الرسم على الفخار في الجزائر.. فنانون يتوارثون الحرفة ويلونون العيد كل سنة

الجزائريون يعتبرون الأواني الفخارية جالبة للبركة وفأل خير على البيوت في المناسبات السعيدة (الجزيرة)

الجزائر – على بعد 50 كيلومترا غرب الجزائر العاصمة في تيبازة، تُمَد نصبات "طاولات" لبيع مختلف الأواني الفخارية مديرة ظهرها للجبال، في حين تقابل البحر المتوسط ناثرة رائحة العيد الذي يرتبط بالأواني الفخارية العصرية الصنع والتقليدية منها في الجزائر.

ولا يخلو مطبخ في الجزائر من الفخار والخزف، وتحرص السيدات الجزائريات على وجود قطع منه على طاولاتها، ويعد الطاجين "أداة تقليدية فخارية للطبخ"، وأيضا طاجين الكسرة "وعاء طيني لطهو الرغيف التقليدي" وقدر الشربة أبرز ما يتم تجديده كل سنة في رمضان والعيد والربيع والصيف أيضا.

لا يزال للأواني الفخارية التقليدية غير المزخرفة جمهورها في الجزائر (الجزيرة)

ويعرض باعة الفخار سلعهم التي يزيد الطلب عليها بشكل لافت، ويضم أطباق الشربة وكؤوس شرب الحليب إلى جانب عدد من المعدات الطينية التي يتزايد الطلب عليها سنة بعد سنة.

كذلك توجد الأواني الفخارية، بلون الطين الطبيعي، الأحمر والأخضر والأصفر، إلى جانب أواني السيراميك التي تتلون بالأزرق والأصفر والأسود والبنفسجي، وغيرها.

ورشات الفخار

يقول محمد (62 عاما) -وهو أحد باعة الفخار- إن السر في الاقبال المتزايد للزبائن في الجزائر على الأواني الفخارية هو التجديد في الخزف الذي رغم احتفاظه بذات الأشكال القديمة فإنه "يتعصرن" (يتطور بشكل عصري) بالألوان والأشكال.

ومن جهتها تقول السيدة نجاة جاب الله -ابنة السعيد جاب الله صاحب واحدة من أكبر ورشات الخزف بالخط العربي على الأواني الفخارية بمنطقة درارية بالعاصمة- للجزيرة نت "موضة الفخار تتزايد ونحن من يتحمل مسؤولية تراجعها إن حدث ذلك يوما ما".

وتضيف جاب الله "في المناسبات يتزايد الطلب على ما نعرضه، فهو يقدم كهدايا في الشهر الفضيل رمضان، والعيد، كما يشتريه الكثيرون لتجديد مطبخهم كما تقول العادة".

إحدى طاولات عرض فنان الخزف "السّعيد جاب الله" (الجزيرة)

وتتباين الأشكال المرسومة على الأواني الفخارية الأكثر إقبالا خلال السنة الجارية، بين ما هو رسوم أمازيغية ورسوم الطاسيلي (رسوم كهوف طاسيلي الجزائرية العجيبة، التي سجلتها منظمة اليونسكو عام 1982 في قائمة التراث العالم) إلى جانب الخط العربي، وهذا الأخير الذي تعد الأواني المزينة به هي الأكثر غلاء من بين الرسومات الأخرى.

تقول نجاة جاب الله "يتم تشكيل الإناء الطيني وتعريضه للحرارة التي تصل إلى 960 درجة، ثم يستخرج ليتم الرسم عليه وبعدها يعرض مجددا لحرارة تصل إلى ألف درجة.

ووظيفة الحرارة وفق المتحدثة أولا مقاومة الطين للماء إلى جانب تثبيت الرسومات وجعل الإناء أكثر قساوة وصلابة.

ولطالما اشتهرت منطقة القنطرة ببسكرة بالجنوب الشرقي للجزائر بصناعة الفخار، إلى جانب منطقة مشونش بين باتنة وبسكرة أيضا وندرومة التلمسانية في غرب البلاد، حيث تعد هذه المناطق حاضنة لأكبر الورشات التي توزع الأواني الفخارية على الباعة.

كل المدن الجزائرية معنية بالفخار ومعارضه على جوانب الطرقات (الجزيرة)

من الورشة للشارع

يضع التجار -الذين يستقدمون سلعهم من الورشات أو حتى أولئك الذين يصنعونها بأيديهم، بطرق تقليدية أو حديثة- سلعهم بطريقة تجذب المارة الذين يسيرون بالطريق السريع والذين يصطفون بسياراتهم لابتياع واحدة من هذه الأواني.

ويسميها البعض في الجزائر بـ"الفال". تقول جميلة (52 عاما) "تعد الأواني الفخارية جالبة للبركة"، وتضيف للجزيرة نت "تعتقد السيدة منا أن الطين يزيد من طعم الأكل ولذته كما أننا نعده فأل خير على البيوت".

من جهته يرجع فخارجي وليد -وهو صاحب ورشة لصناعة وبيع الفخار- نجاح تجارة الطين والفخار في بلاده لمكانة هذا الأخير عند العائلات الجزائرية، مؤكدا للجزيرة نت "كل ما يمكن بيعه على الطرقات ممكن أن يشوهها إلا الفخار".

أبرز الأواني الفخارية التي يتهافت عليها الجزائريون في رمضان وقبيل العيد (الجزيرة)

ويرى فخارجي وليد من ولاية برج بوعريريج (250 كيلومترا شرق العاصمة) أن "نصبات" (طاولات) بيع الفخار هي معارض مفتوحة على الهواء الطلق، تزين منظر الطرقات السريعة وتجذب المارة وتغير من مزاجهم.

ويؤكد الشاب الذي يرافق والده في المهنة للجزيرة نت أن "الفخار هو آنية الغني والفقير".

وتحمل الزبونة جميلة إناءها الذي استلمته من البائع، تبتسم في وجهه مخاطبة إياه "صح رمضانك"، يرد هو بدوره "كل عام وأنتم بخير"، ونحن على أبواب عيد الفطر المبارك، فالفخار أداة للتبريك هنا أيضا.

المصدر : الجزيرة