العمل الحقوقي.. نضال ضد السلطة أم تفاهة بلا جدوى؟

مسألة التفاهة أيضا ذكرت كثيرا في روايات الأديب التشيكي ميلان كونديرا، تحدث عن تفاهة الحب والعلاقات العاطفية وعن صناعة مغامرات عاطفية من قِبل الشرطة لابتزاز المعارضين، تحدث عن تفاهة الحياة وخفة الإنسان التي لا تحتمل.
في ظل مناخ موت السياسة الذي تعيشه الشعوب العربية، تستفز أفكار حنّا وكونديرا -بشأن التفاهة- عقولنا بسؤال، لماذا نستثني النضال من "حفلة التفاهة"؟ وهل يمكن أن يكون النضال تافها؟
في سياق النضال، فإننا نناضل بهدف تحقيق العدالة وإرساء قيم ديمقراطية و… لكن هل يمكن أن يكون نضالنا مستحيل بسبب استثنائية الظرف التاريخي الذي نعيشه كما في محاكمة آيخمان؟ علينا أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى تؤثر أفعالنا "النضالية" في إزعاج وخلخلة الأنظمة الديكتاتورية؟ هل حقا تخشى الأنظمة من نضال يسير على طريق هي من مهدته وأرست قواعد لعبته؟
مسألة أخرى اعتمدت عليها حنّا في فكرتها وهي مسألة (الاعتيادية الشديدة) بعد فترة من الوقت وبحكم التكرار اليومي وتنفيذ الأوامر، لم يرتكب آيخمان الشر بقصد ووعي، بل ارتكبه ببساطة لأنه "موظف" اعتاد على إرسال اليهود في شاحنات إلى مقر اعتقال أوشفيتز كما الآلة بالضبط، دون التفكير فى حكم أخلاقي على ما يقوم به.
فى هذه المسألة بالتحديد يوجد تشابه كبير بين تفاهة الشر والنضال، بالنسبة للبعض فإن النضال الحقوقي "وظيفة"، بالطبع من حق الحقوقي أن يتقاضى مكافآت مجزية نظير مجهوده، ليس فى هذا أزمة، إنما الأزمة أن يتحول النضال إلى تكرار يومي واعتياد وظيفي، يفقد الشخص معه التفكير والشعور بالسعادة لعمل الخير (النضال).
العمل على إخراج التقارير الحقوقية عن السجون أو الإخفاء القسري أو التعذيب، في ظل العجز عن تقديم شيء آني للضحايا يُنتج سؤالا ملحا: إلى أي مدى يصح إطلاق اسم النضال على تقديم تقارير لا تفيد إلا في جمع معلومات وبناء أرشيف للقهر؟
في كتابها "في الثورة" تتحدث حنّا عما يمكن اعتباره اعتيادية النضال في مفهومها "الثوري المحترف" حيث تقول "الثوري المحترف هو ذلك العضو من الطبقات الميسورة المتمتعة بالرفاه والفراغ، الذي يقضي وقته في التفكير والتنظير والمساجلة عن موضوع واحد هو الثورة".
بعيدا عن اعتيادية النضال، من الانتقادات التي كثرت بعد الربيع العربي ضد أحزاب وحركات المعارضة الناعمة قبل الربيع العربي أن معارضتها الشكلية والمحدودة كانت تعطي مشروعية للأنظمة المستبدة وتستخدمها للتسويق لها بحجة أنها أنظمة ديمقراطية يُكفل فيها حق المعارضة. من المناسب هنا أن نسأل، هل يختلف وضع المعارضة الناعمة تلك عن وضع النضال في الوقت الحالي؟
أما بالنسبة لكونديرا فالأمر مختلف وعلى النقيض، وتكمن وصية كونديرا بألا نأخذ العالم على محمل الجد: "أدركنا منذ زمن طويل أنه لم يعد بالإمكان قلب هذا العالم، ولا تغييره للأفضل، ولا إيقاف جريانه البائس للأمام، لم يكن هناك سوى مقاومة وحيدة ممكنة، ألا نأخذه على محمل الجد".