شعار قسم ميدان

وصفة الاستبداد السهلة: تريده أن يعترف؟.. اغتصب زوجته

midan - اعتقال
في تل كلخ بحمص السورية اقتاد جنود النظام السوري عددًا من النساء إلى مسجد المدينة لاغتصابهنّ هناك، فاتحين مكبّر الصوت في المسجد ليصل صراخهن أثناء الاغتصاب إلى أقصى مدى يُرهبون ويهينونَ به البشر والحجر[1]، ولعلّ جنود الأسد ومن معهم من الميليشيات العابرة للحدود يزيّنون فعلهم هذا لأنفسهم كما زيّنه الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي إيال كريم لجنوده؛ حين شرّع اغتصاب "الأغيار" أثناء الحرب بدعوى أنّ الاغتصاب "جزء من الحفاظ على لياقة القتال الخاصّة بالجيش وعلى معنويّات الجنود، يمكن اختراق جدران التّواضع وإشباع الغريزة، عبر نكاح نساء الأغيار ممّن يملكن مظهرًا حسنًا، خلافًا لرغبتهنّ، من منطلق الأخذ بعين الاعتبار الصّعوبات التي يواجهها الجنود ومن أجل إنجاح الجميع"[2] كما قال مجيبًا عن بعض الأسئلة في موقع كيبا للمتديّنين اليهود.

 

فهل حقًّا يهدف الاغتصاب أثناء الحروب والنزاعات إلى "إشباع الغريزة" و"الحفاظ على لياقة القتال" كما يقول إيال، وكما فعل الجنود اليابانيون خلال الحرب العالمية الثانية عام 1932 حين أنشأوا مركزًا لـ"نساء المتعة" تُجنَّدُّ فيه النساء من الدول المستعمَرة والمحتلَّة للترفيه عن جنود اليابانيين؟[3]

 

الاغتصاب كوسيلة

ربما لم يتخيّل الإنسان يومًا أنّ تمييزه لمواطن الشرف والحرمة عنده سيجعلها هدفًا، إذ ينقل الباحث عدنان مقداد عن سوزان براونميلر أول مؤرخة تحاول القيام بدراسة عامة عن الاغتصاب في الحروب النظريات في كتابها "ضد إرادتنا: الرجال النساء والاغتصاب" أنها وجدت أثناء بحثها أنَّ الاغتصاب كان وسيلة حربية على مر التاريخ؛ فقد كان هدفا للرجال في الحروب وليس النساء، وقد لجأ الرجال إلى ثقافة الاغتصاب هذه قديمًا وحدثيًا واستفادوا منها لصالحهم وسيلةً لتكريس الهيمنة الذكورية بإبقاء النساء في حالة من الخوف، بهدف إذلال الطرف الآخر وترهيبه[4].

 

 إيال كريم الحاخام الصهيوني الذي أجاز الاغتصاب (الجزيرة)
 إيال كريم الحاخام الصهيوني الذي أجاز الاغتصاب (الجزيرة)

 

وقد اتَّخذت (وسيلة/أداة) الاغتصاب أثناء النزاعات والحروب وفقا لتقرير لجنة الخبراء الذي ورد في كتاب العنف الجنسي ضد المرأة في القانون الدولي، أشكالا عدة وهي:

 

الاغتصاب الجماعي

يتمثّل بقيام أفراد مجموعات صغيرة بارتكاب اعتداءات جنسية، وقد يحدث هذا قبل اندلاع القتال على نطاق واسع؛ حيث تقوم المجموعة التي لها السيطرة بإرهاب السكان المدنيين، مع اقتحام المنازل والاستيلاء على الممتلكات، واغتصاب الإناث.

 

الاغتصاب العلني

يرتبط هذا النوع من الاغتصاب بوقوع القتال ومهاجمة القوات إحدى المدن وحشد سكّانها وتقسيمهم حسب الجنس والسن، ويكون الاغتصاب في المنازل أو الطرقات علنًا أمام أهالي الضحايا والمناطق.

 

الاغتصاب في معسكرات الاعتقال

ويتضمن هذا النمط جميع صور الاغتصاب؛ حيث تُرسل النساء إلى معسكرات منفصلة يُسمح فيها للجنود وحرس المعسكرات وأفراد القوات شبه العسكرية والمدنيين أحيانُا بالدخول إلى المعسكر واختيار النساء لاغتصابهن داخل المعسكر أو خارجه.

 

الاغتصاب في إطار سياسة التطهير العرقي

يأتي هذا النمط من الاغتصاب في إطار سياسة عامة بغرض التطهير العرقي، وفي هذه الحالة تُغتصب جميع النساء المحتجزات بشكل متكرر.

 

ممارسة الاغتصاب للترفيه عن الجنود

ويشمل هذا النمط احتجاز النساء في فنادق أو مرافق مماثلة بهدف الترفيه عن الجنود جنسيًّا[5]. ولا يكاد يخلو نزاع أو حرب من هذه الأنماط للاغتصاب الممنهج والمتعمّد لكسر شوكة الشعوب، وشعور القويّ بالتّفوّق على الضعيف في كل الأصعدة.

 

عندما أتى الجنود
"نساء المتعة" يتم نقلهن على شاحنات عسكرية يابانية (مواقع التواصل)

 

حصلت الفرنسية دانييل روكسويل على الجنسية الألمانية، لتكون أول طفلة حرب تحصل عليها؛ وذلك بعد أن سمحت وزارة الخارجية الألمانية في 2009 لمن يقدم مستندات تثبت جنسية والده الألمانية وقت الحرب أن يحصل على الجنسية الألمانية، وكانت قد انتهت حقبة الحرب العالمية الثانية انتهت بما فيها من ظلامية ووحشية وعنف، لكن لم تندمل الجراحات بعدُ بين الدول الأوروبية لا سيما ما يتعلق بقضايا الاغتصاب الممنهج الذي مورس أثناء الحرب، فبين ألمانيا وفرنسا على سبيل المثال ما زالت تبعات تلك الحرب تظهر حينًا فحينًا، منها ما أُثير عن الأطفال الذين كانوا نتاجًا لحوادث الاغتصاب خلال الحرب، فما زال هؤلاء الأطفال يطالبون بتحديد هويّاتهم حسب وزير الخارجية الفرنسي ساعتها برنارد كوشنار عام 2008[6]، وكانت المؤرخة الألمانية ميريام غيرهارد قد أصدرت كتابًا بعنوان "عندما أتى الجنود.. الاعتداءات الجنسية على الألمانيات نهاية الحرب العالمية الثانية"، جمعت فيه شهادات عدة لأطفال أصبحوا متقدمين في السن ما زالوا يبحثون عن آبائهم دون نتيجة مما دفع بعضهم إلى الإعلان في صحف محلية أميركية وروسية وبلجيكية وفرنسية وبريطانية، وساهم في ذلك إخبار بعض النساء أبناءهن ببعض المعلومات عن المعتدي عليهن ومحاولتهن الاتصال بقيادة قوات التحالف التي لم تعطهن اهتمامًا ممّا اضطرارهن لتحمل كل الأعباء ورعاية الطفل غير الشرعي في ظل وضع اقتصادي صعب بعد دمار ألمانيا الشامل[7].

 

ومما عانته النساء الألمانيات مرورا إلى "نساء المتعة" وهنّ فتيات ونساء من كوريا الجنوبية والصين والفلبين كانت مهمتهنّ أن يكنَّ ملاذًا للجنود اليابانيين يغتصبونهنّ متى أرادوا، وقد ورد أنَّ أعمار النساء والفتيات المجندة في مراكز المتعة قد تراوحت بين سن المراهقة المبكرة وأواخر العشرينات، وقد اختُطفن من قبل العاملين في مجال خدمات التوظيف أو مديري مراكز المتعة[8]، ولم يكتفِ الجيش الياباني بإنشاء مراكز ثابتة للاغتصاب، بل كان الاغتصاب أداته حيث وضع قدمه؛ ففي عام 1937 وقعت "أحداث نانجينغ" على أرض الصين بفعل الجنود اليابانيين، واستمرت على مدى 6 أسابيع إلى شهرين، كانت حصيلتها الأولية اغتصاب 20 ألف امرأة من فتيات ونساء وعجائز، وقد ذُكر أنَّه في كلِّ مرة تُمارس ألف عملية اغتصاب، قد يعقبها تشويه لأجساد النساء أو قتلهنَّ[9] .

 

الاغتصاب في النزاعات

تتحدث فالبونا الكوسوفية الأصل لميدان عن خوفها وقلقها أثناء الحرب التي شهدتها عام 1998 في هجوم الصربيين على إقليم كوسوفا، هربت فالبونا وأهلها من الحرب واختبؤوا في الكهوف، كان خوفهم ليس من القتل فلعله أرحم ما قد يصيب الإنسان في الحرب، بل كان خوفهم من الاغتصاب، لا سيما أنّ صربيا في مطلع تسعينات القرن العشرين أثناء حربها على البوسنة والهرسك ارتكبت فظائع من الاغتصاب الجماعي المنظّم جزء من سياسة التطهير العرقي ضد المدنيين من مسلمي البوسنة، وقد رافق الاغتصاب سنوات الحرب بوتيرة ترتفع مرة وتنخفض مرة أخرى، وحسب عدنان تيرزيتش -رئيس وزارة البوسنة- كان الاغتصاب عملًا منظّمًا تمامًا، فكما وقع التخطيط لأسلوب مهاجمة سرايفو بالسلاح الثقيل، قرر المعتدون أيضًا أن يغتصبوا أكبر عدد ممكن من النساء ليهينوا ويؤثروا في كل المواطنين سلبيًّا[10]، وقد أنشأت صربيا في ذلك الحين معسكرات للاعتقال والاغتصاب؛ منها "معسكر أومارسكا"[11].

 

لم تكن نساء البوسنة وحدهنّ مَن عانين من تسلّط أداة الاغتصاب عليهنّ بل كانت رواندا حاضرةً في هذه المعانة أيضًا؛ ففي الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد عام 1994 وقد ورد في تقرير منظمة العفو الدولية أنَّ ما بين 150 ألفًا و250 ألف امرأة تعرّضوا للاغتصاب أثر الحرب الأهلية تلك[12].

 

 نوركا، إحدى المولودات جراء الاغتصاب الممنهج في حرب البوسنة والهرسك (الجزيرة الوثائقية، فيلم أبناء الحرب)
 نوركا، إحدى المولودات جراء الاغتصاب الممنهج في حرب البوسنة والهرسك (الجزيرة الوثائقية، فيلم أبناء الحرب)

 

والصومال ليست بأفضل حالًا من سابقيها؛ ففي نهاية السبعينيات شهدت الصومال تمردّات على نظام الحكم الذي اعتمد بعض قادته العسكريين الاغتصابَ وسيلةً لكسر نفوس سكان المناطق المتمردة، وسقط النظام ولم تسقط المعاناة؛ فقد حلَّ الصراع القبلي محلَّ صراع الشعب على السلطة، واتخذ الصراع القبلي مرة ثانية الاغتصاب أداة له في سبيل التطهير العرقي بين فئات متناحرة ساعية لاستئصال مناوئيها، أو إخضاع غيرها من الفئات الأضعف إلى نطاق نفوذها[13]، وفي الحديث عن الاغتصاب الممارس أداةً في الصومال يجب ألَّا يُغفل التذكير بما فعلته القوات الأثيوبية بنساء العاصمة مقديشو من اغتصابات؛ إذ أصبح الاغتصاب وسيلة تستخدمها القوات الحكومية المدعومة من إثيوبيا حسب صندوق الأمم المتحدة الدولي لرعاية الطفولة (اليونيسيف)[14].

 

الاغتصاب أداة الأنظمة القمعية

كانت إيمان العبيدي الليبية تملك من القوة والثبات ما يكفي لتقتحم مقر الصحفيين الأجانب بفندق ريكسوس، وتخبرهم أن 15 شخصًا من الكتائب الأمنية التابعة للقذافي اغتصبوها عند إحدى نقاط التفتيش[15].

 

وقد أدرك القذافي حساسية المكانة المركّبة للمرأة العربية والمسلمة في الوطن العربي بما لها من خصوصية، فانتهاك شرف المرأة هو انتهاك لشرف عائلتها وقبيلتها ومَن هم خلفها، الأمر الذي جعل الأنظمة تتخذ هذه الوسيلة لكسر نفوس شعوبها وإذلالهم وإرهابهم حتى لا يهددوا أمنها، وقد كشفت الثورات العربية بوضوح قابلية الأنظمة العربية لإفلات عناصرها وجنودها على نساء الشعب بطرق ممنهجة ومقصودة سواء في السجون أو المدن والقرى، ولم يكن القذافي[16] مبتدعًا بإطلاق مرتزقته على نساء ليبيا، فقد اتخذ قبله حافظ الأسد الوسيلة ذاتها لقمع شعبه والسيطرة عليه، وورث عنه ولده بشار الأسد الأداة نفسها التي أخرجها من كونها أداة للإرهاب في السجن إلى اتخاذها أداة لإرهاب الشعب السوري، والإحصائيات عن الاغتصاب داخل السجون السورية وخارجها خير دليل على ذلك[17].

 

وهذا الفعل ليس حكرًا على الدكتاتوريات العربية؛ ففي الأرجنتين خلال فترة الحكم العسكري ما بين عامي 1976-1983 اختفى حوالي 30 ألف شخص، ثلثهم من النساء والسيدات، اللاتي اختُطفن بدعوى القيام بأعمال إرهابية، ثم اغتُصبن داخل أماكن الاحتجاز ومعسكرات الاعتقال السرية؛ ليصبح نسبة الحوامل منهن نتيجة الاغتصاب الممنهج حوالي 3%، وفي عام 1983 عند سقوط الحكم العسكري أحصي أكثر من 350 مركزًا حكوميًّا استخدم في عمليات التعذيب والاغتصاب الممنهج[18].

 

وكما ورد في سياق التقرير من أحداث فإن الإنسان إذا توحّش باستطاعته تحويل مكامن الخصوصية الإنسانية إلى وسيلة للنيل من مثيله الإنسان، حتى أمسى الاغتصاب أداةً يقودها الدافع الوحشي، دافع السعي إلى فرض الوجود بإذلال الآخرين.

المصدر : الجزيرة