الأحمديون بباكستان.. لماذا يمتنعون عن التصويت بالانتخابات؟
بعد فوز عمران خان، نجم الكريكيت الباكستاني الذي تحول إلى سياسي، وانتخابه رئيسا جديدا للوزراء، برز حزبه باعتباره الحزب الأكبر في الانتخابات الأخيرة. وهذه هي المرة الثانية فقط في تاريخ هذا البلد ذي الأغلبية المسلمة التي يحدث فيها أن حكومة منتخبة ديمقراطيا تنقل السلطة إلى حكومة أخرى بعد إكمال فترتها الكاملة، حيث دائما ما تدخل الجيش الوطني لخلع القادة وسيطر مباشرة على البلاد لنحو نصف تاريخها.
ولذا فإن هذا الحدث الأخير في ديمقراطية باكستان قد سبب السعادة للكثير من المواطنين. ومع ذلك، قاطع مجتمع واحد في باكستان هذه الانتخابات الأخيرة، وهو أمر فعلوه على مدار ثلاثة عقود؛ إنه مجتمع الأحمديين، وهم أقلية دينية باكستانية. فمن هم؟ وماذا تقول مقاطعتهم للانتخابات عن الدور الذي لعبه الدين في السياسة القومية الباكستانية؟
يعود أصل المجتمع الأحمدي إلى فترة حكم البريطانيين للهند عام 1889. في ذلك الوقت، في إقليم البنجاب (وهي منطقة ستنقسم فيما بعد بين الهند وباكستان المستقلتين)، استاء زعيم ديني مسلم يدعى ميرزا غلام أحمد مما اعتبره انحطاطا إسلاميا سمح بالتجربة المهينة للحكم الأجنبي. ومثل العديد من الهنود، تساءل عما يجب تغييره للتخلص من الغزاة. وأراد العديد من المبشرين الأوروبيين أن "يحرروا" الهنود -مسلمين وهندوس- مما وصفوه بالجهل الديني بجلبهم إلى "حقيقة" التقاليد المسيحية.
وبموافقة الحكومة البريطانية، سافر البعض عبر المدن والمناطق الريفية للتنديد علنا بالتقاليد الإسلامية والهندوسية، بينما وزع آخرون منشورات بها ذات الرسالة. ولإعادة كمال التقاليد الإسلامية التي أثرت في وقت ما على جزء كبير من جنوب آسيا، أعاد غلام أحمد تفسير فروع من الفكر الإسلامي، وبث رسالة الإصلاح من خلال كتابته الغزيرة، وأبرز ما فعل هو ادعاؤه أنه نبي وأنه المسيح. وفي حين يؤمن معظم المسلمين أن النبي عيسى سيعود مجددا باسم المسيح ليعد العالم ليوم القيامة، ادعى غلام أحمد أنه يحل محل عيسى وأن النهاية قريبة جدا.
والإشكالية الأكبر فيما قاله هي ادعاؤه النبوة، حيث إن كل المسلمين يؤمنون أن محمدا خاتم الأنبياء آخر من أرسله الله وأن القرآن هو الوحي النهائي من الله للإنسانية. إلا أن غلام أحمد رد على هذه النقاط بقوله إنه نوع من رتبة أقل من الأنبياء. وجذبت رسالته أعدادا متزايدة من الأتباع بين المسلمين الذين يكافحون للتعامل مع الحكم البريطاني. وما استقطب الكثيرون منهم هي الانتقادات الحادة للمبشرين المسيحيين والناشطين الهندوس التي شوهت صورة المسلمين كثيرا. وفي عام 1889 أسس مجموعة صغيرة تسمى جماعة الأحمدية (منظمة أحمد)، التي ساعدت في نشر رسالته.
وعلى الرغم من أن بعض الأحمديين رفضوا فيما بعد الأقاويل الأكثر إثارة للجدل التي أثارها زعيمهم، ظلت الجماعة الأحمدية صامدة وراء ادعائه بالنبوة، ونظرت هذه المجموعة إليه باعتباره المسيح الذي عاد لمساعدة الإنسانية عندما واجهت نهايتها، وجعلوا الربوة -وهي بلدة في مقاطعة البنجاب الباكستانية- مقرا لهم.
خلال حياة غلام أحمد، أعرب علماء الإسلام عن استنكارهم لعلماء آخرين أو لأفراد من الأحمديين. ولكن في عام 1947، بعد تأسيس باكستان كموطن مسلم مستقل، هاجم بعض العلماء المسلمين علانية لاهوت الأحمدية، واستغل العديد من السياسيين هذا الجدل في سياساتهم القومية.
أول تعبير مباشر عن المشاعر المعادية للأحمدية كان في حالة تشودري ظفر الله خان، الذي شغل منصب وزير الخارجية في عام 1953. حيث قام البعض بنشر شائعات بأن الأحمديين قاموا بالتبشير بين المسلمين وأن تحركهم هذا هو مؤامرة مدعومة من الغرب. أدى هذا إلى اندلاع أعمال شغب في جميع أنحاء البلاد في عام 1953 أدت إلى مقتل ستة أشخاص. وفيما بعد، أزاحت الحكومة جميع الأحمديين -بمن فيهم ظفر الله خان- من مناصب رسمية بارزة. وخلال العقدين التاليين، استمرت الحملة ضد الأحمديين على نحو متقطع، بين توترات محلية عرضية وأجندات سياسية منظمة.
في عام 1974، أصبحت بلدة الربوة هي مركز العداء. وأمام أعمال الشغب التي استهدفت الأحمديين في أجزاء كثيرة من باكستان، رضخ رئيس الوزراء ذو الفقار بوتو لضغوط الإسلاميين لإجراء تعديلات دستورية تعلن أن الأحمديين غير مسلمين. وفي وقت لاحق من عام 1984، حظر على الأحمديين التبشير أو حتى الاعتراف بمعتقداتهم.
تفاقمت الأمور بعد عام عندما قسّمت الحكومة الناخبين الباكستانيين إلى "مسلمين" و"غير المسلمين"، وهو ما تطلب أن يعلن الناخبون أن محمدا هو آخر الأنبياء، ومن يصف نفسه باعتباره مسلما من الأحمديين يواجه عقوبات شديدة. وخلاصة القول؛ منذ عام 1985 لم يشارك أي أحمدي في الانتخابات، لأن التصويت يحتم عليهم أن يدينوا أنفسهم صراحة بأنهم غير مسلمين، وحتى هذا له عواقبه.
ما يجب فهمه هو أن جذور الصراع الانتخابي الحالي لا تكمن بطبيعتها في رسالة ميرزا غلام أحمد ولا مجتمع الأحمديين، بل يخرج الصراع من أيديولوجية القومية التي تعزز في جوهرها إحساسا بالانتماء في مواطنيها، إلى حد استبعاد بعض "الغرباء".
عندما تخلت بريطانيا عن جنوب آسيا في عام 1947، أنشأ مؤسسو باكستان دولة علمانية تهدف إلى حماية المسلمين كوطن منفصل عن التهديدات السياسية التي رأوها في الهند ذات الأغلبية الهندوسية. وجمع بعض الجماعات السياسية الإسلامية والسياسيون بين الهوية الدينية واللغة والرموز لتعزيز الوحدة الوطنية.
ولكن تم استهداف جماعات دينية محلية باعتبارها عدوا للجمهور من أجل الحصول على الدعم الشعبي. وفي عام 2011، احتلت باكستان المرتبة الأولى على مؤشر مركز بيو للأبحاث في الأعمال العدائية الاجتماعية القائمة على أساس الدين، وكانت الأحمدية من أهم المجموعات المستهدفة بهذا العنف.
وكما شككت إدارة ترمب في ولاء المسلمين الأميركيين، وأعلن مفهوم الأميركيين "الحقيقيين"، فإن أعدادا متزايدة من السياسيين والإسلاميين الباكستانيين بعد عام 1947 صوروا الأحمدية سلبا من أجل إظهار أنفسهم كحماة للباكستانيين المسلمين "الحقيقيين". وفي عام 2012، اعتبر 7٪ فقط من الباكستانيين الأحمدية مسلمين.
في هذه البيئة استمرت الأحمدية، التي تمثل ربما 0.2% من سكان باكستان البالغ عددهم 208 مليون نسمة، في المقاومة والدفاع عما يعتقدون. خربت أماكن عبادتهم ووصموا بالكفر وحرمت عليهم القوانين قراءة القرآن ولا يسمح لهم بكتابة آيات منه على شواهد القبور كما لا يمكن أن تسمى أماكن عبادتهم بالمساجد. ويئس الكثيرون وهاجروا من باكستان، إلا أن من يعيشون فيها حتى الآن يواجهون سياسة قومية من الإقصاء.
——————————————————–
ترجمة (الزهراء جمعة)