مطبخ "مبرة الخير" بنابلس.. ملجأ المحتاجين للطعام حتى في غير رمضان
نابلس- في الوقت الذي تنشغل فيه سيدات فلسطينيات بإعداد طعامهن الرمضاني في منازلهن، تقف الحاجة "أم علي" بانتظار طعام أعده مطبخ مبرة الخير النابلسي، ليس لعدم قدرتها على أن تعد طعامها بمنزلها، بل لعجز مادي أرهقها وأسرتها المكونة من 9 أفراد وفاقم معاناتها، مثل أسر فلسطينية كثيرة باتت تشكو فقرا مدقعا وغلاء في المعيشة زاد الطين بلة.
في مطبخ مبرة الخير بالبلدة القديمة بمدينة نابلس شمال الضفة الغربية يصطف العشرات من الرجال والنساء مثل "أم علي" ليأخذوا نصيبهم من وجبات الطعام التي أعدها المطبخ، والتي اعتاد أن يقدمها طوال السنة، لكنها تتضاعف كما ونوعا خلال شهر رمضان.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsزلزال تركيا يجبر الناجين على التخلي عن عاداتهم في رمضان
عادات رياضية رمضانية تنعش كورنيش غزة وملاعب الخماسي
بين بهجة رمضان وغصة الكارثة.. هكذا يعيش المتضررون من الزلزال في مناطق النظام السوري
ومنذ زمن اعتادت أم علي -التي تسكن بأحد المخيمات بنابلس- الحضور إلى المطبخ وأخذ وجبات الطعام، متحملة تكاليف تنقلها عبر المواصلات العامة، لكن ما من مفر أمامها في ظل حاجتها الشديدة لذلك، لا سيما أن زوجها الذي أنهكه المرض يجلس بلا عمل وأطفالها بلا معيل.
تقول أم علي للجزيرة نت إنها تأخذ وجبات بعدد أفراد أسرتها 3 مرات أسبوعيا، وهو ما يغنيها عن إعداد طعام في المنزل، وتضيف "تكلفني الطبخة الواحدة أكثر من 30 دولارا، وهي غير متوفرة بالطبع، وبقية أيام الأسبوع نكتفي بما توفر في المنزل من طعام".
والوجبات التي تحصل عليها أم علي من "مبرة الخير" مشبعة وصحية وطيبة المذاق، وتقول إنها اعتادت الاستفادة منها في غير رمضان، "لكنها في رمضان لا تسد جوعنا فحسب، بل تكفينا شر السؤال في ظل وضع بائس جدا لي ولأسرتي".
ديمومة العطاء
ومثل أم علي لم يكن حال المواطن محمد ناجي أفضل، فقد وقف هو الآخر ينتظر حصته من الوجبات التي تكفي أفراد عائلته السبعة.
يقول ناجي للجزيرة نت بينما كان يهم بالمغادرة إلى منزله في إحدى قرى جنوب مدينة نابلس إن راتبه المقدر بـ500 دولار لا يكاد يكفيه لالتزاماته الأساسية، خاصة أن جزءا كبيرا منه ينفقه في المواصلات.
ويضيف ناجي -الذي يعمل في التنظيف- "لست محرجا من أخذ الوجبات، فهي مخصصة للناس أمثالنا، والأهم ديمومة العطاء وليس اقتصاره على وقت وآلية معينة أو حتى كمية محددة".
وعلى قاعدة "إذا أطعم أشبع" وفعل الخير بكافة أشكاله، يقوم نظام مطبخ مبرة الخير، ولعلَّ هذا ما يميزه عن غيره من التكايا أو مؤسسات الخير، إضافة لتواصل عمله طوال العام، وحتى اسمه لا يحرج المنتفعين أو ينتقص من شأنهم.
ومنذ عام 2015 انطلق "مبرة الخير" التابع لجمعية المركز الاجتماعي بمبادرة من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، الذي ساهم في البناء والتجهيز، ليواصل عمله بدعم من المحسنين وأهل الخير المحليين، وتوسع نشاطه من البلدة القديمة ومحيطها إلى قرى ومخيمات نابلس "وكل سائل يقصدنا نلبيه" يقول القائمون عليه.
ومن 270 وجبة يومية وعلى مدار العام تجاوز عدد الوجبات حاجز 500 يوميا في العام الماضي، وهو يتضاعف أكثر في رمضان.
آليات وضوابط
ويقول عدنان عودة مدير جمعية المركز الاجتماعي والمشرف على المطبخ إن تميزه يكمن بتقديمه طعاما صحيا وطازجا ويناسب حاجة الأسر الفقيرة بناء على دراسات أعدت سلفا حول أوضاعهم المعيشية بكل تفاصيلها.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن تقديم المساعدة يعتمد التحري عن الأشخاص المحتاجين بناء على معرفة بأحوالهم أو بالاستناد على وثائق تقدمها وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات الخيرية، وذلك من أجل إفادة أكبر عدد ممكن.
أما داخليا فيعمل المطبخ بآلية توثيق تقوم على استقبال التبرعات بكافة أشكالها المادية والعينية مهما كانت قيمتها، ثم تثبيتها بسجلات رسمية، وتحضيرها بالشكل المطلوب ليتم توزيعها، ويقوم على ذلك طاقم من العاملين والمتطوعين والطباخين وغيرهم.
كانت جميلة حداد (65 عاما) أحد أولئك المتطوعين الذين يزداد عددهم في رمضان، تعمل في المطبخ منذ أكثر من عامين 8 ساعات يوميا، وكل دافعها "حب عمل الخير"، فهي اعتادت التطوع طوال حياتها، حسب ما قالت للجزيرة نت.
وليس بزيادة المتطوعين والعاملين يتميز المطبخ بشهر رمضان عن غيره من باقي أيام السنة، بل بعدد وجباته التي ترتفع من 520 إلى نحو 1500 وجبة يوميا، إضافة لطعام السحور والمواد العينية الكثيرة والمتنوعة، وهو ما يجعل فكرة المطبخ أبعد وأوسع من حدود التكايا وعملها.
مساعدة المرضى أيضا
ويقول معاوية المصري رئيس إدارة جمعية المركز الاجتماعي إنهم يعملون طوال العام دون توقف، وحتى في العُطل الأسبوعية. وإضافة للوجبات يقدم مبرة الخير -وفق المصري- قسيمة شرائية بنحو 80 دولارا للأسر الفقيرة للتبضع بما تحتاجه من المحال التجارية.
ويقول إن هناك حوالي ألف أسرة تستفيد من تلك المساعدات خلال رمضان، و150 عائلة أخرى تأخذ طوال العام. ويضيف المصري أن الجمعية تقدم أيضا مساعدات طبية وأدوية، وتساعد في إجراء عمليات زرع قواقع وسماعات طبية للأذن، وتسهم بحل مشاكل اجتماعية.
ويؤكد أن الجمعية "تعمل ما تعجز عنه مؤسسات رسمية كالتنمية الاجتماعية".
وبينما تشير إحصائيات الجهاز المركزي الفلسطيني إلى أن ما يقارب ثلث السكان (29.2%) في فلسطين يعانون من الفقر، تؤكد معلومات من متابعين مختصين حصلت عليها الجزيرة نت أن 55% من سكان البلدة القديمة بنابلس والمقدر تعدادهم 5 آلاف نسمة تحت خط الفقر.
ويقول عدنان عودة إن من يتلقى الحد الأدنى من الراتب الذي حددته السلطة بحوالي 500 دولار يعد فقيرا، بل ويرى أن كثيرا ممين يتقاضون أكثر من هذا المبلغ ربما يحسبون أيضا في عداد الفقراء.