مدافئ قشر الفستق بديل المازوت في الشمال السوري
مع دخول فصل شتاء جديد على السوريين المقيمين في شمال البلاد، يعود شبح البرد ليهدد آلاف العائلات في مخيمات النزوح الممتدة على مساحة واسعة من الشريط الحدودي مع تركيا، والتي تعاني في الأصل من فقر في مصادر الدخل وشحّ في أسواق العمل، فضلا عن ارتفاع الأسعار المتزايد عاما بعد عام، مما يزيد من الأعباء المادية على ذوي الدخل المحدود، ويجعل مهمة تأمين وقود التدفئة خلال فصل البرد عبئا ثقيلا ينوء به كاهل كثير من النازحين.
وخلال السنوات الطويلة من الحرب والنزوح بحثا عن ملاذ آمن، استعمل السوريون العديد من أشكال المدافئ التي تعمل بأنواع مختلفة من الوقود مثل المازوت والحطب والبيرين (مخلفات عصر الزيتون) وغيرها، إلا أن المدفأة التي تعمل بحرق قشر الفستق الحلبي تغلبت على الأنواع الأخرى من ناحية الانتشار في البيوت، لأنها رخيصة نسبيا واقتصادية مقارنة بالأنواع الأخرى.
أسباب البحث عن بدائل
كانت قلة توفر مادة المازوت في المناطق الخاضعة للمعارضة السورية السبب الرئيس الذي دفع المواطنين إلى البحث عن بدائل ممكنة، فكانت مدفأة قشر الفستق هي الحل الأمثل التي تحقق شرطي الدفء وقلة التلوث، وتراعي حالة الناس المادية.
يقول صاحب مركز خان شيخون التقني محمد الطفران -للجزيرة نت- إن الفكرة بدأت عام 2019 في منطقة خان شيخون المشهورة بزراعة الفستق الحلبي، وبالتالي فإن القشر متوفر فيها بشكل كبير، وحتى يتم التغلب على ندرة وقود التدفئة، فقد تم ابتكار هذه المدفأة التي بدأت استبدال قشر الفستق بالمازوت دون إجراء تعديلات، ثم ألحق بها خزان إضافي توضع القشور فيه، لتنتقل منه إلى المرجل عبر أنبوب يصل بينهما.
ويضيف أنه مع نزوح أهالي خان شيخون من المدينة عند سيطرة الجيش السوري عليها، انتقلت الفكرة إلى بقية مناطق شمال سوريا، حيث لاقت هذه المدفأة رواجا كبيرا.
أما المهندس المدني وسيم سويد الذي يعيش في إدلب، فيقول إنه تحول من مدفأة المازوت إلى مدفأة قشر الفستق منذ 3 سنوات لعدة أسباب، أهمها التكلفة العالية لمادة المازوت التي كان يعتمد عليها السوريون بشكل رئيسي في التدفئة، بالإضافة إلى "عدم توفر المازوت النظيف أي الذي يحترق دون رائحة"، لذلك فإن مدفأة القشر كانت الحل للتغلب على هذه المصاعب.
ويضيف أن تكلفة التدفئة بالمازوت تصل "إلى 3 أضعاف القشر، أي أن تكلفة التدفئة بالقشر لمدة 14 ساعة يوميا تشكل حوالي 33% من التكلفة اللازمة للتدفئة بعدد الساعات نفسه على المازوت ذي النوعية الجيدة".
أزمة توفر القشور
وبعد سيطرة قوات النظام على كامل ريف حماة الشمالي وريف إدلب الجنوبي التي تعتبر الخزان الأكبر للفستق الحلبي عام 2019، واجهت صناعة مدافئ القشر مشكلة كبيرة، هي عدم توفر ما يكفي من القشور لتغطية الحاجة الكبيرة في المنطقة.
ويقول الطفران إنه في المناطق المتبقية في الشمال السوري خارج سيطرة النظام، لم يبق سوى منطقة جرابلس تنتج الفستق الحلبي، وكمية القشر التي تخرج منها لا تغطي شيئا يذكر من حاجة السوق، لذلك بدأ التجار بالتفكير في طرق يمكنهم من خلالها تغطية الحاجة، فلجؤوا إلى استيراد القشور من تركيا بداية، وتوسع ذلك لاحقا لاستيرادها من إيران وجورجيا وأميركا، "وكل القشور المستوردة فيها نخب أول ونخب ثان".
أما الأسعار فتتراوح بين 130 و180 دولارا للطن الواحد من القشور. ولا يقتصر الاعتماد على قشور الفستق الحلبي فقط، بل يتعداه إلى قشور البندق واللوز ونواة المشمش، التي يلجأ كثير من السوريين إلى خلط عدد منها مع بعضه لتخفيض التكلفة.
رواج الصنعة والتفنن فيها
وشهدت صناعة مدافئ القشر منذ ظهورها وحتى اليوم تطورا كبيرا، فالمدافئ التي صنعت بألواح التوتياء الرقيقة، وبشكل تقليدي في البداية، ودون اجتهاد في إجراء تغييرات أو تحسينات على الشكل الخارجي، انتقلت لاحقا لاستخدام ألواح الألمنيوم وبسماكات مختلفة، وبالتالي تكون بأسعار مختلفة، ويقول محمد الطفران إن هذا العام خصوصا "شهد طفرة كبيرة في إنتاج نماذج متنوعة وبألوان مختلفة تناسب جميع الأذواق".
كما كان للساكنين في المخيمات نصيب من التعديلات المدخلة على المدفأة بشكل يراعي الظروف التي يواجهونها، حيث يظهر مقطع مصور نشرته شبكة شام، رجلا في أحد مخيمات النزوح في الشمال السوري يتحدث عن مدفأة القشر التي تحتوي على فرن، بأنها كانت حلا اقتصاديا ممتازا، وإشعالها سهل، وأن وجود الفرن فيها خفف عنهم مصاريف الغاز، حيث يمكنهم طهي كل شيء باستخدامها.
كما يتوفر من هذه المدفأة أنواع مختلفة، فمنها ما يتم تلقيم مرجله بالقشور يدويا، ومنها ما يضاف إليه حلزون يعمل على البطاقة المشحونة بالطاقة الشمسية يقوم بتلقيم القشور آليا في المدفأة، وتتراوح أسعار المدافئ بين 40 و250 دولارا بحسب مواصفاتها وشكلها والمواد المصنوعة منها.
الاستهلاك الوسطي والتكلفة
يقول وسيم سويد إن كمية القشر التي تحتاجها العائلة وسطيا تصل إلى 1.3 طن في موسم الشتاء، وذلك لإشعال التدفئة لمدة تتراوح بين 12 إلى 14 ساعة يوميا. أما التكلفة فقد اختلفت على مدار السنوات بسبب التقلب في أسعار القشر، حيث "كانت التكلفة ما يقارب 300 دولار في السنة الأولى للاستخدام، ليصل اليوم إلى 200 دولار خلال عام 2024".
ويضيف الطفران أن التكلفة قد تختلف بين المدينة والريف، ففي المدينة التي تضم مباني عالية وغرفا أصغر داخل المنازل، قد تحتاج إلى كمية أقل من القشور قد تصل إلى 800 كيلوغرام، أما في الريف حيث المساحات الواسعة والبيوت قليلة الارتفاع والمتباعدة، فقد تصل الكمية إلى ما يزيد على 1.2 طن، وتختلف الأسعار بحسب أنواع القشر والخلطات المستخدمة.
وكان قد انتشر تحذير في أحد المواقع المحلية السورية، منسوب إلى تجار القشر، يحذرون فيه الأهالي من أكل ثمار الفستق التي قد يجدونها داخل أكياس القشر، بدعوى أنها معالجة بمواد كيميائية من أجل الاشتعال، وقد تسبب أضرارا صحية، إلا أن الطفران نفى أن تكون القشور قد تخضع لأي نوع من المعالجة، لأن الفكرة الأساسية في أنها سريعة الاشتعال بذاتها، ولا تحتاج إلا إلى قليل من المازوت أو أي مادة تساعد على الاشتعال في البداية، ليعمّ الدفء المكان.