يحدث في لبنان قبل ليلة من إعلان ساعة الصفر.. قصص وأخبار مسرحها طابور البنزين
يقرّ الشاب زياد بأنه وجد عملا بعد أن بقي سنتين يبحث عن أي فرصة، إذ أصبح كل يوم يأخذ سيارته المليئة بالوقود ويركنها في أول الطابور، ويبيع دوره بـ100 ألف ليرة عدة مرات في اليوم، لمن يأتي متأخرا ومستعجلا.
بيروت- أصبح لازدحامات السير في لبنان سبب واحد معروف: طوابير السيارات أمام محطات البنزين، فالبعض أصبحوا يركنون سياراتهم قبل ليلة من إعلان ساعة الصفر لدى كل محطة، لبدء ملء خزانات الوقود. أما سعر المحروقات فعلى "كف عفريت".
التقنين سيد الموقف، فبعد تقنين الكهرباء والماء لسنوات طويلة، جاء دور تقنين المحروقات واحتكارها، مما فرض وقوف السيارات في طوابير يسميها البعض "طوابير الذل"، خاصة في هذه الأوضاع من شح المحروقات.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsبأيدي الأمهات العصريات.. الابتكار في المونة اللبنانية التقليدية
تهميش وعنف.. اللبنانيات يدفعن الثمن مضاعفا
بسبب نقص الوقود.. لبنانيون يلجؤون إلى الحطب لطهي الطعام
وكعادتهم، جعل اللبنانيون من هذه الطوابير التي يقضون فيها نصف نهارهم أو كله، مساحة لممارسة حياتهم الاجتماعية وعملهم.
العودة إلى القراءة
وكما أصبحت المحطات مرتعا للمشاكل، وأصبح لزاما أن يرافق كل محطة عناصر من قوى الأمن والجيش مع شاحنة لوقف المخلين بالأمن في بعض المحطات، فإن حياة اللبناني انتقلت -في الوقت نفسه- إلى الطابور.
يخبر ميشال عواد الجزيرة نت أنه كان يقضي وقت الانتظار بالتوتر والحذر من أن تأتي سيارة وتركن أمامه، إلى أن بدأ يأخذ معه كتابا يقرؤه أثناء الانتظار، وكان قد حاول القراءة من الهاتف إلا أن انقطاع الكهرباء الدائم حال دون أن يشحن البطارية كاملة.
يقول عواد "بالفعل أعادونا إلى الورقة والقلم، بعد أن نسينا كيف نقرأ كتابا ورقيا أو نستعمل ورقة لكتابة ملاحظة"، جل ما يتعبه الآن هو الانتظار في أشعة الشمس، ولكنه يقول إنه اختار ألا يهدر طاقته وأعصابه في أمر لا يستطيع السيطرة عليه أو تغييره، فحوّله إلى فرصة قراءة كانت تنقصه بسبب ضغط العمل.
لقاء شاعر ورسامة
من جهتها، تخبر شيرين إسبر أنها في إحدى المرات اجتازت في الطابور سيارة أحدهم، وبعد أن سمح لها توقفا وتحدثا معا، فعرفت أنه شاعر ويحضر لإصدار كتاب، وأخبرها عن قصائده وطلب منها أن ترسم بعض اللوحات للكتاب. تقول: "ربما سأقوم بالأمر بعدما زودني ببعض القصائد التي أحببتها، لم لا؟".
الطابور عملي الجديد
ويقر الشاب زياد بأنه وجد عملا له بعد أن بقي سنتين يبحث عن أي فرصة. وزياد خريج هندسة، بدأ يعرض خدماته الجديدة التي فكر فيها عندما عرض عليه أحدهم أن يقف مكانه في الطابور لأنه مضطر أن يأخذ والدته إلى المستشفى، وأنه بالمقابل سيدفع له 100 ألف ليرة (كانت تساوي 65 دولارا وأصبحت تساوي 5 دولارات).
حينها وافق زياد على إعطائه مكانه من دون أن يقبل بالمال، لكنه أصبح كل يوم يأخذ سيارته المليئة بالوقود ويركنها في أول الطابور، ويبيع دوره بـ100 ألف ليرة عدة مرات في اليوم لمن يأتي متأخرا ومستعجلا. "للأسف أصبح عملي في الهندسة الذي كان يجب أن أتقاضى عليه آلاف الدولارات في خبر كان، وأعمل طوال النهار لأحصل على 300 ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل 15 دولارا في اليوم".
يقول زياد إن صديقا له امتهن هذه المهنة التي يسميها "مخزية، ولكنها مفيدة بحكم الضرورة والحاجة"، لكن صديقه يأخذ سيارات الناس وينتظر طوال الليل ليملأها مقابل 100 ألف ليرة من أصحابها.
ويخبر زياد أنه تشاجر أكثر من مرة مع شبان يأتون على دراجات نارية محملة بغالونات فارغة يملؤونها بالبنزين لبيعها في السوق السوداء بأسعار مضاعفة، والمشاكل دائمة معهم لأنهم غالبا ما يتجاوزون الصف ويحتاجون إلى وقت أكثر من السيارة العادية.
يوم "تفويل" للنساء
يقصد بالتفويل الامتلاء، وهي عبارة يستخدمها الشعب اللبناني عندما يعبر عن غضبه فيقول "فولت معي"، وتستخدم لملء الأشياء كالوقود وأكواب العصير وسواها.
ولأن النساء أصبحن ينتظرن في الطوابير لملء الوقود، ويستقوي عليهن البعض، أنشأت جمعية "حلوة يا بلدي" مع إحدى المحطات في منطقة البقاع في زحلة مبادرة أسميت "فولت معك فوليها من عنا"، في يوم خصص للسيدات لملء سياراتهن بالوقود.
وعليه بدأت التعليقات من قبيل "كم حادث صار عالمحطة؟"، و"أخذوا معهم قهوة وعملوا صبحية عالمحطة؟".
رجل في يوم "النساء"
ولكن من الأكثر طرافة، تنكّر أحد الرجال في زي سيدة مع باروكة، مغطيا وجهه بكمامة ونظارات شمسية لملء سيارته، وقد انتشر الفيديو على وسائل التواصل.
بقدونس وخضار
وتخبر ريانة إبراهيم أن والدتها استوحت أيضا من سيدة أخذت البقدونس في رحلة انتظارها في طوابير البنك العام الماضي، فتقول "أمي أصبحت تأخذ كيس الخضار والبقدونس والروكا والزعتر، وكل ما يحتاج إلى فرز وتنظيف، لتوضيبها حين تأخذ سيارتي لتعبئتها بالوقود، حيث لا يسمح عملي أن أضيّع نصف يومي أمام المحطة".
تقول ريانة إنها أرادت مرة أن تصوّر والدتها "لكنها رفضت لأنها تخجل". وتنقل لها والدتها أنها لطالما شاهدت سيدات يرتبن أظافرهن أو مكياجهن أو يقرأن أثناء الانتظار المضني، حتى أنها شاهدت مرة سيدة تعلّم ابنها دروسه وفروضه الصيفية في السيارة.
من الدراجة إلى غرفة التوليد
ولقد وثّق الطبيب اللبناني زكي سليمان بزي رياضي صوره على حسابه على فيسبوك، وهو يحمل مولودا جديدا، وكتب "احتفظ بهذه الصورة أيها الصبي الصغير، يوما ما سيخبرك أهلك أن طبيبك أتى على دراجته الهوائية ليولدك، لأنك ولدت في عصر فُقد فيه البترول، والدواء والكهرباء، والطعام… وفوق كل ذلك في بلد 90% من مواطنيه فقدوا اللياقة".