خلال ورشة عمل بالدوحة.. مساع عربية لوضع نهج موحد لتصنيف الإعاقة وتقييمها
الورشة تناولت أهمية الربط بين درجة الإعاقة ومدى الاحتياج إلى المساعدة والدعم لتحقيق استقلالية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة

الدوحة – رغم الجهود المستمرة من أجل تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في الدول العربية ودمجهم في مجتمعاتهم فإن هذه الجهود تظل بحاجة إلى إيجاد نموذج موحد يلبي ويراعي احتياجات أفراد هذه الفئة المهمة ليمارسوا حياتهم بطريقة طبيعية ويكونوا فاعلين في المجتمع.
كان هذا هو العنوان الأبرز الذي اتفق عليه المشاركون في ورشة العمل الثانية حول "التصنيف العربي للإعاقة" التي نظمتها وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة في قطر بالتعاون مع الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وذلك على مدى يومين في الدوحة بمشاركة مسؤولين وخبراء عرب.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsنهيل الشرافي.. روائية فلسطينية تتحدى الإعاقة بالإرادة
طيف التوحد في 20 سؤالا وجوابا مهما للغاية
تطوير روبوتات في الصين لإعادة تأهيل مرضى الشلل النصفي والدماغي
وتناولت الورشة أهمية الربط بين درجة الإعاقة ومدى الاحتياج إلى المساعدة والدعم لتحقيق استقلالية الأشخاص ذوي الإعاقة وأهليتهم للحصول على الخدمات، كما تم وضع تصورات للخدمات والبرامج التي يحتاجونها بعد عمليات التصنيف وربط الإعاقة بالخدمات المناسبة لها في كافة الجوانب.
كما شهدت أعمال ورشة العمل عقد جلسات متخصصة تهدف إلى وضع خريطة طريق لتطوير نموذج جديد لتصنيف الإعاقة وتقييمها، بالإضافة إلى التحول لتصنيف وتقييم الإعاقة الشامل في المنطقة العربية بمشاركة نخبة من صناع السياسات والقرار في مجال الإعاقة في الدول العربية.

جزء من الركب
بدورها، أكدت وزيرة التنمية الاجتماعية والأسرة القطرية مريم بنت علي بن ناصر المسند أن بلادها ساهمت خلال العقود الماضية وما زالت في تسخير كل السبل الممكنة لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة على كل الأصعدة المحلية والدولية، مشددة على ضرورة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في العالم العربي ليكونوا جزءا من الركب، بل في مقدمته لا خلفه.
ودعت الوزيرة القطرية إلى تبني تصنيف عربي موحد مبني على عناصر تصنيف عملية تتجاوز المربع الذي يحدد بالمعيار الطبي، ودون التقليل منه، ولكن بمكاملته مع باقي المعايير، مثل المعيار المهاري والمعيار المجتمعي والمعيار التعليمي وما إلى ذلك.
من جهتها، قالت السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمينة العامة المساعد لجامعة الدول العربية رئيسة قطاع الشؤون الاجتماعية إن أعمال الورشة تعد حدثا تاريخيا، لأنها تسعى إلى وضع أول تصنيف إقليمي في العالم للأشخاص ذوي الإعاقة.
وأضافت "علينا مسؤولية وعبء كبير للخروج بتصنيف عربي للأشخاص ذوي الإعاقة"، مشيرة إلى أن الإعداد الفني والموضوعي لهذا التصنيف المرتقب يسهم في التحول إلى تصنيف وتقييم الإعاقة الشامل بجزأيه، وصولا إلى تصميم نظام جديد وآليات تطبيقيه في إطار مؤسسي.

تفاعل ديناميكي
بدوره، يقول الدكتور علاء سبيع المستشار الإقليمي في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا "إسكوا" (ESCWA) إن النظم الحالية تعتمد في تقييمها لتصنيف الإعاقة على المنحى الطبي، وبالتالي السعي من أجل إصلاح هذا الشخص، لكن الحقيقة -ووفقا للمفهوم الحديث- هو أن الشخص المعاق تتم إعاقته من المجتمع ومن السياق حوله، لذلك فهذا المحيط يمكن أن يسهم في التقليل من درجة الإعاقة.
ويضيف سبيع -في تصريح للجزيرة نت- أنه لم يعد يُنظر إلى الإعاقة على أنها ناجمة عن الإصابة بمرض، بل أصبحت تفهم على أنها تفاعل ديناميكي، وأنه يجب مراعاة المكون المجتمعي والسياق المحيط بالشخص عند وضع التقييم والتصنيف.
وأكد أن تصنيف وتقييم الإعاقة يعتمدان على التصنيف الدولي لتأدية الوظائف والإعاقة "آي سي إف" (ICF) الذي يشمل تقييم الأداء الوظيفي لأعضاء وأجهزة جسم الإنسان ومدى تأثرها بالإيجاب أو السلب والبيئة المحيطة بالشخص.
ويلفت الخبير الأممي إلى أن الممارسات الحالية في أغلبية الدول العربية تركز على إصلاح "المشكل" والمتمثل في الشخص ذي الإعاقة، وهذا هو الاتجاه السائد، مشيرا إلى أن الكثير من المؤسسات ومراكز الرعاية في الدول العربية تعتمد هذا المفهوم الخاطئ، وبالتالي يجب مراجعة الأساليب في العمل مع الأشخاص ذوي الإعاقة والتوجهات والإستراتيجيات والسياسات، ومنها سياسات التقييم والتصنيف.
وأشار إلى اتفاق المشاركين على المكونات التي عرضها في ورشة العمل الأولى حول التصنيف الموحد للإعاقة والتي عقدت في دبي العام الماضي، معربا عن أمله أن يتم الاتفاق قريبا على تقييم وتصنيف كل مكون بحيث يمكن اعتماد تصنيف موحد للإعاقة يوفر لغة مشتركة لدراسة هذه المكونات، ويوفر بالتالي أساسا لفهم سبل تحسين حياة الأشخاص ذوي الإعاقات المختلفة.
إطار عام
ويؤكد سبيع أن الحديث عن تصنيف عربي موحد للإعاقة ليس الغرض منه فقط تعميمه في الدول العربية، ولكن ليكون بمثابة إطار عام يساعد كل دولة على حدة في أن تضع النظام الخاص بها والمتناسب مع مواردها وإمكاناتها.

أما الدكتورة دينا عمر خبيرة أولى في نظم الحماية الاجتماعية ونظم الرعاية الصحية فتقول إن السعي لاستحداث نموذج موحد لتقييم الإعاقة يأتي من أجل مساعدة الدول التي تعمل على تطوير نظم الإعاقة وتقديم خدمات للأشخاص ذوي الإعاقة.
وأشارت إلى أن الكثير من هذه الدول واجهت مشكلات تمثلت في تقديم الخدمات للأشخاص المستهدفين، أي عدم حصول الأشخاص ذوي الإعاقة المستحقين على الخدمات أو حصول أشخاص غير مستحقين لها، وبالتالي كان لا بد من وجود آلية لاستقطاب الأشخاص وتقييمهم بشكل صحيح.
كما توضح دينا عمر -في تصريح للجزيرة نت- أن من أهداف استحداث تصنيف موحد لتقييم الإعاقة في الدول العربية هو معرفة احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، كل حسب درجة إعاقته وطبيعته، في ظل عدم الاتفاق على آلية أو طريقة يمكن من خلالها قياس احتياجاتهم أو الخدمات المطلوبة لهم.
وتشير خبيرة نظم الحماية الاجتماعية إلى أن بعض الأشخاص قد يكونون بحاجة إلى دعم مادي وآخرين قد يضارون جراء تقديم الدعم المادي لهم بسبب عدم تحمسهم للتدريب أو التأهيل لسوق العمل، مشيرة إلى أن ذلك يتم اكتشافه من خلال آليات التقييم المستحدثة بعدما كانت أغلبية الدول العربية تكتفي بالتقييم الطبي فقط.
وترى أن من أبرز التحديات التي تواجه ظهور أول تصنيف عربي للإعاقة هو اللوائح والقوانين في بعض الدول، وعدم توافر التدريب اللازم والأدوات اللازمة لرصد الخدمات المتاحة أو قياس الفجوة في الخدمات المقدمة.
وتختم دينا عمر تصريحها بالتأكيد على أن المقصود بتصنيف موحد للإعاقة هو توحيد الآلية والفلسفة والفكر في ما يخص تقييم الإعاقة وتصنيفها، أما ما يتعلق بالتفاصيل الدقيقة في أساليب الطرح مثل عدد الأسئلة وآلية التدريب فإنها تختلف من دولة إلى أخرى، حيث إنه في داخل الدولة الواحدة قد تكون الآلية التي تطرح بها الأسئلة للتقييم في منطقة تختلف عن أخرى، كما قد تكون الخدمات المتاحة في منطقة مغايرة عن منطقة مشابهة في نفس البلد.