إدمانك لهاتفك يدمر نمو طفلك الاجتماعي والعقلي

سلبيات الهواتف الذكية في كل مكان! حوادث السيارات، اضطرابات النوم ومشاكل العلاقات وحتى عدم ملاحظة المواقف اليومية حولنا، من الأسهل أن نعد ما لا يفسده الهاتف من محاولة عد ما يفسده بالفعل! ربما وصل مجتمعنا الحالي إلى ذروة الانتقادات للأجهزة الإلكترونية. إلا أن الأبحاث تشير إلى مشكلة أخرى أعمق لا نوجه لها العناية الكاملة، وهذه المشكلة متعلقة بنمو وتطور الاطفال ولكن ليس كما ورد على خاطرك. فحاليا لا يجدر بنا القلق بهوس الاطفال بالشاشات الذكية بقدر القلق بالآباء الغارقين في الأجهزة الإلكترونية بكل حواسهم.
في الواقع يحظى الآباء والأمهات في عصرنا الحالي بوقتٍ مع أولادهم أكثر من أي فترة على مدار التاريخ بأكمله! فرغم الزيادة الهائلة في عمالة النساء تقضي الأمهات اليوم وقتا أطول في رعاية أطفالهن من الأمهات في فترة الستينات. غير أن تفاعل الوالدين والطفل حاليا منخفض الجودة ومصطنع في بعض الأحيان. فبينما يحضر الآباء في حياة أطفالهم جسديا، إلا أنهم غائبون عاطفيا وشعوريا بشكل كبير. ولا يعني ذلك إهمال المخاطر المباشرة للشاشات على الأطفال: فهناك أدلة كبيرة تشير إلى أن العديد من أنواع الوقت المقضي أمام الشاشة الالكترونية (خاصة في مشاهدة الصور السريعة أو العنيفة) يدمر أدمغة الصغار. في وقتنا الحالي، يقض الأطفال في عمر ما قبل المدرسة أكثر من أربع ساعات يوميًا أمام شاشة الهاتف الذكي. وتحول متوسط عمر بدء الاستخدام "العادي" من 4 سنوات إلى أربعة أشهر فقط منذ عام 1970.
قد تكون بعض الألعاب التفاعلية الأحدث التي يلعبها الأطفال على الهواتف أو الأجهزة اللوحية أكثر اعتدالًا من مشاهدة التلفزيون أو YouTube، حيث أنها تحاكي بشكل أفضل سلوكيات اللعب الطبيعية للأطفال. ولا شك أن الكثيرين قد نجوا من الطفولة المخدرة المنفقة على مشاهدة الكثير من الهراء. ومع ذلك، لا أحد يختلف على حقيقة أن الأطفال الموصولين إلى الشاشات الذكية لا ينفقون هذا الوقت في استكشاف العالم والترابط مع بشر آخرين. ولكن من المذهل عدم الاهتمام بالسلوك ذاته عندما يصدر من الآباء والأمهات! الذين يعانون الآن مما وصفته خبيرة التكنولوجيا ليندا ستون بـاسم "الاهتمام الجزئي المستمر" وهي حالة لات تؤثر عليهم فحسب بل على أبنائهم كذلك. وهذا الأسلوب الجديد من " التفاعل الأبوي" غير النظام العاطفي القديم الذي كان قائما على الاستجابات والتواصل الفعال الأساسيان لمعظم فرص التعلم البشري.
لدى خبراء تنمية الطفل أسماء مختلفة لنظام الإشارات بين البالغين والأطفال، والذي يبني البنية الأساسية للدماغ؛ يصفه علماء النفس كاثي هيرش – باسيك وروبرتا ميشنيك غونينكوف بـ"دويتو التخاطب". والذي فيه يستخدم الآباء أصوات أعلى وأوضح مع الأطفال وكلمات بسيطة وحماسة وبعض المبالغات، وقد تبدو هذه المشاهد في غاية السخافة لمن يرقبها من بعيد إلا أن الأطفال يحبونها كثيرا ولا يكتفون منها أبدا. وأظهرت إحدى الدراسات أن الرضع الذين تعرضوا لهذا الأسلوب التفاعلي والعاطفي في عمر 11 شهرًا و 14 شهرًا تمكنوا من تعلم ضعف عدد الكلمات حين بلوغهم سن الثانية عن غيرهم ممن لم يتعرضوا لها.
يرتبط نمو الأطفال بالجانب العلائقي والتفاعلي، ولهذا، تمكن الأطفال الرضع في الشهر التاسع من العمر، في إحدى التجارب، والذين تلقوا بضع ساعات من تعلم لغة الماندرين من إنسان حي أن يعزلوا عناصر صوتية معينة في اللغة في حين لم تتمكن مجموعة أخرى من الأطفال الذين تلقوا نفس التعليمات بالضبط عبر الفيديو من فعل ذلك. وفقا لهيرش باسيك، وهو أستاذ في جامعة تمبل فاللغة أفضل مؤشر منفرد على الإنجاز المدرسي، ومفتاح المهارات اللغوية القوية هو تلك المحادثات المتقنة بين الأطفال الصغار والكبار، لذا تنشأ مشكلة عندما ينقطع نظام التواصل برسالة نصية أو تسجيل صوتي سريع أو نشر صورة على إنستغرام.
وقد لاحظ أحد الاقتصاديين أحد عواقب انتشار الهواتف الذكية بين الآباء التي تبعتها زيادة في إصابات الأطفال. فمثلا ، عندما طرحت شركة AT & T خدمة الهاتف الذكي في أماكن مختلفة وجدت مع ازدياد تبني الهواتف الذكية، ارتفاع عدد زيارات الأطفال لغرف الطوارئ بالمستشفيات. وقد جذبت هذه النتائج اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام إلى المخاطر الجسدية التي تشكلها الأبوة والأمومة المشتتة.
في أوائل عام 2010، راقب باحثون في بوسطن خلسة 55 من مقدمي الرعاية يأكلون مع واحد أو أكثر من أطفالهم في مطاعم الوجبات السريعة، ووجدوا أن حوالي أربعين من البالغين كانوا غارقين في هواتفهم بدرجات متفاوتة، وبعضهم تجاهل الأطفال تقريبًا. فلم يكن من المستغرب أن حاول العديد من الأطفال طلب الاهتمام، وقوبلوا بتجاهل في كثير من الأحيان.
وفي دراسة تابعت 225 أما بصحبة طفلها ذي الست سنوات، تم تصوير تفاعلهما بالفيديو ومنحت كل أم طعام لتتشاركه مع طفلها. خلال فترة الملاحظة، استخدمت ربع الأمهات هواتفهن بشكل عفوي، ومن فعلن ذلك لم يقمن ببدء تفاعلات لفظية وغير لفظية مع أطفالهن بشكل كبير. وفي تجربة أخرى طلب من أمهات لأطفال في عمر الثانية تعليم أبنائهن كلمتين جديدتين وتم إعطاؤهن هاتفًا حتى يتمكن الباحثون من الاتصال بهن من غرفة أخرى. وفي الحالات التي قوطعت فيها الأمهات لاستقبال المكالمة لم يتعلم الأطفال الكلمة والعكس صحيح. واللطيف في هذه الدراسة أن الباحثين اضطروا لاستبعاد سبع أمهات من الدراسة لعدم ردهن على الهاتف. "أحسنتن أيتها الأمهات!"
لم يكن من السهل أبدا الموازنة بين احتياجات البالغين والأطفال، ناهيك عن رغباتهم، ومن السذاجة الاعتقاد أن بإمكان الآباء تركيز انتباههم دائما على الأطفال. فلطالما ترك الوالدان أطفالهم يرفهون عن أنفسهم بحرية أو يتسكعون في الملاعب والحدائق، ولا يختلف الوقت الذي يقضيه الأطفال ناظرين إلى الشاشة في القرن الحادي والعشرين بشكل كبير عن ما استعملته الأمهات قديما من ملهيات لإبقاء الأطفال مشغولين.
ليس الغياب الجزئي في بعض الأحيان للوالدين أمرًا كارثياً (بل ربما يبني المرونة)، ولكن التشتت المزمن قصة أخرى. فقد ارتبط استخدام الهواتف الذكية بعلامة مألوفة من علامات الإدمان، حيث يصبح البالغ نكدا ونزقا وسريع الغضب عندما يقاطع أحدهم استخدامه للهاتف، ولا تفوته الإشارة العاطفية فحسب بل يسيء فهمها كذلك بافتراض أن الطفل يحاول أن يكون متلاعباً، بينما ما يحتاجه فقط هو بعض الانتباه. ويمكن للاستراحات القصيرة المتعمدة أن تكون غير ضارة بل صحية في كثير من الأحيان لكل من الوالدين والطفل خاصة مع تقدم الأطفال في العمر وتطلب المزيد من الاستقلال.
لكن ما يحدث اليوم هو ظهور نوع من الرعاية غير متوقع، تحكمه أصوات التنبيهات وإغراءات الهواتف الذكية. يبدو أننا نمر بأسوأ نموذج ممكن للأبوة فيه يكون الوالد متواجدا بجسده فيمنع استقلال الطفل ولا يتواجد بعاطفته وانتباهه فيشعل الطفل بالتجاهل. ولن يكون حل هذه المشكلة هينا، خاصة وإذا نظرنا إلى أنه يترافق مع تغيرات دراماتيكية في التعليم.
يخضع حوالي ثلثي الأطفال في سن 4 سنوات لشكل من أشكال الرعاية المؤسسية، وقد ملأت الاتجاهات الحديثة في التعليم (أسلوب التلقي) في مرحلة الطفولة المبكرة العديد من فصولهم وفي هذه البيئات، لا يتوفر للأطفال سوى القليل من الفرص لإجراء محادثة تلقائية. إلا أن الخبر السار هو أن الأطفال في فطرتهم سيفعلون كل ما يسعهم للحصول على انتباه الكبار، وإذا لم نغير سلوكنا فسوف يحاولون هم تغييره.
يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من نوبات الغض مع اقتراب الأطفال الصغار اليوم إلى المدرسة. لكن في نهاية المطاف، قد يستسلم الأطفال فاليد الواحدة لا تصفق. ومع الضغوط الكثيرة والمسؤوليات المزدحمة والمتراكمة على الآباء والأمهات يجد الولدان أنهما عالقان في المعادلة الرقمية وفي هذه الساقية التي لا تكف عن الدوران.
عندما يتعلق الأمر بوقت شاشة الهاتف، فإننا إذا استطعنا السيطرة على "تقنيتنا" ، كما وصفها بعض علماء النفس، فمن المحتمل أن نكتشف أننا نستطيع أن نفعل الكثير لأطفالنا. وذلك ببساطة عن طريق فعل الأمور البسيطة، بغض النظر عن جودة التعليم المدرسي وبصرف النظر عن عدد الساعات التي نخصصها لهم. يجب على الآباء إعطاء أنفسهم مساحة للتراجع عن الضغط الخانق للحياة. أخرج ابنك ليلعب قليلا أمامك انظر إليه كل حين وآخر لتطمئن وسيكون طفلك بخير. ولكن عندما تكون معه في مكان واحد اترك الهاتف اللعين من يدك!
——————-
ترجمة (الزهراء جمعة)