معرض "غزل العروق" في كتارا.. الثوب الفلسطيني التقليدي بوصفه وثيقة تاريخية

اشتمل المعرض على ثياب مطرزة من جميع المناطق الفلسطينية (الجزيرة)

تجاوز فنّ التطريز لدى المرأة الفلسطينية معناه الجمالي الذي يزيّن اللباس إلى كونه وثيقة تاريخية تستقى منها الكثير من المعلومات الغنية عن التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي القديم والحديث للفلسطينيين، حتى إن القصص التي لطالما روتها النساء أثناء حياكة أثوابهن تحولت مع مرور الزمن إلى موروث اجتماعي وثقافي يرمز إلى المقاومة والهوية.

التطريز الفلسطيني الذي أصبح أيقونة عالمية بعدما أدرجته منظمة "اليونسكو" ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي في ديسمبر/كانون الأول العام الماضي، مرّ بتحولات غنية على مدى عقود من الزمن، يستعرضها معرض "غزل العروق.. حياكة تاريخ فلسطين" الذي افتتح في 11 أكتوبر/تشرين الأول الجاري في الحي الثقافي بالدوحة "كتارا"، ضمن فعاليات "قطر تبدع"، ويستمر إلى 28 يناير/كانون الثاني من العام المقبل.

إحدى اللوحات الفنية في معرض "غزل العروق.. حياكة تاريخ فلسطين" (الجزيرة)

المعرض الذي افتتحه وزير الثقافة الشيخ عبد الرحمن بن حمد آل ثاني في الحي الثقافي كتارا، يضم أكثر من 70 زيا وإكسسوارات تاريخية تمثل مناطق فلسطين كافة، محاطة بصور أرشيفية وملصقات ولوحات متعددة، ويعرض أفلاما تسلط الضوء على الإرث الثقافي الفلسطيني المتعلق بالأزياء.

ويلقي المعرض عبر أقسامه الثمانية، الضوء على الجوانب المتعددة للتطريز الفلسطيني، ذات الصلة بمسائل النوع الاجتماعي والعمل والرموز والتسليع والطبقات الاجتماعية، وذلك عبر تتبعه للتحولات التي شهدها تاريخ التطريز، بداية من ارتباطه بالمرأة الفلسطينية وتعبيره عنها، ومرورا بتحوله إلى رمز للمقاومة، ونهاية بمرحلته المعاصرة كمنتج فني وثقافي واستهلاكي.

إعلان

رمزية وقيمة تاريخية واجتماعية

ويبرز القسم الأول من المعرض "التطريز في الحياة اليومية مبني على الحب" الذي يضم قطعا فنية، قيمة الحب والعمل اليومي للمرأة الفلسطينية، وهي قيمة تتجاوز الصورة النمطية للثوب الفلسطيني باعتباره زيا للمناسبات والأفراح، إلى تصميماته الظاهرة في مناسبات الحياة المختلفة، من أثواب للعمل اليومي وأخرى للعمل في الحقل أو الرضاعة وغيرها.

أما القسم الثاني "رمزية الثوب"، فيحكي عبر معروضاته رمزية الثوب الفلسطيني واستخدامه رمزا للثورة والمقاومة، ويبين كيف حاكت وطرزت الفلسطينيات أثوابهن بعلم فلسطين وشعارات سياسية احتجاجا على الاحتلال أثناء الانتفاضة الأولى، وكيف ارتدت النساء تلك الأثواب في خضم الانتفاضة، وجعلن من أزيائهن سبل مقاومة سياسية.

ولما كان التطريز مكونا مهما في حياة المرأة الفلسطينية، فقد عبّر عنه القسم الثالث "التطريز والنوع الاجتماعي" الذي يوضح أن التطريز عمل خاص بالنساء وارتبط بمحطات تاريخية مهمة في حياتهن، ولا يمارسه الرجال إلا إذا تعلّق الأمر بالأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية الذين يفتخرون بما ينتجونه من أعمال مطرزة تُقدم عادة هدايا لأسرهم، وهو ما ظهر جليا في هذا القسم عبر أثواب طرزها أسرى خلف قضبان السجون الإسرائيلية.

أشكال مختلفة من الثوب الفلسطيني في المعرض الذي تستضيفه مؤسسة الحي الثقافي "كتارا"  (الجزيرة)

لكل حالة ثوبها ولكل منطقة

وتختلف طرز الثوب الفلسطيني من منطقة إلى أخرى، فكل واحدة من هذه المناطق تمكنت من التعبير عن طبيعتها وجغرافيتها بطريقة تميّزها.

فطراز الشمال يختلف عن الجنوب، والساحل يختلف عن القرية، وهو ما يعرضه القسم الرابع "غابة الأثواب" الذي يحكي تقسيمات الأثواب المختلفة من منطقة إلى أخرى، وارتباطها بمحيطها من الدول العربية مثل سوريا والأردن ومصر.

إعلان

وتبرز في هذا القسم حكايات ومعلومات متعددة تكشفها طريقة تطريز الثوب، فمن خلال التطريز تستطيع معرفة حالة المرأة سواء كانت عزباء أو متزوجة أو مرضعا أو أرملة أو في حداد، وتستطيع معرفة الحي الذي تقطن فيه.

كما برز في القسم ثوب "النكبة" الذي خيط بقطع من أكياس طحين الأونروا، وهو ثوب يروي قصة تضامن سيدة من رام الله مع لاجئة بعد النكبة.

"ثوب النكبة" يجسد معاناة سيدة استخدمت أكياس "منظمة الأونروا" لحياكته (الجزيرة)

وبينما يقدم القسم الخامس "من عمل مدفوع بالحب إلى مجرد عمل" عبر معروضاته المختلفة، بداية تصنيع الأثواب والتطريز وإنشاء مؤسسات تمكين المرأة، وهو ما أدى إلى خروجها من بيتها لتصبح امرأة عاملة.

ويجسد القسم السادس "من ثوب إلى صورة" -عبر مجموعة صور- كيف اكتسب التطريز بعد النكبة معاني فكرية، وأنشأ نظاما رمزيا يعبر عن تراث فلسطين وديمومته، حيث انتشرت صور التطريز والنساء اللواتي يرتدين الأثواب المطرزة على نطاق واسع في الملصقات السياسية.

ويبرز القسم السابع "التطريز والثياب والطبعة الاجتماعية" آليات إنتاج الثياب وارتباطها بالتقسيم الطبقي الاجتماعي، حيث كان التطريز حرفة تمارسها النساء في القرى، في حين تبنت ساكنات المدن أنماط ثياب عثمانية وأوروبية، ولم تكن الثياب المطرزة في أوساطهن سوى أزياء تُرتدى لالتقاط الصور الفوتوغرافية.

ويمنح القسم الثامن والأخير "المطرزات"، فرصة لزوار المعرض للتعرف على المطرزات، وما يمثله التطريز لهن، وهل ما زالت الحرفة تحتفظ بأبعادها السياسية في أذهان من يمارسها، وذلك عبر عرض مقاطع فيديو تحكي 3 قصص  لمُطرزات من فلسطين ولبنان والأردن.

الثوب التقليدي تحوّل إلى رمز للهوية والمقاومة بعد تطريزه بالعلم الفلسطيني (الجزيرة)

وثيقة تاريخية

ويعتبر مدير المقتنيات في المتحف الفلسطيني، قيم المعرض، بهاء الجعبة -في حديث للجزيرة نت- أن الهدف من المعرض هو نشر الثقافة الفلسطينية، والخروج من الصورة النمطية لعرض الثوب الفلسطيني.

إعلان

وأضاف أن الثوب الفلسطيني ليس مجرد ثوب للمناسبات والأعراس، بل هو وثيقة تاريخية تحمل معاني ورمزيات سياسة وجمالية وتراثية، وتعبر عن الحنين والارتباط بالأرض والهوية.

المصدر : الجزيرة

إعلان