"Ingrid Goes west"..هل ارتكاب الحماقات هو أقصر الطرق للشهرة؟
اليوتيوبر من أصل صيني كانغوا رن ينتظر هو الآخر حكما بالسجن في إسبانيا بعدما صور نفسه وهو يبدل طبقة الكريمة في قلب بسكويت أوريو بمعجون أسنان ثم يعيد تغليفه ويخرج إلى الشارع ويعطيه إلى أحد المشردين من أصل روماني عمره 52 عاما. نشر رن الفيديو على قناته التي يتابعها أكثر من مليون متابع وقال ساخرا: إنه كان يريد تنظيف أسنان الرجل. ولكن الرجل قد مرض وهو الآن يواجه ارتكاب جريمة أخلاقية. (3) فإلى أين تأخذنا شبكة الإنترنت؟
في ظل هوس الناس بالشهرة كان ليوتيوب وإنستغرام الغلبة في كونهما الأكثر تأثيرا على مستخدمي الإنترنت من بين كافة منصات التواصل الاجتماعي، لقوة حضور الصورة وتأثيرها الأكبر من النص والصوت. ولكنهما أصبحا بصورة كبيرة عبئا، وتجاوزا دور التسلية وتبادل الإعجاب، حيث ظهرت أعراض اكتئاب على العديد من المستخدمين نتيجة ما يشاهدونه من صور تظهر نعيم حياة الآخرين في مقابل شقاء حياتهم. (4)
قدم المخرج "مات سبايسر" تجربة غريبة ومخيفة في معالجته السينمائية لكل هذه المسائل في فيلمه (Ingrid Goes West). حيث تدور حكاية الفيلم حول إنجريد ثوربرن الفتاة المكتئبة والمعقدة، الفاقدة للثقة في نفسها والمملوءة بسعار الخوف من رؤية نفسها في مرتبة أقل من الآخرين، لا تقدر على أن تتجنب صورتها عن نفسها ولا تعرف كيف تستعرض نفسها أو يكون لها رجل حبيب.
تُنقل إنجريد إلى مصحة نفسية بعد مجيئها إلى حفل زفاف صديقتها والتهجم عليها أثناء الزفاف، وعند خروجها من المصحة لا تجد معها/حولها إلا الأموال التي تركتها لها أمها وهاتفها الذكي. يصادفها أحد الحسابات لأحد المشاهير على الإنستغرام وتبدأ رحلتها نحو الغرب إلى لوس أنجلوس للتعرف على هذه المرأة التي تبدو حياتها نموذجا لكل ما تفتقر إليه. (6)
تايلور، أحد الإنفلونسرز (influencers) الذين يُدفع لهم في مقابل الإعلان عن العلامات التجارية، الشابة الناجحة، المتفاخرة بحياتها المثالية على إنستغرام: زوجها الفاتن، الديكور، وطعامها الصحي، تحاول إنجريد إقحام حياتها البائسة في حياة تايلور، فتستأجر بيتا قريبا منها وتخطف كلبها وتتظاهر بإنقاذه، ومن هنا تبدأ الصداقة.
تتخلى أنجريد عن نفسها وتحاول محاباة تايلور بشتى الطرق. إزرا زوج تايلور فنان فاشل ولكن إنجريد تدّعي الانبهار به وتشتري إحدى لوحاته، تستعير سيارة دان بنتو الذي استأجرت منه المنزل لتحاول إثبات أنها تمتلك امتيازات أمام امتيازات تايلور. دان بنتو الذي ستقول إنجريد إنهما حبيبان ولكنهما ليسا كذلك.
تقول تايلور بطريقة استعراضية لإنجريد إنها تحلم بفتح معرض خاص بها ليكون إنستغرامها الحقيقي "إنستغرام خاص بي، ولكن في الحياة الحقيقية"، ويلمع كل ذلك في خيال إنجريد على أنه الفردوس. ومع قدوم نيكي -شقيق تايلور- يتضح أن الكل يتخفى وراء قناع مزيف، كل واحد حياته إنستغرام واسع، قد تبدو براقة ولكنها غير حقيقة.
الكل مزيف، الكل يعيش خلف صورة يصدرها عن نفسه ليُبقي أي أحد معه، كلهم وحيدون في داخلهم يعيشون معا. نيكي يصدر صورة الإنسان الصريح الصادم فيما هو عكس ذلك من داخله. إزرا ليس فنانا ولوحاته لم ولن تلق أي رواج، وفي لحظة ليكون ليس السيئ وحده يفشي عن زيف زوجته وأنها كانت نسخة مما إنجريد عليه، وحتى الكتاب الذي تتباهى به دائما على إنستغرام هي لم تقرأه في حياتها وهو من قرأه. (7)
نيكي هو الآخر ليس بأفضل حال من البقية، حيث يتلصص على هاتف إنجريد ويعرف كلمة السر اللازمة لفتحه ويسرقه منها ليرى ما عليه، فيجد صورا غريبة، حيث صورت إنجريد حمام تايلور، متعلقاتها وأدق وأغرب أشيائها. فتنهار إنجريد وتفسر بأنها كانت تحاول أن تعرف تفاصيلها لتتقرب منها، يهددها بأن يخبر تايلور أو تدفع له الأموال فتختار الدفع.
تأثير حياتها السابقة واضطراباتها النفسية قد يعتبر سببا لأن يستكمل الفيلم على هذا الخط، وفي هذه الحالة يكون الإنستغرام والفوبيا من مواقع التواصل مجرد هامش، وذلك يبدو عكس رغبته الواضحة في أن يكون الأمران (شخصية إنجريد والهوس بالميديا) طول الفيلم متوازيين ويقتسمان الحضور.
كما أن حضور شخصية تايلور يميّع الأمور قليلا، حيث تم تصوير تايلور على أنها ليست شرا أو فارغة بشكل مزعج كلية، ولكنها تتمتع بشخصية جميلة. إنها مجرد شخص يكسب رزقه ولا يستحق الحكم الصريح بالإدانة. فمن هو الضحية إذن؟ أم كل واحد ضحية نفسه؟
في الموسم الأول من مسلسل "المدينة والجنس" (8)، تكتشف كاري أنها تؤدي نسخة من نفسها لأجل حب السيد بيج. مرعوبة، سوف ترى حقيقة ما وصلت إليه وتتبدد كل رغباتها. "يجب أن تشاهديني في حضوره" هي تشرح لميراندا، "أنا لا أشبهني. أنا أشبه كاري مزدوجة. أرتدي ملابس قليلة. كاري مثيرة. كاري مرحة. أحيانا أجد نفسي أتشكّل. إن هذا فقط… إن هذا مرهق".
في نهاية المطاف بعدما نبذها الكل لما أخبرهم نيكي بوقائع ما جرى، تجد إنجريد نفسها قد تشكّلت إلى شخص أسوأ مما كانت تهرب منه، ولا تجد أمامها إلا الانتحار وتقوم بعمل بث مباشر ((Liveعلى إنستغرام قبل انتحارها كأنها تتطهر من حياتها.
لحظة انتحارها هي اللحظة الوحيدة التي كانت فيها صادقة مع نفسها، رغبة حقيقية في التخلي عن الأقنعة والزيف. يشاهد دان بنتو البث وينقذها. بعد إفاقتها تجده إلى جانبها، وتجد نفسها قد أصبحت مشهورة وتعاطف الكل معها. لحظة صدقها كانت لحظة جمالها التي لم تحس به أبدا، وتلك اللحظة هي من ضمنت لها ما كانت تبحث عنه وهي من أنقذتها.