الطبيب النفسي في دراما رمضان.. ظهور مكثف يزيل الوصم ويرفع الوعي

أفلام عربية قليلة تناولت شخصية الطبيب النفسي بوصفه مساعدا حقيقيا للمرضى بعيدا عن التنميط (شترستوك)

للعام الثاني على التوالي، تظهر شخصية الطبيب النفسي أساسيةً في الأعمال الدرامية المصرية الرمضانية، بعدما كان الممثل صبري فواز جسّدها في رمضان 2022، في مسلسل "خلي بالك من زيزي"، والذي كان وجوده مفصليا في التحوّل الذي حدث لشخصية زيزي، بعد اكتشافها معاناتها من مرض اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط، وصدمات الطفولة التي أثرت في حياتها كلها بعد ذلك، وكذلك فعلت الممثلة نور في مسلسل "راجعين يا هوى".

في رمضان 2023، أعادت مسلسلات "الهرشة السابعة" و"مذكرات زوج" و"كامل العدد" و"الكبير أوي" (الجزء السابع) تسليط الضوء على شخصية الطبيب النفسي باعتباره طرفا فاعلاً في استعادة شكل العلاقات وتوجيهها، وتفريغ المشاعر بشكل سلس وسهل بعيدا عن الارتباك الذي يصيب غالبية البشر وعلاقاتهم بعد فترات من الروتين.

الطبيب النفسي في السينما والتلفزيون

في مشاهد خالية من التنميط المعتاد للطبيب النفسي، سواء في السينما أو الدراما المصرية، ظهر المعالج النفسي بصورة مختلفة عما اعتاد المشاهدون رؤيته في أدوار سابقة، والتي تركزت على تصويره كوميديا في سياق طبيب المجانين مثل أفلام "مطاردة غرامية" لفؤاد المهندس وشويكار، و"تجيبها كده تجيلها كده هي كده" لسمير غانم، و"كده رضا" لأحمد حلمي، أو الطبيب النفسي المتآمر على مرضاه كما في أفلام "المنزل رقم 13″ لفاتن حمامة ومحمود المليجي وعماد حمدي، و"الهروب من الخانكة" لكمال الشناوي.

في المقابل، تناولت أفلام قليلة شخصية الطبيب النفسي بوصفه مساعدا حقيقيا للمرضى مثل "بئر الحرمان" و"أين عقلي"، وكلاهما لسعاد حسني.

تشابه الظهور المكثف للطبيب النفسي في الدراما الرمضانية مع الأدوار التي ظهرت في أفلام "أين عقلي" و"بئر الحرمان"، إذ يقدم الطبيب مساعدة حقيقية لبطلة الفيلم، تساعدها في كشف أزمتها والتعامل بشكل واعٍ مع ما يحدث حولها. لكنْ ثمة اختلاف واضح بين الصورة التي قُدمت في سبعينيات القرن الـ20، وبين الصورة التي ظهرت في دراما 2023.

في الأدوار التي أداها محمود المليجي ورشدي أباظة في سينما السبعينيات، كان الطبيب النفسي يقوم بدور فاعل في الأحداث، فهو لا يقوم بدور الطرف الثالث المحلل للعلاقة، وإنما كان أقرب إلى المحقق البوليسي الذي يبحث في تاريخ مرضاه ويتعمق في حياتهم بكل تفاصيلها، سواء كانت تلك تخص الماضي أو الحاضر، وتتعلق بالبطل نفسه أو بمن يحيطون به.

خلال سنوات طويلة من الدراما الرمضانية، لم يظهر دور للطبيب النفسي، ولم يكن له ظهور لافت في أي من المسلسلات الشهيرة حتى هبّت رياح التغيير أخيرا.

في 2023، تحوّل الطبيب النفسي بالشكل التقليدي مع جهاز تسجيل إلى "ثيرابيست" (معالج) الذي يقدم ما يُعرف بالعلاج الوظيفي أو السلوكي فيما يتعلق بالعلاقات، وإعادة هيكلتها بناء على معرفة الخلفية النفسية ونمط الشخصية للطرفين.

الدراما أم الواقع؟

في السنوات الأخيرة، تغيّرت النظرة إلى مفهوم المعالج النفسي وضرورة اللجوء إليه، وانتشر مفهوم المستشار الأسري والمتخصص في العلاقات، وخضع كثيرون لجلسات علاج زوجية نجحت إلى حد كبير في تقليل الفجوة بين الشريكين. لكن هل تتشابه تلك الجلسات مع ما قدمته الدراما؟

تجيب ياسمين محمد (34 عاما) بأنها خضعت لتجربة العلاج الزوجي في محاولة منها لإنقاذ زواجها. "كانت التجربة جيدة"، بحسب ياسمين، وإن لم يتم إنقاذ الزواج، لكن تم إنقاذها هي.

تتشابه التجربة التي خاضتها ياسمين مع التجارب التي تابعتها في دراما رمضان هذا العام، ولا سيما تجربة "الهرشة السابعة"، إذ حرصت معالجتها على البقاء في دور المعالجة فقط، بلا أي تداخل إضافي في العلاقة مثلما حدث في "مذكرات زوج".

"الثيرابيست.. رحلة فردية"، يقول طه فتحي (28 عاما) الذي تابع بشغف مسلسل "الهرشة السابعة"، وكان معجبا إلى حد كبير بشخصية علي قاسم الذي كان مؤمنا بأهمية العلاج النفسي وحضّ زوجته على البدء به، ولم يتردّد في الخضوع لجلسات علاج مشتركة لتخطي خلافاتهم. يعتقد طه فتحي أن هذه الشخصية تتفق إلى حد كبير مع رؤيته للعلاج النفسي الذي غيّر الكثير من نظرته إلى العلاقات وللحياة عموما.

عبر صفحته الرسمية، كتب الطبيب النفسي المصري الشهير الدكتور محمد طه، صاحب المؤلفات النفسية المعروفة مثل "الخروج عن النص" و"علاقات خطرة" و"ذكر شرقي منقرض"، أن "المسلسلات والدراما بقى (أصبح) فيها مكان حقيقي للطب النفسي، وابتعدت الدراما عن حصر الطبيب النفسي في دور المجنون أو الأهبل أو المثير للسخرية والكوميديا، كما ابتعدت عن اختزال المرضى ومشكلاتهم النفسية في الجنون والبارانويا وانفصام الشخصية".

علّق الطبيب النفسي طه على تعامل الدراما الجديد مع الطب النفسي بقوله "هناك طفرة على صعيد النظرة إلى الصعوبات النفسية، ومستويات مختلفة للعلاقات، وأبعاد أعمق لرؤيتها والتعامل معها".

ورأى أن الدراما منحت مساحة جيدة للطبيب والمعالج النفسي بشكل مناسب وحوارات مهنية مدروسة إلى حد كبير، وسلطت الدور على أهمية المعالج النفسي والمعالج الزوجي، ومدى أهمية وجود شركاء حياة يشجعون بعضهم بعضا على اللجوء إلى العلاج النفسي.

أيهما سبق الآخر، الدراما أم الواقع؟ يجيب الطبيب النفسي يحيى موسى بأن "الدراما لم تفرض وجود الطبيب النفسي وتداخلاته في العلاقات والحياة عموما في الوقت الحاضر، لكنها نقلت الصورة الموجودة بالفعل. وهذا يعني أنها لم تحسّن الصورة أو تساعد في إزالة الوصم عن الطب النفسي، بطرفيه المريض والطبيب، وإنما تعرض ما وجدته قائماً في المجتمع اليوم".

يحيى موسى -طبيب نفسي (الجزيرة)

يشرح موسى، في حديثه إلى الجزيرة نت، التغيير الذي نشأ في الوعي الجمعي بما يمثله الطب النفسي من قيمة في علاج الخلل الذي أصاب الكثير من الناس منذ 2011 وحتى الآن، والآثار التي تركتها الانتصارات والانكسارات على جيل كامل، فأثرت في علاقاته وحياته وقدرته على التعاطي اليومي مع كل ما يدور حوله.

مع تحول مواقع التواصل الاجتماعي إلى منصّات إعلامية، وظهور أطباء نفسيين كثير، في محاولة منهم لتبسيط المفاهيم النفسية وتشريح الشخصيات وربطها بالخلل الذي أصاب غالبية العلاقات، يربط موسى بين ذلك الوجود وبين رفع الوعي بالدور الحقيقي للطبيب النفسي، معتبرا أن الدراما لم تكن قط مسؤولة عن هذا الوعي، وإنما قدّمته كما تقدم أي شخصية في المجتمع.

7- يقوم المعالج أو الاستشاري النفسي المتخصص الماهر بالدخول إلى العقل الباطن للفرد لتعديل أفكار الفرد- (بيكسيلز)
في 2023، تحوّل الطبيب النفسي بالشكل التقليدي مع جهاز تسجيل إلى معالج يقدم ما يُعرف بالعلاج الوظيفي أو السلوكي (بيكسلز)

يرى موسى أن شخصية الطبيب النفسي أو المعالج في الدراما الرمضانية قدمت صورة لا تعكس الواقع في مصر بشكل كبير، مضيفا "أظن أن معظم من كتب هذه المسلسلات لم يخضع لجلسة داخل عيادة نفسية، الأطباء مع مرضاهم لا يتحدثون بالطريقة ذاتها التي تتحدث بها شخصيات المسلسلات. إنها طريقة كتابة منشورات فيسبوك التي تشرح وتحلل بشكل علمي بحت، لكن الحوار مع الحالات داخل العيادة يكون أبسط بكثير".

ويردف أن الدراما حصرت دور الطبيب النفسي في مشاهد الجلسات فقط، لكنها لا تزال بعيدة عن الاقتراب من الشخصية الحقيقية والتعامل معه كمحرّك للأحداث والنظر إلى كل ما يعانيه من ضغوط في عمله، وهو ما اقترب منه بشكل ما فيلم "الفيل الأزرق" سينمائيا، لكن الدراما لا تزال تدور داخل الدائرة النمطية، وما تغيّر هو القالب فقط، حسب تعبيره.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية