من جوار القصور إلى مهب الريح.. قصة ترحيل عائلات حراس منازل المنطقة الراقية بنواكشوط

FW: من جوار القصور إلى مهب الريح ...قصة الحراس المرحلين من نواكشوط. - صورة من حي المرحلين موقع (تقدمي)
صورة من حي المرحلين في نواكشوط (موقع تقدمي)

نواكشوط- في واحد من أرقى الأحياء من الجزء الشمالي في العاصمة الموريتانية نواكشوط، كانت السيدة تسلم تقيم تحت عريش متهالك في أرض فضاء بالقرب من منزل يحرسه زوجها، حيث يجود عليها الأغنياء بما يفيض عن حاجتهم من الطعام ويمكنها الحصول من حين لآخر على عمل تساعد به أسرتها.

وكانت هذه الظروف -رغم هشاشتها- تمثل نقلة نوعية في حياة السيدة القادمة من الريف الموريتاني، الذي هجره عديد من السكان تحت وطأة التصحر والجفاف.

ولكن وزير الإسكان والعمران خلص مؤخرا إلى أن منظر الأعرشة (أكواخ خشبية ومعرشات عشوائية) المتهالكة لا يناسب الأحياء الراقية، فاعتمد خطة ذات بعدين: تحسين مظهر المدينة ومنح عائلات الحراس قطع أرض في جنوب العاصمة.

وبعد أن نفذت السلطات هذه الخطة، وجدت السيدة تسلم نفسها معزولة عن مصادر الدخل، وبعيدة عن الناس في مزارع الرياح تحت أعمدة توليد الطاقة؛ فلا متاجر كبيرة ولا مطاعم ولا ورش عمل ولا شركات يمكن أن تعمل فيها أو تستفيد من خدماتها.

وتقول للجزيرة نت "كأنني عدت إلى مسقط رأسي في القرى حين كنا نجلب الماء على الحمير، وحيث كانت تنعدم المدارس وينتشر الجهل والجفاف والبطالة والفقر وينعدم الأكل".

FW: من جوار القصور إلى مهب الريح ...قصة الحراس المرحلين من نواكشوط. - صورة من حي المرحلين موقع (تقدمي)
عائلة أحد الحراس المرحلين من نواكشوط (موقع تقدمي)

أما الشاب أحمد (27 عاما) الذي يشكو من بُعد المنطقة التي رحل إليها، فيقول "كنا في مكان نجد فيه الفرص يوميا، وإذا احتجنا إلى شيء، فإن أقرب جار ندخل عليه يمكنه قضاء حاجاتنا. أما الآن، فلو اتجهت شرقا أو غربا، فلن تجد إلا المحتاجين مثلنا".

ويضيف أحمد أن العمل الآن لم يعد ممكنا بسبب بُعد وسط المدينة وارتفاع تكلفة التنقل -التي لا تقل عن 100 أوقية (3 دولار)- "وهذا المبلغ قد لا نحصل عليه إن ذهبنا. نحن في ارتباك وحيرة من أمرنا، ولا نعرف إلى أين نتجه؟"

وحسب الأهالي، فإن سكان هذا الحي المرحلين يعانون من سوء المعيشة وغلاء الأسعار وكثرة اللصوص بسبب انعدام الإضاءة العمومية، ويشكون من سوء الأرضية التي كانت في الأصل مكبا للنفايات، وصغر القطع الأرضية التي منحت لهم التي لا تتعدى مساحتها 100 متر مربع فقط.

FW: من جوار القصور إلى مهب الريح ...قصة الحراس المرحلين من نواكشوط. - صورة من حي المرحلين موقع (تقدمي)
أعرشة (أكواخ) خشبية بنيت عشوائيا في الشوارع والساحات العمومية في حي تفرغ زينة الراقي بنواكشوط (موقع تقدمي)

بداية الحكاية

قبل ما يزيد على 3 أشهر من الآن، كان هناك حراس يسكنون مع عائلاتهم داخل أعرشة (أكواخ) خشبية بنيت عشوائيا في الشوارع والساحات العمومية في حي تفرغ زينة الراقي بالعاصمة الموريتانية نواكشوط.

وأغلب هؤلاء وافدون من الأحياء الريفية من شريحة "الحراطين" (الأرقّاء السابقين) الذين لا يملكون منازل ولا أراضي في العاصمة، ويعملون في حراسة المنازل ومواقف السيارات، وخدمة البيوت، وفي الأعمال الحرة.

وقد قررت الحكومة ترحيلهم ومنحهم أراضي في أقصى الجنوب الشرقي من العاصمة في أماكن لا تصلها شبكة المياه وليست فيها منشآت تعليمية.

وهذا الإجراء اعتبرته المنظمات الحقوقية تكريسا لاستمرارية الظلم والحيف التاريخي الممنهج إزاء شريحة الحراطين.

وقد بلغ عدد المرحلين حسب مصادر من داخل الحي نحو ألف أسرة وآلاف من الأفراد، في حي المرحلين إلى مقاطعة الرياض الفقيرة، إضافة إلى مئات الأسر الأخرى التي رحلت إلى أطراف أماكن أخرى من العاصمة.

أما وزير الإسكان والعمران سيد أحمد ولد أحمد، فيبرر هذا الإجراء بالقول إن المرحلين كانوا يسكنون في وسط لا يستطيعون الاندماج فيه؛ نظرا لظروفهم الاقتصادية، ولن يجد أبناؤهم فرصة للتقدم في السلم الاجتماعي، مما يجعل ترحيلهم إلى محيط اقتصادي واجتماعي يندمجون فيه ضروريا من أجل أبنائهم، حسب تقديره.

وكذلك دافع عن الخطوة الناطق باسم الحكومة المختار ولد داهي، قائلا "إن الأمر لا يعدو كونه مرتبطا بتحسين ظروف مئات الأسر، التي كانت تعيش في حالة مأساوية، وباتت بحاحة إلى لفتة خاصة من الدولة".

ولكن الأهالي يقولون إن الحكومة لم تمنحهم مساكن "وإنما أعطتنا قطعا أرضية بيضاء في مكان لا تتوفر فيه مقومات وأساسيات الحياة بشكل دائم، والمساعدات الغذائية التي قسمتها قليلة جدا ومبالغ زهيدة لا تتجاوز 200 دولار للأسرة، ولم تكن شاملة لجميع الأسر؛ فهناك 82 أسرة لم تستفد من المساعدات".

FW: من جوار القصور إلى مهب الريح ...قصة الحراس المرحلين من نواكشوط. - صورة من حي المرحلين موقع (تقدمي)
عائلات الحراس تم إبعادها عن مصادر الرزق وعن المدارس والنقاط الصحية ولم تهيأ لهم أي ظروف للعيش الكريم (موقع تقدمي)

أخطار محدقة

ويقول أحمد -وهو أحد سكان الحي الجديد- "هناك نساء اضطررن لوضع حملهن في أكواخهن في آخر الليل، لعدم توفر وسائل النقل وبُعد المراكز الطبية من الحي".

ويشكو سكان الحي من نقص حاد في وسائل التدفئة في فصل الشتاء في أكواخهم المهترئة، وأكبر هاجس لديهم هو مستقبل أبنائهم الذي لا يجدون فرصة للتعلم؛ فلا مدارس ولا محاضر (كتاتيب) يتعلم فيها أبناؤهم القراءة والكتابة.

وعلى الرغم من الانتهاء من المدرسة الابتدائية الوحيدة في الحي، التي شرعت الحكومة في بنائها قبل أشهر، فإن المرحلين لا يخفون قلقهم من أنها لن تدرس أبناءهم بشكل جاد في هذه السنة.

وحاليا يقضي أبناء هذه الأسر وقتهم في الشوارع والساحات لا يميزون بين أيام العطل وأيام الدراسة، ومنهم من التحق بالعمل على عربات الحمير، التي تنقل الماء بمبالغ زهيدة للأحياء غير الموصولة بشبكة المياه.

ويقول رئيس هيئة الساحل الحقوقية "إن عائلات الحراس تم إبعادها عن مصادر الرزق وعن المدارس والنقاط الصحية ولم تهيأ لهم أي ظروف للعيش الكريم"، مؤكدا أنهم في هيئة الساحل "شهدوا عشرات الأطفال رحلت أسرهم وحرموا من التعليم في مدارس راقية كانت (الهيئة) ترعاهم فيها".

ويوضح أن هيئته لم تتمكن من توفير بديل لهم حتى الساعة، معتبرا ترحيل عمال "تفرغ زينه" جريمة ضد الأطفال أولا، ويتحدث عن مؤشر مجاعة قد تضرب تلك الأسر.

طرد أم فتح آفاق

وتصر وزارة الإسكان والعمران -في بياناتها المتكررة- على أن عملية الترحيل سارت بشكل منظم ومخطط بعيد عن العشوائية، ولا تتضمن أي طرد "لمواطنيها الكرام"، وإنما هي عملية تستهدف مواطنين ألجأتهم الظروف إلى اتخاذ الشوارع والساحات العمومية مسكنا، وأن العملية تمت بالتوافق والتنسيق مع المعنيين.

وتوضخ أن الدولة ليس بإمكانها أن تمنح حراس المنازل قطعا أرضية قريبة من أماكن عملهم؛ إذ لا توجد هناك أراض عمومية للدولة، مضيفة أن المعيار الاقتصادي هو المحدد الرئيسي لأماكن السكن.

ويرفض رئيس هيئة الساحل للدفاع عن حقوق الإنسان ودعم التعليم والسلم الاجتماعي إبراهيم رمضان هذا الإجراء معتبرا "أن الظروف التي تم فيها نقل هؤلاء غير عادلة، وغير مبررة لترحيلهم وإبعادهم عن عملهم ومصادر رزقهم، وكأنهم أوساخ بشرية يجب بترها وإبعادها عن الفلل والقصور الشاهقة"، حسب تعبيره.

ويطالب السكان المرحلون بتزويد منطقتهم ببنى تحتية عصرية لائقة توفر سبل العيش الكريم بحيث تضم مستشفى ومدرسة متكاملة، وطرقا معبدة، إضافة إلى مساكن تؤويهم من البرد القارس، عوضا عن هذه الخيم والأكواخ الهشة، وفتح متاجر لبيع المواد الغذائية المدعومة التي تخفف من وطأة ارتفاع الأسعار عليهم.

المصدر : الجزيرة