مصنع الأبطال الخارقين.. العالم في قبضة "مارفل"


أما عن مارفل، فقد غدا تفوقها المتواصل على نفسها تقليدا معتادا. يعتبر "حراس المجرة 2" الفيلم الخامس عشر للاستوديو منذ بدأ إنتاج أعماله قبل تسعة أعوام، حقق جميعها نجاحا كبيرا. ولا يماثل شيء إيرادات شباك أفلام مارفل عظمة (تعدى صافي أرباح مجموع الأفلام السابقة عشرة مليارات دولار على مستوى العالم) إلا سائر المليارات التي جمعتها الشركة من ألعاب الأطفال والسلع والعطور والرحلات البحرية (أجل، هناك رحلات تدعى يوم مارفل البحري). هكذا، جنت ديزني من صفقة الاستحواذ على مارفل عام 2009، التي كلفتها أربعة مليارات دولار، أرباحا لم تكن تتوقعها مطلقا.
حاليا، يواصل النجاح الهائل لعالم مارفل السينمائي – وهو اسم أطلقته الشركة على العالم الذي تدور فيه أحداث أفلامها، حيث تتداخل شخصيات كل عمل مع الآخر – إعادة رسم هوليوود بفرشاته الخاصة. عن ذلك يقول جو كيتينغ، مؤلف قصص مصورة عمل مع مارفل ودي سي كومكس: "لا يخلو أي خبر صحفي عن فيلم جديد هذه الأيام من مصطلح "عالم سينمائي". ولو أن فيلم "ماغنوليا" أنتج اليوم لخرج على صورة جزء من عالم سينمائي".
أما استوديوهات يونيفرسال، التي تشيد عالما مشتركا يجمع وحوش الأفلام التي أكسبت الشركة شهرتها في الثلاثينات والأربعينات، مثل الرجل الخفي، ودراكولا، والرجل الذئب، وعروس فرنكنشتاين، فستصدر "المومياء" في (يونيو/حزيران) الحالي، وهو أول أفلام "عالم الوحوش" الخاص بها. أما شركة ليجندري، فتخطط للربط بين مجموعة مختلفة من الوحوش الكلاسيكية، مثل كينغ كونغ وغودزيلا. كان فيلم "كونغ: جزيرة الجمجمة" هو أول ثمار هذا الجهد، لكنه حقق نجاحا متواضعا في (مارس/آذار) الماضي. في هذه الأثناء، تعيد باراماونت التخطيط لمستقبل الدمى التي تنتجها شركة هاسبرو، فقد رسم الاستوديو الخطوط العريضة لعقد قادم من أفلام "المتحولون"، كما تخلق عالما منفصلا يجمع بين جي أي جو ومايكرونوتس ومركبات (M.A.S.K). كذلك أقرت إدارة وارنر برذرز في (مارس/آذار) الماضي بأنها تدرس الاستعانة بقصة ماتريكس كأساس لعالم سينمائي منفصل، في حين تفكر ديزني في خلق عالم خاص بشخصيات ترون، بعد نجاحها في إحياء سلسلة حرب النجوم.

رفعت مارفل الميزانية المخصصة لإنتاج الأفلام، كي تتمكن من تقديم ثلاثة أفلام سنويا. ولقد أثبتت أن بإمكان هذه العوالم المتخيلة محاكاة منصات تكنولوجية ناجحة، تسمح بخوض التحدي الإبداعي وتحقيق الأرباح في الوقت نفسه. لكن كثيرا ما تنظر الشركات الأخرى إلى هذه النتائج الإيجابية دون تقدير للمجهود الذهني الذي جعلها ممكنة. وخصم مارفل اللدود هو خير مثال على ذلك. حاولت دي سي كومكس بالاشتراك مع وارنر براذرز (الشركة الأم) اللحاق بمارفل، عن طريق صنع عالمها السينمائي الخاص. فأطلقت في العام الماضي "باتمان ضد سوبرمان: فجر العدالة"، و"الفرقة الانتحارية"، لكنهما خيبا آمال الجمهور، كما عجزت أرباح كل منهما عن تخطي حاجز المليار دولار. وفي (يونيو/حزيران القادم)، سيصدر فيلم المرأة العجيبة، الذي تحيط به تكهنات سلبية وأنباء عن إنتاج متعثر.
هكذا، نرى أن نسخ تجربة مارفل عملا سهلا، لكن التحدي الحقيقي هو الحصول على النتائج نفسها. فما الجوهر الحقيقي خلف نجاح مارفل؟ تكمن الإجابة في طريقة إيمان الشركة بحدسها، وتخلصها من كل ما لا ضرورة له، وخيالها شديد الخصوبة. وفيما يلي عرض للكيفية التي تستطيع بها سائر الشركات فعل ذلك.

لكن رغم الجهود التي بذلها فييغ وآبي آراد (رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي حينها)، لم تستطع مارفل استرجاع كافة حقوق الملكية، فما تزال حقوق امتياز الرجال إكس والرجل العنكبوت في يد فوكس وسوني. وفي عام 2005، غدت مارفل استوديو مستقل بفضل خط ائتمان بلغ 525 مليون دولار، لتتولى بعدها جميع مراحل إنتاج الأفلام بنفسها. وضع فييغ خطة معقدة ومتعددة المراحل لإشراك مختلف شخصيات مارفل في سلسلة من الأفلام المشتركة، على أن تجمعهم في النهاية تحالفات شبيهة بـ"المنتقمون". لم يكن الجمهور يعرف شيئا عن ذلك في البداية. وحدهم المعجبون الحقيقيون أدركوا الأمر مع الظهور الهادئ لصامويل جاكسون في دور نيك فيوري، قرب نهاية أول أفلام مارفل: الرجل الحديدي، هذا البطل الذكي والمرح. ثم توالت الأفلام، ليزيد كل منها هذا التشابك وضوحا، ويمهد لظهور فريق "المنتقمون" عام 2012.
يقف تخطيط مارفل الهادئ والمتمهل والمدروس على النقيض من الأسلوب الذي اتبعته دي سي كومكس لمنافستها. ففي (أكتوبر/تشرين الأول) من عام 2014، عقب النجاح الكبير لعاشر أفلام مارفل: "حراس المجرة"، كشف كيفن تسوجيهارا – رئيس مجلس إدارة وارنر براذرز – الغطاء عن قائمة تضم عشرة أفلام لأبطال دي سي كومكس الخارقين. كان أولها صدورا هو فيلم "باتمان ضد سوبر" البائس، و"لعله أوضح مثال على افتعال العالم السينمائي عنوة، في مقابل منحه الوقت الكافي للنمو الصحي"، حسب قول كيتينغ.
وها هو صبر فييغ يؤتي ثماره، وأكثر: استردت مارفل حق التحكم الفني في شخصية الرجل العنكبوت، الذي يعد أقيم ملكية فكرية أصلية للشركة. باعت مارفل حقوق إنتاج أفلام الرجل العنكبوت لشركة سوني عام 1999، مقابل سبعة ملايين دولار. أنتجت بعدها سوني خمسة أفلام للبطل صانع الشبكات، منها ثلاثية بدأت عام 2002، لعب فيها توبي ماجواير دور البطولة. أما فيلمي أندرو جارفيلد فقد خيبا الآمال على المستويين النقدي والتجاري. وبعد الفيلم الخامس، "الرجل العنكبوت المذهل 2″، الصادر عام 2014، وهو الأكثر بلادة، اتصلت مارفل بسوني في محاولة لاسترداد شخصيتها الثمينة، لكن الأخيرة رفضت العرض. كانت سلسلة الأفلام في حاجة إلى دفعة إبداعية، وتوصلت الشركتان إلى صفقة: ستحظى سوني بدعم مارفل الإبداعي في أفلام الرجل العنكبوت القادمة، بداية من "الرجل العنكبوت: العودة إلى الوطن" المنتظر صدوره في (يوليو/تموز) القادم. في المقابل، ستتمكن مارفل من ضم بيتر باركر إلى عالم "المنتقمون"، حيث ظهر لأول مرة عام 2016، في فيلم "كابتن أميركا: الحرب الأهلية".
لا نحتاج إلى ذكر كم الحماسة التي تسيطر على المعجبين، ولا عن انتظارهم بصبر نافد عرض فيلم "المنتقمون: حرب لا نهائية" عام 2018، الذي يضم الرجل العنكبوت بين أبطاله. يقول مكويني، الذي يتولى الآن نشر إحدى المجلات الإلكترونية الخاصة بمهووسي هذه الأفلام: "عندما نشرت مارفل مقطع فيديو لأول أيام التصوير، عرضته على أطفالي. يقف توم هولاند الذي يلعب دور الرجل العنكبوت مع روبرت داوني جونيور في الموقع يتحدثان معا. فقد أطفالي صوابهم، وقلت لنفسي إن مارفل قد أتقنت الأمر هذه المرة".

يضع كثير من النقاد جميع أفلام الأبطال الخارقين معا في سلة واحدة، لكن الواقع يثبت أن أفلام مارفل تستعصي على مثل هذا التصنيف الساذج. فأول أجزاء الرجل الحديدي وكابتن أميركا هي بالأساس أفلام حروب، في حين يعد الجزء الثالث من الرجل الحديدي فيلم إثارة من طراز أفلام جيمس بوند. وفي الفترة الأخيرة، أطلقت مارفل فيلم الحركة والمغامرات الفضائية "حراس المجرة"، وفيلم الخيال العلمي المرح "الرجل النملة"، والفيلم الخيالي الجامح "دكتور سترينج"، وجميعها تفوق أفلام "المنتقمون" التي سبقتها غرابة. (بالمثل، بدأت فوكس تغامر بإنتاج أفلام ذات طابع سوداوي لشخصيات مارفل التي تملك حقوقها، مثل "ديدبول"، و"لوجان"، وهي أعمال لا يسمح للمراهقين الأصغر من 17 سنة مشاهدتها دون مرافقة أحد الراشدين).
لم يستطع أحد من جمهور مارفل، بما فيهم الأكثر إخلاصا وتحمسا، التنبؤ بإنتاج أفلام "حراس المجرة". يقول كيتينغ، مؤلف القصص المصورة: "ما كان ذلك ليخطر على بال أحد، مهما كان مطلعا على القصص المصورة، أوف، "حراس المجرة"! سيصبح هذا الحدث الأهم بكل تأكيد". والآن، يتوجب على الجمهور الاستعداد لتغيير مسار الرحلة ثانية. يقول جيمس جن، المخرج، إن ثاني أجزاء "حراس المجرة"، على عكس الأول، هو فيلم دراما عاطفية، مع شبه بأفلام تارانتينو. "يتعلق جزء هائل من الفيلم بالروابط التي تجمع بين شخصياته".
لا تخشى مارفل قتل بعض الشخصيات خلال أحداث الفيلم ("المنتقمون: عصر الألترون"، "دكتور سترينج")، أو مفاجأة الجمهور (عدو شرير لم يظهر في إعلانات "الرجل الحديدي 3")، أو إعادة ترتيب العالم (حل وكالة شيلد في "كابتن أميركا: جندي الشتاء"). بالمثل، تملك مارفل نظرة خاصة تمكنها من اختيار ممثلين غير متوقعين، لتفاجئ جمهور السينما. لعب كريس برات دور الشاب الذكي ممتلئ الجسد في المسلسل الكوميدي "حدائق ومنتزهات"، من إنتاج هيئة الإذاعة الوطنية الأميركية، قبل مشاركته في "حراس المجرة". كيف رأى مسؤول اختيار طاقم العمل بطلا خارقا في بريت العقلاني ممتلئ الوجه في مسلسل هيئة الإذاعة البريطانية: "شيرلوك"؟ أو في بول رود المتخصص في الكوميديا الرومانسية؟ لكن اليوم، بعد نجاح جميع الأفلام، باتت هذه الاختيارات تبدو أمامنا منطقية. وما تزال بعض الاختيارات المشابهة، مثل اختيار تشادويك بوسمان، بطل أفلام السير الذاتية، للعب دور النمر الأسود، واختيار بري لارسون، ممثلة الأفلام المستقلة، للعب دور كابتن مارفل، تثير الكثير من الضجيج قبل موعد عرض الأفلام بسنوات. في عام 2014، أعلن فييغ انتهائه بالفعل من إعداد خطة عمل تمتد حتى 2028، إلا أنه يصعب علينا استشعار وجود منظومة محددة تحكم أي من أفعال مارفل.

أجاد جن تقديم الفيلم بنسبه الدقيقة من الفكاهة والحركة والسريالية، مودعا فيه من الرسائل البصرية المخادعة ما أكسب إعادة المشاهدة متعة خاصة. نتيجة لذلك، حصل المخرج على مساحة أكبر من حرية الإبداع في الجزء الثاني. وفي أول اجتماع لعرض أفكاره الخاصة بالجزء الجديد، اقترح جن التمرد على قواعد عالم مارفل السينمائي، وتقديم والد ستار لورد: الكوكب الواعي. يقول جن: "حسنا، هاك تصوري للأمر. سيكون والده كوكبا حيا، وسنشتبك مع معاناة سائر شخصيات الفيلم. لقد كتبت معالجة للفيلم من سبعين صفحة. ولم يعترض أحد على الأمر".
بشكل عام، يعتبر فييغ أهم العوامل التي تحفظ لنظام مارفل وجوده واستمراره في العمل، إنه الكوكب الهادئ الذي يشغل مركز المجرة. على العكس، اذهب للتسكع في هوليوود وسل عمن يتحكم في عالم دي سي السينمائي، ستحصل حينها على عدد من الأسماء المختلفة، إلى جانب زاك سنايدر، منتج ومخرج كل من الرجل الفولاذي، وباتمان ضد سوبرمان. (في الصيف الماضي، قامت وارنر برذرز ببعض الترتيبات لتشكيل فريق خاص بأفلام الأبطال الخارقين التي تنتجها). يقول مصدر مقرب من المخرج: "تسبب هذه العملية ضررا كبيرا له [يعني سنايدر]، إنها منظمة كاملة تكتم أنفاسه، وهناك عدة مليارات دولار يتوقف مصيرها على نجاح فريق العدالة أو فشله". (رفضت وارنر براذرز التعليق).
تستفيد مارفل كثيرا من علاقتها المثمرة مع ديزني، التي ضمت العلامة التجارية إلى إمبراطوريتها العالمية من المدن الترفيهية، وشبكات القنوات التليفزيونية، وألعاب الأطفال، وغيرها. يقول أحد المسوقين العاملين مع استوديو منافس: "ديزني هي الأكثر مهارة في انتقاء ملكية فكرية وتوظيفها في مليون مكان مختلف. نحن نبذل كل ما نستطيع من جهد كي نصل إلى مكانة ديزني بعد عشر سنوات".
تتصف كثير من الخدمات والمنتجات التي أسفر عنها هذا التعاون بالسذاجة المفرطة، مثل رحلة الرجل الحديدي في مدينة ديزني بهونج كونج، وقسم حراس المجرة في متنزه ديزني المنتظر افتتاحه بكاليفورنيا هذا الصيف (إلى جانب فرصة للرقص مع ستار لورد، ومقابلة جروت). قدمت ديزني مارفل تلفزيونيا عن طريق مجموعة قنواتها التلفزيونية، في مسلسل عملاء شيلد، الذي قارب موسمه الرابع على الانتهاء، ومسلسل "اللا آدميين" المنتظر عرضه لأول مرة في الخريف القادم. في نهاية عام 2012، أعلنت الصحف عن موافقة نتفليكس على دفع 300 مليون دولار سنويا لشركة ديزني، مقابل عرض أفلام ديزني الأخيرة، بما فيها أفلام مارفل، إلى جانب ما لا يقل عن أربعة مسلسلات خاصة بشخصيات مارفل، مثل جيسيكا جونز، ولوك كيدج، والقبضة الحديدية، التي سيجمع أبطالها في نهاية العام الحالي مسلسل جديد بعنوان "الحماة". يقول كريم زريق، المسؤول عن برامج مارفل الأصلية: "تسمح لنا نتفليكس بعرض قصص أكثر سوادا، وإظهار جوانب جديدة في شخصيات مارفل. يحقق عملاء شيلد نجاحا جيدا في مجموعة ديزني التلفزيونية باعتباره مسلسلا جماعيا. لكن مسلسلات البطل الواحد أثبتت نجاحها هي الأخرى، وأظهرت قدرتنا على التلاعب بالجو العام، والتعامل مع الشخصيات بأساليب جديدة".
كذلك تساعد ديزني في تعزيز نجاح مارفل بطرق أقل وضوحا. تضمن ديزني استمرار تواصل مارفل مع جمهورها عن طريق إرفاق إعلانات تشويقية بأفلام ديزني الرئيسية مثل حرب النجوم، والتنويهات الموجزة في أقراص الفيديو الرقمية وعلى صفحات الإنترنت، وتقديم المخرجين للإعلانات في برامج مثل جيمي كيميل على الهواء، وعن طريق شراكاتها مع المنصات الرقمية المشابهة ليوكو تودو (عملاق الفيديو المبثوث على الإنترنت في الصين). يقول مكويني: "لقد اقتحمت مارفل جميع المجالات، وصارت في جميعها جزءا من الثقافة الشعبية بطريقة ما". وحدها بيكسار يمكنها ادعاء امتلاك منتج بنفس هذه الدرجة من الشهرة بين المستهلكين.
واليوم، ربما تبدو لنا مارفل غير قابلة للهزيمة، لكن هناك عدة قوى يمكنها قهرها. لقد تعهدت مارفل بالفعل أمام ديزني بإطلاق جزء ثان لكل عنوان جديد تصدره. هل سيضعف ذلك تأجج شعلة الإبداع؟ هل هناك مدير تنفيذي آخر قادر على خلق عالم مليء بالشخصيات، قوي كفاية لسرقة الاهتمام من مارفل؟ والآن، بعد نجاح أفلام فوكس الموجهة للبالغين: "ديدبول" و"لوجان"، هل ستصبح جميع ملاحم الأبطال الخارقين بهذا القدر الصريح من العنف والبذائة؟ وأخيرا، بعد خمسة عشر عاما من إعادة إنتاج الأفلام القديمة والتحايل لتوليد حبكات جديدة، كم بطل خارق جديد يمكن للمشاهد احتماله؟
يستطيع مبدعو القصص المصورة دفعك إلى التهام الصفحات واحدة تلو أخرى، أو شراء العدد الجديد لاكتشاف تتمة القصة. وحتى الآن، يمكننا قولها باطمئنان: تملك مارفل عالما سينمائيا لا حدود له.
_____________________________
التقرير مترجم عن: الرابط التالي