وسط أزمة معيشية وغلاء فاحش.. كيف استقبل السوريون شهر رمضان؟

مبادرات جماعية وفردية تنطلق كل عام بدمشق لتقديم وجبات الإفطار المجانية (الجزيرة)

دمشق- استقبل السوريون، في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد، شهر رمضان الفضيل هذا العام، وسط أزمة معيشية خانقة خيّمت على مختلف مناحي الحياة، وغلاء فاحش طال معظم المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية، جاعلا من شرائها حلما لمعظمهم.

ويواجه السواد الأعظم من السوريين صعوبة في تأمين المواد الغذائية الأساسية، فضلا عن عجزهم عن تأمين المواد الضرورية لإعداد الأطباق والمأكولات الرمضانية التقليدية التي عادة ما ينتظرون الشهر المبارك لإعدادها.

وتشهد أسعار المأكولات والمشروبات الرمضانية التقليدية ارتفاعا قياسيا في أسعارها مقارنة بالعام الماضي، وهو ما قد يحرم السوريين من شرائها والتلذذ بها فوق موائد إفطارهم كما جرت العادة السنوات السابقة.

يجري ذلك في ظل عجز حكومي واضح عن ضبط الأسعار أو تقديم بدائل للفئات الأكثر احتياجا. وبالرغم من ذلك يجهد كثيرون لاجتراح سبل تمكنهم من توفير الاحتياجات الأساسية لأسرهم من أطعمة وسلع مختلفة خلال الشهر الفضيل.

أطباق رمضانية تغيب عن موائد السوريين

ويزداد استهلاك السوريين في شهر رمضان لبعض الأصناف الغذائية التي ترتبط بالأطباق التقليدية التي يعدّونها خلال الشهر الفضيل، لا سيما اللحوم التي سجلت ارتفاعا كبيرا في الأسعار مؤخرا.

وتراوح سعر كيلو لحم الغنم عشية رمضان بين 65 و80 ألف ليرة (9-11 دولارا) في حين تراوح سعر كيلو لحم العجل بين 45 و60 ألف ليرة (6-8 دولارات) أما سعر كيلو الدجاج فسجل 25 ألف ليرة (3.5 دولارات).

ونظرا لارتفاع أسعار معظم أصناف اللحوم قبل بداية الشهر الفضيل، راجت مؤخرا في الأسواق أصناف مختلفة من اللحوم الرخيصة غير معروفة المصدر، وأخرى تحتوي على نسب عالية من الدهون بأسعار أرخص.

 

 

وبعد أن كانت أطباق كالكبب والمحاشي والأوزي (رز وبازلاء ولحم) تتصدر قائمة الأطباق الرمضانية لدى السوريين، تغيب هذا العام عن موائد معظمهم تحت وطأة الأزمة المعيشية الخانقة.

تقول أم سيف (47 عاما) المعلمة بمدرسة ابتدائية في ريف دمشق، للجزيرة نت "نستقبل رمضان كما يستقبله باقي السوريين، فالرواتب بالكاد تكفي لأيام ثمنا للأطعمة وغيرها من الحاجات اليومية الضرورية، ويعلم الله كيف نمضي ما يتبقى من أيام الشهر".

وتضيف "قد لا أتمكن هذا العام من تقديم الأطباق التي اعتاد زوجي وأولادي انتظار رمضان لتناولها على الإفطار، فلا قدرة لنا على تحمل تكاليف أطباق تحتوي على اللحوم. كما أن أسعار لوازم الطبخ الأخرى ارتفعت أسعارها مثل السمن والزيت والأرز".

غلاء فاحش

وإلى جانب اللحوم، ارتفعت أسعار جميع أصناف الخضر، ومن ضمنها تلك التي تشكل مكونا رئيسيا من مكونات أطباق رمضان.

وبلغ سعر كيلو الكوسا -التي تعد المكون الرئيسي في "المحاشي" الأكلة الرمضانية الشهيرة- 4 آلاف ليرة، أما كيلو الخيار وهو مكون رئيسي في "الفتوش" فسجل سعره 5 آلاف ليرة، والبصل أيضا سجل سعر 8 آلاف ليرة (أكثر من دولار) للكيلو.

وطال ارتفاع الأسعار مختلف أصناف الزيوت والألبان والأجبان، وغيرها مما يعتمد عليه السوريون بشكل خاص لإعداد موائد سحورهم.

وتراوح سعر كيلو اللبنة البلدية بين 25 و30 ألف ليرة (3-4 دولارات) أما كيلو الجبنة فتراوح سعره بين 18 و25 ألفا (2-3 دولارات) بينما سجل كيلو الحليب 3 آلاف ليرة، وبلغ سعر لتر زيت الزيتون 19 ألف ليرة (2.8 دولار) وسعر لتر الزيت النباتي 17 ألف ليرة (2.4 دولار).

كما ارتفعت أسعار الأطعمة والمأكولات الشعبية الرمضانية ارتفاعا ملحوظا، ومن ضمنها التمور التي تراوح سعر الكيلو منها بين 11 ألفا و45 ألف ليرة (1.5 دولار- 6 دولارات) بحسب النوع، وكعكة المعروك الحلبي التي سجل سعر القرص الواحد منها 10 آلاف ليرة (1.3 دولار).

والمشروبات الشعبية الرمضانية التي عادة ما ينتشر باعتها في الأسواق وأحياء المدن القديمة، تأثرت هي الأخرى بهذا الغلاء، إذ وصل سعر كيلو التمر الهندي وعرق السوس إلى 17 ألف ليرة (2.2 دولار).

ونظرا لغلاء تلك المشروبات والمأكولات الرمضانية تضطر معظم العائلات إلى استبعادها من سلة رمضان أو الاكتفاء بشراء كميات محدودة منها، بحسب ما تسمح به الظروف، في وقت لا يتجاوز متوسط رواتب الموظفين بالقطاعين العام والخاص في مناطق سيطرة النظام 150 ألف ليرة (20 دولارا) والحد الأدنى للأجور 92 ألف ليرة (12 دولارا) بحسب مرسوم تشريعي يعود للعام 2019.

تحديات أخرى

ولم يقتصر الغلاء على الأغذية والمأكولات الشعبية، بل طال السلع الاستهلاكية الأساسية الأخرى كمادة الغاز التي رفعت حكومة النظام ثمن أسطوانتها المدعومة (10 كيلوغرامات) إلى 11500 ليرة (1.5 دولار) وغير المدعومة إلى 32 ألف ليرة (4.2 دولارات).

بينما تراوح سعر أسطوانة الغاز بالسوق السوداء بين 175 ألفا و200 ألف ليرة (23 – 26 دولارا) وسط شكاوى المواطنين عن تأخر رسائل الغاز التي تصرفها الحكومة عبر "البطاقة الذكية" إلى ما بين 90 و110 أيام.

ويضاعف انقطاع وغلاء مادة الغاز من معاناة السوريين بالشهر الفضيل لاعتمادهم عليها في طهي الطعام وتحضير موائد الإفطار، ولعدم وجود بدائل معقولة للطهي في ظل انقطاع التيار الكهربائي فترات طويلة يوميا تصل إلى 20 ساعة في معظم المناطق.

وكان بيان برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قد أشار، مطلع الشهر الجاري، إلى أن 70% من السوريين ربما لا يتمكنون في المدى المنظور من توفير الطعام لعائلاتهم.

وأكد البيان الأممي أن 12 مليون سوري لا يعرفون من أين ستأتيهم الوجبة التالية من الغذاء، و2.9 مليون آخرون معرضون لخطر الانزلاق إلى الجوع.

صورة لخضر وفواكه من سوق في دمشق (أرشيف المراسل الجزيرة نت)
سوق في دمشق (الجزيرة-أرشيف)

حلول ومبادرات مرتقبة

وبالرغم من المعاناة التي يقاسيها سوريون في توفير الأغذية والمواد الاستهلاكية الأساسية وغيرها من السلع التقليدية في الشهر المبارك، غير أن بعضهم يحاول اجتراح بعض الحلول لكفاية أسرته وإبهاجهم خلال هذا الشهر.

يقول فيصل (36 عاما) وهو عامل في محل حلويات في ريف دمشق "اعتدت في رمضان، وبعد انتهاء دوامي الصباحي في المحل، أن أقوم بتعبئة عربة جوالة -أستأجرها لهذا الغرض- بـ 50 إلى 100 قرص معروك من مشغولات المحل، ثم أخرج للتجوال بها في دمشق القديمة من 8 مساء إلى وقت متأخر من الليل".

ويضيف في حديث للجزيرة نت "أقدم على هذا العمل الإضافي كل عام في رمضان لتغطية احتياجات عائلتي، لدي أولاد ومن الضروري ألا يشعروا بأي نقص عن غيرهم من الأولاد خلال رمضان أو في العيد".

ويلجأ العديد من أرباب الأسر -خلال شهر رمضان الفضيل- إلى الأعمال الإضافية المسائية لسد احتياجات أسرهم، وتوفير المال تحضيرا لعيد الفطر المبارك.

ولإعانة الأسر الأكثر احتياجا وإبهاج الأطفال، تنطلق مبادرات جماعية وفردية كل عام في دمشق وغيرها من مناطق سيطرة النظام لتقديم وجبات الإفطار المجانية.

المصدر : الجزيرة

إعلان