ليس من بينها السرطان.. مخاطر مزيل العرق وبدائله الآمنة
على الرغم من أن العرق والرائحة جزء من جسم الإنسان فإن الرغبة في إدارة وقمع الاثنين كانت الدافع الرئيسي لاختراع وتطور منتجات إزالة العرق التي أصبحت صناعة تقدر بمليارات الدولارات.
وتقدر بيانات "فورتشن بيزنس إنسيت" لأبحاث السوق وخدمات الاستشارات الاقتصادية قيمة حجم سوق مزيلات العرق العالمية بمقدار 25.61 مليار دولار عام 2023، مع توقعات بزيادة تصل إلى نحو 27 مليار دولار في عام 2024.
وبينما يعد استخدام مزيل العرق جزءا رئيسيا من روتين الصباح اليومي فإن لبداية ظهوره وانتشاره وتعامل الناس معه حتى اليوم حكايات شيقة.
التاريخ المسجل لمزيلات العرق
يرجع أول استخدام موثق لمزيلات العرق إلى مصر القديمة، حيث أولى المصريون القدماء قيمة كبيرة للنظافة ورائحة الجسم الطيبة، فاستخدموا مجموعة متنوعة من الزيوت العطرية والخلطات المصنوعة من التوابل وزيوت الحمضيات وغيرها، وكانوا يستخدمون الزيوت العطرية بعد الاستحمام ويدهنون بها أجسامهم -خاصة تحت الإبطين- لإخفاء الروائح الكريهة.
وبحسب موقع "سولت أوف ذا إيرث نيتشرل" لم يكن استخدام مزيل العرق حكرا على المصريين القدماء، ففي جميع أنحاء العالم القديم طورت الثقافات المختلفة أساليبها الخاصة للتحكم في رائحة الجسم والقضاء على العرق.
وفي بلاد ما بين النهرين القديمة كان الناس يحرقون الأخشاب والبخور المصنوع من الصمغ لتغطية رائحة الجسم، كما ركز اليونانيون بشكل كبير على النظافة والاستحمام المنتظم، واستخدموا مزيجا من الزيوت العطرية تحت أذرعهم لامتصاص العرق وإضفاء رائحة طيبة.
وفي آسيا، استخدم الهنود القدماء خشب الصندل مزيلا للعرق، وقد ساعدت طبيعته وخصائصه المبردة للجلد إضافة إلى رائحته الطيبة على أن يكون منتجا أساسيا للجسم في المناخ الحار هناك.
مزيل العرق ومضاد التعرق
كان الاعتماد على المنتجات الطبيعية للتغلب على رائحة العرق يتطور ووصل إلى استخدام مسحوق التلك وصودا الخبز، وفي أواخر القرن الـ19 ظهر أول منتج لإزالة العرق "موم"، وكانت الدعاية له تتمحور حول قدرته على قتل البكتيريا المسببة للرائحة، وتم تسجيله كعلامة تجارية في عام 1888.
كان "موم" -الذي صُنع في الولايات المتحدة وانتشر حول العالم- عبارة عن كريم شمعي في علبة معدنية مصنوع من أكسيد الزنك لمحاربة الرائحة، وتم تطوير نسخة من تلك التركيبة الأولية لتصبح أول مزيل عرق دوار في الخمسينيات من القرن الـ20، ولا تزال النسخة الحديثة منها موجودة حتى اليوم في الأسواق.
وعلى عكس مزيل العرق "موم" -الذي يقتل البكتيريا لإخفاء رائحة الجسم- ظهر "إيفردراي" في الولايات المتحدة عام 1903 كأول مضاد للتعرق يمنع إنتاج العرق ونمو البكتيريا من الأساس.
وبعد 6 سنوات من اختراع مضاد التعرق "إيفردراي" طوّر دكتور أميركي يدعى أبراهام ميرفي مضادا للتعرق سائل التركيبة واستخدمه للحفاظ على جفاف يديه أثناء الجراحة.
وبحسب موقع "سميث سونيان ماغ"، قامت ابنته إيدنا بتسويق المنتج كمضاد للتعرق بعد تجربته ووجدت أنه يقضي على العرق والرائحة الكريهة، وأطلقت عليه اسم "أودورنو" الذي أصبح شائعا وحقق مبيعات هائلة حينها.
كان المنتج بالأساس يستهدف النساء، وفي عام 1914 وصفته مجلة الجمعية الطبية الأميركية بأنه "احتيالي وخطير"، حيث احتوى المنتج على مستويات عالية من كلوريد الألمنيوم.
وعند استخدام "أودورنو" على الجلد يتحلل العرق إلى هيدروكسيد الألمنيوم وحمض الهيدروكلوريد، وذكرت المجلة أن الحمض قد يؤدي إلى تهيج الجلد، في حين أن من المرجح أن يسد هيدروكسيد الألمنيوم المسام.
ومع ذلك، ظل المنتج في الأسواق بعد تقليل مستويات كلوريد الألمنيوم فيه، وحقق مبيعات كبيرة.
وفي ثلاثينيات القرن الـ20 بدأ التسويق في تشجيع النساء على شراء مزيل العرق لأزواجهن أيضا، وبعد الكساد الاقتصادي الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي استهدفت الإعلانات رائحة جسم الذكور باعتبارها سلبية عند البحث عن عمل في الشركات، وفي عام 1935 أصبح "توب فليت" أول مزيل عرق للرجال.
وبدءا من الخمسينيات انتشرت مزيلات العرق بأشكال مختلفة، وكانت أكثرها شهرة "العصا الدوارة" وما زالت موجودة حتى اليوم.
وأصبح استخدام مزيل العرق جزءا من الروتين اليومي، لكن في عام 1977 حظرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية استخدام بعض المواد في تصنيعه مثل الزركونيوم الألمنيومي بسبب المخاوف الصحية الرئيسية بشأن تأثير هذا العامل عند استنشاقه، ورغم خضوعه للمعايير الصحية فإنه لا تزال هناك الكثير من التكهنات والمناقشات بشأن سلامة مثل هذه المستحضرات.
بريء من "السرطان"
بينما تصنف إدارة الغذاء والدواء (إف دي إيه) مزيلات العرق بأنها مستحضرات تجميل فإنها تعتبر مضادات التعرق نوعا من الأدوية لأنها تؤثر على وظيفة الجسم من خلال تقليل إنتاج العرق، وتحتاج الشركات إلى موافقة الإدارة قبل إنتاج مضاد تعرق جديد، وتحتوي معظم المنتجات اليوم على مزيل العرق ومضاد التعرق في عبوة واحدة.
وفي الوقت الذي تحتوي فيه مضادات التعرق على بعض المواد الكيميائية فإن المخاوف بشأن مخاطر الإصابة بالسرطان نتيجة تلك المواد لا تعتبر مصدر قلق كبير، وفقا لكل من إدارة الغذاء والدواء والمعهد الوطني للسرطان.
ومع ذلك، لفت موقع "ويب ميد" الطبي إلى بعض المخاطر المتعلقة باستخدام مزيل العرق ومضاد التعرق، ومنها:
- اختلال التوازن الهرموني الطبيعي في الجسم نتيجة استخدام "الباربين"، وهو مادة كيميائية شائعة الاستخدام كمواد حافظة في مستحضرات التجميل لإطالة عمر المنتج.
- خلل في الغدد الصماء نتيجة استخدام "التريكلوسان"، وهو مضاد للجراثيم ومضاد للفطريات.
- رد فعل تحسسي والتهاب الجلد والحكة لدى البعض، بسبب العطور والأحماض في مزيل العرق ومضاد التعرق.
بدائل طبيعية
رغم أنه تمت الموافقة على كل من مضادات التعرق ومزيلات العرق كمنتجات آمنة للاستخدام اليومي فإن البحث عن بدائل طبيعية أصبح اتجاها متزايدا في السنوات الأخيرة، خاصة أن المنتجات الطبيعية تحمي البشرة وتحافظ عليها أكثر من أي منتج صناعي آخر.
وهناك عدد من البدائل الطبيعية لإزالة العرق:
-
صودا الخبز
تحارب صودا الخبز "كربونات الصوديوم" البكتيريا ذات الرائحة الكريهة، ويمكن خلطها بكمية قليلة من الماء أو زيت جوز الهند واستخدامها مزيلا للعرق.
-
زيت جوز الهند
يحتوي زيت جوز الهند على مواد طبيعية تقتل البكتيريا وتساعد في الحفاظ على رائحة طيبة، ويمكن استخدامه بمفرده أو مزجه مع بعض الأشياء الأخرى مثل صودا الخبز، كما أن لديه خاصية الحفاظ على ملمس ناعم.
-
زيت شجرة الشاي
يتميز بأن له رائحة قوية، يمكن أن يكافح البكتيريا ويترك أثرا جيدا على الجلد، ويمكن خلطه بالماء أو زيت آخر، وتفضل تجربته على منطقة صغيرة أولا من الجلد.
-
زبدة الشيا
تتميز زبدة الشيا بأنها تترك الجلد ناعما ورطبا، كما تمنحه رائحة طيبة، ويمكن مزجها مع بعض المكونات الأخرى لصنع مزيل عرق طبيعي جيد أو حتى استخدامها بمفردها.
-
نشا الذرة
يساعد نشا الذرة على امتصاص الرطوبة والحفاظ على جفاف البشرة، ويمكن استخدامه بمفرده أو مزجه مع زيت جوز الهند للحصول على مزيل عرق مرطب أيضا.
-
الزيوت العطرية
يمكن استخدام الزيوت العطرية مثل زيت اللافندر وزيت الليمون، ولا تعد تلك الزيوت ذات رائحة طيبة فحسب، بل تتمتع أيضا بخصائص مضادة للبكتيريا.
ويمكنك اختيار الرائحة المفضلة وخلط بضع قطرات منها مع زيت آخر مثل زيت جوز الهند أو زيت اللوز، وبشكل عام لا بد من اختبار الوصفات الطبيعية على جزء بسيط من الجلد للتأكد من مدى ملاءمتها.