شعار قسم ميدان

هل تحكمنا الأقدار أم نحن من يرسم مسارها؟

midan - 187-1-main

من الكتب الموضوعة على طاولات القهوة ووسائل التواصل الاجتماعي إلى المحاضرات العلمية الشهيرة، يبدو أنه أصبح من الموضة بالنسبة لعلماء الأعصاب والفلاسفة وغيرهم من المعلقين أن يخبروا شخصا قد يستمع إليهم أن الإرادة الحرة مجرد أسطورة.

  

لكن لماذا يُعتبر هذا النقاش مهما بالنسبة لأي شخص إلا طالب فلسفة حريص على تأجيل موعد محتمل؟ في الواقع، تشير مجموعة من الأدلة المستمدة من علم النفس إلى أن الإيمان بالإرادة الحرة يشكل جزءا كبيرا من سلوكنا. وقد أصبح من الواضح أيضا أن الطريقة التي نتحدث بها عن الإرادة الحرة تؤثر على إيماننا بها، أدى استخدام الحجج القطعية الهادفة إلى تقويض إيمان الناس بالإرادة الحرة إلى عدد من النتائج السلبية شملت ارتفاع معدل الغش والعدوانية. كما رُبِطَت بتراجع سلوكيات التعاون وخفض الشعور بالامتنان.

     

وأظهرت دراسة حديثة أنه من الممكن خفض إيمان الناس بالإرادة الحرة ببساطة عن طريق جعلهم يقرأون مقالة علمية تشير إلى أن كل شيء محدد سلفا. وقد جعل هذا الأمر المشاركين أقل رغبة في التبرع للقضايا الخيرية (مقارنة بالمجموعة التي تقارن بها). وقد لوحظ هذا فقط في المشاركين اللادينيين.

      undefined

     

يزعم العلماء أن هذه النتائج قد تكون ناجمة عن تراجع الإحساس بالمسؤولية والسيطرة المصاحبة لاعتقادنا بأننا أحرار في الاختيار. وبالمثل، ربما نشعر أيضا بمسؤولية أخلاقية أقل تجاه أفعالنا، قد لا يكون غريبا أن تُظهر بعض الدراسات أن الأشخاص الذين يؤمنون بالإرادة الحرة هم أكثر قابلية لتحقيق نتائج إيجابية في حياتهم، مثل السعادة والنجاح الأكاديمي وتحسين الأداء في العمل. ومع ذلك، قد تكون العلاقة بين الإيمان بالإرادة الحرة ونتائج الحياة معقدة، لذلك لا تزال هذه العلاقة محل جدل.

     

ازدواجية مزعجة

يبدو أن اللغة والتعريفات مرتبطة بما إذا كنا نؤمن بالإرادة الحرة. عادة ما يشير أولئك الذين يرفضون وجودها إلى تعريف فلسفي كقدرة وعينا (أو روحنا) على اتخاذ قرار، بغض النظر عن العمليات الدماغية أو الأحداث السببية السابقة. ولتقويضه، غالبا ما يربطونها بـ "الحتمية" في الفيزياء الكلاسيكية. ببساطة لا تسمح قوانين نيوتن للفيزياء بوجود الإرادة الحرة، وبمجرد وضع نظام حركة فيزيائي فإنه يسير وفقا لمسار يمكن التنبؤ به بشكل كلي.

   

وفقا لقوانين الفيزياء الأساسية، فقد تم ترميز كل ما يحدث في الكون في ظروفه الأولية. من الانفجار العظيم إلى الأحداث التي تلته، شكلت تفاعلات السبب والنتيجة الميكانيكية للذرات النجوم والكواكب والحياة وأخيرا الحمض النووي ودماغك. لقد كانت كلها حتمية. ولذلك كان من المقدر لدماغك أن يعالج المعلومات كما يفعل الآن، لذا فإن كل قرار ستتخذه في أي وقت هو محدد سلفا. أنت (وعيك) مجرد متفرج، عقلك مسؤول عنك. لذلك ليس لديك إرادة حرة. هذه الحجة معروفة باسم الحتمية.

  

لكن هذا النهج مزدوج بشكل سخيف، إذ يُلزم الناس بأن يروا وعيهم كذاتهم الحقيقية ودماغهم كشيء منفصل عنهم. على الرغم من كونه وصفا دقيقا للتعريف الفلسفي للإرادة الحرة، وهذا يتعارض مع ما يعتقده الناس العاديون -وكثير من العلماء- في الواقع.

     undefined

    

في الواقع، يبدو أن آلية عمل أدمغتنا تؤثر فعليا على وعينا. يمكن لغالبيتنا أن يدرك بدون شك أن تناول الكحوليات، التي تؤثر على أدمغتنا، تقلل لاحقا من قدرتنا على اتخاذ خيارات عقلانية بطريقة تتجاوز قدرة مداركنا على تجاوزها ببساطة. في حقيقة الأمر، نميل إلى تقبل أن وعينا هو نتاج عقولنا، وهذا ينفي ثنائية الجسد والروح. فالأمر ليس كما يبدو بأن أدمغتنا تتخذ قراراتنا، بل إننا نستخدم أدمغتنا لاتخاذ قراراتنا، يُعرّف معظم الناس الإرادة الحرة بأنها القدرة على اتخاذ خيارات تحقق رغباتهم بدون قيود. هذا التفسير المتواضع للإرادة الحرة أغفل نظريات مثل السببية الحتمية وصولا إلى "الانفجار الكبير".

  

ولكن كيف لنا أن نستوعب النظريات المؤيدة والمعارضة لوجود الإرادة الحرة دون الشعور بالتهديد والتقويض للتقييمات الأخلاقية للأمور؟ إحدى هذه الطرق هو التعبير عن نظريات الحتمية بطريقة يفهمها الناس.

   

على سبيل المثال، عندما يقول المؤمن بالحتمية إن "تفاعلات السبب والأثر منذ الانفجار الكبير شكلت الكون وعقلك بطريقة جعلت كل قرارتك حتمية"، يمكن أن نستبدلها بلغة أكثر شيوعا. على سبيل المثال، "إن ميراث عائلتك وتجربتك الحياتية صنعت الشخص الذي أنت عليه من خلال تشكيل عقلك ووعيك".

   

من وجهة نظري، فإن كلا الجدالين يتساويان في الحتمية، "ميراث العائلة" هو طريقة أخرى لقول الحمض النووي، في حين أن "تجارب الحياة" هي طريقة أقل صعوبة في وصف الأحداث السببية السابقة. ولكن الأهم من ذلك أن الأخير يسمح بشعور أكبر بالحرية، مما يقلل من أي آثار سلبية محتملة على السلوك.

      

undefined    

غموض الكم

يعتقد البعض أن فكرة الحتمية العلمية تم دحضها بظهور ميكانيكا الكم، التي تحكم العالم الصغير المكون من الذرات والجسيمات. وفقا لميكانيكا الكم، لا يمكنك التنبؤ بشكل مؤكد حول الطريق الذي سوف يسلكه الجسيم للوصول إلى الهدف، حتى لو كنت تعرف جميع حالاته الأولية.

   

كل ما يمكنك فعله هو تقدير الاحتمال، وهو ما يعني أن الطبيعة أقل قابلية للتنبؤ بكثير مما توقعنا. في حقيقة الأمر، فقط عندما تقيس مسار الجسيم فعليا "تختار" مسارا محددا، حتى ذلك الحين يمكن أن تتخذ عدة مسارات في آنٍ واحد.
 

في حين أن مثل هذه التأثيرات الكمية لا تكاد تنطبق على الأشخاص ومسائل الحياة اليومية، إذ تبين مؤخرا أنها قد تلعب دورا في بعض العمليات البيولوجية، بداية من التمثيل الضوئي وصولا إلى تحليق الطيور. حتى الآن ليس لدينا أي دليل على أنهم يلعبون أي دور في الدماغ البشري، ولكن هذا لا يعني بالضرورة العكس، الأشخاص الذين يستخدمون التعريف الفلسفي والفيزياء الكلاسيكية ربما يرفضون عن اقتناع وجود الإرادة الحرة. ومع ذلك، ربما يجدر بهم ملاحظة أن الفيزياء الحديثة لم تنفِ قطعيا وجود الإرادة الحرة.

  

في النهاية، وجود الإرادة الحرة أو عدمها لا يعتمد على تعريفك للأمر. إذا كنت ترغب في إنكار وجودها، فيمكنك ذلك لكن عليك إيجاد تعريف واضح لهذه المفاهيم. وكن على علم بأن هذا قد يؤثر على حياتك أكثر بكثير مما تعتقد.

——————————————

ترجمة (فريق الترجمة)

(الرابط الأصلي)