شعار قسم ميدان

أفلام حاصلة على الأوسكار تحكي حياة أشهر الرسامين

midan - سكارليت

ألهمت حياة المبدعين الكثير من كتّاب السيرة الذاتية والمخرجين، الذين يرونها ثرية ومتعددة الجوانب، وبها الكثير من المفاجآت والمتناقضات والحكايات غير المعتادة التي تستحق أن تُروى، خصوصا أولئك المبدعين الذين كانوا سببا في تغيير نظرتنا للعالم من حولنا. غير أن العملية الإبداعية نفسها وأسرار الإلهام ما زال يكتنفها الكثير من الغموض، مما يدفعنا إلى محاولة معرفة هؤلاء الأشخاص عن قرب، لذلك تعتبر حياة المبدعين مادة ملهمة ومثيرة للاهتمام، خرج من وحيها مئات الكتب والروايات والكثير من الأفلام.

في مكتبة السينما يوجد الكثير من الأفلام الروائية التي اتخذت من سير "الفنانين التشكيليين" موضوعا لها، حتى إن هناك بعض الفنانين الذين خرج من سيرتهم أكثر من فيلم، مثل فنسنت فان جوخ الذي ألهمت حياتُه خمسة أفلام أو أكثر، كان آخرها فيلم "في محبة فنسنت" المرشح هذا العام لأوسكار أفضل فيلم رسوم متحركة. والفنان الهولندي رمبرانت الذي حمل اسمه الكثير من الأفلام أيضا. كما روت السينما حياة كل من: مايكل أنجلو، وليوناردو دافنشي، وكارافاجيو، ووليام تيرنر، ويوهانس فيرمير، وغويا والجريكو وبيكاسو، وإدفارد مونش، وكليمت وموديلياني، وإيغون شيلي، ورينوار، وسيزان، والكثير من الفنانين الآخرين الذين حازت بعض الأفلام التي تروي حياتهم على عدد من جوائز وترشيحات الأوسكار، والتي نستعرضها في هذا التقرير. (1)

فريدا (2002)

 

فريدا كاهلو (1907- 1954) واحدة من الفنانات اللاتي تركن علامة مميزة في تاريخ الفن، عبرت لوحاتها بطريقة تقترب من السريالية عن الألم في أقبح صوره، اعتبرها النقاد فنانة سريالية لكنها كانت ترفض ذلك وتصر على أنها تصور واقعها وأن لوحاتها لا تعبر عن أحلام ولا كوابيس نابعة من اللاوعي. تقول أمل بوتر: "الإنسان يشعر بالألم ولا يراه، إلا أن فريدا استطاعت عبر لوحاتها أن تجعل المتلقي يرى الألم أرضيا واقعيا حيا قبيحا قاتلا ومعوقا، وليس ألما قدسيا سماويا مطهرا". ربما لم تبرح المعاناة حياة فريدا، التي أصيبت بشلل الأطفال وهي صغيرة مما ترك أثرا في رجلها، ثم تعرضت لحادث سيارة مما اضطرها إلى التمدد على ظهرها فاقدة القدرة على الحركة لمدة عام كامل، وعندما تزوجت من الرسام المكسيكي دييغو ريفيرا تعرضت للإجهاض مرارا، إذ لم يجد الجنين المتسع للنمو في رحمها الذي شوهته كسور عظام حوضها. (2)

يركز فيلم "فريدا" الذي تقوم ببطولته سلمى حايك على قصة الحب والزواج التي كانت تربط فريدا والرسام المكسيسي دييغو ريفيرا الذي قام بدوره ألفريد مولينا، أحبت فريدا ريفيرا الذي يكبرها بعشرين عاما وتزوجته، وكانت هذه بداية الحكاية التي عايشت خلالها فريدا الكثير من الألم بقدر ما كانت تكنه من حب لزوجها، فقد كان متعدد الخيانات لدرجة أنه قام بخيانتها مع أختها، يرصد الفيلم قوة وقدرة فريدا كاهلو على مواجهة المعاناة الجسدية والعاطفية. حصل الفيلم عام 2003 على أوسكار أفضل موسيقى تصويرية لإليوت غولدنتال وأفضل مكياج لجون جاكسون وبياتريس دي ألبا، ورُشّحت بطلته سلمى حايك لأوسكار أفضل ممثلة في دور رئيسي.(3)

بولوك (2000)

  

تحول جاكسون بولوك (1912- 1956) بعد وفاته العنيفة في حادث سيارة في عمر الرابعة والأربعين إلى شخصية رمزية في الثقافة الأميركية وضعت الفن في أميركا في مرتبة عالمية. أسس جاكسون بولوك المدرسة التجريدية التعبيرية في الفن، أو ما يسمى بالفن الحركي، إذ يرسم الفنان ليس بأنامله فقط، لكنه يقف أمام لوحة قماش ضخمة ويسكب ويرش الألوان عليها في حركة مستمرة بكامل جسده، يصبح الفنان في هذه الحالة رساما وراقصا في الوقت نفسه تقريبا. وسميت الحركة بالتعبيرية لأن هدف الفنان يكون الرغبة في التعبير عن مشاعره أكثر من رغبته في رسمها. وعندما سُئل بولوك ذات مرة من مراسلي أحد المجلات: كيف تعرف أنك أنهيت لوحة؟ كانت إجابته: كيف تعرف أنك انتهيت من ممارسة الحب؟ (4)

تهتم الأفلام السينمائية بحياة الفنان أكثر من تركيزها على سمات فنه، لذا كانت حياة "جاكسون بولوك" مادة خصبة لفيلم سينمائي خصوصا مع موته المفاجئ في حادث السيارة والذي أضفى مسحة أسطورية رومانسية على حكايته، غير أنه كان مدمن كحول وكان يعاني من مشكلات عاطفية عميقة، كما أنه منذ أن كان صغيرا كان شخصا تصادميا ميالا للمشاجرات. ورغم ذلك صوّر الفيلم كيف تمكن الرسم من منح بولوك وقتا ممتعا بعيدا عن معاناته. كان بائسا لكنه موهوب، ساعدته هذه الموهبة على الهرب من معاناته ومنحته مساحة لكي يختبئ فيها، خصوصا أن أكثر لوحاته رسمها في الوقت القصير الذي توقف فيه عن إدمان الكحول. جسد إد هاريس شخصية جاكسون بولوك وتم ترشيحه لجائزة أوسكار أفضل ممثل رئيسي، وحصلت مارسيا غاي هاردن التي قامت بدور زوجته لي كرانسر على جائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة. (5)

قدمي اليسرى (1989)

   

فيلم "قدمي اليسرى" هو فيلم مقتبس من السيرة الذاتية للرسام والروائي الأيرلندي كريستي براون (1932- 1981) والتي تحمل الاسم نفسه. كان كريستي براون يعاني من شلل دماغي جعله حبيس جسد عاجز فيما عدا قدمه اليسرى التي استطاع أن يحقق بها معجزة الكتابة والرسم. ولد كريستي براون لعائلة بسيطة بها الكثير من الإخوة يعولها والده عامل البناء الكادح. في أسرة كهذه لا يلقى الأصحاء الاهتمام اللازم بمواهبهم فما بالنا بمن يعاني عجزا كليا، لكنه بالرغم من الإمكانات البسيطة لأسرته فإنه منذ أن اكتشف أن في قدمه اليسرى بريق حياة وهو يتحرق شوقا للتعبير عن نفسه وعن وجوده، فكانت مسيرته رمزا للشجاعة والقوة والصلابة والقدرة التي يمكن أن يتمتع بها الإنسان في مواجهة مشكلات الوجود.

لم تكن سيرته الذاتية سيرة تفاخر مثل أغلب السير، بل كانت تعبيرا صادقا ومبكرا ودقيقا عن كل ما يمر به هذا الإنسان الذي ولد بعقل متقد مكتمل واحتياجات طبيعية لكن دون جسد يلبي أيا من تلك التطلعات، يكتب: "لقد قالت لي المرايا الشيء الكثير، وأرتني ما الذي شاهده الناس في كل مرة نظروا فيها إليَّ. قالت لي إن فمي كلما فتحته كان ينزلق إلى الجانب، وكيف كان يجعلني أبدو قبيحا أحمق. قالت لي إنني كلما حاولت أن أتحدث كنت أبربر فقط بكلام غير مفهوم، وكان لعابي يسيل إلى الخارج في حين يستمر رأسي في الاهتزاز والارتعاش. قالت لي إنني كلما حاولت أن أبتسم كنت ألوي فقط قسمات وجهي وأجعد عيني، فيتحول وجهي إلى شيء يشبه قناعا بغيضا"

هذا وبالرغم مما قاساه براون فإنه كان يمتلك عزيمة لا مثيل لها، تعلم الكتابة والرسم ثم الكتابة الأدبية، فمثل هذه الهمة لا يمكن أن يعرقلها شيء. حصل الفيلم على جائزتي أوسكار، هما جائزة أفضل ممثل رئيسي لدانيل دي لويس في دور كريستي براون، وجائزة أفضل ممثلة مساعدة لبريندا فريكر في دور أم كريستي براون. ورُشّح مخرج الفيلم جيم شيردان لأوسكار أفضل مخرج، كما رشح الفيلم لجائزة أفضل صورة وأفضل سيناريو مقتبس. (6)

رغبة في الحياة (1956)

الكثير من الأفلام الروائية والوثائقية جسدت سيرة الفنان الشهير فنسنت فان جوخ، لكن هذا الفيلم كان من أوائل الأفلام التي قدمت سيرته لجمهور السينما. تجاوزت شهرة فان جوخ الآفاق، وصار علامة بارزة من علامات الفن الحديث وربما أبرزها، والسبب ربما يرجع إلى حكاياته المأساوية التي تقول ناتالي إينيك إنها السبب في الشعور بالدين الجماعي نحوه، فهذا الرجل الذي كرس حياته للفن لم يتلقَ التقدير الكافي في حياته ولم تُفهم أعماله إلا بعد موته. (7)

ربما تتميز الأعمال السينمائية التي قدمت حياة فنسنت فان جوخ بأنها تحمل وجهات نظر مختلفة، فهي أعمال تستلهم من حكايته الغامضة أصلا وتعيد التأويل وتتحيز إلى وجهة نظر بعينها، فحياة الفنان مليئة بالألغاز التي أشهرها حادثة قطع أذنه والحيرة بشأن احتمال موته منتحرا، بالإضافة إلى رسائله الكثيرة التي كشفت لنا عن وجه الأديب الذي استطاع أن يعبر عن نفسه بالكلمات تعبيرا شديد الحساسية تماما كما استطاع أن يعبر بالرسم. حصد الفيلم أربعة ترشيحات للأوسكار، فاز منها أنتوني كوين بجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد في دور غوغان، وترشح كيرك دوغلاس لأوسكار أفضل ممثل رئيسي في دور فنسنت فان جوخ.

مولان روج (1952)

    

"مولان روج" هو اسم الكباريه الذي كان يسهر به الفنان الفرنسي هنري دي تولوز لوتريك (1864 – 1901)، الذي ولد لعائلة أرستقراطية لكنه في صباه تعرض لحادث كانت نتيجته أن توقف جسده عن النمو في سن الخامسة عشر، وعاش بقية حياته القصيرة في جسد قزم. كان تولوز لوتريك يعشق حياة الكباريهات الليلية، فكان يأخذ أوراقه وألوانه ويذهب للرسم هناك، فكان موضوعه الأساسي هو الراقصات والملاهي الليلية والمقاهي وحياة الليل في باريس.

وعلى عكس الانطباعيين في ذلك الوقت الذين اتجهوا إلى رسم الطبيعة، فضّل لوتريك رسم حياة الليل، التي كان يجد فيها فرصة لتجاوز مآسيه، إذ تجمع تلك الحياة الصاخبة جميع الأضداد. كان لوتريك يصوّر نساء عالم الملاهي الليلة "كشخصيات إنسانية، دون اتهامات، أو مواعظ، أو أية دعوة إلى المثالية. إنه يسجل كل هذه الأحاسيس في دقة وصراحة، على نحو مجرد من العاطفة أو الرثاء أو العطف الزائف". حصل فيلم مولان روج على جائزتي أوسكار، هما: أفضل تصميم إنتاج، وأفضل تصميم أزياء، ورُشّح لأوسكار أفضل تصوير سينمائي، وأفضل ممثل في دور رئيسي، وأفضل ممثلة في دور مساعد، وأفضل مخرج، وأفضل مونتاج. (8)

ثلاثة أفلام أخرى رُشّحت للأوسكار

ثلاثة أفلام أخرى لم تحصد الجائزة لكنها حصلت على العديد من الترشيحات للأوسكار. أولها فيلم "الفتاة ذات القرط اللؤلؤي (2003)" الذي يستوحي حكايته من لوحة الفنان الهولندي يوهانس فيرمير التي تحمل الاسم نفسه، رُشّح الفيلم لثلاثة جوائز أوسكار، هي: أفضل تصوير سينمائي، وأفضل إنتاج، وأفضل تصميم أزياء. كما حصل فيلم "الاحتضار والنشوة (1965)" المستوحى من سيرة الفنان مايكل أنجلو، والذي يركز على فترة معينة فقط من حياته، على خمسة ترشيحات للأوسكار، هي: أفضل تصوير سينمائي، وأفضل إنتاج، وأفضل تصميم أزياء، وأفضل مزج صوتي، وأفضل موسيقى أصلية. أما فيلم "السيد تيرنر (2014)" المستوحى من حياة الفنان البريطاني ويليام تيرنر، رُشّح لأربعة جوائز أوسكار، هي: أفضل تصوير سينمائي، وأفضل تصميم أزياء، وأفضل موسيقى أصلية، وأفضل إنتاج. (9) 

المصدر : الجزيرة