شعار قسم ميدان

لماذا يرى الشباب "الإسلامي" النموذج الجهادي أكثر جاذبية؟

midan - الشباب الإسلامي

"من الواضح أن نوعا من الحماسة والانفعال ضروريان لتحقيق أي تغيير كبير وسريع. يستوي أن تجيء هذه الحماسة من توقع ثروات طائلة، أو من الانخراط في حركة جماهيرية"
– "إريك هوفر"، عالم اجتماع أمريكي.


تروي صحيفة
"كريستيان ساينس مونيتور" قصة سلمى عادل، وهو اسم مستعار لفتاة يمكن اعتبارها مراهقة عربية نموذجية ميسورة الحال، تقضي معظم وقتها على هاتفها الآيفون، وتحب تناول البيتزا والبطاطس المقلية. عُدّت سلمى، البالغة من العمر 18 عامًا، أصغر المراهقات في صفوف أسرة مغربية مقيمة في المغرب. وكانت سلمي، أو "محبوبة والدها" كما يحب الإشارة إليها، آخر شخص يتوقع أن ينخرط في أي عمل عنيف أو ينتمي إلى تيار قد يوصم بالـ"متطرف". في صباح يوم آخر عادي، انطلقت سلمى إلى مدرستها العامة؛ حيث كانت تتلقى دراسة في صناعة المعجنات والفطائر، ولسبب ما، لم تعد سلمى إلى أسرتها أبدًا في ذلك اليوم، للمرة الأولى.

سرعان ما تكشفت الأمور سريعًا، وأظهرت كاميرات المراقبة أن سلمى قامت بالخروج من الباب الخلفي للمدرسة، وتوجهت إلى مطار مدينتها؛ حيث ابتاعت تذكرة مباشرة إلى تركيا، وفيها تواصلت مع شبكة لتجنيد الجهاديين، تعرفت إليها عبر الإنترنت، وقامت بعبور الحدود إلى سوريا.

قصة مماثلة روتها صحيفة "نيويورك تايمز" لمراهقة تبلغ من العمر 16 عامًا، تدعى خديجة سلطانة، وتقيم مع أسرتها في لندن. تحكي أمها أنها كانت في الليلة السابقة لرحيلها ترقص في حجرتها الخاصة، بصحبة ابنة أخيها وصديقتها المقربة التي تصغرها بثلاثة أعوام. في اليوم التالي استيقظت خديجة من نومها مبكرًا، وقامت بوضع عطرها المفضل، وأخبرت والدتها أنها ذاهبة إلى المدرسة، رغم العطلة، لقضاء بعض الوقت في المكتبة. ولكن خديجة -أيضًا- لم تعد أبدًا للبيت في ذلك اليوم، قبل أن تكتشف والدتها أنها قامت بالسفر، بصحبة اثنتين من صديقاتها إلى سوريا، في رحلة بدا فيما بعد أنها كانت تخطط لها منذ بضعة أشهر.

هذه القصص ليست فريدة من نوعها؛ ولكنها نماذج عشوائية من عشرات إن لم تكن مئات القصص، التي حفلت بها صفحات الصحف العربية والدولية، على مدار الأعوام الثلاثة السابقة، لفتية وفتيات يعيشون في البلدان العربية أو حتى في أوروبا وأمريكا، وترجع أصولهم إلى مستويات اجتماعية متنوعة، وينتمون إلى تنوعات فكرية مختلفة، قرروا فجأة، أو على مراحل، ترك حياتهم والانضمام إلى الجهاد في سوريا.

جاذبية الجهاد
في معظم الحالات، الشباب المجندون في صفوف تنظيم الدولة هم الذين سعوا للانضمام إليه، وليس هو من سعى إلى تجنيدهم.  (أسوشيتد برس)
في معظم الحالات، الشباب المجندون في صفوف تنظيم الدولة هم الذين سعوا للانضمام إليه، وليس هو من سعى إلى تجنيدهم.  (أسوشيتد برس)

عندما يشكو المرء شيئا يحول بينه وبين أداء واجباته، حتى عندما يجد ألمًا في أمعائه، فإنه يبادر إلى محاولة تغيير العالم"
– "هنري ديفيد ثورو"، كاتب ومنظر أمريكي مهتم بحركات المقاومة.

لفترة طويلة، هيمنت التصورات الاجتماعية التقليدية (مثل المعاناة من الفقر والتهميش والبطالة، أو التعرض للظلم السياسي مثلًا) على تصورات الباحثين حول طبيعة المنضمين للحركات العنيفة. ورغم أن هذه التصورات لم تفقد مقدرتها التفسيرية بشكل كامل، إلا أنها فشلت في الجواب على بعض الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالظاهرة، مثل تفسير الإقبال على الانضمام إلى الحركات المسلحة من قبل الفئات الأقل تهميشًا والأكثر رفاهية ورغدًا في العيش. يمكننا أن نعد البداية هنا تحديدًا في الثلاثينيات، حين وقعت الحرب الأهلية الإسبانية، والتي استقطبت أفواجًا كبيرة من الشباب، في صفوف التيارات اليسارية والفاشية. ومنذ ذلك الحين، بدا أن هناك قدرًا من الاتفاق، آخذٌ في التشكل، على أن هناك نوعاً ما من النظرات الرومانسية المسيطرة على الشباب، في رؤيتهم إلى التحدي المسلح لسلطة أي دولة.

في مساء 20 سبتمبر /أيلول 2001، كان الرئيس الأمريكي الأسبق "جورج دبليو بوش" يلقي خطابه الرئاسي الأهم، بعد مرور تسعة أيام على وقوع حادث برجي التجارة العالميين الشهير. بدا وأن "بوش" في هذا الخطاب يعيد تعريف العالم من وجهة نظر الولايات المتحدة، قائلًا: "الأمريكيون يتساءلون لماذا يكرهوننا؟ هم يكرهون ما يوجد هنا في هذه الغرفة، يكرهون الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا، إنهم يكرهون حريتنا، حريتنا الدينية، وحريتنا في التصويت والتجمع مع بعضنا البعض؛ لقد رأينا هذا من قبل، هؤلاء هم ورثة كل الأيديولوجيات القاتلة في القرن الـ20، إنهم يتبعون طريق الفاشية والنازية والشمولية".

أثار مشهد أبراج نيويورك المحترقة فضول الباحثين من جديد، لإعادة مناقشة جاذبية تيارات التغيير العنيف للناس، وللشباب تحديدًا، ولكن هذه المرة بالتركيز على دراسة الحالة الجهادية. وفصلت دراسة خاصة صادرة عن معهد الولايات المتحدة للسلام، في عام 2010، دوافع الشباب إلى الانضمام لتنظيم القاعدة. وعددت الدراسة أربعة دوافع رئيسية هي: "الثأر والانتقام، البحث عن تحقيق الذات، والبحث عن الهوية بالانتماء إلى مجموعة متجانسة، وأخيرًا التخلص من الرتابة والبحث عن الإثارة والمغامرة". وربما تبدو هذه العوامل مشعة بوجهة النظر الأمريكية البحتة، إلا أنها لم تخل من صحة كبيرة، وفتحت باب الدراسة أمام النظر إلى جاذبية التيارات العنيفة، وفق منظورات نفسية وشخصية، وعدم الاقتصار على البعد الأيديولوجي أو حتى الاجتماعي.

في تقرير صادر عن معهد "كوانتم" للاتصالات، في مارس /آذار 2015، تم إجراؤه بناءً على نتائج مقابلات شخصية مع فئات مختلفة من المنضمين للتنظيمات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية المعروف بـ"داعش". صُنفت فئات المنضمين إلى التنظيمات الجهادية إلى ثمانية فئات ودوافع رئيسة؛ هذه الدوافع هي البحث عن التقدير الذاتي والمكانة الاجتماعية، والبحث عن الهوية عبر الرغبة في الانتماء إلى مجموعة تحمل اهتمامات مشتركة، والسعي إلى الانتقام والثأر الشخصي، والسعي إلى الخلاص والتوبة أو محاولة التخلص من ماضي الشرور والآثام، والدوافع المالية وكسب العيش، والسعي إلى التفوق الأيديولوجي، وتحقيق العدالة، والبحث عن "الموت القيم" أو إيجاد طريقة ذات معنى للتخلص من الحياة.

ربما يعرج بنا مثل هذا التصنيف إلى ذكر "عمر متين" منفذ الهجوم على نادٍ للمثليين في فلوريدا، في يونيو /حزيران الماضي. والذي أشارت مصادر صحفية إلى أنه كان يرتاد ذات النادي الذي قام بتفجيره، وشوهد وهو يشرب الخمر عدة مرات، ولم يكن له نزوع واضح نحو التدين، فضلًا عن الالتحاق بجماعات عنيفة.! فيما يبدو أن الأمر الأكثر إثارة للانتباه بخصوص هذه الدراسات، هو إشارتها إلى أنه في معظم الحالات؛ فإن الشباب المجندين في صفوف التنظيم هم الذين سعوا للانضمام إليه، وليس هو من سعى إلى تجنيدهم. وهو ما يوضح إجابة سؤال عن أسباب استثمار التنظيمات العنيفة كثيرًا في بناء هوية جاذبة. وهو ما يوضح -أيضًا- جواب سؤال فشل الأيديولوجيا وحدها في تفسير الجاذبية التي تتمتع بها الجماعات المسلحة، المتبنية للعنف كمنهج رئيس للتغيير السياسي.

(2) المؤمنون الصادقون

لم ينازع
لم ينازع "إيريك هوفر" في كتابه بأن أتباع هذه الحركات دائمًا ما يكونون مؤمنين بصدق بأفكارها.
حين نأتي إلى دراسة الحركات الجماهيرية وطريقة تشكيلها ومسالكها، يبرز إلى الواجهة "إريك هوفر" فيلسوف الأخلاقية الأمريكي، ومؤلف الكتاب الشهير حول طبيعة الحركات الجماهيرية، والمعنون بـ"المؤمن الحقيقي" أو "المؤمن الصادق" في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي. كان كتاب "هوفر" يهدف بالأساس إلى البحث عن الجذور النفسية وراء صعود الحركات الشمولية. ورغم أن "هوفر" -وعلى مدار فصول كتابه المختلفة- كان يشكك، عن عمد أو بغيره، في مدى عمق استيعاب أتباع الحركات الجماهيرية لحقيقة أهدافها وأفكارها، إلا أنه لم ينازع في أن أتباع هذه الحركات دائمًا ما يكونون مؤمنين بصدق بأفكارها، رغم أن هذا الإيمان "الجماهيري" غالبًا ما يكون متقلبًا بطريقة مثيرة للفضول العلمي.


أشار "هوفر" في كتابه إلى ظاهرة "التبادلية بين الحركات الجماهيرية"، حيث يرى أنه في اللحظة التي يصبح فيها الناس جاهزين للانضمام إلى حركة جماهيرية، فإنهم يصبحون مستعدين للالتحاق بأكثر تلك الحركات فاعلية. وأنه يظل لديهم الاستعداد للتحول بين مختلف الحركات "المتنافسة"، وأن هذا التحول لا ينتهي بانضمام "المؤمن الصادق" إلى حركة ما، ولكن يظل قائمًا في الوقت الذي تتواصل فيه التفاعلات بين مختلف تلك الحركات الجماهيرية.

لا شك أن هناك فوارق تأسيسية، بين الحركات الجماهيرية والتنظيمات، تجعل تطبيق نفس القواعد على كليهما أمرًا متعذرًا من الناحية التقنية. ونحن هنا نتحدث بشكل خاص عن وجود إمكانية نظرية لحدوث انتقال فردي، أو ربما نزوح جماعي، للشباب على وجه الأخص، انتقال أو نزوح من تيار يتبنى التغيير السياسي السلمي، إلى آخر يتبنى خيارات أكثر عنفًا ومشقة، أو حدوث تطورات جماعية وتحول استراتيجي داخل نفس التيار.

ويمكننا ضرب مثال على ذلك بمصير جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر، في ظل الخلافات العميقة التي ولدها انقلاب يوليو /تموز 2013، والحملة الأمنية التي تلته، وصعود التيارات الجهادية في المنطقة، والجدل حول طبيعة المسار الذي يفترض أن تتخذه الجماعة. وما يجعل أفكار "هوفر" قابلة للتطبيق، بمستوى ما، في هذه الحالة هي حقيقة أن جماعة "الإخوان" دخلت في حالة "سيولة تنظيمية"، وبدأت تفقد السيطرة على أعضائها، بفعل القمع الأمني المولد للجدال الفكري، متحولة من تنظيم شديد الانضباط، إلى ما يشبه تيارًا شعبيًا محدودًا، فقدت أفكاره زخمها الجماهيري.

يصبح السؤال المطروح أكثر إلحاحًا، بالنظر إلى الخلاف التاريخي داخل أروقة الجماعة حول مشروعية "استخدام العنف في التغيير" وفق منهجها السياسي الإصلاحي. وبغض النظر عن الجدل حول العلاقة التنظيمية، الرابطة بين بعض قيادات جماعة "الإخوان"، وبين بعض المجموعات المسئولة عن بعض عمليات العنف متفاوتة الدرجات، والتي ظهرت في مصر في أعقاب انقلاب الثالث من يوليو، إلا أن المرصود بشكل كبير أن التيارات العنيفة صارت تتمتع بجاذبية أكبر بين صفوف الشباب في مصر، وفي مقدمتهم الشباب أصحاب التوجهات الإسلامية. وتأتي هذه الجاذبية مدفوعة بالإحباط الذي أصاب شباب تيارات الإسلام السياسي، بسبب الأداء غير الفاعل لتنظيماتهم، وفقدان هذه التنظيمات أي قدرة على الردع السياسي أو الميداني، في الوقت الذي تحقق فيه التيارات الجهادية نجاحات إعلامية على الأقل، وتنجح أذرعها في توجيه ضربات تبدو موجعة للأنظمة الإقليمية والدولية على سواء.

(3) الهوية الجهادية

undefined


باستخدام نظريات "هوفر"، يمكن اعتبار الجماعات الجهادية أقرب إلى الحركات الجماهيرية، مقارنة بجماعات الإسلام السياسي. ويبدو أن الجماعات الجهادية تعرف جمهورها ودوافعه جيدًا، وهي قادرة على توجيه الرسائل المناسبة له. وفي عصر الفضاءات المفتوحة، يبدو أن كل ما يتطلبه الأمر هو بث الرسالة المناسبة، وترك الشبكة العنكبوتية للقيام ببقية الأمور بكفاءة مطلقة؛ وهو ما جعل باحثًا مثل "أوليفيه روا" يذهب إلى أن الحركات الجهادية ولدت من رحم العولمة، وليس من رحم الإسلام السياسي؛ حيث توظف هذه الحركات منجزات العولمة، كوسائل الإعلام وشبكات الاتصالات الحديثة، بطريقة تُصعّب من مهمة محاصرتها. وفي الوقت الذي توفر فيه هذه التقنيات فرصًا أكبر للانتشار، فإنها تعد في ذاتها عوامل جذب للجمهور الشبابي.

في يناير /كانون الثاني 2015، بث تنظيم "ولاية سيناء" مقطع فيديو بعنوان "قسمًا لنثأرن"؛ يظهر عملية قتل نقيب الشرطة المصري "أيمن الدسوقي". يبدأ المقطع بصور لسيارات الترحيلات التي تنزل منها الفتيات المصريات المعتقلات؛ بينما نسمع في خلفية المقطع إنشادًا لكلمات: (يا أمتي والحزن يعصرني علام الانحناء.. ما بال رحلتك انتهت وخلعت ثوب الكبرياء). وبينما يخفت صوت النشيد تدريجيًا، يظهر صوت المعلق الذي عرفه المقطع باسم "أبي حمزة المهاجر"، ليتحدث بكلمات رنانة مثل: "اليوم ولغ الكلب في عرض الطاهرة.. وداس الفاجر الكافر حجاب العفيفة"، ويُستأنف النشيد المؤثر، ويواصل المقطع عرض صور الاعتداء على الفتيات من قبل السلطات، بينما يعود الصوت من جديد ليؤكد تعهد "جنود الخلافة"، كما أسماهم، بالثأر لـ"المسلمات العفيفات"، والانتقام لكرامتهن، قبل أن يتم بث مشهد القبض على الضابط المصري وإعدامه.

طالما كانت التيارات الجهادية تعمد إلى مداعبة خيالات القواعد الشبابية، لتيارات الإسلام السياسي، وذلك بالتركيز على شعارات "الجهاد" المعتادة، وتسليط الضوء على قدرته على الردع والانتقام، في مقابل "الانبطاح السياسي" لقيادات "الإخوان".

تأتي هذه المداعبة في سياق سعي التنظيمات الجهادية إلى بناء هوية جاذبة لجمهورها من الشباب، تركز على إظهارها بمظهر القوة. وربما لا تهدف المشاهد الدموية إلى خلق مناخ من الخوف والرهبة، عند الجمهور المستهدف بمثل هذه المقاطع، بقدر ما تهدف -نفسيًا- إلى تصدير الشعور بالقوة إلى الشباب الباحث عن التغيير، ومداعبة هذه الرغبة عسيرة التحقق في عالم متشابك ومعقد كعالمنا الآن. وكثيرًا ما تثبت تجارب الأفراد والمجتمعات، أن غياب الرضا عن الوضع القائم، لا يكفي وحده لإحداث رغبة حقيقية في التغيير، سوى إذا شعر صاحبه بامتلاك القدرة عليه.

وتعمد التيارات الجهادية إلى تصدير صورة سريعة وغير قابلة للجدل، تظهر قدرتها دومًا على فرض وقائع جديدة، سواء من حيث قدرتها على السيطرة على الأرض، كما في شعار تنظيم الدولة الإسلامية الشهير (باقية وتتمدد)، أو من حيث قدرتها على ردع الأنظمة الوطنية والدولية.

من ناحية أخرى؛ تبث هذه الجماعات محتوى شبابيا يمزج مضمون الأمل بمضمون القوة؛ سواء كان هذا الأمل شخصيًا؛ من حيث الحياة الرغدة، أو الحصول على المال، أو تحقيق الثأر الشخصي، أو جماعيًا؛ بالتمدد في المزيد من الأراضي وبسط سيطرة الإسلام، أو حتى في رمزيات نهاية التاريخ. كما يظهر في تسمية التنظيم لمجلته الأشهر باسم "دابق" وهو اسم منطقة تقع في الريف الشماليّ لحلب في الشام؛ لا يخلو الاسم -كما هو واضح- من مداعبة واضحة لأحلام الشباب السني، من خلال استدعاء ملاحم نهاية الزمان.

(4) فقدان المناعة
من المرجح أن تتمسك القيادات التقليدية لجماعات
من المرجح أن تتمسك القيادات التقليدية لجماعات "الإسلام السياسي" بخطابها المتمسك بالتغيير السلمي، في ظل الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها من الغرب، حول تبنيها لأيديولوجيات مسؤولة عن أعمال العنف

في تحقيق لمركز "كارنيغي" الدولي لأبحاث السلام، تم نشره في يوليو /تموز 2015، خلص الباحثان "ناثان براون" و"ميشيل دن" إلى أن جماعة "الإخوان المسلمين" باتت "محشورة" بين حملة غير مسبوقة من جهاز أمن الدولة، وبين جيل الشباب الإخواني، الذي يلحّ على اتّخاذ إجراءات أكثر حزماً ضد نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. ورغم وجود نزوع عام لثقافة المواجهة، تقوده دوافع الثأر والانتقام؛ إلا أن الحالات المرصودة للانتقال الفعلي إلى تبني نهج التغيير العنيف، لا تزال أقل من أن تصبح ظاهرة.

ليس من المرجح أن يتغير المزاج العام للشباب من ذوي التوجه الإسلامي في مصر في الوقت الراهن، طالما ظل المزاج الجهادي مهيمنًا، إلا أن حدوث موجات انتقال جماعي مرصودة إلى العمل العنيف، سواء بالانضمام إلى الجماعات الجهادية القائمة، أو تشكيل تنظيمات جديدة ليس مرجحًا في وقت قريب. لا يرجع ذلك إلى وجود مناعة أيديولوجية ضد تبني توجهات عنيفة، بين صفوف الشباب من ذوي الميول الإسلامية؛ حيث يحمل معظمهم مفاهيمًا تكوينية قابلة لإعادة إنتاجها وتشكلها حول الجهاد، ولكن وتيرة الانتقال نحو تبني خيارات عنيفة ستكون مرتبطة بمدى قدرة هذه الخيارات على فرض وقائع وحلول جديدة، إضافة إلى تمدد أو انحسار المشهد الجهادي الإقليمي.

على المستوى التنظيمي، من المرجح أن تتمسك القيادات التقليدية لجماعات "الإسلام السياسي" بخطابها المتمسك بالتغيير السلمي، في ظل الضغوط الكبيرة التي تتعرض لها من الغرب، حول تبنيها لأيديولوجيات مسؤولة عن أعمال العنف، ومن أمثلة ذلك التحقيق البريطاني الحكومي في أنشطة جماعة "الإخوان المسلمين"، والمشروع الذي تم طرحه أمام اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي، والذي يقترح تصنيف الإخوان كـ"منظمة إرهابية". ما يعني أن معظم القواعد الشبابية للجماعة سوف تظل في حالة تجميد فعلي بحكم الأمر الواقع لفترة ليست قليلة، إلا أنه تجميد لا ينفي حقيقة راسخة: تنظيمات التغيير العنيف للسلطة أكثر جاذبية للشباب بكثير من جماعات الإصلاح السياسي السلمي، وهي الحقيقة التي لا يبدو أنها ستتبدل قريبًا.!

المصدر : الجزيرة