أفغانستان.. الأزمة الاقتصادية تنذر بانهيار التعليم الجامعي

أغلبية الجامعات الخاصة تعمل في مبان مستأجرة، وتراجع سعر العملة الأفغانية زاد وضعها سوءا، وبعد عامين من الترنح بسبب جائحة كورونا لم يكن بمقدور الجامعات أو الطلاب توفير وسائل التعلم عن بعد 

مبنى الإدارة جامعة هرات[1] المصدر: الجزيرة
مبنى الإدارة في جامعة هرات التي تأسست عام 1988 في ظروف صعبة مشابهة للظروف التي تعيشها البلاد حاليا (الجزيرة)

هرات (غربي أفغانستان) – يكابد شجاع الدين شهيد زاده وناز بوبال بحضورهما إلى حرم جامعة الساعة السادسة صباحا، لكن الأجواء المتجمدة بدرجات حرارة سالبة ليست مسؤولة عن مشاعر الإحباط التي تنتابهما كغيرهما من طلاب جامعة آسيا الخاصة، وإنما عدم الثقة بمستقبل أفضل في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي تعيشها أفغانستان.

ويعرب شجاع الدين للجزيرة نت عن عدم ثقته بالحصول على فرصة عمل بعد التخرج في تخصص الحقوق الذي يدرسه، ويقول إن الوضع الاقتصادي ضاغط على كل مناحي الحياة وأثره واضح بعجز معظم الطلاب عن دفع الرسوم الجامعية، وهو ما اضطر الكثير من زملائه إلى ترك مقاعد الدراسة.

أما ناز بوبال الطالبة في الفصل الأخير من كلية الحقوق فتضيف سببا آخر لترك زميلات لها مقاعد الدراسة، وهو خوفهن من عدم إتاحة المجال لهن بالعمل في تخصصهن، وتقول إن أسر الطالبات تشعر بعدم جدوى تعليمهن في مجالات قد لا تؤهلهن لسوق العمل كما هو الحال مع سلك القضاء والمحاماة، وبذلك فإن بعض الأسر -كما تقول بوبال- باتت تشعر بأن الأجدر عدم التضحية بتكاليف التعليم الجامعي للبنات في ظل ظروف اقتصادية صعبة.

**فقط للاستخدام الداخلي** عبد العزيز نعماني رئيس جامعة هرات[1] المصدر: الجزيرة
عبد العزيز نعماني رئيس جامعة هرات: أظهرت الحكومة الأميركية عدوانها على الشعب الأفغاني مرة أخرى (الجزيرة)

جامعة هرات

ومع إعلان وزارة التعليم العالي عن استئناف الدراسة في الجامعات الحكومية على مرحلتين في فبراير/شباط الجاري لا تخفي إدارات الجامعات أنها تجد نفسها أمام تحدي الحيلولة دون انهيار التعليم الجامعي بأسره.

ويأمل رئيس جامعة هرات الحكومية عبد العزيز نعماني أن تتمكن إدارته من تجاوز أزمة نقص الأساتذة التي تسببت بها هجرة الكوادر التعليمية للخارج، ويؤكد أن وزارة التعليم العالي وضعت خطة لمواجهة جميع التحديات مثل نقص الأساتذة بالاستعاضة عن المغادرين بأساتذة جدد.

وقدر مطلعون في جامعة هرات عدد الأساتذة الذين تخلوا عن مهنة التدريس فيها بأكثر من 50 أستاذا ينتمون إلى مختلف التخصصات والدرجات العلمية، إضافة إلى موظفين وكوادر غير تدريسية، وذلك منذ سقوط حكومة أشرف غني ووصول حركة طالبان إلى السلطة في أغسطس/آب الماضي.

**فقط للاستخدام الداخلي** أساتذة في جامعة هرات حديثو التعيين[1] المصدر: الجزيرة
أساتذة في جامعة هرات حديثو التعيين بعد أن تخلى عدد من الأساتذة عن مهنة التدريس فيها (الجزيرة)

ويضيف نعماني أن جامعة هرات تأسست عام 1988 في ظروف صعبة مشابهة للظروف التي تعيشها البلاد حاليا، وبدأت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية وفي مبان مستأجرة، واقتصر طاقم التدريس فيها على حملة شهادات البكالوريوس ولم يكن بينهم حملة شهادات عليا من ماجستير ودكتوراه، لكنها تخطت جميع التحديات لتصبح اليوم ثاني أكبر الجامعات في أفغانستان بعد جامعة كابل، وتضم 18 كلية وأكثر من 10 آلاف طالب.

ويعزو نعماني ما وصفها بالصعوبات التي تواجه التعليم الجامعي في أفغانستان إلى الإجراءات الأميركية التي قال إنها تستهدف الشعب الأفغاني.

وأضاف أن "الحكومة الأميركية -مع الأسف الشديد- أظهرت عدوانها على الشعب الأفغاني مرة أخرى، وبتجميدها أموال الشعب الأفغاني ومحاصرة ثروته الاقتصادية تسببت بضائقة اقتصادية للشعب وعطلت المشاريع والمصانع ودفعت الكثيرين إلى التفكير بالهجرة طلبا لفرص العمل ولقمة العيش".

**فقط للاستخدام الداخلي** طلبة جامعة هرات[1] المصدر: الجزيرة
بعض طلبة جامعة هرات في أفغانستان وتضم 18 كلية وأكثر من 10 آلاف طالب (الجزيرة)

الجامعات الخاصة

تُجمع إدارات الجامعات الخاصة على القلق بشأن مستقبل التعليم الجامعي الخاص بسبب عدم قدرة الطلاب على دفع رسوم الدراسة، نظرا لأن الرسوم الممول الرئيسي لنحو 87 جامعة خاصة في أفغانستان، منها 9 جامعات في مدينة هرات.

ويقدر الدكتور نجيب فريفر رئيس جامعة غالب (إحدى أبرز الجامعات الخاصة في هرات) نسبة من تركوا مقاعد الدراسة في جامعته بنحو 40%، وذلك إما بسبب عدم قدرتهم على دفع الرسوم رغم تخفيضها بنسبة 30%، أو بهدف الهجرة إلى دول أخرى بحثا عن عمل يمكنهم من مساعدة أسرهم التي توقف دخلها أو تراجع بشكل كبير.

**فقط للاستخدام الداخلي** معظم الجامعات الخاصة تتخذ من مبان مستاجرة مقار لها ومع تراجع إيرادات الجامعات تواجه صعوبات في إدارة النفقات والإيجارات[1] المصدر: الجزيرة
معظم الجامعات الخاصة مبانيها مستأجرة ومع تراجع إيراداتها أصبحت تواجه صعوبات مالية (الجزيرة)

ويضيف الدكتور فريفر للجزيرة نت إن جامعة غالب وجامعات خاصة أخرى اتخذت إجراءات للحد من ظاهرة ترك مقاعد الدراسة، منها مساعدة الطلاب على البحث عن عمل أثناء فترة الدراسة وتغيير أوقات الدوام الجامعي إلى ساعات الصباح الباكر والمساء، بحيث يتمكن الطلاب من التوفيق بين العمل والدراسة.

وقد دشنت جامعة غالب برنامج تأهيل نفسي للطلاب تحت شعار "ترك مقاعد الدراسة ليس حلا"، ويقول مسؤول التوجيه التربوي في الجامعة الدكتور فريد الهروي إن البرنامج نجح في إقناع طلاب كثر في العدول عن فكرة الهجرة، ويرى أن هناك ترويجا مقصودا لهجرة الكوادر المؤهلة والطلاب بهدف إبقاء أفغانستان في دائرة الفشل.

ويشير مسؤولون في التعليم الجامعي الخاص إلى أن المشكلة التي تواجهها هذه الجامعات تكمن في مواجهة النفقات المتزايدة مقابل عدم قدرة الطلاب على دفع الرسوم، ولا سيما أن الأغلبية الساحقة من الجامعات الخاصة تعمل في مبان مستأجرة، وزاد تراجع سعر العملة الأفغانية وضعها سوءا، وذلك بعد عامين من الترنح بسبب جائحة كورونا، ولم يكن بمقدور الجامعات أو الطلاب توفير وسائل التعلم عن بعد.

المصدر : الجزيرة