"الخواجة عبد الكريم".. برونو ميتسو الذي عشقه الأفارقة والعرب
"لا يمكنني أن أصف لك هذا الشعور الذي ينتابني عندما أسمع نداء الأذان للصلاة، فهو إحساس بحق لا يمكن وصفه قياسا بالراحة النفسية والسعادة التي تكون بداخلي حين أسمعه. يكفيني هذا الشعور الجميل في أعماقي".
(برونو ميتسو، في حوار له عام 2006)
في يوم الجمعة 31 مايو/أيار 2002، والطقس حار في القاهرة والمباراة الافتتاحية لكأس العالم في كوريا واليابان على وشك الانطلاق بعد صلاة الجمعة، كنت طفلا صغيرا مُولَعا بكرة القدم وأنتظر أول كأس عالم سأتابعه في حياتي. لم يُطِل الإمام خطبته، وأنهينا الصلاة وذهبت لمشاهدة المباراة الافتتاحية بين فرنسا والسنغال، وقد أخبرني الكبار من حولي أن هذه المباراة محسومة قبل أن تبدأ، فثمَّة أشياء في الحياة ثابتة يمكن توقُّعها بسهولة. لكن ما شاهدته كان عكس كل ما قاله لي الكبار، فقد فعلتها أسود التيرانجا وانتصرت على فريق مُستَعمِرهم السابق، وأعطتني درسا مبكرا في الحياة بأن المعجزات يمكن أن تحدث، وأن ما يقوله كبار السن ليس صحيحا دائما.
على دكة بدلاء السنغال جلس قائد الفريق السنغالي، شاب وسيم ببدلة شبابية عصرية وبشعر طويل مُرسَل. في هذا الزمان كانت تلك صورة غريبة للغاية لمدير فني، إذ كان المدربون عادة أكبر سِنًّا، ويرتدون ملابس تقليدية، ولا يتمتعون بكل هذا الحماس والحيوية. لكنه "برونو ميتسو"، الذي ستصير السنغال وطنه الثاني، وسيعتنق دينها ويُدفن في أرضها بعد سنوات قليلة.
الحياة ليست خطا مستقيما
"خطَّ لَنا رسولُ اللَّهِ خطًّا مربَّعًا، وخَطَّ في وسطِ الخطِّ خطًّا، وخَطَّ خارجًا منَ الخطِّ خطًّا، وحولَ الَّذي في الوسطِ خطوطًا فقالَ: هذا ابنُ آدمَ، وَهَذا أجلُهُ مُحيطٌ بِهِ، وَهَذا الَّذي في الوسطِ الإنسانُ، وَهَذِهِ الخطوطُ عروضُهُ، إن نَجا من هذا ينهشُهُ هذا، والخطُّ الخارجُ الأمَلُ".
(حديث نبوي، صحيح الترمذي)
لم تشِ حياة برونو الأولى بأي إنجاز مرتقب، فقد كان رجلا عاديا وعمل ساعيا للبريد في صغره، وحين احترف كرة القدم لم يحقق أي بصمة تُذكر بصفته لاعبا في وسط الميدان، حيث لعب لنوادٍ أغلبها قريبة من مسقط رأسه في شمال فرنسا، ولم يلعب لأيٍّ من نوادي القمة الفرنسية. بيد أن نادي "بوفيه"، آخر النوادي التي لعب لها ميتسو في دوري الدرجة الثانية، رأى في شخصيته شيئا مختلفا يجمع بين الذكاء الحاد والمرح وشعلة الحماس التي لا تنطفئ، ومن ثمَّ عرض عليه أن ينتقل للعمل التدريبي بمجرد اعتزاله، فصار مديرا لفريق الشباب، ثم أصبح مديرا للفريق الأول.
حتى في عالم التدريب لم يكن برونو متألقا في بداياته، فبعد سلسلة من النجاحات المبشرة في السنوات الخمس التي قضاها في بوفيه، أبرزها الوصول إلى ربع نهائي كأس فرنسا، جاءت الصدمة مع أول تحدٍّ كبير، فقد أُقيل من نادي "ليل" في موسم 1992-1993 بطريقة تركت أثرا سلبيا في نفسه، إذ اجتمع به رئيس النادي قائلا: "هل سمعت ما يتردد من شائعات حول إقالتك؟ إننا بالفعل سنتركك ترحل". وفي خطوته التالية مع نادي "فالنسيان"، ظل انعدام التوفيق يطارده، إذ كان النادي في أسوأ حالاته، وتراخى اللاعبون، ثم كُشف فيما بعد تورُّطهم في تفويت المباريات المُعتمَّد لمنافسيهم مقابل رشى.
ورث برونو من والده حب السفر والاكتشاف والمغامرة، إذ كانت الحرب العالمية الثانية قد علَّمت الوالد أن يُعيد تجريب حظه في أكثر من مكان. ولذا، بعد أن عانده التوفيق في بلده فرنسا، سافر ميتسو إلى القارة الأفريقية عام 2000 ليُدرِّب المنتخب الغيني بعقد متواضع. وكالعادة لم يحالفه التوفيق، فلم يكن راضيا عن الظروف التي وفَّرها له الاتحاد الغيني، ولم توجد في البلاد بنية تحتية جيدة ولا اهتمام كافٍ بالمنتخب.
جاء برونو إلى أفريقيا مؤمنا بأن لديه الجديد ليُضيفه في فلسفة لعب كرة القدم. وقد جاءت ساعة الحظ وعمره 46 عاما في العام نفسه 2000، إذ لفت المدرب الشاب ذو السيرة المهنية المتواضعة أنظار الاتحاد السنغالي لكرة القدم، الذي امتلك مجموعة من اللاعبين الموهوبين، ولذلك فإن فكرة الإتيان بشاب فرنسي يشاركهم لغتهم، ويكون قريبا من مرحلتهم العمرية نسبيا، ويرتدي ملابس شبابية، ويصفف شعره على طريقة جيل الألفية، بدت فكرة جديرة بالتجربة بعد تجربة طويلة مع الألماني العجوز "بيتر شنيتجر".
حين انتقل ميتسو لتدريب المنتخب السنغالي، لم يكن أيٌّ من لاعبي السنغال يلعب في فريق كبير من فِرَق أوروبا، إذ لعب أغلبهم في فِرَق فرنسية متوسطة أو صغيرة. ولكن ميتسو استطاع معهم أن يحقق التأهل لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخ البلاد رغم وجوده في مجموعة صعبة ضمت مصر (الحاصلة على كأس أمم أفريقيا 1998 آنذاك) والجزائر والمغرب. وفي كأس أمم أفريقيا في مالي عام 2002، صعد ميتسو بالأسود إلى نهائي البطولة، حتى وجد نفسه أمام الجيل الذهبي للكاميرون بقيادة "صامويل إيتو" و"باتريك مبوما"، الذي استطاع اقتناص البطولة بركلات الجزاء الترجيحية.
في كأس العالم 2002، اتجهت كل الأنظار نحو الكاميرون بوصفها بطل أفريقيا القادر على تحقيق مفاجأة، خاصة أن مجموعتها كانت سهلة نسبيا. ولم ينتظر أحد من الفريق السنغالي قليل الخبرات أن يحقق شيئا، بل وتوقَّع أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه قبل البطولة أن السنغال ستكون في ذيل مجموعتها، لكن ميتسو صنع المعجزة ووصل بالفريق إلى دور الثمانية، حتى خرج في الوقت الإضافي بعد الهزيمة أمام المنتخب التركي.
استُقبِل المنتخب السنغالي وعلى رأسه برونو ميتسو استقبال الفاتحين في العاصمة داكار، وتحوَّل الرجل إلى بطل قومي في السنغال، وتبيَّن حجم الدور الذي لعبه حين رحل عن الفريق، حيث انهار المنتخب السنغالي من بعده، وبدت الحياة وكأنها أنصفت ساعي البريد المتفائل صاحب النجاحات المتواضعة حين كان لاعبا، وكأنها تكافئه على روحه المغامرة التي بحثت عن الفرصة في أرض جديدة.
تميل تصوراتنا إلى تخيُّل الحياة وكأنها خط مستقيم، ويتصور البعض أن عند لحظة معينة ستبتسم الحياة ابتسامة أبدية لا تتغير. غير أن خط الحياة في حقيقته يبدو سائرا بفلسفة مختلفة قائمة على خلق التحديات حتى النهاية، وبحسب تعبير أحد أصدقاء ميتسو بعد وفاته بيوم عام 2013: "كان برونو يملك كل شيء ليكون سعيدا؛ مسيرة احترافية مثالية، ومشوارا رائعا، والمال، وعائلة رائعة، ثم جاء السرطان"، فإذا بالرجل صغير السن الذي صنع التاريخ عام 2002 وظهر دائما مفعما بالحيوية والنشاط وحقق النجاحات على بُعد سنوات قليلة من رحلة مرض عنيفة انتهت بموت عن عمر ناهز 59 عاما فقط.
عدو الكتالوج الصارم والاستشراق
"لقد كان ميتسو أخا كبيرا لنا. ما أعجبني فيه قبل كل شيء هو أنه عندما احتجنا إلى العمل عملنا، ولكن عندما كنا بحاجة إلى الاستمتاع استمتعنا أيضا".
(اللاعب السنغالي سليمان كمارا)
على المستوى التكتيكي لعب ميتسو البطولة التي صنع فيها المعجزة بخطة 4-3-3، وكان رهانه الهجومي على الثلاثي المهاري السريع "الحاج ضيوف" و"خليلو فاديغا" والخيار الثالث بين "كمارا" و"نداي"، بينما اعتمد في خط الوسط على القوة البدنية متمثلة في "سيسيه" و"ساليف دياو" و"ديوب". تألق الفريق مع برونو والتزم بخطته تكتيكيا على هذا النحو، رغم أنه الفريق نفسه الذي تلقَّى ميتسو تحذيرا من الاتحاد الكرة السنغالي بسبب ميله إلى عدم الالتزام.
لم تكمن عبقرية ميتسو في الخطط ولا في استحداث تكتيكات جديدة في كرة القدم، بقدر ما كانت عبقريته التي شهد بها الكثيرون بعد ذلك في تطويع شخصيات اللاعبين مهما بلغت صعوبتها، ومن ثم تحوَّل معه فريق المشاغبين إلى فريق منضبط في أرض الملعب. وربما كان هذا هو السبب في أن نجوم السنغال من هذا الجيل الذين انتقلوا إلى أندية أكبر بعد كأس العالم لم يُوفَّقوا، فلم يتعلَّق الأمر بمهاراتهم بقدر ما تعلَّق بوجود شخص قادر على ترجمة تلك المهارة في أرض الملعب.
في ليلة قبل مباراة فرنسا، كان لاعبو السنغال يلهون حتى الساعة الثانية فجرا، وحين سُئل عن ذلك قال: "أنا لست شرطيا، كرة القدم لعبة مرح، وأنا واثق أن اللاعبين يعرفون مسؤولياتهم وسيقومون بها في الملعب". قبل المباراة الافتتاحية في كأس العالم بخمسة أيام حدثت فضيحة "خليلو فاديغا" حين سرق عقدا ذهبيا من أحد المحلات في كوريا الجنوبية ليُنفِّذ تحديا بينه وبين زملائه، وبعد أن أعاد فاديغا العقد المسروق، سامحه ميتسو واحتواه، وأصرَّ أن يستكمل البطولة رغم المطالبات الكثيرة له باستبعاده.
هنا يكمن جزء كبير من عبقرية ميتسو، وهو قدرته على عدم الالتزام بالشكل التقليدي للمدرب الأجنبي الذي يأتي إلى أفريقيا بمفهوم جامد عن النظام والانضباط، فقد استطاع أن يحتوي لاعبيه بطريقة جديدة تميل للتسامح مع الأخطاء البشرية وتفهُّم جموح الشباب، دون أن يُفهم من ذلك أنه ضعف في شخصيته، وبدلا من ذلك، فقد رآه لاعبوه أبا صارما ومتفهما في الوقت نفسه.
"قبل كل شيء، أحاول أن أجعل اللاعبين يشعرون بأكبر قدر ممكن من الثقة؛ أتحدث معهم قليلا عن خصومهم في بداية أسبوع المباراة، ثم لا شيء سوى الإشارة إلى نقاط ضعف المنافس". كان هذا ما يقوله ميتسو، وكان هدفه الأساسي زرع الثقة في لاعبيه، فاستخدم دائما لقطات الفيديو في محاضراته، وركَّز في تلك اللقطات على عرض نقاط ضعف الخصوم، ولم يركز كثيرا على نقاط قوة الفريق المنافس، فرسَّخ في ذهن اللاعبين أنهم سيُقابلون لاعبين مثلهم لديهم أخطاؤهم حتى لو كانوا يلعبون في أفضل الأندية.
لم تكن طريقة ميتسو في التعامل مع لاعبيه محض مصادفة، وقد شرح ذلك قائلا: "لقد رأيت عددا من المدربين الأوروبيين وحتى الفرنسيين يفشلون في قطر أو الإمارات أو أفريقيا لأنهم وصلوا واثقين جدا من أنفسهم ويريدون تطبيق المبادئ المستوردة من أوروبا. هذا لا ينجح. يجب ألا ننسى أننا تم استقدامنا لخدمة اللاعبين، لأخذ بيئتهم وعاداتهم في الاعتبار من أجل زيادة الكفاءة على أرض الملعب". لهذا السبب تعامل ميتسو مع لاعبيه كما ذكرنا بشكل يختلف كثيرا عن تعامل أي مدرب أوروبي آخر.
لو لم تحب لاعبيك.. فلن تحصل على نتيجة
#صورة معبره
شيكابالا يقبل صورة مدربه المعتزل بسبب المرض برونو ميتسو والذي توفى صباح اليوم pic.twitter.com/RaBL8vOpkf— اللهم ارحم ميتسو (@4_metso) October 15, 2013
حين كان ميتسو في المستشفى بعد إصابته بالسرطان، فوجئ بمقطع للاعب المصري "محمود عبد الرزاق شيكابالا"، الذي تدرب على يديه في نادي الوصل الإماراتي، وهو يذهب إلى صورته المُعلَّقة ويُقبِّلها. وشيكابالا لاعب مشهور عند الجمهور المصري بموهبته الكبيرة، لكنه صعب المِراس في الوقت ذاته، ولم تشهد علاقاته مع مدربيه وفاقا كبيرا لا سيما في فترة شبابه، لكنه مع ذلك وجد في ميتسو الأب القادر على إخراج أفضل ما فيه. وقد علَّق ميتسو قائلا إن لاعبا مثل شيكابالا يملك عقلية صعبة، "لكنني أتعامل مع اللاعب بصفته إنسانا وليس مجرد رقم". من الحج ضيوف إلى خليلو فاديغا إلى قصة شيكابالا، يمكن أن تتضح لنا موهبة ميتسو الأبرز، إنها تلك القدرة الغريبة على إدارة المواهب المتمردة.
في حوار له مع الراديو السنغالي، شرح برونو ميتسو فلسفته، وهو أن الخطة في حد ذاتها التي يضعها المدرب ليست أمرا ذا أهمية قصوى عنده، فأي شخص يمكنه أن يضع خطة وتشكيلا. أما ما يُمثِّل الفارق الحقيقي فهو توجيه طاقة اللاعبين وقوتهم في الاتجاه نفسه، وتحفيزهم ومنحهم الثقة. إن كرة القدم بالنسبة لميتسو ليست مجرد تكتيكات، بل هناك ذلك الشيء الإضافي الصغير على حد قوله الذي يُفرِّق بين مدرب وآخر، وهو التعامل النفسي مع اللاعبين. وبحسب ما وصفه تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية، فإن نجاح ميتسو بُني على قاعدتين: العبقرية، والمرح.
عودة إلى رحلة صناعة المعجزة في كأس العالم 2002، فقد انتهت المباراة الأولى بنتيجة صادمة للعالم، استطاع فيها أبناء ميتسو الذين يلعبون في نوادٍ فرنسية متواضعة أن يفوزوا على أبطال العالم منتخب فرنسا المُدجَّج بالنجوم في جيل من أجياله الذهبية. وقد خرج السنغاليون في داكار يطهون آلاف الديوك احتفالا بالفوز على منتخب "الديوك الفرنسية"، ثم تعادل المنتخب السنغالي في المباراة التالية أمام الدنمارك، وتعادل أيضا أمام الأوروجواي بكتيبة نجومها في المباراة الأخيرة من الدور الأول، وكانت السنغال قد أضاعت الفوز في هذه المباراة بسبب تراخي لاعبيها في الشوط الثاني. صعدت السنغال إلى الدور الثاني بعد احتلالها المرتبة الأولى في مجموعتها، على عكس ما قاله بيليه إنهم سيصبحون حصالة المجموعة، وكان ميتسو قد عرض هذا التصريح على لاعبيه قبل مباراة فرنسا ليُفجِّر الحماس بداخلهم.
في الدور ثُمن النهائي، حقَّق المنتخب السنغالي المفاجأة الجديدة، إذ فاز على السويد بالهدف الذهبي رغم ما تمتعت به السويد من إمكانيات استثنائية في هذا الوقت، وأخيرا أتى الخروج على يد المنتخب التركي بالهدف الذهبي أيضا في مباراة تأثر فيها المنتخب السنغالي بالشحن الإعلامي المحلي الذي تعامل مع المباراة وكأن الوصول إلى المربع الذهبي صار محسوما، إذ أخذ الجميع يتحدث عن المباراة بعد القادمة وليس القادمة.
عند عودة الفريق إلى داكار طافت بهم سيارة مكشوفة في شوارع البلاد وسط حشود هائلة، وعومل برونو باعتباره بطلا شعبيا في السنغال. وبعد انتهاء رحلته من المنتخب، تركزت حياة ميتسو التدريبية في المنطقة العربية، إذ قاد منتخب الإمارات لإحراز لقب كأس الخليج عام 2007، وكانت تلك المرة الأولى في تاريخ الإمارات التي تحرز فيها الكأس. وتولى ميتسو بعد ذلك مهمة تدريب المنتخب القطري عام 2008، بخلاف تنقله بين أندية عربية مختلفة مثل الغرافة القطري والوصل الإماراتي والاتحاد السعودي والعين الإماراتي الذي فاز معه بدوري أبطال آسيا عام 2003.
الإسلام والموت.. عبد الكريم يوصي بدفنه في داكار
"كان ميتسو قدوة في تعامله مع أصدقائه وعائلته، ومُراعيا لحاجات الآخرين قبل حاجته. لم يخلد إلى النوم قبل أن يحل مشكلاتهم. كل مَن عاشروه يُجمعون على الشهادة بسخائه وأسلوبه اللطيف دوما. لقد عاملني دوما بالطريقة نفسها يوميا، وأغدق عليَّ بالإطراءات، وأخبر أطفاله أنهم الأفضل".
(أرملة "برونو ميتسو" السنغالية)
اعتنق برونو ميتسو الإسلام وتزوج من امرأة سنغالية، وغيَّر اسمه إلى عبد الكريم، وكان عبد الكريم يقول إنه منذ عرف الإسلام أيقن أن شخصيته منذ صغره تناغمت مع مبادئ هذا الدين، لا سيما مبدأ معاملة الناس بالحُسنى. وقال عبد الكريم إنه محظوظ كون الله قد اختاره ليصير مسلما، وأشار أيضا إلى أن ثمة أحاسيس غريبة لا يستطيع وصفها هي ما دفعته لدخول هذا الدين. ومنذ أن أعلن إسلامه كانت لغة عبد الكريم نفسها تتغيَّر وغمرتها روح التسليم، فاستخدم في حواراته كثيرا كلمات مثل "المستقبل بيد الله"، و"الله هو الذي يختار"، و"الله هو مَن يقرر"، و"الفضل يعود إلى الله".
في عام 2012، وبعد أن نال ميتسو الشهرة والحب والنجاح والعائلة المستقرة، باغتته ثلاثة سرطانات، واحد في الكبد وواحد في القولون وواحد في الرئة، وأخبره الأطباء مباشرة أن ما تبقى له في الحياة لن يزيد على ثلاثة أشهر. وقد أوصى الرجل بأن يُدفَن في السنغال، الأرض التي عشقها وعشقته واحتضنته حين تم تجاهله في بلده الأم.
جنازة برونو ميتسو في السنغال
بالفعل، في يوم الاثنين 21 أكتوبر/تشرين الأول 2013 دُفِن عبد الكريم في مقبرة "يوفّ" الإسلامية بشمال داكار، بعد جنازة حضرها رئيس السنغال "ماكي سال" الذي تكفَّل بمصاريف نقل الرفات من فرنسا إلى السنغال، وسط حشد من عشاقه السنغاليين. وقد حمل نعشه إلى مثواه الأخير أفراد منتخب المشاغبين الموهوبين الذين قادهم قبل سنوات قليلة لصناعة المعجزة عام 2002. هكذا هي الحياة، لا يمكن توقُّعها، فالرجل الوسيم الذين كانوا يحملونه في احتفالاتهم بكوريا واليابان قبل بضع سنين، ها هم يحملونه مرة أخرى إلى مثواه الأخير.
————————————————————————
المصادر
3- Bruno Metsu: Football coach who inflicted World Cup humiliation on his native France
4- كوميك بوك في الجول – في ذكرى وفاته.. رحلة برونو ميتسو نحو وطنه الأبدي.
5- لماذا أوصى الفرنسي «برونو ميتسو» بدفنه في السنغال؟
6- Bruno Metsu: the man who inspired Senegal and all of Africa in 2002.
7- The month Senegal were better than France — Remembering MetsuSenegal, 20 anni dopo: ricordiamoci di Metsu.
8- وفاة عبد الكريم ميتسو رحالة كرة القدم.