زهرة الصبار.. ما الذي يعنيه أن تعيش في القاهرة؟

في فيلمها الروائي الأول "زهرة الصبار"، الذي عُرض مؤخراً في مهرجان دبي الدولي للسينما في دورته الرابعة عشر وتنافس على جائزة المهرالطويل، تحيل المخرجة "هالة القوصي" مدينة القاهرة إلى خشبة مسرح، تمزج فيها القاهرة الحقيقية بالقاهرة المتخيَّلة عبر صداقة ثلاثية من منطق المصير والفقد المشترك، والذي تفرضه القاهرة أيضاً لشابة ثلاثينية، وسيدة سبعينية، وشاب عشريني. وقد حصلت بطلة الفيلم "منحة البطراوي" على جائزة أحسن ممثلة بالمهرجان. وكان قد عُرض بمهرجان روتردام السينمائي، ومهرجان أفلام من الجنوب بالنرويج.
في أحد معارض الصور الفوتوغرافية السابقة للمخرجة والمصورة هالة القوصي حمل اسم "في غرفة معيشتي"، صورت هالة شوارع القاهرة بشكل يومي لمدة أربعة أشهر عقب ثورة يناير2011، حتى تحول التصوير لروتين يومي بالنسبة لها، وأصبح الشارع بمثابة غرفة معيشتها، بالمثل سكن هذا الثلاثي الشوارع في رحلة للبحث عن ملاذٍ، حتى أصبحت بيتهم.
عايدة "سلمى سامي"، فتاة من أصول ريفية، انسلخت منها لتعيش بالعاصمة التي تلفظها باستمرار، فشلت في تحقيق رغبة أهلها في دراسة الطب، وتحاول البحث عن فرص للعمل بالتمثيل، حلمها بعد دراستها للمسرح، لا تجد عايدة سوى الفرص الرديئة في الإعلانات الدعائية للمدن السكنية الجديدة الموحشة، والفوط الصحية، في القاهرة الشحيحة في كل الفرص؛ عمل، وحب، وعيش، الغنية فقط بفرص الرعب الكارثية والخيبات المتتالية.
ترتبط عايدة بجارتها سميحة "مِنحة البطراوي" التي تبدو من لكنتها وديكورات بيتها وتفاصيله، من الأرستقراطيين السابقين، سيدة مطلقة، بلا عائل ولا أولاد، تحاول البحث عن عمل، ترتدي قلادة من الماس ولا تملك قوت يومها، تعيش المرأتان على سطح منزل مليء بالنور بأحد أحياء القاهرة، ثم تجدان نفسيهما بلا مأوى بين ليلة وضحاها، لأن صاحبة البيت تريد ذلك، فقط لأنهما في القاهرة.
ياسين "مروان العزب" جارهما، يساعدهما في رحلة البحث عن سكن يأويهما، طالب الحقوق السابق الذي ترك الدراسة مؤقتاً لأن القانون لن يفيد كثيراً في بلد مثل القاهرة.

زهرة الصبار؛ تتكيف مع كل/ أحلك الظروف، لكنها تزهر وروداً كل عام، تشبه من يستطيعون التكيف مع كل الأوضاع، يعيشون في وضع كارثي مؤقت، ومستمر في الحقيقة طوال الوقت.
سحابة الكآبة تظلِّل القاهرة وتغطي الجميع، في أحد المشاهد، يقول "زكي فطين عبد الوهاب"، أحد من لجأوا إليه في الطريق، لسميحة: "النيل شكله عنده اكتئاب".
هالة كفنانة بصرية، وباحثة، ومصورة فوتوغرافية بالأساس، بدأت مشروعها في تصوير وأرشفة القاهرة منذ عمر الثامنة عشر، دائما ما كانت معنية بعلاقة الفرد بالمدينة، والرُّؤى المختلفة للتاريخ، بدا ذلك جلياً في معارضها الفنية وكتابها "دائرة سين" الذي مزجت فيه النص بالصورة، ومشروع "فوتو مصر"، طالما كانت مهتمة بتسجيل تاريخ الوجوه والشوارع والأزقة المنسية، مشروعها كما تراه؛ هو التاريخ من أسفل، تصويرالحياة اليومية للمواطنين، واتجهت هالة للسينما من منطلق أن الفيلم الروائي هو أفضل محاولة لتوثيق التاريخ المتروك لوجوه المدينة.
هالة تمتلك حساً نوستالجياً واضحاً، حتى إن معظم أثاث بيت سميحة، التي تحمل ملامح منها على حد قولها، من مقتنياتها الشخصية. هى مشدودة بالماضي لكنها ليست ذائبة فيه، لم تَرْث القاهرة القديمة، إنما بدت متطلعة نحو مستقبل ما.