تنظيف بيت للمسنين أو مركز صحي.. عقوبات بديلة عن السجن في الأردن فهل هو نهج جديد بالعدالة الجزائية؟

عمّان- لم يكن يتوقع العشريني سامر السعيد أنّ تدخّله في مشاجرة لفض خلاف بين طرفين سيؤدي به للسجن 7 أشهر، بعد شكوى قدمت بحقه من قبل أحد الأطراف، مما اضطره للاختفاء وعدم التنقل لمدة 5 أشهر، مخافة إلقاء القبض عليه وحبسه بعدما بات مطلوبا للأجهزة الأمنية، إلى أن حصل على حكم بعقوبة مجتمعية بديلة عن السجن.
ويقول السعيد -الذي يعيل أسرة من 3 أطفال وزوجته، ويسكن بيتا بالإيجار- للجزيرة نت: "بعد الحكم بسجني، اضطررت لترك عملي على سيارة لتوزيع الألبان، مخافة إلقاء القبض عليّ وسجني، فضاقت الدنيا بوجهي؛ لأن سجني سيدمر عائلتي، وسيؤدي بهم للطرد من البيت، وتشريد أطفالي".
اقرأ أيضا
list of 1 itemحصل السعيد على حكم قضائي بقضاء عقوبة مجتمعية تمثلت في العمل في تنظيف مركز صحي حكومي قريب من مكان سكنه لمدة 60 ساعة، بديلا عن السجن، مع منحه مدة عام لتنفيذ العقوبة المجتمعية البديلة، فعاد لممارسة حياته الطبيعية وعمله.

بيت مسنين ومدرسة
توجد كثير من القصص داخل أروقة المحاكم الأردنية تشبه قصة السعيد؛ فالأستاذ الجامعي (م. ح. ي) حكم عليه بالسجن لمدة 8 أشهر بعد تسببه في حادث سير لعائلة، إلا أن حصوله على حكم قضائي بعقوبة مجتمعية بديلة حال دون فقدانه عمله الجامعي وحافظ على أسرته.
السيدات المحكوم عليهن بأحكام قضائية مختلفة كان لهن النصيب الأوفر من أحكام العقوبات البديلة؛ فالسيدة الأربعينية (م. و. ن) حصلت على عقوبة مجتمعية بتقديم خدمات لبيت مسنين في أحد المساكن بالعاصمة عمّان، بدلا من الحبس لمدة عام؛ وقامت العشرينية (ص. ي. م) بتقديم خدمات في إحدى المدارس الحكومية كعقوبة مجتمعية، بدلا من دخولها السجن لمدة عامين بعد الحكم عليها بجرم ارتكبته.
وشهد عام 2017 بدء تطبيق الأردن لنهج العقوبات البديلة والرقابة الإلكترونية بشكل رسمي، كبديل للعقوبات السالبة للحرية، وذلك بعد توصيات ومخرجات اللجنة الملكية لتطوير القضاء وسيادة القانون، إذ أسفرت تعديلات اللجنة عن تعديلات تشريعية على قانون العقوبات الأردني، تمثلت في تبني نهج العقوبات البديلة، إضافة لصدور نظام لتنظيم وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية.
ونص التعديل الجديد على المادة 25 من قانون العقوبات على أن "للمحكمة في الجنح، وبناء على تقرير الحالة الاجتماعية، فيما خلا حالة التكرار، أن تقضي -حتى وإن اكتسب الحكم الدرجة القطعية- ببديل أو أكثر من البدائل التالية، الخدمة الاجتماعية، والمراقبة المجتمعية والإلكترونية وتحديد حركة المحكوم عليه".
وعرفت المادة الخدمة المجتمعية بـ"إلزام المحكوم عليه، وبموافقته، بالقيام بعمل غير مدفوع الأجر لخدمة المجتمع لمدة تحددها المحكمة لا تقل عن 40 ساعة، ولا تزيد على 100 ساعة، على أن يجري تنفيذ العمل خلال مدة لا تزيد على سنة".

نهج جديد بالعدالة الجزائية
تشكل العقوبات البديلة "نهجا جديدا في العدالة الجزائية"، اهتمت بإصلاح الشخص مرتكب الجريمة وتأهيله وإعادة دمجه بالمجتمع، مما دعا إلى تبني مفهوم جديد للعقوبات كبديل عن العقوبات السالبة للحرية، ومن شأن تلك البدائل إصلاح ذلك الشخص، يقول أمين عام المجلس القضائي علي المسيمي.
ويضيف المسيمي -في حديثه للجزيرة نت- أن بدائل العقوبات يتم اختيارها على أسس علمية، تتمثل في تقارير علمية تبين الحالة الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لمرتكب الجريمة، ويتم التعامل معها بناء على دراسة تحليلية للشخص المعني، وبعد الدراسة المفصلة عن الشخص المعني يتم اختيار التدبير المناسب له، بناء على التدابير التي نص عليها القانون.
وبلغة الأرقام، وصل عدد المستفيدين من العقوبات البديلة 979 محكوما حتى منتصف أغسطس/آب الحالي، في حين بلغت 302 قضية خلال عام 2021، مما يؤشر على "نقلة نوعية، وتوسع بتطبيق العقوبات البديلة، بعد التعديل التشريعي وصدور النظام، ومعالجة التحديات"، وفق المسيمي.

على من تطبق العقوبات البديلة؟
وتطبق العقوبات البديلة -حسب القانون- على المحكومين بالجنح التي تقل مدة الحبس فيها عن 3 سنوات، ومن غير المكررين للأفعال الجرمية، وبالجنايات غير الواقعة على الأشخاص، باستثناء حالات التكرار عند استخدام الأسباب المخففة والنزول بالعقوبة إلى سنة، على أن تستبدل العقوبة بناء على تقرير الحالة الاجتماعية ببديل أو أكثر من بدائل العقوبات السالبة للحرية.
وتسهم العقوبات البديلة -حسب المسيمي- في "معالجة سلوك مرتكبي الجرائم لأول مرة، وحمايتهم من العدوى الجرمية"، وذلك من خلال منع اختلاطهم بنزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل، ومعالجة مشكلة الاكتظاظ بالسجون، وتوفير الكلف الاقتصادية لهؤلاء النزلاء وتوزيعها على برامج تأهيلية طويلة المدى للنزلاء أصحاب المحكوميات العالية.
ولها أيضا آثار اقتصادية على خزينة الدولة، بتخفيف كلف نزلاء مراكز الإصلاح، وتفادي الآثار السلبية الاجتماعية بدخول شخص يرتكب جريمة لأول مرة للسجن، وتأثير ذلك على مسار حياته العائلي والاجتماعي.
وبخصوص الأحداث، أوضح المسيمي أن القضايا الجرمية التي يرتكبها الأحداث تخضع لقانون الأحداث الذي تضمن منظومة متكاملة من البدائل السالبة للحرية، التي تتماشى مع الأطفال وخصوصية التعامل مع الطفل وتدابير لا تطبق إلا على الأطفال.

تطور إيجابي
مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية هديل عبد العزيز وصفت توسع القضاء بالعقوبات البديلة بـ"الإيجابي، وتطور تشريعي وقضائي مهم، يعبر عن شكل جديد من أشكال إصلاح العدالة"، مؤكدة ضرورة إيصال رسالة للمجتمع الأردني أن العقوبات البديلة -ومن ضمنها المجتمعية- "ليست وسيلة للإفلات من العقاب".
وأشارت هديل عبد العزيز -للجزيرة نت- إلى ضرورة شمول تلك العقوبات لـ"بعض أنواع جرائم الجنايات"، مثل سرقة مع كسر وخلع فهذه جناية المطلوب شمولها بالعقوبات البديلة، خاصة مع "تشديد القضاء في تغليظ العقوبات، حتى باتت القضايا البسيطة تعتبر جنايات"، على حد قولها.
وتتمثل الخطوة المطلوبة القادمة -وفق هديل عبد العزيز- في "تفعيل بدائل التوقيف خاصة السوار الإلكترونية، واستحداث مسار قضائي سريع للقضايا البسيطة"، داعية إلى "التوسع بالعقوبات المجتمعية، خاصة في قضايا النساء، لأن المرأة عادة تشكل عماد الأسرة، وتعاني المرأة من الوصمة الاجتماعية في حال دخولها للسجون ويؤدي ذلك إلى التفكك الأسري".
ويتوقع أن تبدأ وزارة العدل الأردنية بتطبيق نظام السوار الإلكتروني كبديل عن التوقيف القضائي، خلال الفترة القادمة، وذلك عن طريق خاصية المراقبة الإلكترونية، بعد دخول نظام وسائل وآليات تنفيذ بدائل العقوبات السالبة للحرية حيز التنفيذ، وشرائها 1500 سوار إلكتروني سيتم استخدامها لهذا الغرض، والتوسع مستقبلا ليصل العدد إلى 5 آلاف سوار.
وتسعى الجهات الرسمية عبر تطبيق تلك العقوبات والبدائل إلى الحد من العقوبات السالبة للحرية والتوقيف القضائي بالنسبة للأشخاص غير المكررين، وتحقيق سياسة وقائية تهدف لمنع اختلاطهم بغيرهم من الموقوفين والمحكومين، والحفاظ على مصادر رزقهم، وتخفيف اكتظاظ السجون حيث تبلغ نسبة الأشغال فيها 140%، حسب أرقام رسمية.