"السرقة الحلال".. هل تربى الإسلاميون على لحن مزور؟

في الثلاثين من يوليو من العام ألفين وخمسة عشر، كان السيسي في صدارة المنصّة، يتابع من وراء نظارته الشمسية فقرات الحفل السنوي لتخريج دفعة جديدة من دفعات الحربية المصرية. عزَف فريق الموسيقات العسكرية، التابع للقوات المسلحة، على مسامع الرئيس العسكريّ، لحناً مألوفاً على آذان الكثيرين من أبناء التيار الإسلامي.. لحناً يصعُب على فردٍ مرّ أو اقترب من هذه الحركة، ألا يُميّزه ويردده للنهاية، تماماً كما يحفظ المواطنون نشيدهم القوميّ. لكن ما الذي يجعل الفرقاء يجتمعون على ترديد لحنٍ واحد، وبعد عامين فقط من عزل رئيس محسوب على التيار الإسلامي، عبر انقلاب عسكري قادَهُ الجنرال الجالس على المنصّة؟
حالة من الجدل والبلبلة حدثت في كثير من الأوساط المنتمية إلى تيارات إسلامية، حيث نشرت كثير من المواقع المحسوبة على جماعة الإخوان أخباراً مفادها؛ أن فريق الموسيقات العسكرية قام بعزف نشيد "لبيك إسلام البطولة" أمام السيسي، كما انتشرت كثير من روابط الفيديو المُقتطعة من الحفل، مُعنونةً بعناوين تَشي بأن الجيش يتحدى الرئيس، ويعزفُ في الاتجاه المعاكس.. هكذا ذهبت تفسيرات الإعلام المحسوب على التيار الإسلامي، وجاءت تأويلات عموم مؤيديه في اتجاه وجود انشقاق ما، يُدعّم سردية هذه المنصّات الإعلامية وقتها.. لكن ما لم يخطر ببال الكثيرين، أن هذا اللحن الراسخ لعقود في عقول أجيال تربّت عليه وتغلغل في وجدانها، هو مُجرد لحن مسروق، من أغنيةٍ وطنية قديمة.
قبل عامين من ظهور النسخة العسكرية للنشيد، وقف المنشد المصريأبو شهاب، في قلب الصالة المغطّاة بملعب القاهرة، ليُنشد وسط آلاف من الإسلاميين الذين حضروا من كل ربوع مصر لمساندة الرئيس الإسلامي في مؤتمر "الأمة المصرية لدعم الثورة السورية".. وضجت القاعة بنشيدها القومي الذي تحفظه عن ظهر قلب، وكرّر أبو شهاب: "هذي الجموع غداً سيُجمَعُ شملها في دولتي.. ولسوف تقضي كي تحطم باطلاً في جولتي".
في حوار "لميدان" يقول محمد حسن، المُنتمي سابقاً إلى جماعة الإخوان المسلمين: "أرى أنه من الطبيعي ألا تفكر جماهير الإسلاميين في أن نشيدها مسروق.. فالمنطق يقول أن الأغنيات المسروقة أو المقتبسة عادةً ما تكون أقل شهرة من الأغنيات والألحان المأخوذه عنها.. لكن ما حدث هو أن الجميع يعرف "لبيك إسلام البطولة"، بما فيهم غير الإسلاميين، بينما لم يسبق لنا بأن سمعنا عن "علَم العروبة" تلك. ويصف محمد ردود الأفعال التي عاشتها قطاعات من الإسلاميين إثر انتشار مقاطع تعزف ما اعتقدوا أنه "لبيك إسلام البطولة"، برد فعل الصدمة.. فبالنسبة لهم الأمر شبيه بأن تكتشف أن نشيدك الوطني الذي عشت تردده طوال حياتك، هو نشيد لبلد آخر.
وبالبحث في قضية ألحان أنشودات التيار الإسلامي، اكتشفنا أن المسألة لم تقف عند أغنيات لم تنل شعبية كبيرة بحيث يمكن رصد وضوح التطابق في لحنها، حيث تضمّن ألبوم "أول الغيث"، للمنشد السوري "أبو راتب"، أحد أبرز منشدي التيار الإسلامي في الثمانينيات والتسعينيات، -تضمّن الألبوم- على أحد أشهر أنشودات جماعة الإخوان المسلمين، المعروفة باسم "يا دعوتي سيري"، وهي الأغنية التي يمكن رصد وجود تشابه في لحنها يصل إلى حد التطابق مع لحن أغنية "خلّي السلاح صاحي"، التي قام بتلحينها الملحن كمال الطويل، وغنّاها عبد الحليم حافظ في عام 1968 لتصبح أحد أشهر علامات الغناء الوطني. هنا كان السؤال حول عدم قدرة هذه الجماهير على ربط الأنشودات التي يرددونها، بألحان شهيرة يصعُب ألا تكون قد مرّت على أسماعهم.
في حوار خاص "لميدان" يُرجع المطرب محمد الصنهاوي، الذي قام بغناء بعض الأعمال المناهضة للانقلاب العسكري في مصر، -يُرجع- الظاهرة إلى ضحالة وضعف الثقافة الموسيقية لدى قطاع كبير من الإسلاميين، هذا فيما يخص الجماهير، أما فيما يتعلق بحذو بعض المنشدين نحو سرقة كثير من الألحان الشهيرة، دون الإشارة إلى مصادرها، فقال الصنهاوي: " الكثير منهم لا يرون في المسألة تعدٍّ على حقوق الملكية الفكرية، لكن يَعتبر البعض تحويل ألحان الأغاني إلى أناشيد هي بمثابة عملية تطهير لها.. كما يتحايل الآخرون على المسألة عندما يصفونها بالذكاء في طريق الوصول إلى عوام الناس "
يقول محمد عادل في حواره "لميدان"، والذي يُعرّف نفسه بأنه شخص لم ينتم إلى أي جماعات من قبل: "برغم عدم انتمائي لأي جماعة إلا أني كنت أحب المتدينين عموماً بحكم لقاءات المسجد المُتكررة والدروس الدينية.. وفي سن السابعة عشر نشب داخلي صراع الموسيقى، ورغم عدم فهمي وإدراكي بوضوح لأبعاد الخلاف الفقهي في المسألة، وجدت نفسي أقوم بمسح كل ألبومات عمرو دياب وسميرة سعيد وغيرهم من جهاز الكمبيوتر الخاص بي، وأستبدلها بأناشيد لم أُحب سوى القليل منها.. كأنني كنت أحاول التبرُّؤَ من الانتماء لهذا، لأصبح جزءً من ذاك".. ويكمل محمد تفسيره لما حدث: "لم يكن العيب بالطبع ألا أؤمن بحِلِّ الموسيقى، فهذا في النهاية هو رأي فقهي مُعتبر.. المشكلة دوماً كانت في أن تكون قناعاتي أنا وغيري قناعات هشّة وضبابية غير مبنية على أسباب واضحة.. فهل كانت المشكلة في الموسيقى في ذاتها؟ أم كانت في الكلمات؟ أم كانت في موضوع الحب؟ المشكلة كانت أنني لم أعرف بالضبط، فانهار كل شيء بعد فترة".
حتى عندما أراد فريق الأفراح الإسلامية، المعروف باسم "شموع المنيا" في مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة، إنتاج جديد يتناسب مع مناسبات الزواج والأعراس بوصفها احتفالا يجمع شمل زوجين على المودة والرحمة، باقتباس لحن أغنية "يا ليل يابو الليالي"، للريس مِتقال، وتحويلها إلى أنشودة: " إسلامنا ده ماله مثيل"/ "ولا غيره ينفع معانا"، وعلى الرغم من كون الأغنية هي لمناسبة زواج، إلا أن الأغنية من البداية وحتى النهاية كانت تتحدث عن الإسلام وتطالب الشباب بشرحه للناس، بينما نوّهت في وسطها إلى المناسبة من خلال عبارة بدت مقحمة على ما قبلها: "يا عريس اليوم.. جينا بنحييك.. وبندعيلك الله يحميك".
في الوقت الذي تعامل فيه منشدون مثل عمّار صرصر بطريقة مختلفة حينما أعجبه لحن أغنية "قرّب ليي" للفنان وائل كافوري، التي صدرت له في العام 2004، فقرر تحويل لحن الأغنية كاملاً من "شو بحبك لما بتحكي" إلى "تسمعُني ربّاه"، وكتب على تيتر النهاية أمام خانة التعريف بهوية صاحب اللحن: قديم بتصرّف.. بعد أقل من عشرة أعوام من صدور الأغنية التي قام بتلحينها الملحن اللبناني طارق أبو جودة، صارت في عُرف المُنشِد تراثاً لم يُستدَل على اسم صاحبه.
بينما تخطّى المنشد موسى مصطفى، في أغنيته "لو تسمعي" كل هذه الصور غير المباشرة للتحايل على الملكية الفكرية، حينما نسب لنفسه لحناً مأخوذا من أغنية هندية تحمل اسم (Zara zara mehekta hai)، حيث ظهر "تيتر" الكليب وعليه أن اللحن لـ"موسى مصطفى بتصرّف".
وفي محاولة يائسة للمقاومة والتعبير عن الاستياء، كان الفنان السعودي خالد عبد الرحمن، سبق وأن هدد في العام 2013 منشدين إسلاميين بمقاضاتهم ومحاسبتهم، لسرقة ألحانه الغنائية وطرحها في أشرطة رسمية، داعيا إياهم إلى تضمين اسمه في كل لحن يخصه حفظاً لحقوقه الأدبية، ومما جاء في تصريحه حينها لوسائل الإعلام: "أنا أحب الإنشاد، وأحرص على جمهوره، ولكن اطلبوا مني الفزعة والعون، وأبشروا بما تريدون، أما أن تنتهكوا حقوقي الأدبية بهذه الطريقة، فهذا أمر لا أرضاه، ولا أقبله مطلقا" (2)