تعزز الألفة بين أفراد المجتمع.. "الغبقة" تقليد شعبي توارثه الكويتيون عبر الأجيال

"الغبقة" الرمضانية تشهد حضور أعداد كبيرة وتعزز التآلف بين مكونات المجتمع الكويتي (الجزيرة)

الكويت- "الغبقة" موروث شعبي اجتماعي تعرفه ليالي شهر رمضان المبارك في الكويت. وقد توارثه أهل البلد، أبًا عن جد، وما زالوا يحافظون عليه، وإن اختلفت طرقه وأشكاله.

كانت الغبقة موائد بسيطة في معظم بيوت الكويت، إن لم تكن في جميعها. فهي من العادات العريقة التي تُميز الأمسيات الرمضانية لدى الشعب الكويتي. وهي عبارة عن وليمة تقام بعد صلاة التراويح للأهـل والجيران الذين يأتون للتهنئة بمناسبة حلول الشهر الفضيل.

هناك تنوع حاليا في ما يقدم في الغبقة على غير ما كان يجري في بدايات نشأتها (الجزيرة)

وتتضمن الغبقة أنواعًا متعددة من المأكولات المحلية البسيطة والخـفيفة، كالنخي والباجلا والهريس والفطائر والكبة والسلطات، بالإضافة إلى بعض الحلويات الشعبية، كالزلابية والمهلبية واللقيمات والتمور. بينما تتنوع مشروباتها بين القهوة العربية والشاي والعصائر وغيرها. وكل بيت يقدم الأطعمة حسب مقدرة أصحابه.

ومع مرور الزمن وتطور الحياة، أصبحت للغبقة الرمضانية عادات وتقاليد متنوعة، فبات بعض الكويتيين ينفقون مبالغ باهظة عليها، سواء كانت داخل المنازل أو في قاعات فخمة بالفنادق والمطاعم.

وأصبحت الفنادق والمطاعم تتفنن في تقديم خدماتها لجذب اهتمام الشركات والمؤسسات والجمعيات والشخصيات العامة، بعدما تحولت الغبقة من موائد بسيطة بين الأهـل والجيران والأصدقاء إلى ولائم كبيرة تقيمها الوزارات والهيئات الحكومية، ومؤسسات وشركات القطاع الخاص للقياديين والعاملين فيها، وتشهد حضورًا لشخصيات قيادية وسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي.

الدكتور جواد المتروك يرى أن الغبقة ما زالت تحافظ على أهدافها النبيلة (الجزيرة)

تواصل اجتماعي

اعتاد أهل الكويت إقامة الغبقات في شهر الصوم منذ القدم. وتوارثت الأجيال هذه العادة عن الآباء والأجداد. وفيها يحصل نوع من التواصل عبر الزيارات بين أطياف المجتمع وبين الأهل والأقارب، وكذلك بين المواطنين والمقيمين في البلد.

ويشير رئيس اتحاد دواوين الكويت جواد المتروك إلى أن للغبقة خصوصية كبيرة لدى الكويتيين، فهي من العادات الحسنة التي تجمع الأهالي والأقارب والجيران وأبناء الحي الواحد، وتقرب بينهم في زمن التطور التكنولوجي السريع وظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي لعبت دورًا كبيرًا في ابتعاد الناس عن بعضهم.

الغبقة تزرع المودة بين أطياف المجتمع في الدواوين والصالات (الجزيرة)

كما تلعب دورًا مهمًا في التواصل بين أطياف المجتمع الواحد ومكوناته وطبقاته المختلفة من دون تمييز بينهم، خصوصًا بعد انتشارها بشكل واسع في مناطق الكويت ومحافظاتها المختلفة، وبين أطياف المجتمع ككل.

ويوضح المتروك، في حديثه للجزيرة نت، أن انتقال مكان الغبقات من المنازل إلى الفنادق والصالات لم يغير من هدفها في إحياء هذه المناسبة، ولم تتأثر في مسارها الاجتماعي، "وإنما أصبحنا نلاحظ ازديادًا في أعداد الحضور، بسبب تنوع المناطق السكانية واتساعها، فلم تعد المنازل تتسع لاستقبال حشود كبيرة من الناس. وبالتالي، أصبحت تقام في أماكن واسعة كالصالات والفنادق"، وفق تعبيره.

حضور للسفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي في الغبقات (الجزيرة)

بساطة البدايات

تقول الباحثة غنيمة الفهد للجزيرة نت إن بدايات الظاهرة تعود إلى مطلع الستينيات من القرن العشرين، وقد حافظ عليها الكويتيون حتى يومنا، موضحة أن الغبقة تعني الغبوق، وفي اللغة العربية، هو ما يُشرب بالعشيّ.

وتشير إلى أن الغبقة الرمضانية مصطلح دارج في التراث الشعبي المحلي منذ عقود، وتكون في مساء أيام شهر رمضان، لأن الناس يشعرون في الليل بنوع من الجوع، خصوصًا في الشتاء لأن ليله طويل، فكانت توضع مائدة بسيطة يُطلق عليها الغبقة. وعند قدوم الجيران أو الضيوف للزيارة بعد العشاء، تقدم لهم هذه الأطباق.

وكانت بداياتها بسيطة، مقتصرة على المأكولات والحلويات الخفيفة التي تعدها ربات البيوت، قبل أن تتطور العملية وتدخل عليها بعض المأكولات الجديدة، مثل الكيك وورق العنب وغيرها، وهي أصناف لم تكن سائدة من قبل.

المطاعم وشركات الضيافة تتجهز لهذه المناسبات بشكل جيد (الجزيرة)

عجلة الاقتصاد

يرتبط حجم الغبقة بالمكانة الاجتماعية لصاحبها، مع أنها -بشكلها البسيط- لا تزال موجودة في بعض الدواوين.

يقول الخبير الاقتصادي إبراهيم الفيلكاوي إن الغبقات اليوم باتت تتطلب استعدادات وتحضيرات كبيرة من جانب المطاعم وشركات الضيافة، وهو ما يحرك الوضع الاقتصادي لهذه الشركات التي تنشط منذ بداية الشهر الفضيل وحتى قبل دخول العشر الأواخر منه، إذ يتوقف الجميع عن إقامة الغبقات في الأماكن العامة.

الغبقة انتقلت إلى القاعات الكبيرة في الفنادق بسبب اتساع المناطق السكانية (الجزيرة)

ويشير الفيلكاوي إلى أن هذه الشركات يتطور نشاطها وعملها في مثل هذه المناسبات، فتزيد موازناتها، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على الحركة الاقتصادية في البلاد ككل، "فهذه الشركات تنشّط حركة الأسواق في مثل هذه المواسم، حتى إن الاعتماد عليها لم يعد مرتبطا بشهر رمضان فقط، بل ببقية المناسبات في الأشهر الأخرى. ولذلك تستنفر هذه الشركات طاقتها خصوصا في شهر الخير"، وفق تعبيره.

ويضيف الفيلكاوي، في حديثه إلى الجزيرة نت، أن شركات الضيافة غالبًا ما تستغل الحركة القوية في شهر الصوم، فتفتتح فروعًا جديدة لها إذا نجحت في عملها خلال رمضان الذي يعد ميدان اختبار حقيقي لعملها، وتستقطب مزيدًا من الأيدي العاملة، وتستأجر أماكن جديدة، مما يؤدي إلى حركة دائمة تنعكس حتمًا على الوضع الاقتصادي العام في البلاد.

المصدر : الجزيرة

إعلان