خمسة مُسلسلات أخرجها السوري "حاتم علي" لا يمكنك تفويتها

تخلل تاريخ الدراما السورية بعض الأنماط الإنتاجيّة التي تصلح تسميتها بالموضة، مثل المسلسلات ذات الحلقات المنفصلة أو أعمال الفانتازيا التاريخية، وهما شكلان دراميّان برع فيهما المخرجون السوريون الذين كان ابن الجولان المُحتل "حاتم علي" واحدا منهم، فساهم بتقديم العديد من النماذج الفنيّة الصالحة للتعميم في الدراما العربية؛ أعمال ناضجة تابعها الجمهور العربي باهتمام ملحوظ.
تعامل حاتم علي مع عدد من الكتّاب الكبار في مجال الفن والبحث الاجتماعي والتاريخي مثل أحمد حامد في مسلسل "سفر" الذي اعتمد فيه على التاريخ العربي لبلاد الشام أيام الحكم العثماني، والشاعر ممدوح عدوان الذي قدّم مسلسل "الزير سالم" برؤية تاريخية فيها الكثير من الجرأة والموضوعية لا تقل عن تلك التي قدّمها الباحث والشاعر الفلسطيني وليد سيف في "التغريبة" أو "صلاح الدين الأيوبي".(1)
لم يسع حاتم علي لتحقيق الزخم الإنتاجي إلا بدافع حقيقي جعله مرتبطا بفكرة بدت متماسكة وواضحة في معظم أعماله وهي التكلّم عن أدوار البطولة العادية؛ أفراد يتمكّنون عبر دروب مريرة من الوصول إلى مرادهم وتحقيق غاياتهم دون إغفال حجم الخسائر التي يتطلبها هذا الوصول كما في مسلسل "الخوالي" أو "ياقوت الحموي" أو حتى في تقديمه لصورة الأب في "أحلام كبيرة"، وهو بذلك لا يقدّم أعمالا للتسلية بقدر ما يصنع منتوجا ثقافيا غنيّا فكريا وإنسانيا، وهو ما يستعرض هذا التقرير بعضه باقتضاب.
يحكي المسلسل قصّة عائلة سورية من أب وأم وأبنائهم الأربعة، يتعرض الوالد لجلطة دماغية تتسبب في قعوده في المنزل وترك الميراث الذي قسمه والده بينه وبين أخيه للأخير، يبدأ من بعدها كل شاب من الأولاد الأربعة بالسير في منحى مختلف من دروب الحياة المتعارف عليها للشباب داخل سوريا. تتعقد القصص وتتشابك بتسارع كبير ولكنه لم يفلت رتمها من بين يدي أمل حنّا التي أظهرت نجاعة كبيرة في كتابتها للحوارات وفي وضعها تسلسلا منطقيا لها.
لا يطرح العمل حلولا للمشكلات التي يعرضها، ولا يهرب منها إلى فانتازيا تاريخية ولا حتى إلى رؤى مستقبلية، كل ما يفعله هو أن يضع شريحة من واقع عائلة سورية واحدة أمام الشاشة، بكافة تحديات الحياة وجميع لحظاتها الجميلة كذلك. مسلسل لا ينفك أن يتجاوز حدود منزل هذه العائلة ليحتكّ بالمجتمع السوري وأزماته.(2)
يستخدم حاتم علي هنا نظام التصوير السينمائي بكاميرا واحدة، وهو أسلوب استدخله المخرج نجدت إسماعيل أنزور على الدراما السورية، واستقدمه حاتم علي إلى الدراما المصرية في مسلسل "الملك فاروق".(3) لا يكتفي حاتم علي هنا برواية الحكاية بكاميرا واحدة ولكنه يُجهدها في سبيل قصّة أكثر تشويقا. تتحرك الكاميرا وتهتز منذ اللحظة الأولى في المسلسل، تلاعب حركي ممتاز يحاكي فيه حاتم علي بكل بساطة الاهتزاز الذي ستتعرض له أحلام الجميع هناك.
ينضم إلى العمل عدد كبير من النجوم منهم جمال سليمان وخالد تاجا وبسام كوسا وآخرون، ولكنّ الأسماء الأبرز هي ريم حنا ودلع الرحبني، كاتبتا العمل الذي يُعتبر من ضمن الأكثر شعبية في منطقة الشام. يبدع المؤلف الموسيقي طاهر مامللي بالموسيقى التصويرية للفصول الأربعة التي انطبعت في عقول المشاهدين عبر سنوات من الانقطاع عنه.
يتمتع المسلسل بأسلوب سردي مغاير ظهرت فيه موهبة حاتم علي المبكرة حين استطاع التنويع في طرق رواية الأحداث باختلاف موضوع الحلقة، إذ تتناوب الأحداث الكبرى التي تنتهي بعضها في غضون حلقة واحدة فيما يستمر غيرها على مدار أكثر من حلقة. لم تغب الكوميديا عن العمل في مجمله رغم انحيازه إلى الدراما، فعولجت المشكلات الشبابية "بصراحة" في هذا المسلسل "عن طريق عرض معاناة الأحفاد كل حسب محيطه ودائرته الصغيرة".(4)
يختلف هذا المسلسل عن بقية أعمال حاتم علي لأنه احتوى على مشاهد إثارة تخللها عمليات إغارة أو اغتيالات أو اشتباكات مُسلّحة، وهو ما فرضته رؤية وليد سيف الكتابيّة الذي يتعاون مع "علي" أيضا في ثُلاثيّة الأندلس التي حملت أسماء "صقر قريش" و"ربيع قرطبة" و"ملوك الطوائف". وتتميز رؤية وليد سيف بتقسيم المسلسل إلى ثلاثة أجزاء ينتهي كلّ منها بعد 10 حلقات بالضبط، وهو أمر جديد كان حاتم علي يتعامل معه لأوّل مرة حين أدرك أن طريقة التصوير أيضا تتغير بين مرحلة وأُخرى.
في التغريبة هناك مرحلة الثورة والاشتباك في الحلقات العشر الأولى، يليها مرحلة النكبة والهزيمة، ثم مرحلة المخيم والشتات، وفي كلّ مرحلة كان حاتم علي يُغيّر من أسلوبه ليتوافق مع طبيعة الحدث، سريع بكاميرا متحركة في العشرة الأولى، بطيء بكاميرا ثابتة في العشرة الثانية، وهي التي تُعبّر عن مرحلة من الركود والضياع تلت ضياع حلم ثورة الفلاحين التي هبّت عام 36.
في الجزء الأول نبدأ مع الأمير الأموي، عبد الرحمن الداخل، والذي بعد فراره من العباسيين إثر سقوط دولته يبدأ بإقامة دولة جديدة في الأندلس، وفي الجزء الثاني نراقب صعود نجم محمد بن أبي عامر، مؤسس الدولة العامرية في الأندلس، أمّا في "ملوك الطوائف" فننتقل إلى مرحلة ما بعد سقوط الدولة العامرية وبدء تقسيم ممالك الأندلس.
كان التعامل مع الأندلس محفوفا بالمخاطر، وكأن حاتم علي يلقي بنفسه وسط حقل من الألغام، كيف لا وهي التي تملك في وجدان الكثيرين محبة كبيرة وتطلّعا إلى عصر زال وتمنّيات بعودته، لذا فإن الخطأ فيه بألف، ومع ذلك يستطيع حاتم علي أن يخلق لكل مسلسل في الثلاثية أجواء مميزة وألوانا خاصة تخدم اللحظة التاريخية التي يتناولها العمل.
استمرت الحرب بين قبيلتي بكر وتغلب أربعين عاما كما عدد الحلقات التي كتبها عدوان، فأضاف فيها لمحات شعرية مميزة قُدمت على شكل موشحات وأغانٍ بقيت راسخة يصعب نسيانها، ورغم انتقاد الكثيرين لبعض المغالطات التاريخية التي اشتمل عليها المسلسل، لكنه كان -بلا شك- واحدا من أهم الأعمال العربية عامة، ومن أفضل ما قام حاتم علي بإخراجه خاصة.