غيّبها الوباء مدة عامين.. طقوس وحركة نشطة في رمضان تركيا
اكتظت المساجد بالمصلين بعد الإفطار لأداء صلاة العشاء والتراويح، ونظمت معظم المساجد في تركيا حلقات لتعليم القرآن الكريم خلال الشهر الفضيل.

أنقرة – يتميز شهر رمضان في تركيا بطقوس إيمانية وحياتية فريدة منذ مئات السنين، فبعد سنتين متتاليتين منع الوباء فيها الأتراك من ممارسة تلك العادات والشعائر المتوارثة، عادت صلاة التراويح وختمة "المقابلة"، والإفطارات الجماعية اليومية المجانية في الميادين العامة والساحات.
كما رجع الأتراك لإحياء الأمسيات الفنية بشغف في حدائق الأحياء السكنية وساحاتها، بالإضافة لعودة مدفع الإفطار وخيام رمضان والمعارض والبازارات التي تعرض فيها الأطعمة والمشروبات الرمضانية والأعمال اليدوية والمنتجات التقليدية.

مدفع الإفطار
وسط ميدان السلطان أحمد بمدينة إسطنبول العريقة، انطلق مدفع رمضان بعد صمت خلال العامين الماضيين، لإعلام الصائمين بموعد الإفطار. وفي الشهر الفضيل من كل عام، يتولى الجيش التركي مسؤولية إطلاق المدافع الرمضانية، إيذانا بحلول موعد الإفطار. ومع الحفاظ على الموروث العثماني، بات هذا المدفع من أبرز مظاهر شهر الصيام في المدينة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبدأ دار أيتام ثم أصبح سجنا 58 عاما.. تعرف على متحف المدرسة الحميدية بتركيا
شيف اليوم أمر الله زيلّي.. أطباق رمضانية تاريخية حافظ الأتراك عليها منذ مئات السنين
الوحدة رفيق إفطار المغتربات في تركيا.. كيف يقضين يومهن الرمضاني؟
واجتمعت عشرات العائلات التركية والعربية في ساحات منطقة السلطان أحمد، لتناول طعام الإفطار، مصطحبين أطفالهم، خلال أجواء تملؤها مظاهر البهجة والسرور. وبينما تلهج ألسنة المسلمين بالذكر قبيل المغرب، تطرب آذانهم لسماع دوي مدفع الإفطار، خاصة أنه مرتبط بتاريخ أجدادهم منذ الدولة العثمانية (1299ـ1923). ويستمر إطلاق تلك المدافع يوميا حتى أذان مغرب آخر أيام رمضان، قبل أن يحل أول أيام العيد في تركيا، الاثنين، الثاني من مايو/أيار المقبل، وفق حسابات فلكية.

طقوس عادت
"أهلا يا شهر رمضان" أو كما هي باللغة التركية (hoşgeldin ya şehri ramazan)، عادت هذه العبارة لتزين لافتات ضوئية كبيرة في الميادين، ترحيبا بسلطان الشهور كما يسميه الأتراك.
ولأنه شهر مميز تجد الأتراك يولونه اهتماما خاصا، فقد عادت الحركة للأسواق رغم ارتفاع الأسعار، ومن جهة أخرى استأنفت البلديات تنفيذ برامج الترفيه بعد الإفطار، كما قامت الجمعيات الإغاثية بتوجيه طاقاتها لمساعدة الفقراء والمحتاجين.
أما المساجد فتزينت مناراتها بعبارات مكتوبة على لافتات ذات أسلاك ضوئية، وتتنوع هذه العبارات بين آيات وأحاديث وترحيب بشهر رمضان، ويعتبر عند الأتراك تقليدا عثمانيا عمره أكثر من 450 عاما، ويسمى "المحيا".
وعاد المسحراتية الجوالة لمهمتهم في إيقاظ الناس إلى السحور، يتجولون بين الشوارع والأزقة، ويقرعون طبولهم التي يحملونها على أكتافهم، وهم يرتدون ملابس تقليدية عثمانية، ويجودون بصوت عذب بأشعار من التراث، حيث تجد الكثير من الناس يخرجون مع أطفالهم ينظرون من شرفة المنزل إلى المسحراتي وهو يقرع على طبله.
ومن أبرز ملامح رمضان التي غابت وعادت هذا العام، تجمع الناس على موائد طويلة، حيث تنظم تلك الموائد الجماعية إما البلديات وإما أهل الخير الذين يتكفلون بإفطار الصائمين، وتشكل هذه الموائد لوحة جميلة من الألفة بين الناس.

تراويح وتجمعات
واكتظت المساجد بالمصلين بعد الإفطار لأداء صلاة العشاء والتراويح، ونظمت معظم المساجد في تركيا حلقات لتعليم القرآن الكريم خلال الشهر الفضيل.
وبعد غياب قسري خلال العامين الماضيين، سيفتح أكثر من 11 ألف مسجد في العشر الأواخر أبوابه للمعتكفين، الذين يمكنهم تناول الإفطار والسحور والنوم والاستحمام في المرافق المخصصة لذلك.

وأثناء خروجهم من صلاة التراويح في مسجد ملاذكرد في أنقرة، أخذ المصلون يتبادلون التهاني والابتسامات بينما الأطفال يوزعون الحلوى، في مشهد أعاد الروح لأهل الحي بأكمله، حيث افتقد المُسن عبد الله غولر، كغيره من الأتراك، عادات وطقوس عدة غابت العامين الماضيين، بقوله للجزيرة نت "سرق الوباء عادات جميلة نشأنا عليها منذ الصغر، في بيوت آبائنا وأجدادنا ومساجدنا وأحيائنا والميادين المركزية".
ويضيف والفرحة بادية على محياه "نحمد الله أن خلصنا من الوباء وعادت مظاهر رمضان من صلاة تراويح وأمسيات ترفيهية"، مستدركا، و"مع ذلك يجب أن نلتزم بالكمامة، ولا يجوز الاستهتار، ويتوجب الحذر قدر الإمكان".
ومقابل المسجد يجلس الشاب بيرشان يلماز في مقهى، ويقول "اشتقنا لطقوس رمضان، التي نعود لها هذا العام حيث عادت المقاهي للعمل واجتماع الأصدقاء، بالإضافة لأسعد لحظات حياتي وهي اجتماع عائلتي الكبيرة في بيت جدي".