شعار قسم ميدان

آخر إنسان منا.. ماذا يحدث حين تحول لعبة ناجحة إلى مسلسل تلفزيوني؟

مسلسل "the last of us"
مسلسل "The Last of Us". (مواقع التواصل)

تُعَدُّ "The Last of Us" (آخر إنسان منا) واحدة من الألعاب التي نالت إعجابا وجماهيرية كبيرة بين محبي ألعاب الفيديو، وربما كان هذا السبب وراء إعادة تقديمها من قِبَل شركة "إتش بي أو" (HBO)، لكن هذه المرة في صورة مسلسل تلفزيوني، من بطولة "بيدرو باسكال" و"بيلا رامزي" و"جابرييل لونا". ورغم احتفاظ المسلسل بالخط الدرامي الأصلي للعبة، فإن صنّاعه أكّدوا وجود اختلافات بين العمل الدرامي واللعبة، وهو ما يبدو واضحا خلال الحلقات التي عُرضت -حتى الآن- من الموسم الأول.

 

"The Last Of Us" والظهور الأول

the last of us
مسلسل "The Last of Us" بطولة "بيدرو باسكال" و"بيلا رامزي" و"جابرييل لونا".  (مواقع التواصل)

"The Last of Us" هي في الأساس لعبة مغامرات، تندرج تحت تصنيف رعب البقاء، من تطوير شركة "نوتي دوج"، وقد أطلقت الشركة الجزء الأول للعبة على منصة بلايستيشن 3 في عام 2013، ثم أعادت إصدار نسختَيْ "Remake" لمنصات ألعاب الجيل الرابع والخامس، بينما قدمت الشركة ذاتها الجزء الثاني من اللعبة، الذي صدر تحت عنوان "The Last of Us 2" في عام 2020 على منصة بلايستيشن 4.

 

يبدأ الجزء الأول من اللعبة في عام 2013، حيث يواجه العالم كارثة وباء فطري. وعقب افتتاحية قصيرة، نتعرف خلالها على الشخصية الرئيسية "جول" وأخيه "تومي" وابنته "سارة" التي تموت بين ذراعيه إثر إصابتها برصاص أحد الجنود، تقفز اللعبة إلى عام 2033، أي بعد عشرين سنة، وقد أصبح العالم مختلفا عما قبل، فالناجون يعيشون في مناطق حجر صحي وفي ظل حراسة قمعية ومشددة من قوات الجيش، بينما العالم في الخارج تحت سيطرة فطر "الكورديسيبس"، وهو أحد أنواع الفطريات الطفيلية التي تتطفل على الحشرات بشكل أساسي، لكنه بطريقة ما طوَّر نفسه كي يتمكن من السيطرة على البشر، محولا المصابين به إلى كائنات غريبة، شرسة وقاتلة.

 

يتحكم اللاعب بالشخصية الرئيسية "جول" في أغلب أوقات اللعبة، خلال ارتحاله عبر ولاية بوسطن مع مراهقة صغيرة تدعى "إيلي"، والغرض هو الوصول بالفتاة إلى إحدى جماعات المقاومة التي تعمل على تطوير لقاح ينقذ البشر من الوباء، وخلال الرحلة نكتشف أن الفتاة تعرضت للعضّ منذ عدة أسابيع بعدما هاجمها أحد المصابين، ومن ثم فهي مصابة أيضا بالمرض الطفيلي، لكن دون ظهور أعراض، ما يعني أن دم الفتاة بشكلٍ ما قادر على تقديم العون في الأبحاث التي تجري لاكتشاف المصل.

شامبلر.. أحد الوحوش في اللعبة
شامبلر.. أحد الوحوش في اللعبة. (مواقع التواصل)

يخوض "جول" و"إيلي" رحلة طويلة، يواجهان عبرها الكائنات القاتلة الغريبة، التي تتنوع بين "رانرز" و"ستوكرز" و"شامبلرز" و"كليكرز"، كذلك جنود الجيش وفِرَق من المرتزقة. يتحكم اللاعب بـ"جول" في أغلب أطوار اللعبة كما ذكرنا، لكن أحيانا عند إصابة "جول"، فإن اللعبة تُستكمل عن طريق التحكم بالفتاة "إيلي" التي تسعى لإنقاذه.

 

تتوطد العلاقة ما بين "جول" والفتاة خلال الرحلة، تنتقل تدريجيا من التحفظ والتشكك إلى التعاون والثقة والانسجام. وبينما كان هدفه الابتدائي تسليم الفتاة لمجموعة المتمردين لقاء الحصول على صفقة معدّات وأسلحة، يصبح "جول" حريصا على حياة الفتاة، ما يدفعه في الختام إلى رفض تسليمها بعد اكتشافه أن الأبحاث التي تجري لاكتشاف المصل تتضمن التضحية بحياة الفتاة، وينتهي الجزء الأول من اللعبة بقتال شرس ما بين "جول" والمتمردين، حتى يتمكن من الفرار بـ"إيلي".

"جول" و"إيلي" في مشهد من اللعبة
"جول" و"إيلي" في مشهد من اللعبة. (مواقع التواصل)

 

تحفة فنية

نالت لعبة "The Last of Us" إشادة كبيرة وقت صدورها، وحازت على خامس أعلى تقييم على موقع "Metacritic" لألعاب منصات الجيل الثالث، كما أُدرِجت بوصفها واحدة من أعظم ألعاب الفيديو على مر العصور، ووصفها موقع "IGN" بـ"التحفة الفنية". وقد يجد خبراء ألعاب الفيديو أوجها من التشابه بينها وبين لعبة رعب البقاء الأشهر "Resident Evil"، حيث الكارثة الوبائية التي تضرب البشرية مخلفة وراءها الحطام والخراب والوحوش القاتلة.

 

لكن ما يميز "The Last of Us" بشكل واضح هو السرد القصصي المحكم وعلاقة الأبوة العاطفية التي تقوم وتتصاعد ما بين "جول" والفتاة "إيلي" خلال زمن اللعبة. ورغم أننا نجد شيئا من هذين، من السرد القصصي ومن تصاعد العاطفة، في أحد أجزاء لعبة "Resident Evil"، تحديدا في الجزء الذي أصدرته شركة "Capcom" عام 2000 بعنوان "Code Veronica"، حيث تُعَدُّ علاقة الأخوة بين كريس وكلير هي المحرك الرئيسي للأحداث، فإن هذا السرد لم يكن بقوة نظيره في "The Last of Us". هذا السرد المحكم الذي دفع شركة "إتش بي أو" لإعادة إنتاج الحكاية مرة أخرى عبر مسلسل تلفزيوني.

 

كيف اختلفت الدراما عن اللعبة؟

أما عن الفروق ما بين الدراما واللعبة، فيقول "كريج مازن"، المشرف العام على العمل، الذي قدّم لنا من قبل مسلسل "تشيرنوبيل"، إنه طلب مبدئيا من الممثلين الرئيسيين "باسكال" و"رامزي" عدم ممارسة اللعبة، لتجنب تكوين فكرة مسبقة عن الدورين، وكي لا يتأثر الممثلان بأداء شخصيات اللعبة. ورغم أنهما خدعاه قليلا كما يقول "كريج"، حيث شاهدا بعض المقاطع للعبة على موقع يوتيوب، فإنه حثّهما كي يجعلا الأداء خاصا بهما قدر الإمكان.

 

يستكمل "كريج" الحديث عن الفوارق بين العمل واللعبة بقوله: "يغير العرض الجدول الزمني كي يجلب قصة "جول" و"إيلي" إلى عام 2023، تضمن ذلك القول إن الوباء الخيالي دمر عالمهما في عام 2003، بدلا من عام 2013 كما في اللعبة الأصلية. ويفسر هذا العديد من التغييرات التكنولوجية مقارنة باللعبة، بما في ذلك عدم وجود هواتف ذكية".

 

تبدأ اللعبة مباشرة ليلة عيد ميلاد "جول"، في شهر يوليو/تموز 2013، وهي ليلة تفشّي الوباء الفطري، بينما اختار صنّاع المسلسل العودة والتمهيد عبر مقتطف من حوار في برنامج تلفزيوني يدور بين مجموعة من العلماء في عام 1968 حول إمكانية وقوع وباء فطري مستقبلا.

أما عن الشخصيات الثانوية في اللعبة، فكان القرار أن تحتل مساحة أكبر في الحلقات، بما يسمح باكتشاف الخلفيات والدوافع النفسية للأشخاص وربط القصص الصغيرة بصورة أفضل. كذلك سوف تحضر شخصيات جديدة إلى العمل، لم تكن موجودة من الأصل في اللعبة، بهدف إعطاء صورة أكبر عن العالم بعد تفشّي الوباء، وسوف يجد المُشاهد الكثير من لحظات استرجاع ماضي الشخصيات، وعموما فإن تغيير الوسيط من لعبة إلى عرض تلفزيوني يقدم حرية في إلقاء الضوء على العالم من خلال ذكريات الماضي لكلٍّ من "جول" و"إيلي".

 

ومع الحديث عن منح الشخصيات الثانوية فرصة أكبر للظهور على الشاشة بما يخدم الدراما، لا يمكننا تفويت الانتقادات التي نالت الحلقة الثالثة من العمل التي تضمنت علاقة مثلية بين شخصيتين ثانويتين انتهت بانتحارهما، وهي السردية التي لم توجد من الأساس في اللعبة، ووصفها النقاد بأنها دخيلة على العمل، ولم تقدم أي إضافة لخطه الدرامي.

 

ووفقا لـ"كريج"، سوف يتضاءل أيضا عدد المعارك وفترات القتال، التي تُشكِّل الجزء الأكبر من وقت اللعبة، بما يمنح المساحة لحكايات الأبطال والتركيز على الدراما، ويوفر قدرة أفضل على تصميم وإخراج تلك المعارك. يشرح ذلك خلال مقابلة مع صحيفة النيويوركر قائلا: "مشاهدة شخص يموت يجب أن تختلف كثيرا عن مشاهدة رسم كرتوني يموت"، وهو التصريح الذي أثار ارتباك وغضب محبّي اللعبة، إذ بدا أنه يشير إلى أن موت شخصيات ألعاب الفيديو أقل وزنا من وفاة شخصية في عمل درامي. دفع ذلك "كريج" لإيضاح وجهة نظره مؤكدا أنه كان يقصد وفاة الشخصيات الهامشية في الألعاب، الشخصيات التي لن يتحكم بها اللاعب خلال زمن اللعب ولن يشعر بآدميتها، وأن القتال ضد تلك الشخصيات التي تُمثِّل الأعداء في ألعاب الفيديو يُصمَّم بوصفه عقبة يجب التغلب عليها لاستكمال اللعبة، بدلا من كونه مشهدا يحمل شحنة عاطفية مثلما في الدراما.

 

ويضيف "كريج" في التصريح ذاته: "لا أعتقد أن أي شخص يلعب "The Last of Us" كان يشعر بتأثير الصيادين العشوائيين أو ضباط "الوكالة الفيدرالية للاستجابة للكوارث" (FEDRA)، هؤلاء الذين يتعين على اللاعب قتلهم كي يصل إلى الجانب الآخر من اللعبة، بالنسبة لنا وخلال العرض، نريدك أن تشعر بموت الجميع".

 

العدوى لن تنتقل عبر الأبواغ

ارتداء الأبطال للأقنعة الواقية من الغاز
ارتداء الأبطال للأقنعة الواقية من الغاز. (مواقع التواصل)

يكشف العمل الدرامي النقاب أيضا عن طريقة تتواصل بها الكائنات المصابة فيما بينها، عن طريق شبكة تشبه الجذور أو التعريشات، تُمكِّنهم من معرفة ما يدور بعيدا عنهم أو عند دخول شخص غريب إلى مجالهم، في حالة إذا ما لامس أحد الأصحاء تلك الجذور، وهو ما لم يكن موجودا في اللعبة. كما أن انتقال العدوى لن يحدث عبر استنشاق الأبواغ (spores) مثل اللعبة، إذ رأى صنّاع المسلسل أن ارتداء الأبطال للأقنعة الواقية من الغاز بين الحين والآخر قد يفسد جرعة الإثارة المطلوبة ويحجب انفعالات الممثلين.

 

وبالنسبة لجمهور اللعبة الذي أحب فكرة الأبواغ وانتقال العدوى عبر التنفس، فيقول "كريج": "ليس واردا تضمينها في العرض، على الأقل خلال هذا الموسم. في حالة تجديد السلسلة، وهو ما أفكر فيه جيدا في حال نجاحها، فقد تعود الأبواغ بوصفها طريقة أخرى للعدوى".

 

وربما نكتشف فروقا أخرى ما بين اللعبة والمسلسل مع تقدم عرضه، وهو ما سوف ندركه بعد إذاعة الحلقات التسع للموسم الأول، التي تذاع حاليا على قناة "إتش بي أو". ولقرّاء "ميدان" الأعزاء، الذين سبق لهم خوض تجربة لعب "The Last of Us"، الحكم على مدى نجاح المسلسل في عكس روح اللعبة، ومشاركتنا الآراء حول التجربتين.

المصدر : الجزيرة