من زوايا مختلفة.. إليك 8 روايات تتناول القضية الفلسطينية
في روايتها "الطنطورية"، تتساءل الكاتبة الراحلة رضوى عاشور: "كيف يحتمل كتاب صغير أو كبير آلاف الجثث.. قدر الدم.. كم الأنقاض.. الفزع؟"، لكن الكتب تتمكن من فعل ذلك، من حمل هذا الثقل بين سطورها، إذ تملك الكلمات قوتها الخاصة، التي تبث في الحقائق الرمادية الدماء، كي تصير قانية بلون الموت، لا تملك أن تشيح بناظريك عنها.
تظل حقائق التاريخ أحيانا أرقاما ومعلومات مجردة، وألفاظا لا تتجاوز في عقولنا ما هو أكثر من أصوات حروفها، حتى تراها رأي العين فتهز ضميرك، لتُحوِّل لفظ "مذبحة" من مجرد أصوات، ميم، وذال، باء، وحاء، وتاء مربوطة، بلا نبض ولا حياة إلى مذبحة حقيقية، تستدعي مشاهد الدم والصراخ والعويل، ويتحول ضحايا المذابح من مجرد أرقام إلى بشر من لحم ودم وحيوات مهدرة. هكذا يلعب الفن والأدب تحديدا دورا مهما في الفهم والرؤية، ومن ثم المقاومة. فيما يلي نستعرض مجموعة من أبرز الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها، التاريخية والإنسانية.
باب الشمس: إلياس خوري
"وحدها الحرب لا تحتاج إلى قبور، فالحرب قبر، الحرب لا تحتاج إلى أضرحة وشواهد، فالحرب ضريح نفسها، حتى المخيم، ما هو المخيم؟ إنه ضريح فلسطين".
(لياس خوري، باب الشمس)
تُعَدُّ رواية "باب الشمس" واحدة من بين أبرز الروايات التي تناولت القضية الفلسطينية، صدرت طبعتها الأولى عام 1998 عن دار الآداب، وتُرجمت إلى عدة لغات، وقد صُنِّفت ضمن أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين وفقا لقائمة اتحاد الكتاب العرب، كما قدمها المخرج المصري يسري نصر الله في فيلم سينمائي من جزأين.
في أكثر من خمسمئة صفحة يرسم الكاتب اللبناني إلياس خوري صورة ملحمية للسردية الفلسطينية، تمتد ما بين أحداث الثورة العربية الكبرى عام 1936 وحتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، مرورا بأحداث النكبة والشتات، وأحداث الحرب الأهلية اللبنانية ومذبحة صبرا وشاتيلا، وأيلول الأسود، وذلك في بناء مراوغ ينتقل فيه عبر الزمن ما بين الحاضر والماضي. الرواية تدور على لسان الدكتور خليل، الذي يعتني بأبيه الروحي المناضل يونس الأسدي في المستشفى بعد أن سقط في غيبوبة الاحتضار. يؤمن خليل أن التواصل معه عبر الحكاية قادر على شفائه وإعادته إلى الحياة، وهكذا يأخذنا عبر الصفحات، ما بين الماضي وقصة يونس وزوجته نهيلة، والحاضر وخليل وحبيبته شمس التي قُتلت وتفرق دمها بين العشائر.
وبين الحكايتين نتعرف على فلسطين المقاومة، وعلى أحداث النكبة، ومشاهدها في عدد من القرى الفلسطينية، وقسوة الحياة في مخيمات اللجوء. معتمدا على تيار الوعي يحكي الراوي حكاياته، والحكايات التي تلقاها من يونس قبل أن يروح في غيبوبته، وقد اعتمد إلياس خوري في روايته على عدد ضخم من الشهادات التي جمعها من المخيمات، فجاءت الرواية حيّة، بشخصيات من لحم ودم تحفل بعشرات القصص التي تشبه قطع فسيفساء في لوحة كبيرة تضج بالألم.
الطنطورية: رضوى عاشور
لن يغفر التاريخ أبدا تلك الليلة الدامية من ليالي مايو/أيار 1948 التي أقبلت تحمل مأساة جديدة بعد مرور نحو شهر من مذبحة دير ياسين، هذه المرة في قرية الطنطورة الفلسطينية، لكنها تختلف في كونها حدثت على أيدي رجال جيش دولة الاحتلال الوليدة، لا عصاباتها، وبعد نحو أسبوع واحد من إعلان قيامها. راح ضحية تلك الليلة ما يقرب من ثلاثمئة شخص، قُتلوا ودُفنوا في مقابر جماعية، تقع الآن تحت موقف سيارات ما يُعرف بـ"شاطئ موشاف دور".
في روايتها المنشورة في دار الشروق عام 2010، تستعرض رضوى عاشور الحكاية على لسان راويتها "رقية" الناجية من تلك المذبحة، التي فقدت فيها أمها وشقيقيها. تستعرض الأحداث الأشهر القليلة التي سبقت النكبة، والحياة اليومية في ظل المقاومة اليائسة، والترقب الخائف، مرورا بأحداث مذبحة الطنطورة، ثم خروج رقية من قريتها إلى مرحلة الشتات ما بين حياتها في لبنان، وأحداث الحرب الأهلية ومذبحة صابرا وشاتيلا، والاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتنتقل بنا الراوية عبر صيدا ثم بيروت وأبو ظبي والإسكندرية والعودة مرة أخرى إلى صيدا، مستعرضة أزمة الوجود الفلسطيني في الشتات، في رحلة امتدت عبر ثلاثة أجيال.
رجال في الشمس: غسان كنفاني
"لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟".
(غسان كنفاني، رجال في الشمس)
سؤال طرحه الكاتب والشاعر الفلسطيني غسان كنفاني في روايته القصيرة "رجال في الشمس" التي أصبحت واحدة من أشهر وأبرز الروايات التي تتناول القضية الفلسطينية، وهي أيضا واحدة من بين أبرز روايات مشروعه الذي تدور أغلب أعماله في سياق فن المقاومة، ما بين روايات وقصص وقصائد ومقالات ولوحات تشكيلية ودراسات نقدية، وهو مشروع يستحق التوقف عنده طويلا على الرغم من استشهاد غسان كنفاني في عمر مبكر، حيث اغتالته المخابرات الإسرائيلية في يوليو/تموز عام 1972. من بين أبرز أعماله "عائد إلى حيفا"، و"أم سعد" و"أرض البرتقال الحزين"، و"رجال في الشمس" التي ارتأينا اختيارها في قائمتنا.
على عكس الروايتين السابقتين فهذه الرواية قصيرة، تدور أحداثها في أقل من 90 صفحة. صدرت للمرة الأولى عام 1963 في بيروت، وقُدِّمت أحداثها في فيلم سينمائي سوري الإنتاج بعنوان "المخدوعون" للمخرج المصري توفيق صالح، وحصل على الجائزة الذهبية بمهرجان قرطاج للأفلام العربية والأفريقية عام 1973.
عبر أربع شخصيات محورية يقودنا غسان كنفاني لنشهد كيف دفعت قسوة وشظف العيش في المخيمات ثلاثة رجال للهرب إلى العراق ومنه إلى الكويت حيث فرص العمل التي رأوا فيها منقذا لهم من قسوة الظروف. يتفق الثلاثة مع مهرب يُدعى أبو الخيزران على أن يقوم بتهريبهم في شاحنة تحمل خزان ماء فارغا عبر الصحراء. لكن المسيرة تتعطل في إحدى نقاط التفتيش ليموت الرجال الثلاثة داخل الخزان من شدة الحرارة. وتختتم الرواية بالتساؤل الرمزي الذي يطرح المقاومة بوصفها فعلا أساسيا في مواجهة الموت، حيث يتساءل أبو الخيزران: "لماذا لم يدقوا جدران الخزان؟".
قناديل ملك الجليل: إبراهيم نصر الله
لا يمكننا التطرق إلى الروايات التي تتناول القضية الفلسطينية دون التوقف عند مشروع الروائي والشاعر الفلسطيني إبراهيم نصر الله، والمعروف بـ"الملهاة الفلسطينية"، وهو المشروع الذي بدأ الكاتب في العمل عليه منذ عام 1985، وامتد بنيانه الروائي ليغطي أكثر من قرنين ونصف قرن من التاريخ الفلسطيني. لا يحتاج القارئ إلى تتبع الروايات وقراءتها بترتيبها الزمني أو بترتيب نشرها، فكل رواية منها مستقلة بأحداثها وشخصياتها والزمن الذي تتناوله وبنيتها السردية، ومن بين أبرز روايات الملهاة الفلسطينية "قناديل ملك الجليل".
"سيصبح كلُّ رجل بطلا حين يتجوّل في الطرقات، كما شاء، دون أن يعترض طريقه أحد، أو ينال من كرامته أحد، أو يسرق قوت عياله أحد، أو يعبث بحياته أحد، أو يقيّد حريته أحد. وتكون البطولة حين تسير امرأة بمفردها فيهابها الجميع، لأنها بطلة على جانبيها أطياف مئات البطلات والأبطال. أريد شعبا كاملا من الأبطال، لا شعبا من الخائفين بين هذين البحرين: بحر الجليل وبحر عكا. البطولة الحقيقية في أن تكونوا آمنين إلى ذلك الحد الذي لا تحتاجون فيه لأي بطولة أخرى".
(قناديل ملك الجليل، إبراهيم نصر الله)
الرواية هي السابعة في الترتيب الزمني للنشر، لكنها الأولى من حيث زمن الأحداث. صدرت طبعتها الأولى عام 2011، وتمتد أحداثها بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، ما بين عامي 1689-1775 في أكثر من خمسمئة صفحة من القطع الكبير، يعود فيها لرواية قصة ظاهر العمر الزيداني، الذي تمرد على الحكم العثماني ويُعتقد أنه سعى لإقامة أول دولة وطنية عربية بالمفهوم القومي الحديث في فلسطين.
يتكئ إبراهيم نصر الله على التاريخ، لكنه يسكب فيه من خياله ليُحوِّل الشخصيات التاريخية إلى شخصيات من لحم ودم، يستعيد من خلالها جذور الهوية الممتدة في عمق التاريخ، بلغة شاعرية وبنية تتماس مع التاريخ والأسطورة وسير الأبطال.
زمن الخيول البيضاء: إبراهيم نصر الله
صدرت الرواية السادسة من روايات مشروع الملهاة الفلسطينية في عام 2017 بالتزامن مع اقتراب الذكرى الستين للنكبة، ووصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية "بوكر" عام 2009، كما تُرجمت إلى الإنجليزية، وعمل المؤلف على تحويلها إلى سيناريو لمسلسل تلفزيوني من إخراج حاتم علي، لكن المشروع توقف ولم يتم.
وتدور أحداث الرواية على مدار نحو 130 عاما تمتد من نهايات القرن التاسع عشر وحتى النكبة، في رواية ملحمية للوجود الفلسطيني التاريخي المرتبط بالأرض، يؤرخ من خلالها الكاتب للوضع الفلسطيني من زمن العثمانيين وحتى النكبة، من خلال سرد محكم بديع دفع العديد من النقاد إلى تسميتها بـ"الإلياذة الفلسطينية". تنطلق الأحداث في قرية الهادية الواقعة في ضواحي القدس في أواخر زمن الحكم العثماني لفلسطين حتى النكبة عام 1948، على مدار ثلاثة أقسام: الريح، والتراب، والبشر. من خلال سرد ملحمي للأحداث المصاحبة لانتهاء الحكم العثماني لفلسطين، ودخول الاحتلال الإنجليزي، ومرحلة انتشار العصابات الصهيونية، والمستوطنات والمقاومة، وحتى النكبة، بكل ما أحاط بهذه المرحلة من تعقيدات تاريخية، وذلك من خلال سيرة عائلية تمتد لثلاثة أجيال، عبر حكايات البشر والخيول، حيث نتعرف على البطل الملحمي خالد وحكايته مع فرسه، بكل دلالاتها الرمزية.
وبالإضافة إلى غنى العالم الروائي، فالرواية مليئة بالهوامش التي تُلقي الضوء على عدد كبير من الأحداث التاريخية، لكل مَن أراد الإلمام بهذه الفترة التاريخية المهمة.
ثلاثية الأجراس
"حين يقايض الثوار ثوراتهم بالوعود يخسرون كل شيء، لا أعرف كيف قبلوا أن يقايضوا عملا وأملا وغضبا وحلما بوعود. يا مرتا سنشتهي يوما كنا نجوع فيه ونُطارَد ونُسجَن ونُقتَل، ونفضله على يوم لا نفعل فيه شيئا سوى انتظار أن ينصفونا. يا مرتا لن ينصفنا أحد إن لم ننصف أنفسنا".
(دبابة تحت شجرة عيد الميلاد)
تجمع ثلاثية الأجراس بين ثلاث روايات قصيرة نسبيا من روايات الملهاة الفلسطينية هي "ظلال المفاتيح" و"دبابة تحت شجرة عيد الميلاد" و"سيرة عين". في "ظلال المفاتيح" تدور أحداثها من عام 1947 حتى عام 1987، تتبع الرواية اللقاءات المتكررة بين امرأة فلسطينية تدعى أم جاسر وناحوم، المجند الإسرائيلي المراهق الذي يصبح فيما بعد قائد إحدى كتائب جيش الاحتلال. يلتقيان في المرة الأولى عام 1948 حين كان ناحوم مجندا مراهقا لجأ للاختباء في عش طيور في إحدى المزارع، ورغم كل المجازر التي ارتكبها جنود الاحتلال، ترفض أم جاسر قتله، بعد أن احتمى بدارها خاصة لكونه في عمر ابنها جاسر. يلتقيان مرة أخرى في 1967 أثناء النكسة، ثم مرة أخيرة في عام 1987 مع بداية الانتفاضة، وقد أصبح ناحوم قائدا لكتيبة من كتائب جيش الاحتلال.
بينما تصور "سيرة عين" حكاية المصورة الفلسطينية الرائدة كريمة عبود، التي وُلدت عام 1893 وتوفيت في أوائل أربعينيات القرن الماضي وتمكنت من اقتحام مجال التصوير الفوتوغرافي، لتنال موقع الريادة في فلسطين والعالم العربي، بعد أن كان هذا المجال حكرا على الرجال. أما رواية "دبابة تحت شجرة عيد الميلاد" فهي تتبع الأحداث منذ الحرب العالمية الأولى وحتى الانتفاضة الأولى عبر عدة أجيال، تدور أحداثها في قرية بيت ساحور، متتبعا حكاية غرام تختلط فيها المشاعر بالموسيقى والفن، مع المقاومة ضد الانتداب البريطاني وبدايات الوجود الصهيوني.
الوقائع الغريبة لاختفاء سعيد أبي النحس: إميل حبيبي
تقع هذه الرواية موقعا مختلفا ومميزا بين مختلف الروايات التي تناولت أحداث القضية الفلسطينية، سواء من حيث البنية التي تمزج بين الفانتازيا الحداثية، والحكايات الشعبية الفلسطينية واستلهام التراث العربي الشفاهي والمكتوب، أو على مستوى التناول، حيث ركزت على أوضاع الفلسطينيين الذين اضطروا للتعايش داخل حدود دولة الاحتلال.
تدور أحداث الرواية على لسان سعيد أبي النحس المتشائل، التي هي لفظة تمتزج فيها لفظتا المتشائم والمتفائل تماما كما تمتزج المشاعر والأحداث والتناقضات في الحياة اليومية للفلسطيني. تتسلسل الأحداث على لسان الراوي بأسلوب الرسائل المنفصلة، متتبعة حياته في ثلاثة أقسام تحمل أسماء النساء الثلاث في حياته، يعاد وباقية ويعاد الثانية، في رمزية واضحة لمفاهيم العودة والبقاء في الأرض.
الراوي يستسلم منذ البداية، ويختار موقف الواشي المهادن ويتعاون مع الغزاة. طبيعة الرواية الأميل إلى الغرائبية قد لا تناسب بعض القراء، لكنها تُعَدُّ واحدة من أهم الروايات العربية، وتمنح قراءتها أبعادا مختلفة لقراءة الواقع من خلال السخرية المريرة والفانتازيا المركبة.
ربيع حار: سحر خليفة
في روايتها "ربيع حار" الصادرة عام 2004، تستكشف الروائية الفلسطينية سحر خليفة تحولات المجتمع الفلسطيني مع الانتفاضة الثانية، من خلال رصد عائلة من أبناء الجيل الثاني من أجيال الشتات الفلسطيني، عبر حكاية الأخوين أحمد ومجيد، تبدأ الأحداث بولدين منشغلين بحياتهما اليومية، وبعيدين كل البعد عن الشأن العام، لكن سرعان ما تنقلب حياتهما رأسا على عقب، بعد اعتقال الأخ الأصغر وانخراط الأكبر في الأحداث المرتبطة بحصار الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات.
يتحول الأصغر إلى العمل في إسعاف المصابين في عمليات الاجتياح، والأكبر إلى مراسل صحفي. تتناول الرواية نضال النساء في المجتمع الفلسطيني، وتغيرات المجتمع فيما بعد اتفاقية أوسلو وانشغال الساسة عن الشعب بطموحاتهم الخاصة، والجانب الإنساني الدقيق للعلاقات التي تنشأ بين الفلسطينيين والمستوطنين، التي سرعان ما يجهضها الواقع القاسي. تُرجمت الرواية إلى عدد من اللغات ونجحت في تحقيق صدى كبير خارج الوطن العربي وداخله.