"خرج والمفروض يعد".. معرض فني يروي قصة هجرة المصريين إلى الخليج

"وجودك هنا مؤقت". تلك هي الجملة الأولى التي تقابلها في واجهة معرض "خرج المفروض يعد"، التي تذكر أجيالا من المغتربين المصريين بشعورهم في سنوات اغترابهم الأولى في ثمانينيات القرن الماضي.
ذكريات تختزلها أشرطة "الكاسيت" وأوراق مبعثرة وصور ممهورة بتحية وإمضاء وتاريخ قديم، وعبرت عن هذا الإرث الباقي ممن خرجوا وكان من المفترض أن يعودوا غرف معرض فني بعنوان "خرج والمفروض يعد".
وهذا المعرض نتاج مشروع "أنثربولوجي بالعربي" يقام في مركز "الصورة المعاصرة" بالقاهرة، ويناقش قضية هجرة المصريين إلى الخليج في الثمانينيات وآثارها النفسية والاجتماعية على الجيل الثاني من أبناء المهجر.

فكرة المعرض
تشرح فرح حلابة (منسقة "أنثربولوجي") فكرة المعرض التي كانت نتاج ورشة استمرت أسابيع، وجمعت مجموعة من أصحاب تجربة الاغتراب والعمل في الدول العربية المجاورة لمصر.
الهجرة للخليج كانت المتنفس لآلاف المصريين الباحثين عن فرص عمل فرادى أو عائلات، وتبدأ القصة برحلة مؤقتة عامين أو 5 على الأكثر لكنها تمتد إلى سنوات العمر.
الزمن حين يتوقف
ضم المعرض -الذي يستمر حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول الجاري- أعمالا فنية لـ15 فنانا، لعبت الذاكرة دورا كبيرا في طرحهم أعمالهم، عبر استخدام وسائط مختلفة ومن خلال الكتابة والتصوير والفيديو وأصوات الذاكرة وذكريات ذويهم من صور ومتعلقات شخصية ارتبطت ارتباطا وثيقا بالحياة المؤقتة في الخليج.
في الغرفة الأولى من المعرض تبدأ قصة ريم التي عاشت طفولتها في مسقط عاصمة سلطنة عمان، وهناك جمعتها صداقة قوية بطفلة عمانية زاملتها في المدرسة الابتدائية ثم غادرت ريم السلطنة ولم تغادر الصديقة، وبقيت تبحث عنها طيلة 17 عاما، حتى وجدتها عبر مواقع التواصل الاجتماعي ودعتها لحضور حفل زفافها في عمان.
في الغرفة ذاتها، كانت "حقيبة السفر" قابعة في الأرضية ينسدل منها خيط الذكريات والكلمات الباقية في ذاكرة صاحبة الحقيبة التي روت من خلالها ذكرياتها مع هجرة والدتها إلى الخليج، وكانت شريكة في تلك الرحلة في وقت من الأوقات، لكنها عادت إلى مصر لاستكمال دراستها وبقيت الأم هناك ومعها الحقيبة.

السياسة أثر لا يزول
ليبيا ليست ضمن دول الخليج، لكنها حالة أخرى، فالبحث عن فرص العمل فيها كان هدف مئات آلاف المصريين، وتضمن المعرض أيضا ذكريات الحياة في السبعينيات في طرابلس، تلخصها الغرفة المظلمة التي تنقلك للحياة هناك عبر فيديو يحمل صوت خطابات الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، ثم مشاهد عدة تحمل بعض الأحداث التاريخية التي تجمع بين مصر وليبيا، وتتخلل تلك اللقطات صور من الكتاب الأخضر للقذافي ومجلات "ميكي" وألعاب ترفيهية.
على حائط غرفة أخرى من المعرض 3 صور لشخص واحد، تروي قصة التحول الذي مر به محمد هاشم (العامل العادي) كما دوّن في جواز سفره، وتشير كلمة "عادي" إلى عدم تبعية هاشم لأي جهة، لكنها لا تشير أبدا إلى قصة عادية لرجل عادي؛ فهذا الرجل الذي رحل تاركا زوجته باحثا عن رزق وفير يوفر لها من خلاله حياة رغيدة دفعت ثمنها الزوجة من وحدتها وحياتها بعيدا عنه.

قصة أخرى يرويها المعرض بالاعتماد على ذاكرة ابنة الطبيب المصري محمود عبد الحميد التي تحكي بالصور والوثائق والرسوم والمتعلقات الخاصة، قصة والدها الذي سافر إلى الكويت عام 1979 ليعمل طبيب نساء وولادة في وزارة الصحة هناك، كان مخطط الرحلة الذي وضعه عبد الحميد 5 سنوات ثم العودة للاستقرار في مصر، ولكن الأمور جرت بشكل مختلف بعد لقائه زوجته المصرية المولودة في الكويت.
حلم العودة لم يفارق أبدا الطبيب المصري الذي عاد بشكل مفاجئ إبان غزو الكويت، وعاد لها عقب التحرير، اشترى الأب أرضا لبناء فيلا بالتجمع الخامس، لكن القدر كان أسرع، وتوفي الطبيب المصري في الكويت وعادت أسرته للمستقر في مصر، وبقي هو مع شاهد قبر يحمل اسمه وصفته في بلاد غربته.
وهناك الصناديق المعبأة بأطقم "الصيني" (أطباق البورسلين) والأجهزة الحديثة والصالون المذهب المغطى بالملاءات البيضاء وشرائط "الكاسيت" التي تحكي القصص واليوميات لأصحابها.
وأخيرا، خريطة مكانية إلكترونية تحمل ذكريات كل من يمر بالمعرض رسمتها فريدة راضي (إحدى المشاركات في المعرض).