شعار قسم ميدان

الحديقة السرية وعهد الأصدقاء..مسلسلات كارتون مأخوذة من روايات عالمية

midan - the secret garden
اضغط للاستماع

ترتبط طفولة الكثير منا بالرسوم المتحركة التي عنت لنا وما زالت تعني الكثير، حتى صار تاريخنا الشخصي مجموعة من الرسوم، نردد شارات بدايتها، نتطبع بصفات أبطالها، وتتردد على ألسنتا كثيرا، لتمثل تلك الأوقات لحظات سعيدة نستذكرها باستمرار.

  

لكن وراء تلك الرسوم يقف تاريخ طويل، تاريخ يمتد أبعد من تاريخنا وذكرياتنا الذاتية ليصل إلى أعتاب مئة عام. حيث لم تر الكثير من تلك المسلسلات جمهورها من الصغار للمرة الأولى في شكل رسوم متحركة، بل على هيئة أدب وروايات. وبعدها، في الثمانينيات والتسعينيات، اقتبست صناعة الأنيمي الياباني من تلك الروايات الكثير، لتسافر بها من جمهورها الأصلي في أميركا وأوروبا، إلى جمهور آخر أوائل الألفية يشمل أطفال العرب الذين تابعوها بشغف على سبيستون وآرتينز.

  

الحديقة السرية (The Secret Garden)

 

قبل أن نرى مسلسل الرسوم المتحركة المحبوب جدا على شاشات سبيستون بقرابة تسعين عاما، خطت الروائية البريطانية "فرانسيس هودجسون بيرنيت" قصته في رواية سنة 1911، لتصير بمرور الزمن واحدة من أكثر روايات الأطفال شعبية في بريطانيا على الإطلاق، ثم بالطبع مسلسل رسوم متحركة وقع أطفال العرب في حُبه. (1)

 

تدور القصة حول الطفلة ماري ذات تسعة الأعوام، والتي تعيش مع أبويها الإنجليزيين في الهند حياة ليست سعيدة تماما، فقلّما تجد منهما أي رعاية أو اهتمام. وبعد أن يتفشى وباء الكوليرا في المنطقة ويقضي على كل من في البيت عداها، يصبح عليها السفر إلى بريطانيا لتعيش في قصر عمٍّ لها لم تره في حياتها أبدا. وهناك، تكتشف ماري بابا مُغلقا يُخبئ وراءه سرا سيغير حياتها تماما.

 

في رواية "الحديقة السرية" -وبالطبع في مسلسل الرسوم المتحركة-، نرى كسرا لأنماط عدّة في أدب الأطفال. فماري في بداية القصة لم تكن الطفلة اليتيمة الاعتيادية التي تستدر استعطاف الجمهور، طيبة ورقيقة وقليلة الحيلة، بل كانت على العكس من كل ذلك عنيدة ومشاغبة وصعبة المراس ومغرورة أيضا. تقطع ماري بهذا رحلتين على مدى الأحداث وليست رحلة واحدة: رحلة اكتشاف الحديقة القابعة وراء الباب الموصد ثم إعادة زرعها وبعثها للحياة، ورحلة التغيير من تلك الطفلة الوحيدة والمليئة بالغضب، إلى أخرى أكثر أُلفة مع الناس وامتلاء بالسعادة.

 

لا نستطيع أن نفصل واحدة من الرحلتين عن الأخرى، فماري تختلط بالآخرين حين تحتاج إلى المساعدة في زراعة الحديقة، وتشعر بالسعادة عندما تلامس يدها الطين والطبيعة لتحيل ما لحق بها من خراب إلى زرع وأزهار. وبهذا، يمكن اعتبار الحديقة في حالتها الأولى ثم ما صارت إليه في النهاية مجازا عن تلك الرحلة التي قطعتها ماري في علاقتها بذاتها ومع الآخرين؛ رحلة تجد لها صدى آخر في ابن عمها المريض كولن، والذي تُعيد له ماري والحديقة الصحة والسعادة والحياة. (2)

 

قبل أن تنال رواية "الحديقة السرية" الشهرة الساحقة التي تتمتع بها الآن، قوبلت بردود فعل غير سارة واعتبرها الجماهير والنقاد من أعمال فرانسيس الضعيفة، لتظل لعقود طويلة أسيرة للنسيان. لكن بمضي السنوات وإعادة قراءتها من قِبل أجيال أخرى، أُعيد اكتشافها والاحتفاء بها، لتصير الآن واحدة من أهم وأشهر روايات الأطفال في بريطانيا على الإطلاق. أما الأنيمي، فقد قام بصناعته أستوديو جاكن الياباني عام 1991.

 

صاحب الظل الطويل (Daddy Long Legs)

 

من أميركا جاءت قصة "صاحب الظل الطويل" عام 1911 تحت اسم "Daddy Long Legs" من تأليف جين ويبستر. تدور القصة حول جودي أبوت، الفتاة اليتيمة التي تسكن دار أيتام قائما على تبرعات الأثرياء، وتلاقي وبقية من في الدار معاملة قاسية من المديرة والمعلمين، لكنها لا تجد أي مهرب للخارج.

  

تُنفّس جودي عن حزنها بالكتابة عمّا تمر به بشكل ساخر، وعندما يقرأ أحد المتبرعين ما كتبت، يلمس فيها موهبة حقيقية ويقرر أن يرسلها إلى الجامعة على نفقته الخاصة، لكن بشرط واحد: أن تقوم بكتابة خطابات له تصف فيها حياتها الجديدة دون أن يكون هو ملزم بالرد عليها. عندما تسمع جودي بالخبر، تقفز سعادة وتسرع لترى المتبرع قبل أن يرحل، لكنه يمضي ولا تلمح منه سوى ظله الواقع على الأرض بسيقانه الطويلة، ولذا أسمته بـ "والدي ذو السيقان الطويلة" أو "صاحب الظل الطويل" في مسلسل الرسوم المتحركة المُدبلَج للعربية. وإلى صاحب الظل الطويل تظل جودي ترسل رسائلها التي سردت المؤلفة عبرها الرواية.  في الجامعة، تتفتح أمام جودي حياة جديدة تجد فيها المعرفة، والصداقة، والحُب. وخلال كل ذلك، تظل تكتب رسائلها إلى الرجل الغامض الذي غيّر حياتها رأسا على عقب مرتين.

  

منذ تاريخ صدورها وإلى الآن، أَسَرت الرواية القُرّاء في كل العالم، وحُوّلت في عدد كبير من المرات وفي مختلف الثقافات إلى أفلام. فحوّلت هوليوود القصة إلى فيلم بالاسم نفسه من بطولة فريد إستير وليزلي كارون 1955، وقامت بوليوود بالشيء نفسه، وبالطبع صنعت اليابان منه الأنيمي الشهير، وحتى السينما المصرية حولته إلى فيلم "ابنتي الحبيبة" من بطولة نجاة الصغيرة ورشدي أباظة عام 1971.

 

عُرَض المسلسل في اليابان أول مرة عام 1990 ضمن سلسلة روائع المسرح العالمي (World Masterpiece Theatre) التابعة لأستوديو نيبون، والتي تضمّنت أيضا مسلسلات مثل "لحن الحياة" (The Von Trapp Family Singers)، والأميرة سالي (Princess Sarah)، وبائع الحليب (A Dog of Flanders)، المأخوذة كلها من روايات عالمية. (4)

  

عهد الأصدقاء – الإخوة السود (Die schwarzen Brüder)

undefined

  

ذات يوم، عندما قرأت الألمانية ليزا تيتزنير في أحد الكتب عن موت ثلاثين طفلا من سويسرا على متن عبّارة كانت متجهة إلى إيطاليا حيث كان من المفترض أن يعملوا في تنظيف المداخن، سرحت بأفكارها وتخيلت الحيوات القصيرة جدا لأولئك الصغار؛ حياة لا بد لم تكن سعيدة، فأي شيء يضطر طفلا صغيرا أن يغادر اللعب واللهو تحت الشمس وبين الحشائش ليحشر جسده الضئيل طوال النهار في المداخن محاطا بالرماد والأدخنة والسواد؟ ومن تلك الخيالات، وُلدت روايتها "الإخوة السود" عام 1941، والتي اتخذت اسمها من ذات السواد الذي غطى أولئك الصغار. (5)

  

ربما كانت رواية "الإخوة السود" التي اقتبسها بعدها الأنيمي الياباني "سماوات روميو الزرقاء" (Romeo’s Blue Skies) غاية في الحزن والكآبة، لكن المأساة الحقيقية تنبع من كون كل التفاصيل التي روتها ليزا عن حياة أولئك الأطفال حقيقية للغاية. فالأولاد الصغار من إقليم تيسينو السويسري الفقير في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كانوا يضطرون أن يرحلوا كل شتاء إلى إيطاليا للعمل في تنظيف المداخن، وذلك لتقليل العبء المادي من على عائلاتهم التي كانت بالكاد تجد ما يسد جوعها. وفي إيطاليا، لم يلقوا سوى كل معاملة سيئة من أرباب عملهم الذين كانوا يسلبونهم أجورهم دون أن يتركوا لهم قروشا قليلة لشراء الطعام، أو يوفروا لهم مكانا للنوم ليلا سوى إسطبلات الحيوانات. (6)

 

من تلك التفاصيل المحزنة، صاغت ليزا قصتها حول الصغير جورجيو -تحوّل الاسم في الأنيمي إلى روميو- الذي تبيعه عائلته لأحد سماسرة الأطفال عندما تمرض الأم ولا تجد الأسرة ثمن العلاج. يقطع جورجيو الرحلة نفسها التي قطعها من قبله آلاف الأطفال، ليهبط لإيطاليا حيث ينتظره شتاء كئيب لا يخفف من وطأته سوى الرفقة التي يجدها في أصدقائه الآخرين من مُنظفي المداخن الصغار، والذين يكونون معا عُصبة "الإخوة السود"، ومن هنا تنطلق الأحداث.

  

حوّلت اليابان القصة إلى أنيمي عام 1995(7)، وعُرِض أيضا ضمن سلسلة روائع المسرح العالمي التابعة لأستوديو نيبون، كما تُرجمت الرواية إلى العربية عام 2009. وبذلك، ترتبط الكثير من ذكرياتنا بصِلات أعمق من تلك التي عرفناها وأَلِفناها، ممتدة لأشكال وصيغ أكثر تنوعا، ورغم ذلك، تبقى الذكريات متصلة بما عايشناه، وبالصورة التي رسخت في أذهاننا، حاملة معها ذكرياتنا المعبأة بالمعاني والصور الجميلة.

      

undefined

المصدر : الجزيرة