شعار قسم ميدان

هارب من الموت.. ماذا شاهد الجغرافي والرحالة ياقوت الحموي في هجوم التتار؟

"لا أعلم أني رأيتُ أعظم منها مدينة، ولا أكثر أموالا وأحسن أحوالا، فاستحالَ ذلك كلّه بتخريب التتر إياها حتى لم يبقَ فيما بلغني إلّا معاملها، وقتلوا جميع من كان بها".

(ياقوت في وصفه خراب التتار لمدينة خوارزم في وسط آسيا)

في الربع الأول من القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي، كان العالم الإسلامي لا يزال يعاني من بقايا الإمارات الصليبية في سواحل بلاد الشام، وكان العباسيون يتمتعون بنوع من الاستقلال والمكانة الدينية المتميزة في موطنهم العراق، بينما حكم الأيوبيون كلًّا من شمال العراق وبلاد الشام ومصر وفلسطين واليمن وشرق ليبيا، وفي مشرق العالم الإسلامي وبلاد ما وراء النهر تمتَّع الخوارزميون الأتراك الذين أنشأوا دولتهم على أنقاض السلاجقة بنفوذ وقوة لا يُستهان بها.

لكن في الهضبة المعروفة باسم منغوليا شمال صحراء غوبي التي تمتد في وسط آسيا جنوب سيبريا وشمال التبت وغرب منشوريا وشرق التركستان وشمال الصين، كانت قبائل المغول تتحضر لقدر سيُغيِّر مصيرها ومصير العالم، ويجعل هؤلاء الرُّحل الوثنيين إمبراطورية تُرعب العالم كله. ففي عام 549هـ/1155م وُلد فتى اسمه تيموجين كان والده زعيما لقبيلة قيات المغولية، وقد سار ابنه على درب والده في الزعامة وتوحيد القبائل المغولية القريبة وإخضاعها، لكن تيموجين كان أعظم شأنا، وأكثر طموحا من أن يكون زعيما محليا على مجموعة من القبائل الرحل.

وبعد عقود من التعب والكد والقوة، حكم تيموجين معظم قبائل المغول، وقد أُقيم حفل عظيم لهذه المناسبة، وأجمع الحاضرون على انتخابه إمبراطورا عليهم ولقّبوه بـ "جنكيز خان"، ومعناه بلُغتهم "أعظم الحكّام". وبحسب مؤرخي المغول فإن عام 600هـ/1203م يعتبر بداية دولة جنكيز، وفي عام 603هـ/1206 أصدر "جنكيز خان" دستوره الشهير الذي حدَّد طبيعة العلاقات السياسية والاجتماعية للمغول المعروف بـ "الياسا"[1]، أو كما تُسميه بعض المصادر التاريخية العربية بـ "اليسَق".

في الأعوام الخمسة عشرة التالية توسَّعت دولة المغول إلى شمال الصين ووسط آسيا، وفصل بينها وبين العالم الإسلامي دولة الخوارزميين والدولة القراخطائية (1134-1211م). وكان الخوارزميون الأتراك المسلمون في وسط آسيا وإيران يدفعون للقراخطائيين (يدينون البوذية) جزية سنوية، لكنهم قرَّروا عام 607هـ القضاء على هذه الدولة، وهو ما تم لهم.

بيد أن السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد بن تكش (ت 617هـ/1220م) لم يُدرك أن القضاء على القراخطائيين سوف يضعه في مواجهة مباشرة مع إمبراطورية المغول الصاعدة بقيادة جنكيز خان الذي استولى آنذاك على شرق القارة الآسيوية كاملا. وكان الخوارزميون من جهتهم يتمتعون بالنفوذ وغرور القوة والانتصارات على الأعداء المحيطين بهم، ومن ثمَّ كان الصدام بين الفريقين قادما لا محالة إن آجلا أم عاجلا.

شهد عاما 616 و617هـ انطلاقة المغول الأولى وهجومهم على العالم الإسلامي، وتصادف ذلك وجود رحّالة وجغرافي مسلم لامع هو ياقوت بن عبد الله الحموي (ت 626هـ/1229م) يطوف بُلدان وسط آسيا للتجارة والاستكشاف والتعلُّم، فكتب في ثنايا موسوعته الجغرافية الشهيرة "معجم البلدان" عن مشاهد وأجواء ذلك الرعب والهول الذي ابتُلي به العالم الإسلامي بسبب هجمات التتار.

فمَن هو ياقوت الحموي؟ وماذا كتب عن مشاهد غزو المغول للعالم الإسلامي؟ ولماذا غزا المغول دولة الخوارزميين وصولا إلى حدود العباسيين في العراق؟

يُخبرنا جمهرة من المؤرخين أن قضاء الخوارزميين على دولة القراخطائيين التي فصلت بينهم وبين المغول في بداية القرن الثالث عشر الميلادي هو السبب المباشر للغزو التتاري، وأن مؤسسي الخوارزميين الأوائل أدركوا خطورة القراخطائيين، لكنهم أدركوا أيضا الأهمية الجيوسياسية لهذه الدولة التي فصلتهم عن المغول والصينيين. بيد أن محمد بن تكش الخوارزمي اضطر لخوض الحرب أمام هذه الدولة التي لم تتوقَّف هجماتها على قرى المسلمين ومدنهم في بلاد ما وراء النهر، حتى إنهم أخضعوا مدينة سمرقند وما حولها إلى نفوذهم وسلطانهم، وكان أميرها عثمان خان يدفع لهم الجزية السنوية.

لهذا السبب وغيره دخلت الدولتان في حرب فاصلة أنهى فيها الخوارزميون وجود القراخطائيين، وتوسَّعوا غربا حتى صارت حدودهم على تماس مع دولة جنكيز خان. ويتفق كثير من المؤرخين أن طمع "ينال خان" والي مدينة أُترار، المعروفة تاريخيا بفاراب جنوب كازاخستان اليوم -وهي ملتقى التجارات بين شرق وغرب ووسط آسيا آنذاك-، وقتْلَه لوفد من التجار المغول ونهبه أموالهم وبضاعتهم هو السببُ في تسارع أحداث الصدام بين الدولتين.

في أعقاب تلك الحادثة، أرسل جنكيز خان إلى السلطان علاء الدين الخوارزمي وفدا مكوَّنا من ثلاثة مسلمين من أبناء دولته في يدهم رسالة جاء فيها: "إنك قد أعطيتَ خطّكَ (عهدك) ويدك بالأمان للتجار ألا تتعرَّض إلى أحد منهم، فغدرتَ ونكثتَ، والغدر قبيح، ومن سُلطان الإسلام أقبح، فإن كنتَ تزعم أن الذي ارتكبه ينال خان كان من غير أمر صدَر منك فسلِّمْ ينال خان إليَّ لأجازيه على ما فعل حقنا للدماء، وتسكينا للدهماء، وإلا فأذن بحرب ترخصُ فيها غوالي الأرواح"[2].

رفض السلطان الخوارزمي هذا التهديد، ولم يقف عند هذا الحد، بل قتل السفراء الثلاثة، وقيل قتل واحدا منهم، وبهذا قطع السلطان حبل التواصل الدبلوماسي، ويقول المؤرخ الجويني: "إن كل قطرة من دماء هؤلاء التجار قد أجرَت نهرا من دماء المسلمين، وكان القصاص لكل شعرة مئات الآلاف من الرؤوس"[3]. وقد صدق المؤرخ الجويني، فقد أطلق جنكيز خان شارة البدء بالهجوم على الخوارزميين، فانطلقت جحافله، وقسَّم جيوشه، واستخدم أبشع الأساليب العسكرية التي بثَّت الرعب في قلوب المسلمين آنذاك.

وقد أجبر التتار المنهزمين من المسلمين على قتال إخوانهم وأقاربهم وجيرانهم في القرى والمدن التالية، وهكذا دواليك، فضلا عن استخدام أبشع الأساليب في قتل النساء والأطفال والشيوخ والعجائز، وقد صادفت هذه الحوادث أسماع الرحالة والجغرافي الشهير ياقوت الحموي الذي كان قد قرَّر السفر إلى وسط آسيا للتجارة في ذلك التوقيت.

أُسِر ياقوت بن عبد الله الحموي من بلاد الروم في الربع الأخير من القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي وهو فتى صغير، وبلاد الروم هي مناطق الأناضول وبعض أجزاء البلقان، وجيء به فبيع في بغداد، إذ اشتراه تاجر بغدادي اسمه عسكر بن إبراهيم الحمَوي، فربَّاه وعلَّمه وشغَّله في الأسفار في تجارته، ثم أعتقه في حدود عام 596هـ/1200م، فعاش من نسخ الكُتب بالأجرة، ثم عطف عليه مولاه ومعتقه عسكر الحموي فأعطاه شيئا من المال ليُكوِّن به تجارته المستقلة.

وحين توفي مُعتقُه عسكر الحموي قرَّر ياقوت أن يرحل رحلة واسعة انتهى فيها إلى مرو بإقليم خراسان التاريخي (تقع بجمهورية تركمانستان اليوم)، وظل يعمل بالتجارة وينتقل من مدينة إلى أخرى حتى بلغ إلى خوارزم (مدينة خيوة غرب أوزبكستان اليوم) عاصمة الخوارزميين آنذاك[4]، ومقر سلطنتهم العظيمة التي بلغت حدود الصين وكانت موطن العلماء والتجارة وثقل الاقتصاد آنذاك.

ولا شكّ أن كثرة أسفار ياقوت في تجارته، وتعلُّقه بالكتابة والنسخ، وحب الأدب والعلم، جعله يُبدع موسوعته الشهيرة "معجم البلدان" التي تُعَدُّ بحق أوسع موسوعة في جغرافيا العالم الإسلامي حتى زمنه. ولم يصف ياقوت في موسوعته الأقاليم والقرى والبلدان والمدن من الناحية الجغرافية فقط، بل أيضا من الناحية الأدبية ومشاهير الأعلام والظروف التاريخية التي نشأت فيها هذه المدن حتى زمنه، فكانت نموذجا فذا لتصنيف الجغرافيا التاريخية في الحضارة الإسلامية.

كان من قدر ياقوت في رحلته التي بدأت في حدود عام 613هـ وما تلاه أنه شاهدَ التوترات السياسية والعسكرية بين المغول بقيادة جنكيز خان وبين الخوارزميين في وسط آسيا وخراسان، وقد عاصر الهجوم المغولي الأول على العالم الإسلامي، حين استقر به المقام عام 616هـ في مدينة خوارزم، فظل فيها حتى قُبيل الغزو بأيام معدودة، ثم قرَّر الهرب والعودة إلى مدينة الموصل. وقد أرسل إلى الوزير جمال الدين علي بن يوسف القفطي (ت 646هـ/1248م)، وزير الأيوبيين في حلب وأشهر الأدباء والعلماء من أبناء الموصل، مشاهداته على الغزو المغولي في رسالة مهمة استنقذها المؤرخ والأديب شمس الدين بن خلِّكان (ت 681هـ) في موسوعته "وفيات الأعيان".

وكان مما جاء فيها واصفا هربه: "حينئذ تقهقر المملوك على عَقِبه ناكسا، ومِن الأَوْبة إلى حيث تستقر في النفس بالأمن آيسا، بقلب واجب، ودمعٍ ساكب، ولُب عازب، وحلم غائب، وتوصل وما كاد حتى استقر بالموصل بعد مُقاساة أخطار، وابتلاء واصطبار، وتمحيص الأوزار، وإشراف غير مرة على البوار والتبار؛ لأنه مرَّ بين سيوف مسلولة، وعساكر مفلولة، ونظام عقود محلولة، ودماء مسكوبة مطلولة، وكان شعاره كلما علا قتبا، أو قطع سبسبا: (لقد لقينا مِن سَفَرِنا هذا نَصَبا)"[5].

وقد عاب ياقوت الحموي ضعف السلطان الخوارزمي علاء الدين محمد بن تكش وانكساره عن مقاومة المغول، وخطأه الإستراتيجي في إجلاء القراخطائيين وهزيمتهم وتدمير مدنهم وقد كانوا خط الدفاع الأول عن مملكته وبقية ممالك العالم الإسلامي، فيقول: "ومن العجب العجاب أن سلطانهم المالك، هان عليه ترك تلك الممالك، وقال لنفسه الهوى لك، وإلا فأنتِ في الهوالك، وأجفل إجفال الرال (فرخ النعام)"[6].

والحق أن ياقوت الحموي أُعجب ببلاد ما وراء النهر إعجابا زائدا، لكثرة ما حوته من موارد طبيعية وزراعية وتجارية، وعادات وأخلاق طيبة، وعلماء على درجة عالية من الوعي والحكمة، فهو يقول عنها: "فيها ما تشتهي النفس وتلذُّ العين، قد اشتملت عليها المكارم، وانتشرت من أرجائها الخيرات الفائضة للعالم، فكم فيها من حبرٍ راقت حبره، ومن إمام توجت حياة الإسلام سِيرَه، آثار علومهم على صفحات الدهر مكتوبة، وفضائلهم في محاسن الدنيا والدين محسوبة… أطفالهم رجال، وشبابهم أبطال، مشايخهم أبدال، شواهد مناقبهم باهرة، ودلائل مجدهم ظاهرة"[7].

ولهذا يعجب "ياقوت" بأسى وحسرة لضياع تلك المعالم الباهرة، والشعوب الطيبة، والدمار الهائل الذي حاق ببلاد ما وراء النهر على يد المغول، فيقول في ثنايا تعريفه بمدينة أَسْفِيجَاب التي تبعت تاريخيا إقليم الشاش (في أوزبكستان اليوم) وقد زارها قُبيل الغزو المغولي: "فبقيت تلك الجِنان خاوية على عروشها تبكي العيون، وتُشجي القلوب، مُنهدمة القصور، مُتعطلة المنازل والدُّور، وضلّ هادي تلك الأنهار، وجرت متحيرة في كلّ أوب على غير اختيار، ثم تبع ذلك حوادث في سنة 616 التي لم يجرِ منذ قامت السموات والأرض مثلها، وهو ورود التتر، خذلهم الله، من أرض الصين فأهلكوا مَن بقي هنالك متماسكا فيمن أهلكوا من غيرهم، فلم يبقَ من تلك الجنان المندرة، والقُصور المشرفة غير حيطان مهدومة، وآثار مِن أمم معدومة، وقد كان أهل تلك البلاد أهلَ دين متين، وصلاح مبين، ونُسك وعبادة، والإسلام فيهم غضّ المجنى، حُلو المعنى، يحفظون حدوده، ويلتزمون شُروطه، لم تظهر فيهم بدعة استحقّوا بها العذاب والجلاء، ولكن يفعل الله بعباده ما يشاء"[8].

وفي تعريفه بمنطقة "بَنْج دِيه" التابعة لمنطقة مرو الروذ في إقليم خراسان (في تركمانستان قُرب الحدود الأفغانية اليوم)، يقول: "معناه بالفارسية الخمس قرى، وهي كذلك خمس قرى متقاربة من نواحي مرو الروذ ثم من نواحي خراسان، عمّرت حتى اتصلت العمارة بالخمس قرى وصارت كالمحالّ بعد أن كانت كلّ واحدة مفردة، فارقتها في سنة 617 قبل استيلاء التتر على خراسان وقتلهم أهلها، وهي من أعمر مدن خراسان"[9].

كما زار ياقوت مدينة أورقنج التي كان العرب يسمونها الجُرجانية، وتقع على شاطئ نهر جيحون، وقد امتدحها ياقوت قائلا: "كنت رأيتها في سنة 616هـ/1220م قبل استيلاء التتر عليها وتخريبهم إياها، فلا أعلم أني رأيتُ أعظم منها مدينة، ولا أكثر أموالا وأحسن أحوالا، فاستحالَ ذلك كلّه بتخريب التتر إياها حتى لم يبقَ فيما بلغني إلّا معاملها، وقتلوا جميع من كان بها"[10].

ولم يفُت ياقوت أن يزور مدينة نيسابور (نيشابور في شمال شرق إيران اليوم) عاصمة إقليم خراسان التاريخي، وفيها صادف حبّه الذي مَلك كيانه وعقله؛ حين اشترى جارية تُركية أجبره العوز على بيعها، فجلس أياما لا يذوق طعم الزاد، ولا يهنأ بحياة، ولم يستطع أن يرد الجارية، ولذلك يتحسر ياقوت على نيسابور وأيامها؛ إذ "خرَّبها التتر، لعنهم الله، في سنة 617هـ/1220م فلم يتركوا بها جدارا قائما، فهي الآن فيما بلغني تلول تبكي العيون الجامدة، وتذكي في القلوب النيران الخامدة"[11].

أما المدينة التي أخذت بعقله ولُبه من مدن إقليم خراسان التاريخي فكانت مدينة مرو الشاهجان التي تقع اليوم في جنوب تركمانستان، وكانت مع نيسابور أشهر مدن خراسان في زمنه، فقد رأى فيها العلم والمكتبات العظيمة، وطيب أهلها لا سيما للوافدين والغرباء، ومن حبّه لهذه المدينة أقام فيها ثلاث سنوات، يقول: "وأقمت بها ثلاثة أعوام فلم أجد بها عيبا.. ولولا ما عَرا مِن ورود التتر إلى تلك البلاد وخرابها لما فارقتها إلى الممات؛ لما في أهلها من الرِّفد، ولين الجانب، وحُسن العشرة، وكثرة كُتب الأصول المتقنة بها، فإني فارقتها وفيها عشر خزائن للوقف (مكتبات عامة) لم أرَ في الدنيا مثلها كثرة وجودة، منها خزانتان في الجامع إحداهما يقال لها العزيزية"[12].

كما مرَّ ياقوت بمدينة الرَّي (جزء من طهران عاصمة إيران اليوم)، ورأى فظاعة ما وقع فيها من غزو المغول، يقول عنها: "كانت مدينة عظيمة خرب أكثرها، واتفق أنّني اجتزتُ في خرابها في سنة 617هـ/1221م وأنا مُنهزم مِن التتر، فرأيتُ حيطان خرابها قائمة، ومنابرها باقية، وتزاويق الحيطان بحالها لقُرب عهدها بالخراب؛ إلّا أنّها خاوية على عروشها"[13].

وحين يتناول مدينتَيْ ساوه وآوه في إيران اليوم، يقول: "فساوه سنّيّة شافعية، وآوه أهلها شيعة إمامية، وبينهما نحو فرسخين (10 كم)، ولا يزال يقع بينهما عصبية، وما زالتا معمورتين إلى سنة 617هـ، فجاءها التتر الكفار الترك فخُبِّرت أنهم خربوها، وقتلوا كُلّ مَن فيها، ولم يتركوا أحدا البتة، وكان بها (أي في سَاوه) دار كُتب لم يكن في الدنيا أعظم منها، بلغني أنهم أحرقوها"[14].

وهكذا نرى من وصف ياقوت الحموي حسرة طاغية على ما آلت إليه مدن الإسلام في وسط آسيا وإيران على يد التتار؛ من تخريب ونهب وقتل وتدمير لحواضر هذه المدن التي وجد فيها راحته النفسية، وحُبّه الذي أخذ بمجامعه، فضلا عن طيب أهلها ونقاء معدنهم، وكثرة أوقافها وعلومها ومكتباتها، وجمال طبيعتها وزروعها، وتلك حسرة صادقة من رجل عالم أديب رحّالة رأى أثر الجهل والطغيان على الحضارة والمدنية والعمران، ورأى البلدان تتبدل بين عشية وضحاها كأن لم تغنَ بالأمس!

—————————————————————————————————

المصادر

  1. فؤاد عبد المعطي الصياد: المغول في التاريخ 1/49.
  2. سيرة منكوبرتي ص87.
  3. الجويني: تاريخ جهانكشاي 1/61.
  4. الزركلي: الأعلام 8/131، 132.
  5. وفيات الأعيان 6/135.
  6. وفيات الأعيان 6/135.
  7. السابق.
  8. ياقوت: معجم البلدان 1/179.
  9. السابق 1/498.
  10.  السابق 2/123.
  11.  السابق 3/307.
  12. السابق 5/114.
  13. السابق 3/117.
  14. السابق 3/179.
المصدر : الجزيرة