عقال الهيبة العراقي.. ليس مجرد زي بل قيمة تتوارثها الأجيال

لا يقتصر "العقال" على كونه مجرد قطعة من الزي العربي الأصيل، بل هو رمز للهيبة والوقار وتاج يزين الرؤوس في العراق والمنطقة. فهذه الأيقونة التراثية، التي تتجاوز قيمتها المادية لتصبح قيمة اجتماعية راسخة، انطلقنا في رحلة معها، من خيوطها المتقنة وأسرار صناعتها، وصولا إلى أنواعها التي تروي قصص المحافظات العراقية.

بالنسبة للحرفي حسين هديب العبودي، المعروف بـ"أبو علي"، لم يكن العقال العراقي منذ الطفولة مجرد غطاء للرأس، بل كان شغفا دفعه ليصبح اليوم من أفضل صانعي العقل في العراق، ليُلقب بـ"أمير العقال". في ورشته، يحكي أبو علي قصة صناعة تتوارثها الأجيال، وقيمة اجتماعية لا تزال صامدة أمام تغيرات الزمن.

سر جودة العقال يكمن في مادته الأساسية وهي الخيط المُرَعَّز الأصلي
سر جودة العقال يكمن في مادته الأساسية وهي الخيط المُرَعَّز الأصلي (الجزيرة)

سر الجودة

بدأ أبو علي رحلته في صناعة العقال وهو في سن التاسعة، وتعلمها ذاتيا. وهو اليوم يستقبل زبائن ليس فقط من كل محافظات العراق، بل ومن دول خليجية مثل الكويت، قطر، البحرين، والإمارات.

اقرأ أيضا

list of 4 itemsend of list

يروي أبو علي، للجزيرة نت، أن سر جودة العقال يكمن في مادته الأساسية وهي الخيط المُرَعَّز الأصلي، والذي يُستخرج من وبر الجمال (البعير). ويستذكر فخر الماضي: "في الماضي، كان التركيز على خيط المُرَعَّز الذي صُنِع في الموصل ولم يكن هنالك أي استيراد للخيوط".

لكن مسار الخيط تغير مع الزمن، يوضح "أبو علي" أنه "في الماضي، كان أفضل الخيوط هو الألماني الذي كان يُستورد للعراق عبر سوريا"، مضيفا "بعد عام 2010، تحولنا بشكل كبير إلى السوق التركية لاستيراد الخيوط"، رغم بقاء الخيط السوري بمستوى أضعف.

وتابع: "يُصنع العقال أيضا من مواد متنوعة أخرى مثل الصوف، والوبر، والحرير، والقديفة. ويُطلق عليه بعض أهل السوق اسم "الخيط اللندني" بالإضافة إلى السوري.

صانع العقال حسين العبودي أبو علي
صانع العقال حسين العبودي أبو علي (الجزيرة)

أسرار "الكسر والطرق"

تبدأ عملية صناعة العقال بوضع الحشوة الداخلية باللونين الرصاصي والأسود، ثم يُوضع عليها خيط المُرَعَّز الأسود. أما الخطوة الحاسمة فهي "كسر" و"طرق" العقال ليصبح بالشكل النهائي المعروف.

إعلان

تستغرق صناعة العقال بين ساعة ونصف إلى ساعتين بشكل طبيعي، لكن أبو علي يشدد على أهمية الجودة: "للحفاظ على الجودة، أتركه في قالب العمل قرابة 5 ساعات كي لا يبقى شكله طريا. فمن دون هذه الفترة، لن يكون بمظهر مميز".

الخطوة الحاسمة في استكمال العقال هي الكسر و الطرق ليصبح بالشكل النهائي المعروف
الخطوة الحاسمة في استكمال العقال هي الكسر و الطرق ليصبح بالشكل النهائي المعروف (الجزيرة)

أنواع ونقشات تروي قصص المدن

رغم أن فكرة العقال واحدة، فإن له مسميات ونقشات تختلف من منطقة إلى أخرى، فلكل محافظة تقريبا بصمتها. يوضح أبو علي أبرز الأنواع الشائعة:

  • المُرَعَّز وهو النوع الأكثر شيوعا.
  • المخول والمخمل وهي مسميات لخيط العقال نفسه لكن بنقشات مختلفة.
  • الـ21 بَرَم مائل.
  • حب الرمان وهو نوع قديم من فترة التسعينيات وتم تحديثه.

ويختلف شكل اللبس تبعا للمنطقة؛ فـ"العقال الفراتي البصراوي" هو السائد في المحافظات الجنوبية.  وذكر صاحب محل بيع عقال، توفيق محمد، للجزيرة نت، أن اللباس في الفرات الأوسط والوسط يختلف عن لبس الجنوب، ويكون في الجنوب "سبيطي رفيع" وأكثر سمكا في الشطرة. كما استعرض صاحب محل آخر، أحمد مكي العيسى، أنواعا أخرى، مشيرا إلى أن عقال الشطرة يعتبر من أفضلها من ناحية الخيط والعمل والمتانة، وإلى نوع "البرم" أو "أبو الشعرة" كأحد أجود الأنواع.

العقال رمز للهيبة في المجتمع العراقي
للعقال قيمة تتجاوز الموضة، فهو رمز اجتماعي لا غنى عنه (الجزيرة)

قيمة اجتماعية ورمزية الألوان

للعقال قيمة تتجاوز الموضة، فهو رمز اجتماعي لا غنى عنه. المواطن حربي ناصر الركابي يؤكد أن "للعقال قيمة كبيرة مجتمعيا خصوصا في المجتمع العشائري وله هيبة وهو مشابه لقيمة العمامة لدى رجال الدين"، في حين أشار المواطن طارق حاتم إلى أن التسمية تأتي من "العقل"، "فمن يلبسه ينبغي أن يعطيه حقه وهيبته".

وتتدخل الألوان في رمزية العقال، فالعقال الأبيض يرتديه الأمير، بينما يُعاب على غيره ارتداؤه. وهناك أنواع مثل "القصبة" و"الشطفة" المضلعة التي يرتديها "الأشخاص البارزون في المجتمع كرئيس القبيلة أو شخصية وقورة يُشار لها بالبنان".

العقال ليس مجرد زي بل قيمة تتوارثها الأجيال
العقال العراقي يواكب التحديث، فكل "موديل" يختلف عن سابقه بالشكل والنقشات (الجزيرة)

الجودة لا تعرف المساومة

العقال العراقي يواكب التحديث، فكل "موديل" يختلف عن سابقه بالشكل والنقشات، والشعب العراقي يبحث دائما عن الأفضل بغض النظر عن السعر.

وتراوح الأسعار العامة للعقال في السوق المحلية بين 25 ألف دينار عراقي (نحو 17 دولارا أميركيا) إلى 75 ألف دينار عراقي (نحو 51 دولارا أميركيا). لكن أسعار الأنواع الممتازة وبحسب الطلب قد تصل إلى ما بين 100 إلى 200 دولار. ومع أن بعض الكميات المحدودة قد صُدّرت خارج العراق، تبقى هذه الصناعة، التي تتوارث جيلا بعد جيل، دليلا على أن الهيبة العراقية تظل مرصعة بخيوط أصيلة لا تقبل المساومة على الجودة.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

إعلان