شعار قسم ميدان

شريعة على مقاس الجمهورية العلمانية.. هل تسعى فرنسا لتأميم الإسلام؟

ميدان - مسلمو فرنسا
اضغط للاستماع

    

في السادس عشر من يوليو/تموز 1926، كانت العاصمة الفرنسية باريس على موعد مع حدث استثنائي، افتتاح أول مسجد رسمي في فرنسا، مسجد باريس الكبير، أهم معلم إسلامي على تراب أعتى علمانيات أوروبا. حضر الافتتاح عدد كبير من القادة والساسة الفرنسيين، كان منهم مَن يُكِنُّ كُرها عميقا لأي مظهر من مظاهر التدين، وكُرها أعمق لدين قادم من بلاد العرب الخاضعة للسيطرة الغربية بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية، لكن هذا لم يمنع الجميع من إبداء السعادة والسرور تجاه خطوة تهدف إلى نسج علاقة جديدة بين فرنسا "الوطن الأم" وباقي المستعمرات التي تدين شعوبها بدين الإسلام (1).

 

فكرة تأسيس مسجد باريس تعود إلى أواسط القرن التاسع عشر، قبل أن تتطور ويتحمس لها الساسة الفرنسيون، ويستجيب البرلمان في يوليو/تموز 1920 بأغلبية ساحقة لمقترح مشاركة الدولة في تمويل المشروع بمبلغ قدره 500 ألف فرنك فرنسي، بجانب تبرع بلدية باريس بقطعة أرضية مساحتها 7500 متر لإقامة المسجد (2). اختارت فرنسا رجلين لوضع حجر أساس المسجد، الماريشال "ليوطي" المقيم العام الفرنسي بالمغرب، والجزائري سي قدور بن غبريط، الموظف في وزارة خارجية فرنسا ورجلها المخلص والمنافح عنها ضد الحركات التحررية. اختير بنغبريط بعناية ليكون واجهة فرنسا أمام العالم، ووجه الدولة التي تحترم عقائد وثقافة الشعوب الأخرى، لا الدولة التي تُقتِّل في الشعوب التي لا تقبل العيش تحت وطأة الاستعمار.

 

وجسّد التصميم المميز للمسجد نظرة فرنسا للإسلام، فبالإضافة إلى الجامع حيث تقام الصلاة، ضمّت المرافق حماما عربيا ساخنا، ومطعما يُقدِّم الأكلات العربية بديكور "ألف ليلة وليلة"، حيث الكسكس والشاي العربي والراقصات المتمايلات، كانت فرنسا لا تبحث عن الإسلام، بل عن خيالها القديم عن سحر الشرق، إسلام يحتفظ بجميع مقوماته الفولكلورية ويبتعد عن "المقاومة والجهاد والنظرة الحانقة على الآخر المحتل الكافر"، إسلام بن غبريط لا إسلام عبد الحميد بن باديس العالم الجزائري صاحب الجملة الشهيرة "لو قالت لي فرنسا قل لا إله إلا الله فلن أقولها".

   

  

وقد مرّت علاقة فرنسا بالإسلام بعدّة مراحل، انطلقت مع بداية القرن الثامن الميلادي خلال حكم المسلمين للأندلس حين بسطت الدولة الإسلامية سيطرتها على عدد من المدن الفرنسية الكبرى. وبعد سقوط الأندلس فتحت فرنسا المتسامحة دينيا حينها أبوابها في وجه المسلمين المهجَّرين والمهدَّدين في دينهم وحياتهم، قبل أن تنقلب العلاقة إلى عداوة واضحة بين فرنسا المستعمِرة والدول الإسلامية المستعمَرة، إذ شهدت هذه الفترة وصول عدد كبير من المسلمين إلى "بلاد الأنوار" للدفاع عنها خلال الحروب العالمية تارة أو لتعميرها بعد خراب الحرب تارة أخرى. أما الفصل الأخير من هذه العلاقة فيحمل عنوان "الاحتواء"، وهو فصل تحاول فيه الجمهورية صناعة دين جديد للجالية المسلمة في البلاد، دين يدعوهم للتسليم ثقافيا ودينيا إلى فرنسا واعتناق نسختها من الإسلام، نسخة علمانية الهوى غربية الهوية.

   

الإسلام وفرنسا: الحكاية من البداية

يعود التعارف الأول بين الإسلام والأراضي الفرنسية إلى بداية القرن الثامن الميلادي، وتحديدا سنة 714 ميلادية، أي 3 سنوات فقط بعد فتح المسلمين للأندلس، كان المسلمون خلال تلك الفترة يطلقون على الأراضي الفرنسية الحالية اسم "الأراضي الكبيرة"، وهي الأراضي الواقعة خلف جبال البرانس (جبال البيريني بالفرنسية)، الفاصلة بين الشمال الإسباني والجنوب الفرنسي (3). انطلق طارق بن زياد "فاتح الأندلس" في تلك السنة برحلة استكشافية متقدما جيشا انطلق من طرطوشة (طورطوسا) مرورا ببرشلونة وصولا إلى ناربون الفرنسية ثم أفينيون الواقعة على مقربة من نهر الرون، ليواصل التقدم حتى وصل إلى ليون. في السنة الموالية، أي سنة 715 ميلادية، تمكّن المسلمون من فتح أربونة (ناربون) وواصلوا التقدم حتى وصلوا إلى طلوشة (تولوز) حيث استشهد السمح بن مالك الخولاني قائد الجيش، لتنتهي المحاولة الأولى ويعود المسلمون إلى معاقلهم ببرشلونة.

 

مرّت عشر سنوات على المحاولة الأولى، قبل أن يُقرِّر المسلمون إعادة الكرّة وطرق الأبواب الفرنسية بحثا عن فتح قريب من خلال جيش تزعمه سحيم الكلبي الذي قصد مدينة نيمش (نيس) لتكون أول قلعة تتهاوى أمام جياد المسلمين، وواصل الجيش التقدّم حتى أصبح على بُعد 100 ميل من باريس ليُقرِّر تغيير الاتجاه نحو ديجون ويتوقّفون على مشارفها. ولم تتوقّف محاولات إخضاع الأراضي الفرنسية عند هذا الحد، ففي سنة 732 ميلادية توجّهت سرية من جيوش المسلمين يقودها عبد الرحمن الغافقي نحو فرنسا لضمّ أراضٍ جديدة، وكانت أولى المدن الفرنسية خضوعا مدينة بوردو، ثم واصل بعدها جيش الغافقي التقدُّم حتى وصل إلى "بواتييه" حيث اشتعلت معركة بلاط الشهداء الشهيرة في رمضان 114 هجرية الموافق أكتوبر/تشرين الأول لسنة 732 ميلادية.

  

لم تؤثر معركة
لم تؤثر معركة "بلاط الشهداء" على تراتبية القوى في المنطقة، لكنها ردعت المسلمين عن التقدُّم شمالا، وقد أقاموا بفرنسا قرنين بعد ذلك
   

ويؤرخ غوستاف لوبون لهذه المعركة في كتابه "حضارة العرب" إذ يقول: "جمع عبد الرحمن الغافقي جيشا على شيء من الأهمية في إسبانية، وعبر نهر الغارون واستولى على بوردو (برديل) على الرغم من دفاع الأكيتان والفاسكون الذين كان يقودهم دوك أوديس، ثم توجّه إلى بواتييه فاستغاث دون أوديس بشارل مارتل الذي كان يُلقّب بأمير القصر ويمارس السلطة باسم ملكين ضعيفين من ملوك الميروڤنجين" (4).

 

كان شارل مارتيل يعلم يقينا أنه سيواجه جيشا مدربا ولديه من الأسلحة والدروع ما يفوق جيشه الذي يتكوّن من جيوش صغيرة غير مدربة يقودها أمراء يُسمّون "الملوك الكسالى"، لكن خطته كانت الاعتماد على الغنائم التي حصدها المسلمون كعامل عرقلة لجيش الغافقي وهو ما حدث تماما، فبعد أن هاجمت فرقة من الإفرنج معسكر المسلمين انقسم الجيش إلى قسمين، الأول بقي في المعركة، والثاني حاول حماية الغنائم، وبذلك كانت هزيمة المسلمين الأولى في "الأراضي الكبيرة".

 

لم تؤثر معركة "بلاط الشهداء" على تراتبية القوى في المنطقة، لكنها ردعت المسلمين عن التقدُّم شمالا، وقد أقاموا بفرنسا قرنين بعد ذلك وضمّوا مرسيليا سنة 737 وسان ترويز سنة 889 وبسطوا سيطرتهم على منطقة "البروفانس" جنوب شرقي فرنسا حتى نهاية القرن العاشر، وعلّق لوبون في كتابه على ذلك بالقول: "أقام العرب بفرنسا مدة تزيد عن القرنين، ولم يكن النصر الذي حققه شارل مارتل في بواتييه مُهِمًّا كما زعم المؤرخون الذين قصّوا علينا أن شارل مارتل أنقذ أوروبا والنصرانية من العرب، فلم تكن غزوة عبد الرحمن الغافقي سوى حملة قام بها لتموين جنوده… وما كان همهم (أي المسلمين) مصروفا إلا إلى العودة بما غنموه على أن يعيدو الكرة مرة أخرى حتى وجدوا مَن يدحرهم" (5).

  

لم تمانع فرنسا من استقبال عدد من المسلمين الذين فضَّلوا البقاء في أوروبا بعد سقوط الأندلس بدل ترحيلهم إلى شمال أفريقيا
لم تمانع فرنسا من استقبال عدد من المسلمين الذين فضَّلوا البقاء في أوروبا بعد سقوط الأندلس بدل ترحيلهم إلى شمال أفريقيا
  

فزعم لوبون أن المسلمين لم يكونوا يرغبون في أكثر من جمع الغنائم، وهو ما يؤكد عدم رغبتهم في العيش في فرنسا، وبذلك لم تستفد فرنسا من الحضارة الإسلامية القوية آنذاك، إذ يقول في كتابه: "ولكن لنفرض جدلا أن النصارى عجزوا عن دحر العرب، وأن العرب وجدوا جو شمال فرنسا غير بارد ولا ماطر كجو إسبانيا فطابت لهم الإقامة الدائمة به، فماذا كان سيصيب أوروبا؟ كان سيصيب فرنسا وأوروبا النصرانية المتبربرة ما أصاب إسبانيا من الحضارة الزاهية تحت راية النبي العربي، وكانت أوروبا ستتجنب الكبائر التي عاشتها كالحروب الدينية وملحمة سان بارتلمي ومظالم محاكم التفتيش".

 

أما بعد سقوط الأندلس سنة 1492 ميلادية، فقد دخلت العلاقة بين المسلمين وفرنسا منعطفا آخر، ليس قائما على الحرب والمواجهة هذه المرة، بل على التعاون لمصالح مشتركة بسبب عداوة الطرفين لإسبانيا الكاثوليكية. لم تمانع فرنسا من استقبال عدد من المسلمين الذين فضَّلوا البقاء في أوروبا بعد سقوط الأندلس بدل ترحيلهم إلى شمال أفريقيا، فأقاموا المساجد وعملوا في التجارة وازدادوا عددا بعد دخول فرنسيين في الإسلام. وفي سنة 1605 ميلادية زارت بعثة من الموريسكيين (*) الملك الفرنسي هنري الرابع بسبب التضييق الكبير من إسبانيا، مقترحين عليه مساندتهم للقيام بثورة مسلحة ضد فيليب الثالث ملك إسبانيا.

  

الملك الفرنسي هنري الرابع (مواقع التواصل)
الملك الفرنسي هنري الرابع (مواقع التواصل)

  

كانت فرنسا على وشك إعادة رسم الخريطة الجغرافية لأوروبا وكتابة تاريخ جديد لحضور المسلمين في القارة العجوز، حينما كانت تنظر "للدين" بشكل مختلف تحت حكم هنري الرابع صاحب الموقف الرامي إلى نبذ الخلافات الدينية سواء الداخلية بين الطوائف المسيحية أو بين المسيحية والديانات الأخرى، لكن القدر لعب لعبته قبل أن يتم لفرنسا ما أرادت، وكان ذلك على يد راهب مجنون اغتال هنري الرابع وأنهى معه حلم المسلمين في العودة مجددا إلى موطنهم في الأندلس. بعد انكشاف المخطط، شرعت إسبانيا في خوض ماراثون جلسات التعذيب للمشاركين في هذه المحاولة الانقلابية لإجبارهم على الاعتراف بتفاصيل المخطط وجميع المشاركين فيه، قبل أن تُقرِّر ترحيل 500 ألف موريسكي يوم 10 فبراير/شباط 1610 تفرّقوا ما بين فرنسا وإسبانيا وشمال أفريقيا.

   

ثم واصلت قلاع المسلمين السقوط الواحدة تلو الأخرى، والقلعة الثانية لم تكن سوى الدولة العثمانية، رجل أوروبا المريض الذي أسلم الروح لسايكس وبيكو يشرّحان جثته كما يريدان، حينها دخلت العلاقة بين المسلمين وفرنسا منعطفا جديدا، منعطف الاستعمار والهجرة إلى الشمال. وأرست فرنسا أشرعتها في البلدان الأفريقية، وانقلبت موازين اللعبة، ورفعت فرنسا رايات "جهاد الطلب"، وأرسلت خيلها بحثا عن غنائم أفريقيا من المعادن والتوابل والأحجار الكريمة وجنود وعمال يدافعون عنها عندما تشتد وطأة الحرب، ويبنونها عندما تنجلي سحابتها.

  

واستعانت فرنسا بمواطنيها لتثبيت وجودها ديموغرافيا في الدول المحتلة، كما هو الحال في الجزائر مثلا التي شكّل فيها "الأقدام السود" (**) طبقة الأسياد على شعب العبيد، مقابل ذلك استفادت إدارة باريس من رأس المال البشري للدول الأفريقية لتدعيم جبهات القتال خلال الحربين العالميتين وللمساهمة في إعادة إنشاء البنيات التحتية والعمل في مصانع السلاح. فانطلقت مواسم الهجرة إلى الشمال من الجزائر سنة 1870، ومع اندلاع الحرب العالمية، استقبلت فرنسا 132 ألف عامل مغاربي للحاجة الكبيرة إلى أياد تحمل الأسلحة والمطارق، وإثر تضاعف الأعداد لاحظ المسؤولون الفرنسيون أن علاقة الوافدين من المسلمين مع دينهم تزداد توطّدا خلال فترات الحروب والأزمات الصعبة، فما كان منهم إلا أن عكفوا على إنشاء قاعات للصلاة داخل المستشفيات والمصانع ومخازن السلاح، كما تم خلال الفترة نفسها بناء أول مسجد خشبي بمعسكر زوسين.

      

    

مع نهاية الحرب العالمية الأولى ازدادت وتيرة الهجرة لحاجة فرنسا إلى اليد العاملة التي ستبني البلاد بسبب خراب الحرب، لكنّ المهاجرين الجُدد لم يكونوا على قدر كبير من الالتزام الديني، إذ كانت الغالبية تقضي ساعات يومها بين العمل والكحول والقمار والمومسات. والسيناريو نفسه سيتكرر مع الحرب العالمية الثانية، حين كادت النازية أن تمحو فرنسا من شمالها إلى جنوبها، لذلك تضاعف عدد العمال المغاربيين القادمين من المستعمرات الفرنسية آنذاك لبناء المدن الفرنسية المتضررة وترميم اقتصادها المتهالك، استقر هؤلاء العمال بضواحي المدن في المساكن التي وفرتها لهم الدولة الفرنسية، ومع الوقت التحقت بهم أسرهم ليصبح الإسلام ولأول مرة ثاني أكبر ديانة في البلاد الفرنسية بعد المسيحية، والتحدي الأول والأكبر للنموذج العلماني الفرنسي الذي لا يهضم أي وجود ديني في المجتمع يتجاوز الحدود المسطرة في "مبادئ الجمهورية".

   

اللائكية الفرنسية: العداء للدين قبل كل شيء وبعده

عندما تصل إلى فرنسا كمهاجر قادم من دول غير غربية، هاربا مثلا من الحروب في الشرق الأوسط، أو المجاعات في أفريقيا أو الأزمات الاقتصادية في بلدان آسيا الفقيرة، فستكون مطالبا بحضور دورة "الإدماج والتعريف بمبادئ الجمهورية" التي يسهر على تنظيمها المكتب الفرنسي للهجرة والإدماج. تهدف هذه الدورة إلى تعريف الوافدين الجدد بفرنسا، تاريخها وثقافتها ومجتمعها، الفقرة "الأهم" حسب منشطي هذه الدورة، هي تلك المخصصة للعلمانية، إذ تُقدِّم فرنسا نفسها على أنها بلد بدون دين، إلا أنه يكفل الحرية الدينية للجميع، لكن هذا الأمر لا يُمثِّل كل الحقيقة، ولا حتى نصف الحقيقة.

 

تبنَّت فرنسا العلمانية كمنهج سياسي واجتماعي مع قانون فصل الكنيسة عن الدولة لسنة 1905، والذي ينظر إليه في فرنسا كأنه نص سماوي غير قابل للمس ولا التأويل على غير الوجه الذي أُنزل به، وفي سنة 2004 تمت إعادة صياغة التعريف ليشمل المساواة في التعامل مع جميع الأديان. إلا أن العلمانية الفرنسية تختلف عن نظيرتها البريطانية مثلا أو الأميركية أو الألمانية، لذلك نجد مصطلحا خاصا بهذه الأيديولوجية في الموسوعة السياسية، ألا وهو مصطلح "اللائكية" التي يُعرِّفها موريس باربييه الكاتب في العلوم السياسية بأنها "الفصل بين الدين والحقائق الدنيوية" (6).

   

تم وضع الشعار الجمهوري
تم وضع الشعار الجمهوري "الحرية والمساواة والإخاء" في عام 1905 (وفقًا للقانون الفرنسي بشأن الفصل بين الدولة والكنيسة) لإظهار أن هذه الكنيسة مملوكة للدولة
   

بدأ استعمال مصطلح "اللائكية" في أوروبا مبكرا، وتحديدا في نهاية القرن الأول الميلادي، ثم انتشر وتوسّع بعد أن أصبحت الكنيسة تتمتع بصبغة من القداسة. ولم يكن يُقصد باللائكيين آنذاك الراغبون في فصل الكنيسة عن الشؤون العامة، بل مجموعة من الأشخاص المسيحيين، المؤمنين بالمسيح المخلص لكنهم ليسوا أعضاء في التنظيم الكهنوتي المنضوي تحت لواء الإمبراطورية الباباوية.

 

تمارس فرنسا لائكيتها عبر آليتين رئيسيتين، أولاهما آلية الرقابة والضبط العقابي الساهرة على حراسة قيم الجمهورية وتعريف المباح والممنوع أو الحلال والحرام من منظور الدولة، والآلية الثانية هي للتوجيه الثقافي والأيديولوجي، ذلك لأن العلمانية الفرنسية لا تكتفي بإبعاد الكنيسة أو المؤسسات الدينية عن الحقل السياسي، بل تواجه الدين في معارك مجتمعية وثقافية وأيديولوجية، وتعمل على استبدال القيم العلمانية التي تصوغ الوعي الفردي والجماعي به عبر المدرسة عوضا عن الكنيسة أو المسجد.

  

مواقف التيارات السياسية في فرنسا من الإسلام

خلال سنة 1792، وعندما كانت نار الثورة الفرنسية مشتعلة ومتأججة، اجتمع أعضاء التجمع الوطني التشريعي للتصويت على قبول أو رفض المبادئ العامة للنظام السياسي الملكي البائد تمهيدا لتأسيس الجمهورية الفرنسية الأولى، اختار الرافضون الجلوس على يسار رئيس الجلسة، وجلس الموافقون والمتعاطفون على اليمين، فيما اختار المتبّقون من الطبقة الأرستقراطية وطبقة رجال الدين المسيحيين الجلوس على أقصى اليمين، ليُطلق عليهم "اليمين المتطرف".

   

فلم ينشأ تيار اليمين المتطرف مع ظهور الجبهة الوطنية التي أسسها "جون ماري لوبين" خلال سبعينيات القرن الماضي، بل يعود ظهوره في الحياة السياسية الفرنسية إلى القرن الـ 19 الميلادي، حينما خرج الجنرال الفرنسي جورج إرنست بوولنجر سنة 1889 ليُطالب بتنظيف مؤسسات الجمهورية الثالثة ونسف البرلمان وإعلان الحرب على بروسيا (ألمانيا حاليا) دفاعا عن سمعة فرنسا وفتح الباب أمام الملكيين والكاثوليك المتدينين والقوميين للسيطرة مجددا على فرنسا.

    

جون ماري لوبين (رويترز)
جون ماري لوبين (رويترز)

   

لكن اليمين المتطرف بالتعريف السياسي "الحالي" للمصطلح ظهر مع جون ماري لوبين، الأب الروحي للفاشية السياسية في فرنسا، وإحدى أكثر الشخصيات إثارة للجدل في الساحة الأوروبية، لدرجة جعلت ابنته "مارين لوبين" تتبرأ منه سياسيا وتبعده رويدا رويدا عن الحزب الذي أسسه بنفسه. ورغم وجود عدد من الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في فرنسا كالحركة الوطنية الجمهورية وحزب فرنسا والحزب الوطني الفرنسي، فإن حزب التجمع الوطني أو "الجبهة الوطنية" سابقا يبقى الاسم الأبرز داخل التيار اليميني المتطرف، إذ سبق له الوصول إلى الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية في مناسبتين، 2002 أمام جاك شيراك، وفي 2017 أمام الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون.

 

يؤسس التيار اليميني المتطرف في فرنسا حضوره السياسي والاجتماعي على مبدأ معاداة الأجانب وكل ما هو غير فرنسي، افكانت البداية بمعاداة اليهود التي يتبرأ منها اليمينيون المتطرفون الآن، كما أنها كانت أحد أهم الأسباب للإطاحة بجون ماري لوبين من رئاسة حزبه الشخصي، بسبب رغبة ابنته في إعادة العلاقة مع اليهود، وعدم ربط حزبها بالنازية، في ظل ورود أخبار عن قيام بعض قيادات الجبهة الوطنية بزيارات سرية إلى تل أبيب (7)، لكن في الوقت الحالي ركّز هذا التيار مدافعه الأيديولوجية ضد العرب والمسلمين، وأصبح يُقدِّم نفسه كمنقذ لفرنسا وأوروبا من المسلمين، لكن هذه العداوة لم تمنع رفاق لوبين من قبول تمويل إماراتي سنة 2017 قيمته 8 ملايين يورو أنقذ الجبهة الوطنية من أزمة اقتصادية خانقة قبيل الانتخابات الرئاسية حسب ما نقل موقع "ميديا بارت" (8). ويُعتَبر اليمين المتطرف الفرنسي هو المؤسس لنظرية "الاستبدال الكبير" المنتشرة حاليا في جميع الأوساط اليمينية في العالم والتي أشار إليها إرهابي نيوزلندا في الرسالة التي تركها لتبرير المجزرة التي ارتكبها بقتل 49 مسلما خلال صلاة الجمعة (9).

  

بعد اليمين المتطرف، يأتي اليمين الفرنسي العريق، التيار الأكثر تشبُّعا بمبادئ الجمهورية الفرنسية، وأحد أبرز خصوم الإسلام في الأراضي الفرنسية، وإن لم يُظهِر له العداء المباشر كما هو حال اليمين المتطرف. يُعتَبر اليمين الفرنسي أحد التيارات المتفاعلة بقوة في جميع القضايا التي تمس الإسلام والمسلمين، فاليمين كان من الحاشدين لقانون منع ارتداء الرموز الدينية البارزة في المدارس الفرنسية "كالحجاب والصليب والكيباه اليهودية" والذي تقرّر سنة 2004 ووافق عليه جاك شيراك آنذاك.

    

شابات مسلمات يرتدين الحجاب الإسلامي يرددن شعارات في شوارع مرسيليا للاحتجاج على الحظر على الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية الفرنسية 2014 (رويترز)
شابات مسلمات يرتدين الحجاب الإسلامي يرددن شعارات في شوارع مرسيليا للاحتجاج على الحظر على الحجاب الإسلامي في المدارس الحكومية الفرنسية 2014 (رويترز)

   

هكذا لا يفوّت التيار اليميني الفرنسي فرصة لتأكيد ضرورة مواجهة الإسلام على اعتبار أنه مشكلة تؤرق بال فرنسا ويتعارض مع مبادئها، كما كان قد عبّر فرنسوا فيون، مرشح التيار السابق في الانتخابات الرئاسية الذي قال في تصريح له إن فرنسا ليس لديها مشكلة مع الدين، لكن هنالك مشكلة مع الإسلام أو بالأحرى التطرف الإسلامي (10)، في حين لا يتردّد نيكولا ساركوزي، الرئيس اليميني الأكثر يمينية بين زملائه، في التعبير عن مواقفه الرافضة للحجاب والبوركيني والأكل الحلال للتلاميذ المسلمين في المدارس الفرنسية (11).

  

على الجانب الآخر، تبدو الأحزاب اليسارية أقل عداء بكثير في القضايا التي تخص الإسلام والمسلمين، إذ تتخذ في غالب الأحيان موقف المدافع عن الجالية العربية والإسلامية أمام أعدائها التقليديين، اليمين واليمين المتطرف. يُبدي اليسار الفرنسي اهتماما مُلاحظا بالعرب والمسلمين والمهاجرين بشكل عام من منطق كونهم الفئات المُهمَّشة التي تعيش تمييزا واضحا وأوضاعا اقتصادية سيئة بسبب النظام السياسي في فرنسا، لكن مع مرور السنوات، لم يطوّر هذا التيار أطروحاته الخاصة بالمسلمين بالشكل الكافي، ربما لضمانه السابق لأصواتهم التي لن تذهب لليمين أو اليمين المتطرف كما هو معلوم، أو ربما لعدم قدرته الأيدولوجية على معالجة المواضيع الحساسة للأقليات المسلمة، كالحجاب وبناء المساجد والعنصرية والتمييز في فرص العمل والتعليم.

  

يرفض ممثّلو اليسار في غالب تصريحاتهم ربط الإسلام أو المسلمين بالإرهاب، إذ يعتبرون أن جميع الهجمات التي عرفتها فرنسا لا تمت للجالية الإسلامية بصلة، وهي التي تخرج في كل مرة للتعبير عن رفضها لهذا الإجرام، يظهر هذا جليا في خطابات الرئيس اليساري السابق فرانسوا هولاند الذي قال في أكثر من مناسبة إن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية ومبادئ الحرية في فرنسا، وأن المسلمين لهم حقوق وواجبات باقي المواطنين الفرنسيين نفسها دون تمييز بسبب الديانة، مشيرا إلى أن المسلمين لم يسلموا هم أيضا من الهجمات الأخيرة التي شهدتها فرنسا، ودفعوا حصتهم من الدماء كباقي الفرنسيين (12).

  

"بونوا هامون" مرشح اليسار في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة (رويترز)

   

النفَس الدفاعي ذاته عن المسلمين تبنّاه بونوا هامون، مرشح اليسار في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، والذي رفض اعتبار الإسلام مشكلة للجمهورية الفرنسية، كما أخذ صف المدافع عن حق المسلمات في ارتداء الحجاب إذا كان ذلك عن قناعة شخصية (13). هذا الخط الأيديولوجي من اليسار يتغير أحيانا بسبب أعضاء "أكثر يمينية" كما هو حال "مانويل فالس" الوزير الأول الفرنسي السابق، الذي كان قد خرج في تجمع خطابي لليسار صارخا في وجه محبيه: "ماريان (***) رمز الجمهورية الفرنسية كانت عارية الثدي، لأنها كانت مصدر إطعام الشعب الفرنسي، ولم تكن محجبة لأنها سيدة حرة" (14)، في هجوم واضح على المسلمات المحجبات.

   

أما آخر ألوان الطيف السياسي في فرنسا، فهو اليسار المتطرف الذي يقوده الآن المرشح الرئاسي السابق "جان لوك ميلانشون". وينظر اليسار المتطرف الفرنسي للأقلية المسلمة تماما كما ينظر إليهم اليسار المعتدل، أقلية فقيرة مُهمَّشة ضحية النظام السياسي والاقتصادي في فرنسا، بجانب كونها الدليل الملموس على ممارسة النخب اليمينية لعلمانية انتقائية لا تسير قوانينها على الكل على قدم المساواة.

  

ففي كلمة مفتوحة أمام مناصريه بمدينة تولوز في أغسطس/آب 2016، بُعيد منع المسلمات من ارتداء "البوركيني" أو "المايوه الشرعي"، صب ميلانشون جام غضبه على السياسيين الفرنسيين، يمينا ويسارا حيث قال: "إنهم مجموعة من المنافقين، السيد ساركوزي الذي دافع عن قانون منع البوركيني على اعتبار أنه يتعارض مع حقوق الإنسان، لماذا لم يتحدث عن حقوق الإنسان عندما التقى مع الملك سلمان؟ ألا يعلم ما يحدث في السعودية؟ والسيد هولاند الذي خصص قطعة من الشاطئ للأسرة الملكية، هل حذر الأميرات من عدم قانونية ارتداء البوركيني؟".

    

رجل الأعمال والناشط السياسي الفرنسي
رجل الأعمال والناشط السياسي الفرنسي "رشيد نكاز" بدعوته لدعم ارتداء البوركيني (رويترز)

  

ثم تابع: "الحكومة الفرنسية لم تُبدِ أي استياء عندما رفض وزير إسرائيلي متدين مصافحة وزيرتنا لأنها امرأة، لماذا لم نسمع لهم صوتا؟ لماذا لم نسمع منهم أي تذمر عن انتهاك القوانين العلمانية حينما قامت مستشارة الرئيس بتغطية جزء من شعرها عندما قابلت بابا الكنيسة الكاثوليكية؟ لماذا ترفعون علم أوروبا وأنتم تعلمون أن النجوم ترمز لنجوم مريم العذراء وليست ترمز للدول المؤسسة؟ لأن الدول المؤسسة كانت 6 وليست 12 كما عدد النجوم، ثم تضعون هذه الراية في بلديات الجمهورية الخامسة العلمانية، أنتم مجرد منافقين تتحدثون عن حق المواطنين في ممارسة دينهم، في حين أنكم تمنعونهم وأنتم الذين تمارسون دينكم" (15). كل هذه التيارات المختلفة تتفق على قدسية مبادئ الجمهورية الفرنسية رغم اختلافاتها الأيديولوجية الحادة، إلا أن طريقة تأويل النص القانوني والدستوري تختلف اختلافا جذريا، ويظهر هذا جليا في طريقة تعامل كل تيار على حدة مع موضوع الحضور الإسلامي في فرنسا.

  

إسلام فرنسا: دين يُقصد به ثدي ماريان

عبر تاريخ فرنسا الطويل، ومنذ الثورة الفرنسية، كوّنت فرنسا تاريخا طويلا وميراثا عريقا من الحنق على كل ما هو سماوي، حنق تختصره القصة الرمزية التي تقول إن الثوار الفرنسيين شنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس. لذلك لم تكن هذه الجمهورية لتسمح للإسلام بالتمدد مجتمعيا وثقافيا وهو الذي يصطدم حقيقة مع أهم مكوّناتها الصلبة ألا وهي اللائكية الفرنسية. لكن الأمر ليس بالهين، فالفرنسيون كانوا وما زالوا يفخرون بابتعادهم عن الدين وإبعاد الدين عن شؤونهم العامة، لذلك وجب التدخل السريع مع الحفاظ على ثوب العلمانية ناصعا وعلى شعاراتها براقة.

  

وقد انتهجت فرنسا لتحقيق هذا الهدف طريقتين مختلفتين، تهدف من خلالهما إلى التدخل بشكل غير مباشر في الشؤون الداخلية للجالية الإسلامية عربها وعجمها.

أولا: التواصل المستمر مع الهيئات والمنظمات الإسلامية الموجودة في البلاد، كالفيدرالية الوطنية لمسلمي فرنسا واتحاد المنظمات الإسلامية بفرنسا وفيدرالية مسجد باريس، إذ تحرص الدولة الفرنسية على ربط الاتصال بهذه الهيئات وحضور المناسبات التي تنظمها، ثقافية فكرية كانت أو انتخابية، مستغلة رغبة هذه المنظمات واستعدادها للتنسيق معها لحيازة شرعية تمثيل الجالية الإسلامية في البلاد.

  

رئيس الوزراء الفرنسي
رئيس الوزراء الفرنسي "سابقا" مانويل فالس (يمين)، يصافح الممثلين الإقليميين للجالية المسلمة عند وصوله لحضور اجتماع في مسجد ستراسبورغ الكبير في ستراسبورغ (رويترز)

   

ثانيا: التدخل المباشر عبر إنشاء هيئات غير تابعة عضويا للأجهزة الرسمية، رغم تأسيسها من طرف شخصيات رسمية تعمل بوزارة الداخلية الفرنسية، وهو ما قد يفسر بعدم ثقة أو رضى الدولة الفرنسية عن المنظمات والهيئات الإسلامية في طريقة تأطيرها للجالية الإسلامية أو في نوع الرسالة الدينية التي تقدمها عبر المنابر والندوات الفكرية، لتقرر الجمهورية العلمانية أخذ زمام المبادرة عبر مؤسسة إسلام فرنسا، التي ستضمن لها التدخل في تأطير الإسلام دون الوقوع في المحذور ألا وهو انتهاك قوانينها العلمانية.

  

وعلى عكس ما قد يظنه البعض، لم تكن فكرة تدخّل أجهزة الدولة الفرنسية وليدة الهجمات الأخيرة التي عرفتها فرنسا في السنوات الأخيرة والتي تبنّاها تنظيم الدولة الإسلامية، ففكرة "فرنسة الإسلام" ظهرت مع نهاية القرن العشرين، حين فطن المسؤولون الفرنسيون أن الإسلام بصورته الرئيسية أو الإخوانية أو السلفية يُشكِّل تهديدا كبيرا لأسلوب الحياة الفرنسي، وسيصعب لا محالة اندماج الجاليات الإسلامية مع باقي طوائف المجتمع.

  

ففي يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني 1997، وخلال حفل حضره مسؤولون عن الطوائف الدينية في فرنسا من مسيحيين ويهود ومسلمين أُقيم بمدينة ستراسبورغ، طرح وزير الداخلية الفرنسي آنذاك جون بيير شوفينمون فكرة تأسيس مؤسسة فرنسية تُعنى بدراسة الإسلام وتعريفه بشكل أفضل بهدف تعريف المواطنين الفرنسيين على هذا المكوّن الديني الذي أصبح قوي الحضور في المجتمع الفرنسي (16).

   

وقال شوفينمون في كلمته التي ألقاها لشرح هذه الفكرة الجديدة: "لا أحد يمكنه نفي الأهمية الكبيرة للدين داخل المجتمع، لذلك فمن العادي أن تهتم الحكومات بهذا المكوّن الأساسي للشعوب، الحكومة ومع احترامها الكامل لقانون فصل الدولة عن الكنيسة تهتم بالدين وحضوره المجتمعي"، مواصلا: "أتوجه اليوم للمسلمين الحاضرين وليس للدولة، أريد أن نعمل معا على إنشاء مؤسسة تُعنى بالبحث والتعليم لتعريف الإسلام للفرنسيين، نريد أن نؤسس إسلاما فرنسيا".

    

جون بيير شوفينمون (رويترز)
جون بيير شوفينمون (رويترز)

  

وفي 19 من أبريل/نيسان 2003، وخلال حضوره ضيفا على اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، قال نيكولا ساركوزي، وزير الداخلية آنذاك في حكومة الرئيس الفرنسي جاك شيراك، إن على المسلمين أن يُظهِروا رغبتهم الكاملة في أن يكونوا فرنسيين كباقي الفرنسيين، مضيفا: "المسلمون اليوم في فرنسا يعتنقون إسلام فرنسا، ذلك الإسلام الذي يخوّل لهم ممارسة طقوسهم الدينية الخاصة وأن يورّثوها لأبنائهم من بعدهم، وأنا أدعو اليوم المسلمين والقائمين على المنظمات الإسلامية للتواصل المستمر مع الدولة للنقاش حول مضامين البرامج الدينية المتلفزة ودور رجال الدين ووضعية المرأة وتكوين الأئمة الفرنسيين، نحن نريد أئمة يتحدثون لغتنا ويخاطبون شبابنا ويحترمون ثقافتنا" (17).

   

التكهُّن بما وراء هذا الخطاب لم يستمر طويلا، ففي 28 مايو/أيار من السنة نفسها، أعلن ساركوزي عن تأسيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية كأول مؤسسة شبه رسمية تُنظّم الحياة الدينية للمسلمين. وأسند للمجلس عدة مهام، منها تكوين الأئمة، وتنظيم الأكل الحلال، ورعاية المسلمين في السجون والملتحقين بالخدمة بالجيش الفرنسي، وتحديد تواريخ المناسبات الدينية كرمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى. وفي 21 مارس/آذار من سنة 2005، أعلن وزير الداخلية الفرنسي دومينيك دو فيلبان ولادة هيئة إسلامية جديدة تُدعى "إسلام دو فرانس" أو "إسلام فرنسا"، ويظهر من الاسم أن المنظمة الجديدة ستكون حاملة لواء الفكرة الأهم للدولة الفرنسية، إسلام عصري فرنسي لا يتعارض مع مبادئ مؤسسات الدولة العلمانية (18).

  

فكانت التعويلات كبيرة على هذه المنظمة الجديدة، لكن عملها تعرقل في ظل النشاط الكبير للمنظمات الإسلامية الأخرى، ما جعلها تختفي تقريبا لعقد كامل، وتعود للظهور سنة 2016 عن طريق وزير الداخلية السابق جون بيير شوفانمون الذي عُيِّن رئيسا لها، ما أثار الكثير من الجدل كونه ليس مسلما، ليحل مكانه الجزائري غالب بن الشيخ.

  

تُعرِّف "إسلام فرنسا" نفسها على أنها مؤسسة علمانية تهدف إلى مقاومة التطرف الإسلامي الراديكالي السلفي، وطرح منظور جديد للإسلام عن طريق الثقافة المستنيرة التي تفتح الآفاق للتعايش السلمي بين الجميع، إذ تؤكد الجهة نفسها أن "إسلام فرنسا" ليست موجهة لفئة معينة دينية أو عرقية، بل هي موجهة لجميع المهتمين (19). وحول أنشطتها الرئيسية، ترى "إسلام دو فرانس" أن أولى أولوياتها إعادة تعريف الفرنسيين بالإسلام عبر تنظيم ندوات ثقافية وإنتاجات إعلامية وتظاهرات فنية، وذلك لإعادة العلاقة الودية بين الفرنسيين وبين إسلام ينتمي إلى ثقافتهم بعد فقدان الثقة المتبادل عقب الهجمات الأخيرة على فرنسا.

   

مؤسسة
مؤسسة "إسلام فرنسا" (مواقع التواصل)

   

وثاني الأهداف هو تكوين أئمة فرنسيين يتحدثون الفرنسية بطلاقة، للشعور بالمجتمع ومتطلباته، عوض استيراد أئمة قادمين من الدول العربية خصوصا المغاربية منها، والذين في غالب الأحيان لا يُتقنون اللغة الفرنسية ولا يملكون فكرة حقيقة عن الحياة في فرنسا، بجانب دعم البحوث العلمية. هذا ما يُقال في العلن، لكن المؤسسة لن تكتفي قطعا بهذه الأدوار، على أهميتها، فهناك أدوار لم تُعلن عنها "إسلام فرنسا" وطرحتها بعض وسائل الإعلام (20).

  

الأهداف غير المعلنة هي أهداف اقتصادية وسياسية، تهدف فرنسا من خلالها إلى ترسيم ضرائب على تجارة اللحوم الحلال، والرحلات المتجهة إلى الحج، والذي يرى فيه ماكرون فرصة سانحة لتحقيق استفادة اقتصادية، وذلك عن طريق خطة إعادة النظر في طريقة تنظيم الرحلات المتوجهة إلى مكة المكرمة، بعد أن كانت فرنسا حتى الأمس القريب تكتفي باعتماد 40 وكالة سفر تتعامل مباشرة مع السفارة والقنصليات السعودية. بجانب المشروع الأضخم والأخطر، إحكام السيطرة على المساجد، وعلى مصادر تمويلها الخارجية من الدول العربية والإسلامية، بهدف السيطرة على محتوى الرسائل الدينية التي تُبث داخلها.

 

أئمة "إسلام فرنسا": رجال الدين العلمانيون

– "ما رأيكم فيما حدث"؟

— "أنا حزين جدا، كيف لنا أن نقتل أشخاصا أبرياء، ليس لنا الحق في ذلك، أنا حزين جدا، رأيت عائلة الضحايا ورأيت عائلة شارلي، أنا حزين من أجلهم"

– شارلي من؟

— أعتذر، يجب أن أنصرف، لن أستطيع أن أقول أكثر من هذا.

   

كان هذا جزءا من تصريح سريع للإمام الفرنسي من أصل مغاربي حسن الشلغومي (21)، بعد الهجوم على مقر صحيفة "شارلي إيبدو" في السابع من يناير/كانون الثاني لسنة 2015. انتشر التصريح كالنار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، الرجل يبدو أنه لا يعلم ما حدث، ويظن أن الحادثة هي لمقتل شخص اسمه شارلي، ولم يكن يدرك أن الأمر يتعلق بمقتل 12 شخصا يعملون في صحيفة ساخرة.

      

حسن الشلغومي إمام مسجد مدينة درانسي (رويترز)
حسن الشلغومي إمام مسجد مدينة درانسي (رويترز)

   

حسن الشلغومي هو إمام مسجد مدينة درانسي الموجودة في ضواحي العاصمة باريس، إمام غير عادي تتصدر مقاطعه الساخرة منصات التواصل الاجتماعي، تارة لأنه لا يفهم الفرنسية، وتارة لأنه يرتكب أخطاء فاحشة خلال حديثه بها، وتارة لأنه يتكلم خارج الموضوع أو يحاول تصنع التأثر، هذا مع الكثير والكثير والكثير من التصريحات المثيرة للجدل لا تصدر إلا عن مفكر إسلامي تنويري.

  

لكن هذا هو الوجه المضحك، أما الوجه الجدي فهو أن هذا الإمام التونسي من أم جزائرية هو أحد الأئمة القلائل الذين لا يخرجون للشارع إلا بتأمين شخصي بسبب التهديدات التي تلقّاها بالاغتيال بسبب آرائه الدينية والسياسية، كزيارته العلنية لإسرائيل في مناسبتين ونشره صور الزيارة، ودعائه لجنود جيش الاحتلال بالنصر والتمكين، وهجومه على الفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة بعد أيام من عملية "الرصاص المصبوب" (22).

  

يُعتَبر الشلغومي الذي يرأس منتدى أئمة مسلمي فرنسا المدعوم إماراتيا (22) الوجه الإسلامي الأبرز على القنوات الفرنسية، إذ يحضر بصفته مُمثِّلا للأقلية المسلمة على جميع طاولات الحوار الساخنة، في حين تغلق الفضائيات ذاتها أبوابها في وجه أئمة آخرين يُمثِّلون شرائح أكبر ويتقنون الفرنسية التي تعتبرها فرنسا شرطا أساسيا لقبول الأئمة التي تسعى لتكوينهم.

   

إلى جانب الشلغومي، تظهر شخصية أخرى لها حضور قوي في وسائل الإعلام الفرنسية، يتعلق الأمر بإمام مسجد بوردو طارق أوبرو. يحوز طارق أوبرو مكانة مهمة في الأوساط الدينية والثقافية في فرنسا، وغالبا ما يحل ضيفا مطلوبا بقوة من طرف وسائل الإعلام الفرنسية للحديث عن القضايا الشائكة، فهو رغم كونه يتفق مع مضمون رسالة حسن الشلغومي، فإن خطابه يبقى أكثر تماسكا من زميله في مدرسة "إسلام فرنسا".

    

إمام مسجد بوردو
إمام مسجد بوردو "طارق أوبرو" (رويترز)

   

يشغل طارق أوبرو الذي قدم إلى فرنسا من بلدة تارودانت المغربية سنة 1979 عضوية مؤسسة "إسلام فرنسا"، وهو الذي كان وما زال يعتبر نفسه أحد أهم المُنظِّرين لإسلام فرنسي يحترم فيه المسلمون الدولة التي يعيشون في كنفها عبر الانخراط في ثقافتها ومجتمعها طوعا، قبل أن يُكرَهوا على ذلك كَرها، ويقول في التعريف الذي نشره على موقعه الشخصي إن فكرة بلورة إسلام فرنسي جاءته بعد أن تبنّت منظمة "مسلمو فرنسا" التي كان ينتمي إليها شعار "إسلام فرنسا" في الوقت نفسه الذي تمكّن فيه من حيازة الجنسية الفرنسية (23).

  

يَعتَبِر إمام بوردو أن مساره التعليمي "الشخصي"، الذي اعتمد فيه على نفسه دون سلوك المناهج التقليدية في الإبحار في العلوم الشرعية كملازمة الشيخ أو الطريقة أو حتى المدرسة، ساعده على الشعور بالحرية، مع التزامه في أوائل عهده بمسلك التدين بطريق العلماء السابقين في دراسة العلوم الشرعية في الوقت ذاته.

  

لطارق أوبرو رؤية دينية خاصة، مضمونها أنه على المسلمين العيش في سلام وفي سرية تامة ودون إزعاج المواطنين الفرنسيين الآخرين بسبب ممارساتهم الدينية، رؤية تترجمها فتاواه بشكل أكثر وضوحا، كفتوى جواز أكل اللحم غير الحلال في المناسبات والدعوات من باب التأدب مع المضيف، وفتوى جواز أكل الأطفال اللحم غير الحلال، بعد الحوار المجتمعي الساخن حول "الحلال في مدارس فرنسا"، دون نسيان موقفه من المسلمات المحجبات واعتبار التزامهن بحجابهن مجرد رغبة منهن في الظهور بمظهر الممثلات الشرعيات للدين أمام الأخريات غير المحجبات (24). كما لا يفتأ أبرو يدعو المسلمين إلى ضرورة التعايش مع النمط الغربي في الحياة والتفكير، لعدة أسباب أهمها أن الدولة الفرنسية ليست عدوة لله، بل هي جاءت فقط لتنظيم المجتمع وفق منظورها الثقافي والقيمي، وأي مقاومة للمسلمين في هذا الصدد قد يقود البلاد إلى حرب أهلية.

   

معارضو إسلام فرنسا: جبهة واحدة وأسباب مختلفة
لوبين وصفت ماكرون بالشخص الذي يُتقن فن فتح الأبواب دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن كيفية إغلاقها، وهو ما يظهر جليا في الضبابية التي تتعامل معها الدولة في تنظيمها للإسلام
لوبين وصفت ماكرون بالشخص الذي يُتقن فن فتح الأبواب دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن كيفية إغلاقها، وهو ما يظهر جليا في الضبابية التي تتعامل معها الدولة في تنظيمها للإسلام
  

قد يبدو أن كل شيء على ما يُرام، وأن فرنسا ماكرون تسير بخطى واثقة نحو صنع نسختها من الإسلام، وأن جميع الخطوات أصبحت مُمهَّدة، فاليسار ليس لديه أي اعتراض، بل بعض قياداته يدعمون المشروع قلبا وقالبا، أما اليمين فهو الأب الشرعي لفكرة فرنسة الإسلام، لكن في الحقيقة الأمر أعقد من ذلك، فهناك العديد من الفاعلين في الساحة ليسوا متحمسين كفاية لخطوة حكومة ماكرون.

  

اللاعب الأول هو اليمين المتطرف بزعامة مارين لوبين الذي يُشكِّل في الوقت الحالي الخصم الأول والحقيقي لمانويل ماكرون وحركته "إلى الأمام"، ولعل انتخابات البرلمان الأوروبي التي احتلت فيه الجبهة الوطنية المركز الأول في فرنسا خير دليل على ذلك. الحزب اليميني المتطرف انتقد على لسان رئيسته رعونة إيمانويل ماكرون في التعامل مع ملف الإسلام في فرنسا، رغم إشادتها ببعض النقاط الإيجابية. لوبين وصفت الرئيس الفرنسي بالشخص الذي يُتقن فن فتح الأبواب دون أن تكون لديه أدنى فكرة عن كيفية إغلاقها، وهو ما يظهر جليا في الضبابية التي تتعامل معها الدولة في تنظيمها للإسلام، مُحذِّرة بلهجة شديدة ماكرون من القيام بأي تعديلات على قانون علمانية فرنسا 1905 (25).

  

اللاعب الثاني، والذي لا يقل تأثيرا عن مارين لوبين، هو المنظمات والهيئات الإسلامية التي تبدو أنها لم تستسغ حتى الآن دور مؤسسة "إسلام فرنسا" التي ستبعدها حتما عن الساحة الدينية والاجتماعية بل والسياسية. أول الممتعضين لم يكن سوى المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أسسه نيكولا ساركوزي عندما كان وزيرا للداخلية سنة 2003، بعد أن أحسَّت هذه الهيئة أن مركزها على رأس هرم المنظمات أصبح مُهدَّدا، والشواهد على ذلك كثيرة، آخرها كان عدم قبول وزير الداخلية الفرنسي كريستوف كاستانير لدعوة المجلس لحضور إفطار رمضاني رمزي بمدينة ستراسبورغ اعتاد مسؤولو الدولة حضوره (26).

  

وزير الداخلية الفرنسي
وزير الداخلية الفرنسي "كريستوف كاستانير" (رويترز)

   

عبد الله زكري مندوب المجلس عبَّر عن إحباط المجلس من خطوة كاستانير، مُذكِّرا أن زملاءه في السابق كانوا يعطون مكانة مميزة لهذه المناسبة السنوية. لكن الرد لم يتأخر كثيرا، عندما شنّ مرصد مكافحة الإسلاموفوبيا التابع للمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية هجوما على "المؤتمر الدولي للسلام والتضامن" الذي أقامته مؤسسة "إسلام فرنسا" بالشراكة مع رابطة العالم الإسلامي السعودية يوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول وحضره عدد من الشخصيات الدينية المهمة في فرنسا (27). عبد الله زكري، رئيس المرصد، اعتَبر أن مؤسسة "إسلام فرنسا" تلعب دورا كبيرا في تهميش دور باقي المؤسسات الإسلامية الممثلة للديانة الإسلامية في فرنسا، ليوجه بعدها أسلحته الثقيلة نحو رابطة العالم الإسلامي السعودية التي وصفها بالمنظمة التي تُقدِّم إسلاما لا يتناسب مع إسلام فرنسا ولا قيم الجمهورية الفرنسية.

  

المجلس الفرنسي للديانة الفرنسية لم يكن الوحيد الذي اصطف في جهة معارضة "إسلام فرنسا" وأنشطتها، بل انضم إليه مسجد باريس برئاسة الجزائري دليل بوبكر الذي قال في تصريحات صحفية إن استخدام المنظمات الأجنبية لموضوع "الحوار بين الأديان" من أجل تمرير أجندتها السياسية أمر غاية في الخطورة، مُبديا دهشته من سماح فرنسا لرابطة العالم الإسلامي بتنظيم مؤتمر وسط باريس (28).

  

وإن كان مسجد باريس والمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية يرون في منظمة "إسلام فرنسا" خطرا على وجودهما في الساحة الدينية وتقليصا لسلطتهم الاجتماعية على الجالية الإسلامية، فهناك هيئات أخرى مستقلة أبدت رأيها صراحة في محتوى الرسالة التي ستُقدِّمها المنظمة شبه المحسوبة على الدولة، كحملة استشارة المسلمين (29) التي اعتَبرت أن المؤسسات الإسلامية التي أسّستها الدولة الفرنسية لم تعطِ المرجو منها وهو ما يتطلّب تقييم أدائها.

     

مؤسسة
مؤسسة "إسلام فرنسا" (مواقع التواصل)

   

وتحاول الحملة تكوين جبهة معارضة إسلامية داخلية لطريقة تسيير الشأن الديني للمسلمين داخل فرنسا، وتضم عددا من الأئمة والدعاة والمثقفين المولودين في فرنسا، والأقرب إلى التدين السني ذي الارتباط الخفيف بالسلفية كمنهج علمي واعتقادي، إذ شرعت الحملة في جمع توقيعات المسلمين وخصوصا الشباب الإسلامي من أجل تمثيل أفضل لهم مجتمعيا وسياسيا. ويترأس هذه الحملة الناشط الإسلامي مروان محمد، الفرنسي الجنسية من أب مصري وأم جزائرية، والذي كان قد خرج في أكثر من مرة لانتقاد مؤسسة "إسلام فرنسا"، معتبرا أنها مؤسسة دينية صورية جاءت لمراقبة المسلمين والتدخل في شؤونهم الخاصة، لتخرج الدولة بذلك من مسارها العلماني الطبيعي وتصبح ولي أمر يأمر فيُطاع وإن كان ذلك خارج مجال تخصصه (30).

  

إسلام فرنسا: ذلك الدين الريب فيه

لفرنسا تاريخ طويل مع الإسلام، تاريخ من الصراع الصريح تارة والمقنع تارة أخرى، هي فلسفة قديمة اختارتها السلطات في باريس للتعامل مع دين يُشكِّل المعطى الأهم لحضارة تقف الند للند أمام الحضارة الغربية. فنابوليون بونابارت رغم احتلاله لمصر فإنه أعلن إسلامه وسمّى نفسه محمدا في حيلة لم تنطلِ على علماء مصر، والجنرال ليوطي الذي كان يسوم المسلمين سوء العذاب في المستعمرات كان هو نفسه صاحب فكرة تمويل مسجد باريس الكبير، أكبر وأهم معلم إسلامي في فرنسا، وفي الوقت الذي كانت بلاده تكتب على قبور الجنود المسلمين الذين يُقتلون في معارك الحروب العالمية "الجندي فلان الذي لبّى نداء ربه"، كانت تقتل الآلاف المؤلفة من الجنود أنفسهم إذا ما رفعوا السلاح للمطالبة باستقلال أوطانهم.

 

في ضوء هذه المعطيات يجب قراءة وجود مؤسسة "إسلام فرنسا"، أهدافها وتوجّهاتها ورسائلها دينية كانت أو علمانية، كما لا يجب إغفال معطى مهم جدا هو أن أوروبا ومن بوابة أكبر قلاعها العلمانية دخلت مجالا كان علامة تجارية مسجلة باسم الأنظمة العربية، مجال التحكم في الإسلام وإلباسه لباس الوطنية لتقزيم دوره المجتمعي والسياسي. هل ينجح هذا المشروع؟ هل يفشل بسبب عدم انخراط المسلمين فيه؟ كل شيء وارد، لكن في كل الحالات يبدو أن المعركة الفكرية والحضارية بين المسلمين والغربيين دخلت منعطفا جديدا.

——————————————————————

هامش:

* الموريسكيون: وهم سكان الأندلس الذين أبطنوا الإسلام وأظهروا المسيحية للحفاظ على حياتهم من محاكم التفتيش الكاثوليكية الإسبانية، وكلمة "موريسكي" هي كلمة إسبانية الأصل تعني "المسلم الصغير".

** الأقدام السود: هم المستوطنون الفرنسيون وغيرهم من الأوروبيين الذين كانوا يعيشون في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي، وترجع تسميتهم إلى لون الأحذية التي كانوا يرتدونها، وصل عددهم إلى مليون نسمة في الجزائر سنة 1960 وكانوا يُشكِّلون لوبيا قويا تحسب له الحكومة الفرنسية ألف حساب.

*** ماريان: هي رمز الجمهورية الفرنسية التي تُمثِّل مبادئها الثلاثة: "حرية، مساواة، أخوة"، هي تمثيل لأم الشعب التي تحارب من أجله وتحنو عليه وتدافع عن حقوقه. ليست شخصية حقيقية، بل شخصية خيالية ولّدها العقل الجمعي الفرنسي، واختير لها اسم "ماريان" وهو جمع ما بين اسمي "ماري" و"آن" أكثر اسمين منتشرين في فرنسا خلال مرحلة الثورة الفرنسية.

المصدر : الجزيرة