أوسكار 2019.. هل سيستمر للسنة الثالثة في محاربة سياسات ترامب؟

"إذا عاد ابني إلى المنزل وحاول اللعب بالعرائس الخاصة بابنتي سأهشّمها فوق رأسه، وسأقول بعلو صوتي: أوقفوا هذا الشاذ!"
هذه الجملة ليست حوارا في مشهد سينمائي، أو خطبة وعظية، لكنها تغريدة كتبها الممثل الأميركي "كيفن هارت" على حسابه في موقع تويتر عام 2011 تكشف عن كراهيته للمثليين، لكنها بعد ثماني سنوات -ولسوء حظه- ستصبح السبب في استبعاده من تقديم حفل جوائز الأوسكار الحادي والتسعين لهذا العام. استنكر كيفن الأمر، فبعد إعلان أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة أنه سيكون مضيف حفل الأوسكار تذكّر الجمهور ما كتبه هارت يوما ما، وأعلنوا استياءهم من رأيه المعادي للمثلية وكتابات أخرى له ساخرة حول الموضوع نفسه، فأمثاله من أصحاب الأفكار الرجعية والعدائية لم يعد مرحبا بهم في تصدر هذا الحفل الذي يتحوّل عاما بعد عام إلى منصة مناصرة للحرية باسم الفن. وبعد طلب الأكاديمية من هارت حذف تغريداته السابقة صوّر فيديو يخبر الجمهور أنه يجب ألا يحاسب على أمور قالها في الماضي، واعتذر عن تقديم الحفل. اختارت الأكاديمية هذه المرة أن تنتصر لتقبل الآخر واحترامه والتضحية بحفل أوسكار بدون مقدم*.
هذه ليست المرة الأولى التي تسيطر على أجواء الأوسكار قضية اجتماعية أو أخلاقية، فالعام قبل الماضي انطلقت حملة #Me Too على منصات التواصل الاجتماعي لفضح التحرشات الجنسية التي تتعرض لها النساء، توالت تصريحات من قلب هوليوود لنساء تعرضن للتحرش في مقابل الحصول على وظيفة، وكانت أجواء الحفل تغلب عليها تأثير الحركة النسوية تلك، والعام التالي أيضا، وهو ما دفع فرانسيس مكدورماند عند حصولها على جائزة أفضل ممثلة أن تشير إلى المساواة بين الجنسين فيما يتعلق بالأجور، وبفضل حملة "Me Too" التي كانت مسيطرة على الأجواء ربما لم تكن فرانسيس لتشير إلى أمر التفرقة الجنسية التي تتبعها شركات الإنتاج التي تخفض أجور الممثلات فقط لأنهن نساء. فهل حفل الأوسكار حقا يتأثر بالأجواء العامة وينعكس الأمر على اختيارات أفضل الأفلام؟
(الأكاديمية تتغير وتتخذ شكلا ونطاقا عالميا أوسع بضم مجموعات من السينمائيين المحترفين)
(كريستوفر تابلي)
تتشكّل لجنة الأكاديمية من قرابة 6 آلاف شخص من العاملين والصناع في الحقل السينمائي على مختلف التخصصات الفنية[1]، وهو ما يجعل مقاييس الاختيار تختلف عن مقاييس النقاد السينمائيين، ومن جهة أخرى تتأثر الاختيارات كل عام بالظروف الاجتماعية والسياسية السائدة، وهو ما يجعلنا نتوقف عند ترشيحات هذا العام وهل هناك رابط بينها وبين المحيط الخارجي والشأن الأميركي العام؟
يصف الناقد الأميركي فيرنون يانج الفيلم السينمائي بأنه "ظاهرة ثقافية" ولا يجب التعامل معه بمعزل عن تلك النظرة، وهو من جهته يسير على النهج السوسيولوجي في نقد الفيلم ولا يفصله بحال عن النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يدور في نطاقها الفيلم[2]، وهو ما يذكرنا هنا بجوائز الأوسكار التي دائما ما تفاجئنا في كل موسم، فتارة يكون الانحياز للجوانب الفنية بعيدا عن القضية التي يناقشها الفيلم، وتارة أخرى ينحاز لأفلام تعالج قضية ما دون الاهتمام بفنيات الفيلم، وهو ما يعيدنا من جديد لفكرة "السياق العام" لموسم الجوائز.
يعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب حالة الطوارئ، ويطالب بما يزيد على خمسة مليارات دولار من الكونغرس، لأنه، وبنبرة متعالية وساخرة، يكرر أنه سيشرع في بناء جدار يفصل بين أميركا والمكسيك على خلفية ازدياد حالات تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية إلى أميركا عبر حدود المكسيك، لكن المباحثات ما زالت مستمرة داخل الكونغرس والتي تنحو على الأرجح إلى رفض طلب ترامب بتخصيص تمويل لبناء هذا الجدار خاصة من قِبل الديمقراطيين[3]. ومن جهة أخرى يسعى ترامب إلى ترحيل كل المهاجرين المكسيك، وتضييق النطاق على المكسيكيين المسافرين إلى أميركا، آخرها منع بطل الفيلم المكسيكي "روما" من دخول أميركا لحضور فعاليات الأوسكار لأنه مكسيكي[4]، وفيلم "روما" هو مفاجأة هذا العام في ترشيحات الأوسكار. كل هذا العداء غير المبرر للمكسيك يضع ترامب في حرج مع القوة الناعمة تزامنا مع ترشح "روما" لعشر جوائز أوسكار هذا العام؛ أبرزها جائزة أفضل فيلم، وأفضل فيلم بلغة أجنبية، وأفضل إخراج، وأفضل ممثلة وممثلة مساعدة، وأفضل سيناريو أصلي، وأفضل تصوير[5]، فالسياسة وإن كانت تنتصر للكراهية، فالفن قادر على إفساد الكره بالفن.
ومن جهته يصرح رئيس قافلة المهاجرين المكسيك ويقول: "لدى الرئيس دونالد ترامب مشكلة مع ذوي البشرة السوداء وهذا يجعله يصاب بالجنون، وهو ما يزعجه مثل طفل صغير يحمل لعبة ويضرب بها جميع من حوله"[6]، وهو ما يخجل منه أغلب الأميركيين أن يكون رئيسهم عنصريا وعدائيا مع الآخر أيًّا كان لونه أو عرقه ويسعى لحبس أميركا داخل قفص زجاجي.
يُذكّرنا الأمر بما حدث عام 2017، وهو الحفل الأول للأوسكار في السنة الأولى لرئاسة دونالد ترامب، فبسبب تصريحاته العنصرية التي أطلقها في وجه العالم وقراره بفرض شروط جديدة لست دول إسلامية (إيران، العراق، ليبيا، الصومال، السودان، سوريا، اليمن) لدخول أميركا بحجة منع الإرهابيين[7]، أعلن المخرج الإيراني أصغر فرهادي احتجابه عن دخول أميركا لحضور حفل الأوسكار -الذي ترشح فيه فيلمه "بائع متجول" لأفضل فيلم أجنبي- نكاية في تصريحات ترامب العنصرية والتي اعتبرها فرهادي إهانة لدول بأكملها بحجة حماية أمن دولة أخرى[8].
(حفل الأوسكار هذا العام قطعا له نكهة عالمية)[9]
(دايان جاريت)
من الملاحظ أن الغلبة على فئات الجوائز هذا العام تتميز بتنوع الأعراق المرشحة للجوائز، فالأوسكار التي كان الأميركان يستحوذون بشكل واضح على جوائزها أصبح الآن وجودهم متساويا مقارنة بالجنسيات الأخرى، فجائزة أفضل مخرج مرشح لها المكسيكي ألفونسو كوارون، واليوناني يورجوس لانثيموس، والبولندي بافل بافليكوفسكي، في مقابل المخرجين الأميركيين سبايك لي، وآدم مكاي، وهي نسبة أكبر مقارنة بالعام الماضي. وإلى جانب فيلم "روما" المتوقع له الفوز بقوة هذا العام، ينافسه فيلم "المفضلة" للمخرج اليوناني يورجوس لانثيموس الذي ينتمي منذ بداياته السينمائية لنهج السينما الأوروبية، واستطاع بفيلمه الأخير أن يصل إلى ترشيح الأوسكار لأفضل فيلم في منافسة قوية في قلب ثقافة السينما الأميركية، بعد أن كان ترشيحه الأول بفيلمه "سن الكلب" لأفضل فيلم بلغة أجنبية.
أما جائزة أفضل تصوير فمرشح لها البولندي لوكاش زال عن "حرب باردة"، والأيرلندي روبي ريان عن "المفضلة"، وأيضا المكسيكي ألفونسو كوارون عن "روما"، إلى جانب ترشح الأميركي كالب ديشانيلو عن الفيلم الألماني "لا تنظر بعيدا". تفسر الناقدة دايان جاريت أن الأكاديمية تتعرض منذ سنوات لانتقادات متحيزة للبيض عن السود وللأميركيين عن غيرهم، وبالتوازي تسعى الأكاديمية في السنوات الأخيرة لتوسيع نطاق أعضائها لتشمل تنوعا سينمائيا وعرقيا أكثر، وبحسب تصريحاتها بحلول عام 2020 سيتضاعف عدد النساء وغير البيض في عضوية الأكاديمية[10]، ويبدو أن موسم الجوائز هذا العام سيأخذ شكلا جديدا في اختيار أعراق مختلفة وتوسيع آفاق الرؤية الفنية للسينما من كل أنحاء العالم.
في يناير/كانون الثاني من العام الماضي، وقف عمدة ولاية نيويورك أمام المواطنين القادمين إلى الولايات المتحدة من هايتي والسلفادور وأفريقيا وقال: "اليوم، كل من جاء إلى هنا، أتى لدعم أميركا كما ينبغي أن تكون. هذا المكان للجميع، وهو المكان الذي يحظى باحترام الجميع"[11]، في تلميحات مباشرة منه لمعارضة سياسة دونالد ترامب ضد المهاجرين إلى أميركا، وترحيبه بكل الناس من بقاع الأرض كافة.

كعادته يناقش المخرج سبايك لي في أفلامه قضية السود في أميركا، وهذه المرة من خلال فيلم "بلاكككلنزمن" المرشح لجائزة أفضل فيلم والذي يعود بالتاريخ للسبعينيات عن واحدة من محاولات المنظمة المتطرفة "كو كلوكس كلان" لإرهاب السود في أميركا، وهي المنظمة التي طالما ردد دونالد ترامب شعارها في خطاباته، وفي فيلم "الكتاب الأخضر" المرشح أيضا للجائزة نفسها الذي يتناول حياة المغني الأسود في جولة فنية يخوضها مع سائقه وحارسه الخاص الأبيض في تناول جديد للعنصرية التي يتعرض لها السود في أميركا، وإن كانت توقعات فوز الفيلم قليلة فإنها ترشح مهارشلا علي بقوة لجائزة أفضل ممثل مساعد، هذا الممثل الأسود المسلم الذي يثبت جدارته منذ فوزه قبل عامين بالجائزة نفسها عن دوره في فيلم "ضوء القمر". وعن فئة التمثيل نحن أمام ترشيحين هما الأقوى إلى الآن، رامي مالك عن فيلم "بوهيميان رابسودي" وياليتزا أباريسيو عن فيلم "روما"، فترشيح البطل الأميركي-المصري والممثلة المكسيكية من أصول آسيوية يخلق مساحة جديدة لاستيعاب فنانين من أعراق مختلفة على الساحة الفنية الأميركية والعالمية أيضا، وهو تحدٍّ للاثنين خاصة ياليتزا التي تنافسها ليدي جاجا في جائزة أفضل ممثلة.
كما أن فوز ياليتزا بالجائزة واعتلاءها منصة الأوسكار سيذكرنا بالناشطة الحقوقية ساشين ليتلفيزر -من السكان الأصليين لأميركا- التي صعدت عام 1973 لتلقي خطاب الممثل مارلون براندو الذي يرفض تسلم جائزة أوسكار أفضل ممثل لاعتراضه على سوء معاملة صناع السينما الأميركان للهنود الحمر والتعامل معهم بعنصرية، وسيصبح فوز ياليتزا بمنزلة رد اعتبار للموقف السابق وتأكيد تغير النظرة الهوليوودية للفن ورفضها للعنصرية.
كما جاء ترشيح فيلم "بلاك بانثر" مفاجأة جديدة، فهو أول فيلم ينتمي لفئة السوبر هيروز يترشح لجائزة أفضل فيلم في سابقة تؤكد على محاولات الأكاديمية لتوسيع نظرتها الفنية لترشيحات الأفلام، وهو ما يذكرنا بفيلم "فارس الظلام" الذي لم يترشح للجائزة عام 2009 لأنه ينتمي لهذه النوعية من الأفلام. وإن كانت نسبة فوز الفيلم قليلة فإنها تضعنا أمام خطوة جديدة في طريقة تقييم الأكاديمية للأفلام المرشحة للأوسكار، لكن الأغلبية تتوقع فوز هانا بيتشلر بجائزة أفضل إنتاج عن فيلم "بلاك بانثر" لتكون أول أميركية من أصل أفريقي يتم ترشيحها لجائزة أفضل تصميم إنتاج[12].
ومن جهة الإنتاج يعتبر ترشح "روما" من إنتاج نتفليكس تحديا جديدا لتطور علاقة الجماهير والنقاد والفنيين بمنصات البث مثل نتفليكس و"إتش بي أو" (HBO) وأمازون وغيرها، فترشّح أفلام معدة للمشاهدات المنزلية يضع الأنظار من جديد على هذا النوع السينمائي الجديد ويطوّر نظرة الأكاديمية لمعايير ترشيح الأفلام.
للسنة الثانية على التوالي تشارك لبنان في حضور حفل الأوسكار، فالعام الماضي شارك زياد دويري بفيلم "القضية 23" عن فئة أفضل فيلم بلغة أجنبية لكنه لم يحصل على الجائزة، وهذا العام تتقدم نادين لبكي بفيلم "كفرناحوم" والذي فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان "كان" 2018، فأطلقت نادين في قاعة الحفل زغرودة على عادة زغاريد الأفراح في مجتمعاتنا العربية، والكثيرون ينتظرون أن تحصل نادين على الأوسكار هذا العام لتطلق من جديد هذه الزغرودة على مسرح دولبي الأميركي، وإن كانت المنافسة قوية هذا العام خاصة لوجود فيلم "روما" و"حرب باردة" بجوارها في الترشيحات. وتقدم لبنان للسجادة الحمراء للأوسكار ليس الوجود العربي الوحيد في حفل العام، فالمخرج السوري طلال ديركي مرشح لجائزة أفضل وثائقي عن فيلمه الأخير "عن الآباء والأبناء"، وهو ما يعيدنا من جديد للأجواء العالمية، فالحفل هذا العام يزخر بكل الجنسيات من المشرق والمغرب ليتنافسوا بقوة في احتفال سينمائي أشبه بالكرنفال.
على الموقع الفني الشهير فارايتي، كانت النسبة الأكبر من تصويتات جمهور الموقع لصالح فوز فيلم "بوهيميان رابسودي" بجائزة أفضل فيلم، فحصل على ما يزيد على 35% من الأصوات، ويليه فيلم "مولد نجمة" بنسبة 19%، و"روما" في المركز الثالث بفارق 100 صوت تقريبا، وكان فيلم "النائب" هو الأقل في حصد أصوات الجمهور[13]. وفي استفتاء على موقع "قاعدة بيانات الأفلام على الإنترنت" (IMDB) لأهم المفاجآت في ترشيحات هذا العام كان فيلم "بلاك بانثر" في صدارة الاستفتاء لعدم توقع الجمهور ترشيح فيلم ينتمي لأفلام السوبر هيروز لجائزة أفضل فيلم في جوائز الأوسكار، ونال أيضا فيلم "روما" نسبة في التصويت كواحد من مفاجآت هذا العام، وواحدة من المفاجآت أيضا عدم ترشح برادلي كوبر لجائزة أفضل مخرج خاصة بعد تلقي تجربته في إخراج فيلم "مولد نجمة" نجاحا كبيرا.
وفي استفتاء موقع "رولينغ ستون" (rollingstone) تفاوتت نسب تصويت الجمهور بشكل متقارب، وذهبت أغلب الأصوات إلى فيلم "روما" ويليه فيلم "المفضلة" ثم فيلم "مولد نجمة"، كما حصل المخرج ألفونسو كوارون على أغلب التصويتات، وكذلك رامي مالك لجائزة أفضل ممثل، وتقاربت الأصوات بين أوليفيا كولمان و غلين كلوز لجائزة أفضل ممثلة[14]. تفصلنا عن حفل الأوسكار أيام قليلة، والتكهنات ما زالت تشغل أحاديث الجمهور والنقاد والمهتمين بفن السينما والموسم السنوي للجوائز، نتوقع أن يكون هذا العام مختلفا، وأن تتحول منصة الأوسكار إلى ساحة تحتفي بكل الأعراق والجنسيات، لتحرز انتصارا ولو صغيرا للفن قبل أي شيء، وألا يكون حكرا على وطن معين، فيمكن لمواطن أميركي أن يستمتع بتجربة سينمائية إنسانية لحي فقير في المكسيك، أو لبنان، أو بولندا، ويبقى الفن وحده البوابة السحرية التي يطل منها العالم على نفسه دون سياسة أو عنف أو أي حسابات أخرى.
———————————————————————
هوامش:
* عام 1989 كانت المرة الأولى التي يقام فيها حفل الأوسكار بدون مقدم، وهذا العام ستصبح المرة الثانية.