ما أسباب انتشار حالات الطلاق بين المهاجرين في السويد؟ وما آثاره على الأسر العربية هناك؟

Swedish Law And Justice Concept - stock photo Swedish law and justice concept with a 3d rendering of a gavel on a wooden desktop and the flag of Sweden on background. gettyimages-472902878
حسب القانون السويدي، يحق لأحد الزوجين طلب الطلاق من دون موافقة الطرف الآخر (غيتي)

ستوكهولم- يعيش العراقي ناصر حسين (43 عاما) منذ أكثر من ربع قرن في مدينة مالمو (جنوب السويد)، حيث درس وتزوج عراقية أنجبت له 4 أطفال. يقول "كانت حياتنا سعيدة لم يعكرها شيء. ولكن بعدما حصلت زوجتي على عمل تغيرت حياتنا وتعقدت الأمور وزادت الخلافات بيننا، حتى وصلنا إلى الطلاق".

تُعد حالة ناصر واحدة من آلاف الحالات المماثلة في السويد التي شهدت، خلال السنوات الأخيرة، ارتفاعًا ملحوظًا في نسبة الطلاق بين المهاجرين العرب على أرضها.

قوانين "متعاطفة" مع المرأة

يرى ناصر أن المهمة الأساسية للمرأة هي الوقوف إلى جانب زوجها في بناء أسرة متوازنة وسليمة، وليس العكس. ويضيف "كان أطفالي يعيشون في بيت مليء بالحب والدفء عندما كنا معًا، لكن كل شيء تغير الآن"، معتبرًا أن "القوانين السويدية متعاطفة مع المرأة على حساب الرجل".

تعمل السويد على تنظيم دورات توعوية اجتماعية للوافدين الجدد من اللاجئين أو سواهم، لتعريفهم على قوانين حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين في العمل والبيت. كما تجبر اللاجئين على الانخراط في المجتمع، سواء من خلال الدراسة أو العمل، مما يجعل بعض الرجال غير متقبلين الأمر وتنجم عن ذلك أزمات أسرية غالبًا ما تنتهي بالطلاق، حسب المحامية ربا عزام.

وترى عزام، في حديثها للجزيرة نت، أن "المرأة مجبرة على التكيف مع الوضع القائم في بلد جديد، وعليها أن تدرس وتعمل لتحصل على راتب وتساعد في مصاريف المنزل. وهذا ما لم يعتد عليه كثير من الرجال القادمين من مجتمعات عربية محافظة".

المحامية ربا عزام: المرأة في السويد قادرة على اتخاذ قرارات من دون خوف من المجتمع أو خشية سوء الوضع الاقتصادي (الجزيرة)

قضايا طلاق وشقاق أسري

تستقبل عزام في مكتبها عددًا كبيرًا من القضايا المتعلقة بالأسرة، وتقول إن غالبية الحالات لا تكون للطرفين فيها الرغبة في الانفصال، حرصًا على تماسك العائلة، "ولكن للأسف لكل شخص ظروفه الخاصة التي تجعله يستمر في القضية".

تتحدث ريم (43 سنة)، وهي سيدة سورية مقيمة في مالمو، عن أسباب طلاقها بعد قدومها إلى السويد، وتقول: "كانت المسائل الخلافية (مع زوجي) متراكمة حتى قبل مغادرتنا بلدنا الأم، وحاولت جاهدة الحفاظ على العائلة من التشتت والضياع، ولكن كل محاولاتي باءت بالفشل. فزوجي لا يريد أن أعمل على تطوير نفسي والذهاب للعمل والدراسة. هو يريدني أن أبقى في المنزل فقط، وهذا الأمر غير مقبول في السويد بحكم النظام والقوانين المفروضة على الجميع".

وحسب القانون السويدي، يحق لأحد الزوجين طلب الطلاق حتى من دون موافقة الطرف الآخر. ويمنح القانون الزوجين مدة 6 أشهر للتفكير في الأمر، وفي حال أصر الطرفان أو أحدهما على الانفصال يقع الطلاق.

وشهدت السويد خلال عام 2021 وقوع 23 ألفا و647 حالة طلاق، وفق مركز الإحصاء السويدي، علمًا بأنه لا توجد إحصاءات تتعلق باللاجئين في هذا الشأن.

وتقول ريم للجزيرة نت: "رفض زوجي في البداية الطلاق، وحاول الضغط علي من خلال أطفالي، وواجهت ظروفًا قاسية، مما أجبرني على تقديم طلب فردي للمحكمة من دون موافقته، ووقع الطلاق بعد 6 أشهر".

فريد سامي: واجهت خلال عملي كثيرا من حالات الطلاق التي بُني أساسها على خلافات مالية (الجزيرة)

بين نظرة المجتمع الأم وقوانين المهجر

ترى ريم أن المرأة في السويد قادرة على اتخاذ قرارات من دون خوف من المجتمع أو خشية من سوء الوضع الاقتصادي.

فتقول "في بلادنا، ينظر المجتمع إلى المرأة المطلقة نظرة دونية، خصوصًا إذا سكنت في منزل وحدها. ويرى بعضهم أن المطلقة تجلب العار لعائلتها. أما في السويد، فالوضع مختلف. هنا تتجرأ المرأة على اتخاذ قرار الطلاق من منطق قوة القوانين الداعمة للنساء. وبالتالي، لا تشكل المطلقة عبئًا على أحد".

وتعتبر ريم أن "الحياة لا تنتهي بعد انتهاء الزواج في السويد، فالمرأة قادرة على الدراسة ومن ثم العمل، وتستقل ماليًا، وليست مجبرة على الاستمرار في زواج تعيس، فقط من أجل الدعم المالي من الزوج".

وعلى الرغم من انفصالها عن زوجها، فإن ريم لا تزال تشاركه حضانة الأطفال ورعايتهم، وتبقى على تواصل معه من أجل استقرار حياة أطفالها. وهي تشعر بعد الطلاق أن مسؤوليتها أصبحت أكبر تجاه أطفالها، ولكنها في الوقت عينه "تشعر أنها باتت أفضل بكثير". ومع هذا، فإنها "لا تشجع النساء على الطلاق، إلا في حال أغلقت كل الأبواب أمامها".

وتقول المحامية عزام إن "نسبة كبيرة من حالات الطلاق تتم بتقديم الزوجات شكاوى بعد تعرضهن لعنف جسدي، مما يؤدي إلى تدخل هيئة الشؤون الاجتماعية (السوسيال) التي تعمل على تأمين مسكن وحماية للمرأة وأطفالها، وغالبًا ما تأخذ الوصاية عليهم. غير أن الأمر لا يقتصر على النساء، إذ هناك أيضًا رجال يقدمون دعاوى طلاق".

ويشير فريد سامي، عضو سابق في هيئة محكمة التمييز في السويد وأستاذ أصول الترجمة القانونية والطبية والإدارية، إلى أنه واجه خلال عمله كثيرا من حالات الطلاق التي بُني أساسها على خلافات مالية.

يقول سامي للجزيرة نت إن "المرأة في بلادنا الأم مرتبطة بزوجها ماليًا، وغالبًا ما تجبر النساء على الاستمرار في الحياة الزوجية حتى بعد انتهاء العلاقة الروحية القائمة على المحبة، لأنها لا تعرف أين ستذهب، خصوصًا إذا كانت ربة منزل ولديها أطفال. أما هنا في السويد، فالمرأة متحررة من دعم الرجل لها ماديًا، وأصبحت مستقلة ماليًا وقادرة على تأمين سكن مستقل لها، مما زاد من حالات الطلاق بين المهاجرين".

ويوضح أن "نسبة عالية من حالات الطلاق أدت إلى نزاعات كبيرة، زعزعت كيان الأطفال والأسرة، مما أدى إلى شرخ كبير في صفوف العائلات".

المصدر : الجزيرة