لماذا يزداد غضب العراقيين خلال فصل الصيف؟
ذي قار– عادة ما يكون فصل الصيف في العراق محملا بموجات من الغضب، الذي يتطور ليأخذ شكل احتجاجات وقطع للشوارع ومصادمات مع رجال الأمن وغلق لدوائر حكومية. ومن جهة أخرى، تزداد الجرائم الجنائية وحالات العنف الأسري إلى جانب تزايد حالات الطلاق.
يرتبط واقع الأحداث في العراق بشكل كبير بدرجات الحرارة وتراجع الخدمات التي تدفع الناس إلى الضجر ومحاولة التعبير عن غضبهم في الشوارع والأماكن العامة والمؤسسات الحكومية.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsالعراق يتجه لحضن الكهرباء الخليجية وآمال بأن يسترد عافيته الاقتصادية
العراق.. بلد الطاقة يعاني من شح في الكهرباء
ورث العراقيون تركة ثقيلة من الغضب والمزاج المتقلب، ودوّن تاريخ العراق الحديث أحداثا كبرى وقعت في الصيف.
وخلال السنة الجارية، شهدت عدة محافظات في العراق، مثل المثنى والبصرة وذي قار، مظاهرات مستمرة احتجاجا على انقطاع الكهرباء، في حين كانت ذي قار الأكثر غضبا بين تلك المحافظات؛ إذ شهدت قيام المواطنين الغاضبين بحرق إطارات وقطع الشوارع والجسور والطرق العامة لأيام، بسبب تراجع التجهيز بالطاقة الكهربائية.
أجواء قاسية
الأجواء القاسية في العراق، خلال الشتاء ببرودته القارصة والصيف شديد الحرارة الذي يعد من بين الأسخن في العالم، إضافة إلى ضعف الطاقة الكهربائية وعدم وجود التكييف، تولد ضغطا على المجتمع وتسبب امتعاضا يدفع إلى الانفعال، كما يقول المختص بالمجال النفسي الدكتور إبراهيم الصائغ.
يوضح الصائغ -خلال حديثه للجزيرة نت- أن للعنف كثيرا من الدوافع، منها الفقر وضيق العيش والضغوطات السياسية في المجتمع وظروف البلد وتكالب الحروب والتفكك الاجتماعي، إضافة لوجود المخدرات وتراجع الكثير من المثل والقيم والمبادئ المجتمعية، وهذا يدفع المجتمع لأن يتوجه إلى التنافس الشرس الجسدي والفكري، وهذا يسبب عنفا في بعض الأحيان.
العنف والغضب والانزعاج والتململ الموجود في المجتمع يمكنه أن ينعكس على العائلة، أي أن الشخص الذي ينزعج خارج المنزل يمكن أن يتحول غضبه إلى عائلته، وللسلطة والقانون دور في تخفيف العنف بالمجتمع، وفقا للصائغ.
ومنذ عام 2003، أخفقت الحكومات المتعاقبة في إيجاد حل لمشكلة الكهرباء، حيث ترتفع الأحمال نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، مما يحد من فترات التزويد بالطاقة لتقتصر على ساعتين مقابل ساعتين إطفاء، لكن في بعض المناطق ربما لا يستفيد الناس من الكهرباء طوال النهار بسبب رداءة الخطوط الناقلة.
العنف طريقة للتعبير
لا يمكن التغاضي عن تأثيرات الحروب المتوالية والحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي والعيش تحت حكم الحزب الواحد ودورها في شخصية العراقي العنيفة، كما يقول المدون والناشط إبراهيم تركي.
ويرى تركي أن لدى العراقي مشكلة في التنفيس والتعبير عن الغضب، "فهو لا يرى غير العنف والصدام آلية للتنفيس، وهذا يعكس تخلفا معرفيا وتحكم الموروث الثقافي في آلية التعبير عن العنف"، وأشار إلى ضرورة مراجعة تأثيرات فصل الصيف في الدول الأخرى، وإذا ما كانت تشهد عنفا متصاعدا في أثناء الصيف، وتحدث عن الحاجة إلى مؤسسات لاستطلاع الرأي والإحصاءات، لتقديم أرقام دقيقة في ما يتعلق بالعنف وعلاقته الدقيقة مع التغير المناخي وطبيعة أجواء العراق.
ذاكرة العراقيين مع العنف
جاء العراق رابعا على العالم ضمن أكثر الشعوب غضبا، حسب تصنيف شركة الأبحاث العالمية "غالوب" يوليو/تموز الماضي، في قائمة ضمت أكثر من 100 دولة.
ويعد ارتفاع درجات الحرارة بصورة عامة مقياسا حقيقيا لتفاعل الإنسان مع محيطه من ناحية السلوك النفسي، وتصاعد أو انخفاض نسبة التوتر والغضب، وفي العراق على وجه الخصوص يعد الصيف من العوامل اللافتة الدالة على سلوكيات المواطن العراقي، كما يقول الكاتب والناشط عمار خضير.
يضيف خضير -في حديثه للجزيرة نت- أنه عند استعراض حالات العنف أو التفاعل أو زيادة النشاطات، سيلاحظ أن هناك أحداثا في تاريخ العراق الحديث تزامنت مع فترة الصيف، فمثلا إعلان الجمهورية العراقية كان في يوليو/تموز، وفيها تمت إبادة العائلة المالكة وثورة 17-30 يوليو/تموز التي بدأ فيها حكم حزب البعث.
أما في حقبة ما بعد 2010، كما يقول خضير، فقد بدأ الاحتجاج الشعبي يتصاعد خلالها صيفا نتيجة تردي الأوضاع المعيشية، مثل عدم وجود الكهرباء وتكلفة العيش المرتفعة مقارنة بفصل الشتاء، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة نسبة القلق الفردي والجماعي.
كان رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي أعلن عام 2021 عن إنفاق العراق أكثر من81 مليار دولار على ملف الكهرباء منذ عام 2003، لكن من دون جدوى، وبقيت خطوط النقل والتوزيع والإنتاج تعاني من المشاكل، ولا يزال البلد يستورد الطاقة من إيران بما يصل إلى 7 آلاف ميغاوات سنويا.