مطالب تتجدد وجدل يتصاعد.. كيف ينصف التشريع الأسر المصرية؟

القاهرة- جدل محتدم بشأن تجدد المطالبات بتعديلات لقانون الأحوال الشخصية بمصر بالتزامن مع انطلاق عرض مسلسل "فاتن أمل حربي" أول أيام شهر رمضان المبارك، والذي أشعل بدوره السجال بين رجال ونساء حول توابع الطلاق، ومن بينها حضانة الأطفال والنفقة ومسكن الزوجية، خاصة في ظل انتظار خروج مشاريع القوانين الخاصة بتعديل القانون الحالي إلى النور.
ويدعو مختصون تحدثوا للجزيرة نت إلى الاستماع للمتضررين وعلماء الأزهر والقضاة والمحامين والعاملين في مجال التوعية الأسرية، قبل إطلاق أي تعديلات لقانون الأحوال الشخصية المصرية حتى تصدر بشكل منصف وواقعي دون انحيازات مسبقة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsضوابط وتحذير
وترى المستشارة الأسرية والاجتماعية الدكتورة منال خضر -في تصريحات للجزيرة نت- أن مشاكل الأسر المصرية بعد الانفصال باتت تشكل ألما كبيرا، نظرا لبُعد العديد من المنفصلين عن تعاليم الدين العظيمة التي تنصف الزوج والزوجة وتحمي الأطفال.
وتشير خضر إلى أن "الواقع البعيد عن القيم هو الذي أذل المرأة في المحاكم وسط ظروف غير عادلة على أيدي أنصاف الرجال، في حين أن الدين هو الذي أقر للمرأة حقوقها فور الطلاق ودون حاجة للمحاكم"، مؤكدة أن "غياب الأخلاق الحميدة ومناخ الوئام خلقا كذلك أزمات ضخمة في البيوت أو عند الانفصال".
وتوضح أن "النفقة والحضانة ومسكن الزوجية والرؤية وغيرها قضايا حسمها الإسلام بوضوح ورحمة، وهو ما يجب إفساح المجال فيه للأزهر وعلمائه لتبصير الناس بحقوقهم وواجباتهم الأسرية من وجهة النظر الدينية وليس لغير المتخصصين".
وتحذر منال خضر من محاولات البعض تسعير حرب كلامية حول التعديلات المقترحة دون اعتبار للدين وضوابطه أو اعتبار لمستقبل الأطفال أو منظومة الأسرة ككل، مشددة على أن أي تعديل للقانون يجب أن ينبع من فهم ورصد لمشاكل الأسر الحقيقية، وذلك بعد سماع لجميع الأطراف وفي مقدمتهم المتضررون والعاملون في مجال التوعية الأسرية والقضاة والقانونيون.
من حق الأم
ووفق تصريحات رسمية لشيخ الأزهر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، فإن الحضانة من حق الأم، وهي صاحبة القرار في مصيره.
وقال الإمام الأكبر في تصريحاته -التي أعاد نشرها حساب صحيفة صوت الأزهر الرسمية على فيسبوك هذه الأيام- إن "الحضانة هي حق من حقوق الأم، لأنه من المعلوم أن الأم لديها تجاه ابنها أو ابنتها قدر من الحنان والرحمة تجعلها تصبر على التربية وتتلذذ بالصبر".
ويؤكد شيخ الأزهر أنه لا يوجد نص صريح في القرآن أو السنة بانتقال الحضانة من الأم للأب في عمر 7 أعوام للولد أو 9 أعوام للبنت، بل إن هناك أقوالا قديمة ترى أن حضانة البنت تنتهي بالزواج والولد بالبلوغ.
ويوضح الإمام الأكبر أن موضوع نزع الطفل من أمه المطلقة حال زواجها استنادا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنت أحق به ما لم تتزوجي"، يوجد فيه قول للأحناف الذين قالوا حتى لو تزوجت وتبين أن مصلحة الصغير معها تظل الحضانة لها، منتقدا غضبة بعض الرجال دون النظر لنفسية الصغير.
وحول حق الرؤية، يشير الإمام الأكبر إلى أن الرؤية حق شرعي وقانوني للأب لا يجوز منعه منها، مؤكدا أن قانون الحضانة يحتاج إلى نظر طرق تنفيذه، فهناك بعض المطلقات يتعاملن مع الزوج من باب تصفية الحسابات، وتستخدم حق الرؤية كورقة لتنفذ ما تريده.
جدل محتدم
ويحتدم الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي بمصر بعد المسلسل حول قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته المنتظرة واشتباكات المعنيين حوله، وفق ما تم رصده.
ودخل المجلس القومي للمرأة (جهة حكومية) على خط الجدل ببيان على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك مع بدء عرض المسلسل، مؤكدا دعمه له وأهمية التوعية بمساندة المطلقات خاصة فيما يخص مسكن الزوجية، مما أثار جدلا.
ويرى المجلس في بيانه أن "المسلسل أثار قضية هامة تواجه العديد من السيدات المتزوجات أو في حالة الانفصال والطلاق مع الحضانة وهي قضية مسكن الزوجية رغم أن السكن أمر واجب على الزوج لزوجته، وعلى الأب لأولاده".
وأشعلت المعركة أسئلة سيناريو الكاتب إبراهيم عيسى -وفق ما تم رصده- التي جاءت على لسان بطلة المسلسل الممثلة نيلي كريم حول إسقاط حضانة الأطفال والولاية عليهم في حال زواج المطلقة ومدى تطابق ذلك مع كلام الله عزو جل.
وشن وكيل الأزهر الأسبق ورئيس لجنة الفتوى الرئيسية بالجامع الأزهر الدكتور عباس شومان هجوما في سلسلة تدوينات على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك على بعض مضامين المسلسل ومطالباته.
واعتبر شومان أن ما جاء في حوار الاستدلال على سقوط الحضانة عن المرأة المطلقة حال زواجها جريمة مكتملة الأركان، وفكر خبيث يجب التصدي له، موضحا أن "التشريع لا ينحصر في كتاب الله، بل معه السنة والإجماع والقياس، ومصادر أخرى يعرفها العلماء لا الجهلاء"، وفق تعبيره.
واتهم المتحدث السابق باسم وزارة الأوقاف المصرية الخطيب عبد الله رشدي -في تدوينة على حسابه الرسمي على فيسبوك- صناع المسلسل بالتجاوز في حق الشريعة وزراعة الأفكار العلمانية في الدراما، بحسب رأيه، مؤكدا أن الشرع حفظ المرأة والأسرة.
وانتقد المتحدث باسم "رابطة الآباء المتضررين من قانون الأحوال الشخصية" أحمد عز المسلسل، مؤكدا أنه يجري وراء زيادة المشاهدات بغض النظر عما يتركه هذا العمل في المجتمع من فساد، بحسب تعبيره.
وتتبنى الرابطة -وفق تصريحاته- إتاحة استضافة الأب للأبناء، وتعديل موقع الأب الذي يأتي في المرتبة الرابعة في الحضانة، وإشراكها في أي تعديل لقانون الأحوال الشخصية.
في السياق نفسه، اتهمت حملة "تمرد ضد قانون الأسرة" المسلسل بأنه "مليء بالمغالطات".
وقالت في منشور على صفحتها الرسمية على فيسبوك إن "التدليس مستمر برعاية مسلسل فاتن أمل حربي"، مضيفة أن التدليس لم يطل الشريعة فقط ولكن حتى القانون امتلأ بالعديد من المغالطات القانونية، وفق فيديو بثته.
واتهمت الحملة المسلسل بأنه يسعي لنسب الابن لأمه بدلا من الأب، وحسم الولاية على الأبناء في التعليم والمواريث، وفي الزواج دون أن يكون للأب أي دور في حياة أبنائه إلا من النفقة الواجبة إلزاما عليه فقط، وفقا ما جاء في المنشور.
فلسفة التشريع
ويرى المحامي والحقوقي محمد أبو العزم -في تصريحات للجزيرة نت- أن المشرع المصري نظم آلية للقوانين والتشريعات وعززها بأهمية إجراء حوار مجتمعي حقيقي لمناقشة تلك الرؤى التشريعية التي تأتي تلبية لاحتياجات المجتمع وتطوره.
ويضيف أبو العزم أنه كي يكون التعديل معبرا عن تطلعات المجتمع يجب أن يتسع الحوار المجتمعي ليشمل كل المعنين بهذا الشأن، إذ إن غاية الحوار المجتمعي أن يأتي النص التشريعي معززا لسيادة القانون وفلفسة التشريع.
ويؤكد المحامي والحقوقي أبو العزم أن المشاريع الحالية تثير العديد من التخوفات لدى المراقبين والأسر المصرية بأن يأتي القانون المرتقب بأحكام جديدة لا تتوافق مع تطلعات المجتمع، أو لا تعالج مشاكله بشكل جذري وفعال، وهو ما يتطلب من المشرعين إجراء المزيد من المشاورات المجتمعية قبل إصدار القانون مع إعلاء قيم الأسرة المصرية والمبادئ الدستورية وتلافي الثغرات الموجودة في القانون الحالي.
من جانبها، قدمت المحامية والحقوقية النسوية نهاد أبو القمصان عددا من المقترحات لضمان وجود ما وصفته بـ"قانون منصف للأحوال الشخصية"، خاصة أنها هي من قامت بالمراجعة القانونية للمسلسل.
ودعت -في بيان على صفحتها الرسمية على فيسبوك- إلى "ربط رؤية الأطفال بحرص الأب عليها تحت رعاية إدارة متخصصة في حماية الطفل تقيم سلوك الوالديْن، وتفعيل دور النيابة في قضايا التمكين من منزل الزوجية مع إجراء تعديل قانوني بربط النفقة بالحد الأدنى للأجور، وتفعيل الولاية التعليمية للأم".