شعار قسم ميدان

"واكاندا تنتصر".. هل يصبح "بلاك بانثر" أول فيلم للأبطال الخارقين يفوز بالأوسكار؟

ميدان - بلاك بانثر

استحوذت القوى الأوروبية على نحو تسعين في المئة من مساحة أفريقيا وأصبحت خاضعة تحت سيطرتها الكاملة بحلول عام 1914 فيما يسمى بفترة الاستعمار الجديد، تم فيها استضعاف واستعباد الشعوب الأفريقية، وتشويه هويتهم وعاداتهم واستبدالها بكل ما هو أوروبي والتغذي على ثرواتهم الطبيعية والبشرية دون هوادة أو رحمة، حتى يومنا هذا ما زالت بعض الدول الأفريقية تتحدث فقط البرتغالية أو الفرنسية رغم تحررها الظاهري، لكن ماذا لو كان الأفارقة أمة واحدة قوية تملك تطورا علميا وتكنولوجيا يفوق خيال كل الرجال البيض؟ وماذا لو أنها تمتلك قدرات خارقة خافية على العالم، واتحادا حقيقيا بين أبناء عرق واحد يساعدها على التخلص من الأعداء والتكاتف ضد المطامع الخارجية التي لا تنتهي؟(1)

  

في عام 2018 أصدرت ديزني فيلما مبنيا على قصة مصورة شهيرة لمارفل بعنوان "بلاك بانثر" أو "الفهد الأسود"، وهو بطل خارق ذو أصول أفريقية ظهر أول مرة في عالم مارفل السينمائي في فيلم "كابتن أميركا: الحرب الأهلية"، ثم أصبح له فيلمه الخاص، مع شخصية شريرة مربكة مثيرة للتعاطف أحيانا وأجواء أفريقية مستقبلية ساحرة.

  

يعيش أبطال ذلك العالم فيما يشبه الكوكب، بلد نائية تتخفى عن عيون الطامعين تسمى واكندا، تمتلك واكندا مادة الفايبرينيوم التي تمد المدينة بأكملها بالطاقة، وهي مصدر تطورهم التكنولوجي الهائل، لذا يسعى الجميع للسيطرة على تلك المادة. وينقسم سكان واكندا إلى تابعي الفهد الأسود، وهو الملك تتشالا، وتابعي كيلمونجر قريبه الذي يرى أن الآخرين خانعون لم يستطيعوا الدفاع عن بقية إخوانهم في العرق ضد الانتهاكات التي تأتي من خارجهم.

  

undefined

    

الفجوة بين السينما التجارية والجوائز السينمائية

لدى أفلام مارفل شعبية هائلة بين أعمار متفاوتة وثقافات مختلفة من متابعي السينما، لكنها معروفة بكونها أفلاما مسلية وممتعة. يصعب وجودها في سياق الجوائز السينمائية الكبرى نظرا لمكانتها وشكل الأفلام التي تترشح لها كل عام، لكن هذا العام، وفي سابقة هي الأولى من نوعها، رشحت أكاديمية العلوم والفنون فيلم "بلاك بانثر" لجائزة أفضل فيلم وهي الجائزة الأعلى في مسابقة الأوسكار، فهل يستحق الفيلم أن يكون أول فيلم أبطال خارقين يترشح لمثل تلك الجائزة، وهل تتدخل التصورات السياسية والاجتماعية في مثل هذا الاختيار أم هو قرار فني حقيقي؟

  

قبل شهور من إعلان ترشيحات الأوسكار، نشرت الصفحات المسؤولة عن الأكاديمية أخبارا عن احتمالية إضافة خانة جديدة لجائزة تُسمى أفضل فيلم شعبي، وهو ما قوبل باستهجان جماعي من النقاد ومن المهتمين بالسينما، لأن إضافة جائزة مثل تلك يعني نوعا من التحايل من الأكاديمية لإقحام أفلام شعبية حتى إذا لم تكن ملائمة للمعايير الفنية التي يتم عليها الاختيار كل عام. بل إن الوعي الجمعي لمتابعي السينما كان متأكدا أن ذلك الخبر متعلق بشكل مباشر بنية ترشيح فيلم "بلاك بانثر" لإحدى الجوائز الكبرى، فهل ترى الأكاديمية أنه لا يستحق الترشح بجانب الأفلام الأخرى الأقل تجارية وشعبية؟

   

لطالما واجهت الجوائز مثل الأوسكار والجولدن جلوب اتهامات بتجاهلها الأفلام المحبوبة من الجماهير، وترشيحها لأفلام تذهب طي النسيان بعد عام من فوزها، نشرت مجلة النيويورك تايمز إحصائيات تبين كيف تعاملت الأوسكار مع الأفلام الشعبية على مر السنين، فمن عام 1980 وحتى عام 2003 كانت الأفلام الفائزة بجائزة أفضل فيلم في الأوسكار تصنف ضمن العشرين فيلما الأكثر درا للأرباح في عامها، بعض من تلك الأفلام حققت بالفعل الإيرادات الأعلى بالإضافة إلى فوزها بالجائزة، بداية من "كريمر ضد كريمر" عام 1980، مرورا بـ "رجل المطر" عام 1988، ثم "فوريست جامب" عام 1994، والفيلم الشهير "تايتانيك" عام 1999.

 

فيلم سيد الخواتم (مواقع التواصل)
فيلم سيد الخواتم (مواقع التواصل)

   

وآخر فيلم أعطته الأوسكار جائزتها الكبرى واتفق معها الجماهير كان آخر أجزاء "سيد الخواتم" عام 2003، الذي كان يتربع على عرش شباك التذاكر، وهو فيلم محبوب بين فئات عمرية متعددة ويملك شعبية عارمة خاصة أنه مبني على سلسلة من الكتب الأسطورية الناجحة، لكن منذ العام 2004 اتسعت الفجوة بين ما يختاره أعضاء الأكاديمية وما يختاره الجمهور العام ويدفع ليشاهده عندما فاز فيلم "مليون دولار بيبي" بالجائزة في العام الذي حقق فيه فيلم "سبايدرمان" بجزئه الثاني إيرادات كبيرة وأشاد به النقاد.

   

وسعت الفجوة في السنوات الأخيرة بين مسابقات الجوائز وبين الجمهور حين تم تجاهل فيلم "فارس الظلام" عام 2008 وعدم ترشحه لجائزة أفضل فيلم، على الرغم من نجاحه المدوي نقديا وجماهيريا بل واعتباره واحدا من أفضل أفلام الأبطال الخارقين في التاريخ، إلا أن الأكاديمية لم تعطه فرصة المنافسة. الضجة الكبيرة التي أحدثها ذلك التجاهل أسفرت عن مساحات وفرص جديدة لأفلام من النوعية نفسها، لأنه أحدث تغييرا كبيرا في عدد المرشحين لجائزة أفضل فيلم وترك المجال لعشرة أفلام بدلا من خمسة كتكفير من الأكاديمية ووعد منها بعدم تجاهل ما يستحق في السنوات التالية. (2)

   

بدأت المسابقات تلتفت بالتدريج للأفلام المحبوبة مرة أخرى، ونوع الأفلام المقتبسة عن قصص مصورة هو النوع الجديد المفضل للجمهور، ففي عام 2017 دخل فيلم أبطال خارقين مسابقة الأوسكار على استحياء وهو فيلم "لوجان" أحد أجزاء سلسلة "إكس مِن" الشهيرة، ترشح لجائزة أفضل سيناريو مقتبس، لكن ذلك لم يعد الصلح بين الأكاديمية والجمهور بشكل كامل، فهل يعيده ترشح "بلاك بانثر" للجائزة الكبرى في المسابقة وهو فيلم الأبطال الخارقين الأكثر درا للأرباح على الإطلاق، وهل هذا هو الهدف أم هناك أهداف أخرى؟

   undefined

     

أسباب الترشيح بين الصوابية السياسية والأسباب المادية

"لم نشعر في أي لحظة أثناء العمل أنه سيكون فيلما حاصدا للجوائز، لكننا شعرنا أنه سيملك عمقا لم يملكه أحد أفلامنا من قبل"

(المنتج المنفذ لمارفل)

  

في الأعوام الأخيرة انخفضت معدلات مشاهدة حفل الأوسكار بشكل ملحوظ، وهذا العام يوجد منغصات أكبر، مشكلات تتعلق بالعنصرية بخصوص من سيقدم الحفل جعلت الأكاديمية تتردد في الاختيار حتى أعلن أنه سيكون بدون مقدم، تتوالى محاولات الأوسكار لترجي المتابعين للمشاهدة، أعلنت عن فقرات موسيقية من ليدي جاجا مطربة البوب المشهورة وبرادلي كوبر أبطال فيلم "مولد نجمة" لربما يجذب ذلك بعض الجمهور، لكن وجود فيلم ذي شعبية عالية من الممكن أن يجذب جماهير جدد، ربما يجذب المراهقين أو محبي القصص المصورة، لكن يتجلى ترشيح "بلاك بانثر" كسبب متعلق بشعبية الحفل عند معرفة أن ديزني الشركة المنتجة للفيلم هي المسؤولة عن قناة "إيه بي سي" التي تعرض الأوسكار، فدشنت كل قواها الإعلامية والتسويقية للحصول على هذا الترشيح الذي يعطي فرصة جديدة لذلك الحفل بأن يسترد أهميته.

  

ترى ربيكا كيجان الكاتبة بمجلة فانيتي فير أن "بلاك بانثر" له تأثير ثقافي كبير، لذلك هو لا يحتاج بشكل حقيقي إلى اعتراف من الأكاديمية بأهميته، لكن بالطبع الأكاديمية تحتاج إليه لتستعيد مكانتها الثقافية والشعبية.(3) 

  

"الاحتمالية الأولى هي فوز 12 عاما من العبودية بجائزة أفضل فيلم، الاحتمالية الثانية هي أن جميعكم عنصريون".

   undefined

 

بعيدا عن التأثيرات الثقافية لكون البطل أسود البشرة وللتنوع الثقافي والعرقي وتصوير جيش من النساء القويات والأزياء الأفريقية الساحرة والموسيقى المدروسة جيدا المتأثرة بالآلات الأفريقية القديمة، هل تم تقييم الفيلم بعيدا عن لون بشرة أبطاله، هل تم النظر فيما إذا كان الفيلم جيدا بشكل حقيقي أم لا؟ يملك الفيلم العديد من العناصر التي تجعله فيلم أبطال خارقين جيدا، قصة مثيرة، شخصيات قوية وعناصر تقنية جذابة، لكن هل هو أفضل من "فارس الظلام" أو "لوجان" أو حتى "ديدبول"؟ يجادل البعض بأن السبب الحقيقي وراء الاحتفاء والترشيح هو القيمة الثقافية للتمثيل العرقي وليس جودة الفيلم ذاته، ويتم الاستشهاد بتصريحات بعض أعضاء الأكاديمية عام 2013 بعد فوز فيلم "12 عاما من العبودية" بأنهم لم يشاهدوا الفيلم لكنهم صوتوا له من قبيل الواجب الأخلاقي والفعل الصحيح، لذلك مزحت مقدمة الحفل في ذلك العام إيلين ديجينريس بالاقتباس بالأعلى، فالذنب الأبيض الذي يشعر به الأميركيون بعد أعوام من استعباد واضطهاد الأفارقة والسود يحتم عليهم التطهر من أخطائهم.(4)

   

تتغير قيمة حفلات الجوائز بتغير عقليات المتابعين على مر الأعوام، أحيانا تجعل الفيلم يكتسب قيمة أعلى من التي يستحقها، وأحيانا وجود الفيلم بمنأى عنها يجعله محل احترام أكبر، لكن في بعض الحالات لا تمثل فارقا كبيرا، فبعض الأفلام تحصل على تقدير شعبي وجماهيري يجعلها تعيش في ذاكرة الكثيرين، ففيها رأوا أنفسهم وتحققت أحلام طفولتهم، وهناك بعض الأفلام تُنسى في لحظة فوزها بالجائزة.

المصدر : الجزيرة