120 عامًا على ميلاد "فيكتوريا كوليدج" مدرسة الملوك والمشاهير

مدرسة فيكتوريا - من موقع المدرسة
مدرسة فيكتوريا تأسست عام 1897، وبدأ التدريس بها في أكتوبر/تشرين الأول عام 1902 (موقع المدرسة)

القاهرة- شُيدت "فيكتوريا كوليدج" في الإسكندرية قبل نحو 120 عامًا، وتحديدًا في 1902، بمبادرة من شخصيات إنجليزية يهودية. وطوال نحو نصف قرن، بقيت هذه المدرسة علامةً فارقةً في الشرق، تجذب إليها أبناء كبار العائلات في الشرق الأوسط وأفريقيا، ودرس فيها طلاب من 55 جنسية من أرجاء العالم.

وكانت المدرسة أشبه بمجتمع مغلق له طقوسه وعاداته وتقاليده التي لا يتخلى عنها، ودستور واحد لكل الطلاب لا يحيد عنه أحد، مهما كانت التدخلات والوساطات. وفي نهاية العقد الرابع من القرن العشرين، أنشئ لها فرعٌ آخر في حي شبرا بالقاهرة، ثم انتقلت إلى المعادي التي ما زالت تحتضنها حتى اليوم.

درس فيها ملوك من بلغاريا واليونان والأردن وإسبانيا، وكذلك شخصيات من أغنياء مصر، مثل شيكوريل، صاحب المحلات التجارية الشبيهة بمحلات "هارودز" في لندن، كما درس فيها سياسيون مصريون كأمين عثمان وفرغلي باشا، الملقب بـ"ملك القطن"، وأعداد أخرى من الكتّاب والفنانين ورجال المال والاقتصاد.

الملك حسين يتوسط الطلاب - من موقع المدرسة
العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال يتوسط طلاب مدرسة فيكتوريا (موقع المدرسة)

قبلة العائلات الحاكمة

جذبت مدرسة "فيكتوريا كوليدج" إليها مئات الشخصيات المهمة في المنطقة العربية، حتى أصبحت قبلة العائلات الحاكمة في الخليج والمنطقة العربية وأفريقيا، مثل العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال، والعاهل العراقي الملك فيصل، وصوفيا ملكة إسبانيا، وسيمون ملك بلغاريا، والملك قسطنطين من اليونان، وملك ألبانيا، وسلطان زنجبار، وبعض أبناء الأسر المالكة والثرية الأوروبية من أبناء أسرة آل رومانوف الروسية وساكس – كوبيرغ وهونزيلرونز وغلوكسبيرغ وزوغ، كما جذبت عددًا من أمراء الأسر الحاكمة في منطقة الخليج من الكويت والمملكة العربية السعودية.

النخبة العربية

التحق بالكلية عددٌ من الطلاب الذين أصبح لهم شأن كبير في السياسة والاقتصاد في بلادهم، من السعودية: وزير النفط السعودي السابق هشام ناظر، والملياردير عدنان خاشقجي، ورئيس الاستخبارات العامة كمال أدهم، وأرسلت أسرتا المهدي والميرغني من السودان أبناءها للدراسة فيها.

وتخرّج منها، كذلك، اثنان من رؤساء وزراء الأردن، هما: زيد بن شاكر وزيد الرفاعي. كما التحق بالكلية أبناء أسرة الصباح الحاكمة وآل الغانم والخرافي والحمد من الكويت وآخرون من عوائل الكويت.

الفنان سمير صبري في الاجتماع السنوي لمدرسة فيكتوريا كوليدج
الفنان سمير صبري (الأول من اليسار) في الاجتماع السنوي لمدرسة "فيكتوريا كوليدج" (موقع المدرسة)

ميلاد مواهب فنانين كبار

كما شهدت المدرسة ميلاد مواهب فنانين كبار من طلابها، مثل عمر الشريف وأحمد رمزي ويوسف شاهين وشادي عبد السلام وتوفيق صالح وسمير صبري.

ومن الكتّاب والنقاد الذين تخرّجوا من الكلية وكتبوا عنها: إدوارد سعيد في "خارج المكان"، ووجيه غالي في روايته "بيرة في نادي البلياردو"، ومحمد سلماوي في مذكراته "يومًا أو بعض يوم".

عمر الشريف يعاني من ألزهايمر - تعليم العربية
الفنان العالمي عمر الشريف من الفنانين الكبار الذين شهدت مدرسة فيكتوريا ميلاد مواهبهم (أسوشيتد برس)

الإنجليز واليهود

تعود قصة إنشاء "فيكتوريا كوليدج" عام 1897 إلى القنصل العام البريطاني في الإسكندرية السير تشارلز كوكسون، وتقرر بدء الدراسة في أكتوبر/تشرين الأول 1902. وضع اللورد كرومر حجر الأساس في ذكرى ميلاد الملكة فيكتوريا، لتكون الكلية رمزًا للهيمنة البريطانية في الشرق الأوسط عبر هؤلاء التلاميذ الذين سيصبحون وسيلة الإمبراطورية في السيطرة على جموع العرب وتطلعهم إلى الحكم الذاتي.

وطوال نصف القرن الأول من عمرها، كانت كلية فيكتوريا تُعرَف بـ"إيتون الشرق الأوسط"، نسبةً إلى المدرسة البريطانية الشهيرة التي خرَّجت 18 رئيس وزراء في بلادها. وحتى انتهاء الوصاية البريطانية عليها في 1956، أدت "فيكتوريا كوليدج" دورًا محوريًّا في تأهيل نخبة الحكم في المنطقة.

طلبة مدرسة فيكتوريا - من موقع المدرسة
أحد أفواج طلبة مدرسة فيكتوريا التي جذبت إليها مئات الشخصيات المهمة في المنطقة العربية (موقع المدرسة)

الوجه الآخر

في وقت حمل كثيرون مشاعر إيجابية تجاه المدرسة، رأى فيها آخرون وجهًا استعماريًّا عزلهم عن محيطهم الاجتماعي والثقافي، وأغرقهم في حياة إنجليزية بعيدة من هويتهم العربية.

وجاء في كتاب "استعمار مصر" لمؤلفه تيموثي ميتشل "استهدف الإنجليز أبناء الطبقات الأرستقراطية، وعملوا على جذبهم في مدارسهم وكلياتهم التي راحوا يُشيّدونها في ربوع مصر، من الإسكندرية إلى أسوان، وعلى رأسها كلية فيكتوريا في الإسكندرية".

ومما كُشف بعد ذلك عن أسرار وخفايا هذه المدرسة أن السياسة تسللت إليها، وأنها كانت قناعًا تتخفى من خلفه أغراض استعمارية، فقد استغلتها السلطات البريطانية لجذب العائلات الكبيرة ذات التأثير في العمل السياسي بمصر، والعائلات العربية والأفريقية ممن يمكن استغلالهم في بسط هيمنتها الاستعمارية، بحسب كتاب "كلية فيكتوريا: صناعة الملوك والأمراء والمشاهير" لداليا عاصم.

الكاتب إدوارد سعيد
المفكر إدوارد سعيد طُرد من المدرسة لرغبته القوية في الجدال كما كتب في مذكراته "خارج المكان" (غيتي)

من بين أصحاب هذه النظرة عن مدرسة فيكتوريا، المفكر الفلسطيني – الأميركي إدوارد سعيد، الذي طُرد منها لشغبه ولرغبته القوية بالجدال في مدرسة لا تقبل إلا بالخضوع التام من الطلاب.

كتب سعيد في مذكراته "خارج المكان": "اتسمت حياتنا في كلية فيكتوريا بتشوّه كبير لم أدركه حينها. ولما كان الانتماء العربي وتكلم اللغة العربية يعدان جُنْحَة يعاقب عليها القانون في كلية فيكتوريا، فلا عجب ألّا نتلقى أبدًا التعليم المناسب عن لغتنا وتاريخنا وتراثنا وجغرافية بلادنا". وقد تعرض لعقاب التحدث بالعربية كلٌّ من إدوارد سعيد نفسه والعاهل الأردني الملك حسين.

لم يختلف رأي سعيد عمّا عبّر عنه خريج كلية فيكتوريا الكاتب وجيه غالي حين وجه سهام انتقاداته إلى التعليم الإنجليزي في روايته "بيرة في نادي البلياردو".

رأى سعيد أن الدراسة في كلية فيكتوريا كانت بقصد تهميش الهوية والثقافة العربية، من خلال التدريس باللغة الإنجليزية، فضلاً عن أن مادة التاريخ لا تُدرّس سوى تاريخ أوروبا، فلا تاريخ للعرب ولا للمسلمين.

وكانت الدراسة فيها بمثابة "غسيل مخ" لطلابها، بحسب رئيس الوزراء السوداني الأسبق الصادق المهدي، أحد من درسوا بهذه المدرسة.

المصدر : الجزيرة