رامي مالك.. هل يبحث المصريون عن بطل عالمي جديد؟

رامي مالك.. البحث عن بطل مصري عالمي

يستيقظ الملك الصغير أخمنرع بملامحه الفرعونية المنحوتة وعينيه الواسعتين من سباته العميق، ليقوم هو وكل من في المتحف بتفعيل لوحته الذهبية السحرية، ولتتفاعل شخصيات من أصول عرقية متنوعة وثقافات مختلفة بل وأزمنة مختلفة مع بعضها البعض داخل المتحف كل ليلة بعد خلوه من الزوار، ولتُمثّل هذه الفكرة حبكة الفيلم الصادر عام 2006 "ليلة في المتحف"، وهو الفيلم الذي يُمثّل انطلاقة الممثل الأميركي ذي الأصول المصرية رامي مالك الذي قام بدور أخمنرع، ولتتصاعد شهرته ببطء حتى لعب دور البطولة في مسلسل "مستر روبوت"!

 

إلا أن هذا العام كان محطة فارقة، حيث اجتذب مالك الأنظار حين قام بدور فريدي ميركوري نجم الروك الأيقوني، وأقوال عنه جائزة الجولدن الجلوب، ثم ترشح لجائزة الأوسكار، في خطوة تصب في إثراء رصيد هوليوود في الاحتفاء بالتنوع العرقي لدى ممثليها والشخصيات التي تقدمها، كما أنه أعطى المصريين نفحة أمل في إيجاد بطل فني جديد، حيث لقي فوز مالك احتفاء عارما من الجمهور المصري عقب فوزه بالجائزة، مشبهين ذلك الفوز بما حققه عمر الشريف من جوائز وتقدير عالمي، فهل تتشابه الحالتان؟ وهل يُمثّل رامي مالك "فخر العرب" الجديد؟
  

undefined

الهروب من مصر للوصول إلى العالمية

في خضم الاحتفال العالمي بجوائز الغولدن غلوب وبتنوعها اللافت بين الأعراق والجنسيات والأدوار المختلفة، شهدت مصر احتفالات من نوع آخر، إحساس بالفخر والاستحقاق المنتظر، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، حين عبّر الجمهور عن سعادتهم بفوز نجم مصري بجائزة مرموقة كتلك، كتب الكثيرون تعبيرات مثل عادت الجائزة لمصر، ويقصد بها الإشارة للنجم عمر الشريف، الذي فاز بجائزة الجولدن جلوب ثلاث مرات وترشح للأوسكار مرة واحدة، لكن الشريف ولد وكبر وعمل في مصر قبل أن يصبح نجما عالميا.

 

أي إن فرصه لم تكن مضمونة، فهو لم يولد في أميركا، وفي بداياته كان من أكبر نجوم السينما في مصر واشتهر بأدواره الرومانسية وبشكله الوسيم، لكن نقطة انطلاقه الحقيقية كانت في فيلم "لورانس العرب" للمخرج البريطاني ديفد لين، والذي أراد أن يُضفي على أفلامه مصداقية أكبر عن طريق إعطاء الدور لممثل من أصل عربي، وعن هذا الدور حاز عمر الشريف على جائزة الجولدن جلوب عام 1963.(1)

 undefined

نشرت إحدى صفحات السينما على فيسبوك صورتين متجاورتين، إحدهما لعمر الشريف يحمل الجائزة والأخرى لرامي مالك، وفوقها تعليق: "هذا ما يحدث عندما تهرب من مصر"، تم إعادة نشرها مئات المرات بشكل عشوائي دون تحقق من طبيعة مسيرة مالك، فالمقارنة ليست صالحة بأي شكل، لأن رامي مالك لم يهرب من مصر، بل إنه لم يرها، لكن مسيرته كانت هروبا من التنميط الأميركي لمواطني الشرق الأوسط، وحصرهم في أدوار الإرهابيين أو عدم إعطائهم الفرصة من الأساس، لكنه ثابر حتى انسل من تلك الأدوار المعلبة، وأصبح نجما يتلون ويتحوّل لأي شخصية يريد بفضل موهبته الكبيرة وإمكانياته التي صقلتها التجربة.

undefined 

يمكن ربط ذلك بمفهوم التعصب القومي أو كنزعة شوفينية، وهو مصطلح يُطلق على التعصب الوطني الأعمى والإعجاب الحصري بما يخص الوطن وإنجازاته، ترى الكاتبة خديجة جعفر أن كثيرا من المصريين يظنون أنّ المصري عبقري بطبعه، أو عاطفي بطبعه، أو طيب بطبعه، أو مرح ذو نكتة بطبعه، لكن ذلك يتضاد مع فكرة الهرب من مصر أو العالم العربي، بينما يعود ليرتبط بها بشكل ملتوٍ.

 

بعض المصريين يعتبرون أن لهم فرص الموهوبين والعباقرة نفسها أمثال عمر الشريف ومجدي يعقوب وأحمد زويل، لكن ما يمنعهم فقط هو وجودهم في بلد يقبع في العالم الثالث لا يتاح لهم فيه دعم مواهبهم أو تقديرها. صحيح أن هناك جزءا من الواقعية في ذلك المنطلق، لكنه لا يمكن النظر له كقاعدة حتمية، حيث لا ينطبق ذلك مثلا على نجيب محفوظ الحائز على نوبل للأدب، ففكرة الموهبة والعبقرية يمكن أن تنمو في أي مكان، وتتداخل في تشكيلها وتنميتها عوامل كثيرة متعددة، وبتطبيق ذلك الهوس القومي على رامي مالك وفكرة الهرب من مصر لتحقيق النجاح فلا تتحقق أي نقطة هنا، إلا إذا اعتبرنا أن هجرة والديه من مصر كانت مسببا أساسيا في نجاحه، وليس موهبته، وفرصه المتساوية مع أي نجم من نجوم هوليوود.(2)
   

البحث عن بطل محلي

undefined

وبعيدا عن المقارنات الفنية، تأتي مقارنات في سياق أوسع، وهي الاحتفاء بظهور بطل مصري وعربي جديد، يكون مصدر فخر يعترف به العالم كله. حيث بدأ سريعا رواد مواقع التواصل بعد فوز رامي مالك بجائزة الغولدن غلوب بوضع صورته بجانب نجم كرة القدم محمد صلاح، على اعتبار أن كليهما مصري حقق الفخر لبلده واعترف العالم بإنجازاته العظيمة، لكن الاحتفاء بنجاح مالك لا يحتاج إلى استدعاء تلك النزعة القومية، فهو شاب أميركي يعتز بأصوله المصرية ويحب الفن وأم كلثوم والأفلام القديمة، لكنه لم يصعد بالتدريج من الأفلام المصرية الصغيرة حتى وصل للعالمية وأفلام الأستوديوهات الضخمة، بل صعد داخل بلاد العم سام من شاب دارس للفنون يحاول أن يجد طريقه في هوليوود ويعمل كبائع للشاورما والفلافل إلى أن وجد فرصته في التمثيل.

وذلك على عكس محمد صلاح الذي بدأت مسيرته في نادي المقاولين في مصر، ثم رفضه نادي الزمالك وهو أحد أكبر الأندية الرياضية المحلية، وعندما قَبِل عرض احتراف في نادي بازل السويسري أثبت مهارته ولفت نظر الأندية الإنجليزية الكبرى حتى وصل إلى نادي ليفربول وأصبح أحد أهم اللاعبين في العالم كله.

undefined

انتشرت صورة لرامي مالك من أحد الحسابات على فيسبوك وإنستغرام مرسومة بألوان ساطعة، يحمل جائزة الغولدن غلوب وكأنه يحمل كأس بطولة رياضية كبيرة، وفوقها تعليق: "ملك مصري آخر"، في إشارة إلى اللقب الذي يلاصق محمد صلاح في كل العالم وخاصة من الجماهير الإنجليزية، يرتبط ذلك اللقب والاحتفاء به بتوتر علاقة العالم مع العرب والمسلمين نظرا للأفكار المتطرفة والحوادث الإرهابية، وفي الوقت نفسه بافتتان العالم بالثقافة المصرية القديمة وإيجاد نوع من الغرابة المحببة بها.
  
فالقبعات التي تُمثّل تيجانا فرعونية التي يرتديها المشجعون لتحية محمد صلاح، يمكن رؤية انعكاسها في رؤية رامي مالك في زي فرعوني هوليوودي التصور في فيلم "ليلة في المتحف"، يعلم مالك جيدا مقدار شعبيته في مصر، فيتحدّث كلما جاءته الفرصة عن الفن المصري، بل ويحاول التحدث بعربية ذات لكنة أميركية، حيث أمضى أول أربع سنوات من حياته يتحدث العربية، كمحاولة من والديه للحفاظ على شكل من أشكال الأصالة.

 

في مقال للكاتبة سلمى سلام في جريدة الغارديان البريطانية، تتأمل كيف استطاع محمد صلاح فعل المستحيل بتوحيد مصر، مجازيا بالطبع، عن طريق إعطاء المصريين الأمل في نصر من نوع ما، وربطت ذلك بالأمل الذي اختلجت به قلوب المصريين وقت ثورة يناير لكنه تبخر، وبعد فترة ركود كبيرة وانقسامات بما فيها انقسامات سياسية وصلت لكرة القدم.(3)

 

وفي مجال الفن، تأمل المصريون أن يمتلكوا أيقونة جديدة تتمثّل في رامي مالك، تعيد إلى أذهانهم أمجاد فن ذهبي وفترات من انتصار الفن على قساوة الحياة، وهو ما يمكن اعتباره متوفرا في مالك الذي شق أهله الطريق من مصر إلى أميركا، ووصل بالتدريج من الأدوار الصغيرة إلى الجوائز الكبرى، لكن ذلك لا ينفي تساوي فرصه مع أي فنان أميركي أو أميركي من أصول أفريقية أو عربية، لأن الجوائز لها اعتبارات عديدة منها الموهبة والتفوق الفني بالطبع، ولكن تجر تلك المعايير خلفها معايير سياسية واجتماعية لا يمكن إنكار وجودها.

المصدر : الجزيرة

إعلان