري، فإن حركة تحرير المرأة تدافع عن حقوق المرأة داخل حدود المجتمع وخارج الأطر البرجوازية والداروينية في إطار من المفاهيم الإنسانية المشتركة، ولذا تؤمن بكثير من المفاهيم الإنسانية المستقرة الخاصة بأدوار المرأة في المجتمع، وأهمها بطبيعة الحال دورها كأم، ويقول المسيري إن المرأة في هذا التصور القديم هي "كائن اجتماعي يضطلع بوظيفة اجتماعية ودور اجتماعي معين باعتبار أن الأسرة هي أهم المؤسسات الإنسانية التي يحتمي بها الإنسان".

   

المفكر عبد الوهاب المسيري (مواقع التواصل الاجتماعي)
المفكر عبد الوهاب المسيري (مواقع التواصل الاجتماعي)

   

أما الحركة النسوية فهي بتعبير المسيري "تؤكد فكرة الصراع بشكل متطرف، فكل شيء إن هو إلا تعبير عن موازين القوى وثمرة الصراع المستمر، ولا توجد إنسانية مشتركة، ولذا فدور المرأة كأم ليس أمرا مهما، ومن ثم تعد مؤسسة الأسرة عبثا لا يطاق"[8]. ويؤكد المسيري أن المرأة في هذا الخطاب "متمركزة حول ذاتها، مكتفية بذاتها، تود اكتشاف ذاتها وتحقيقها خارج أي إطار اجتماعي، في حالة صراع كوني أزلي مع الرجل، وكأنها الشعب المختار في مواجهة الأغيار".

   

يمكن للمشاهد بسهولة أن يرى هذه النزعة للتمركز حول الأنثى في خطاب الشربيني منذ اللحظة الأولى في عنوان برنامجها "هي وبس"، وما يطرأ جراء ذلك من تصويرها للعلاقة الزوجية في كثير من حلقاتها كعلاقة ندية يتنافس فيها الطرفان من أجل الحصول على أكبر قدر من السيطرة والتحكم.

  

تغيب عن خطابات الشربيني مصطلحات مثل المساواة وتحرير المرأة تقريبا بالكلية، ليتركز بشكل حصري على تغيير نظرة المرأة المصرية إلى نفسها وإلى العلاقة الزوجية بشكل عام، وهي السمة الخاصة بالخطاب النسوي.

  

وكما تشير الناشطة البريطانية ناتاشا والتر فإن حركة تحرير المرأة تركز على الحقوق السياسية والاجتماعية بينما تعمل النسوية على "تغيير قناعات المرأة وثقافة المجتمع أكثر من عملها على تغيير اللامساواة المادية"[9]، وهي النقاط التي تركز عليها الشربيني دائما في نصائحها. وها هنا سؤال: هل بلغ خطاب الشربيني من الندية إلى حدّ كراهية الرجال كما يشير المنتقدون؟

     

   

عقدة كراهية الرجال (Misandry)

تتمادى سهام النقد الموجهة إلى رضوى الشربيني إلى حد اتهامها بأنها امرأة "معقدة" يقوم خطابها على كراهية الرجال، وهو الأمر الذي نفته الشربيني نفسها في مواقف عدة، وهو الأمر الذي لم نجد في خطابها ما يبرر تضمين هذه النقطة كمسألة محورية في قناعاتها الشخصية، لكن قبل الاتهام بكراهية الرجل، هل هناك ما يمكن أن نصفه بعقدة كراهية الرجل؟

  

في الحقيقة ليس الأمر غريبا ولا جديدا، فبينما يسمع الكثيرون عن عقدة كراهية النساء (Misogyny) التي يمتلئ بها الخطاب النسوي اتهاما للرجال، فإن كثيرا منا لا يسمع عن المصطلح المضاد وهو عقدة كراهية الرجال (Misandry).

  

تُعبّر عقدة كراهية الرجال، وفقا لأستاذ علم الاجتماع البريطاني أنتوني سينوت، عن المضاد لكراهية النساء، فهي حالة كراهية وخوف وغضب تجاه كل ما يتعلق بالرجال، تتسبب لاحقا في نزع إنسانية الرجل، ويرى سينوت أن "كراهية الرجال أمر سائد في وسائل الإعلام وفي المجتمع، ويصل إلى درجة اتهام الرجال بكل النقائص الأخلاقية، إنه تطرف غير عقلاني".

  

ويشير سينوت إلى أن عقدة كراهية الرجال قد تتولد من خلال التجربة الخاصة للفرد، "فكثير من النساء تقول إنهن تعرضن إلى تجارب شخصية مريرة مع الرجال، مما يولد عندهن شعورا بالكراهية تجاه كل ما هو ذكر". فهل يمكننا القول إن رضوى الشربيني تعاني من عقدة كراهية الرجال (Misandry) نظرا لتجربتها الخاصة؟

   

   

مرت الشربيني بتجربة غير ناجحة بالفعل، انفصلت عن زوجها ولديها طفلتان وتم طردها من بيتها وهي لا تملك إلا 180 جنيها فقط، مما ولّد عندها شعورا عميقا بالألم استطاعت تجاوزه عبر تبنيها لأفكار استقلالية تغني نفسها عن الرجل تماما، فبحسب الصحفية سمر سمير: "تستعد رضوى لافتتاح خط أزياء خاص بها، في محاولة منها لإثبات أن المرأه قادرة على ممارسة حياتها الشخصية والعملية بدون رجل، وأعلنت أنها لن تفكر حاليا في الارتباط مرة أخرى، مشيرة إلى أن الدرس الذي تعلمته في التجربة الماضية أنه «لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين»"[10].

   

لكن رغم ذلك تؤكد الشربيني مرارا أنها لا تكره الرجل، وفي بعض الأحيان تقدم نصائحها للفتيات بإرضاء أزواجهن، وتؤكد في بعض حلقاتها على ضرورة الطاعة فيما لا ارتكاب الحرام فيه، كما تصرح بتخطئة بعض الفتيات أحيانا.

   

بهذا يمكن القول إن رضوى الشربيني ليست إلا استجابة عرضية لواقع المرأة المصرية البائس، ولا يمكن ضم الشربيني إلى أي خطابات نسوية أو أيدولوجيات فلسفية حيث يغيب عن خطابها أي إشارة من قريب أو من بعيد لأي نسق معرفي يمكن الاستناد إليه في فلسفتها، فهي ليست نسوية ولا تكره الرجال، وإنما هي امرأة مرت بتجربة شخصية معينة، واستطاعت من خلال علاقاتها أن تقدم برنامجا في الإعلام المصري لا لشيء، إلا لإثبات صحة موقفها الشخصي لا أكثر ولا أقل، وبذلك يبقى السؤال المحوري قائما، والذي هو برسم الإجابة عنه لكل قارئ ومتابع، هل حقا تستطيع الشربيني وفق ثقافتها المعرفية وتجاربها الحياتية، أن تلعب دور الناصح والمستشار فيما يتصل بالعلاقات العاطفية؟