تأكل كثيرا وتنام قليلا؟.. العلم يربط بين الوحدة وفرط الأكل وقلة النوم عند الكائنات الاجتماعية
يزداد وزننا أرطالا، ونلوم أنفسنا على العديد من السلوكيات الخاطئة دون معرفة سبب لا يتعلق بنسبة الدهون في قطعة الشوكولاتة أو كمية السكر في أكياس الكاتشب؛ بل يتعلق بالوحدة. وذلك وفقا لدراسة جديدة -نُشرت بمجلة "نيتشر" (Nature) في أغسطس/آب الماضي- تصف كيف يؤدي الانعزال لفترة طويلة عن المجتمع إلى تغييرات في الجينات والنشاط العصبي والسلوك لدى البشر.
أجسامنا والوحدة
اختار الباحثون في جامعة "روكفلر" (Rockefeller) ذبابة الفاكهة لأنها مخلوقات اجتماعية تتغذى على الطعام وتعيش في مجموعات، ولديها بعض الطقوس المعقدة كالتزاوج ومباريات الملاكمة المصغرة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsقبل الطلاق.. تعرف على 7 أسباب تدفع الرجال لكراهية زوجاتهم
مودة.. تجربة للمقبلين على الزواج في طريقها للتطبيق الإلزامي للتأهيل النفسي في مصر
في موسم الفرح.. لوحات خالدة سجلت رومانسية الزواج
ينام ذباب الفاكهة 16 ساعة يوميا، مقسمة بين قيلولة خلال النهار والراحة طوال الليل، ووجد الباحثون أنهم كلما تعمقوا في دراسة مجتمعاتها أكثر، وجدوا أنماطا أساسية في مجتمعات الثدييات والبشر.
وحاول الباحثون محاكاة ظروف الإغلاق الكلي والجزئي خلال الأشهر الماضية في أعقاب انتشار فيروس كورونا، وذلك بحبس الذباب داخل أنابيب. لم يظهر الذباب المحبوس أية سلوكيات شاذة طوال 7 أيام، وحتى بعد تغيير المجموعات لم يظهر الذباب المنقطع عن حشده أي اختلاف، وكان راضيا عن مجموعته الجديدة.
وقد عزل الباحثون ذبابة واحدة بمفردها في كل أنبوب لمدة تمتد من يوم إلى 3 أيام، أو عزلة مزمنة من 5 إلى 7 أيام متصلة. وبدأ ذباب الفاكهة الوحيد في مضاعفة كمية الأكل المعتادة، وتراجع عدد ساعات النوم مثل كثير من البشر. وكشف فحص رؤوس الذباب عن تغيرات جينية ملحوظة، بما في ذلك الجينات المرتبطة بالمسارات العصبية للنوم والجوع، وقد أدت لإنشاء علاقة ملحوظة بين العزلة والإفراط في تناول الأكل.
وفسر الباحثون النتائج بأن العديد من المخلوقات الاجتماعية -بدءا من ذباب الفاكهة إلى البشر- تأكل أكثر وتنام أقل عند العزلة بسبب ما قد تخلفه العزلة الاجتماعية من حالة عدم اليقين بشأن المستقبل، فيستعد المخلوق للأوقات الصعبة بأن يظل متيقظا ومنتبها قدر الإمكان، ويتناول الطعام متى كان متاحا، خشية عدم توفره في أوقات الخطر.
ونشرت جمعية علم النفس الأميركية "إيه بي إيه" (APA) نتائج استطلاعات بين الأميركيين تتفق مع هذه الدراسة، حين أبلغ أكثر من 60% من الشباب بين 18 و42 عاما عن زيادة غير مرغوبة في الوزن منذ بداية الجائحة، كما ارتفعت مشكلات الصحة العقلية، بما في ذلك اضطراب النوم خلال تلك الفترة، وارتفعت معدلات التحرش الجنسي والعنف على أساس العرق رغم التباعد الاجتماعي. وكان من المثير للدهشة تراجع تلك النسبة بين المتزوجين والآباء، لتعود إلى الزيادة مع كبار السن.
لم تكن تلك النتيجة بين الأميركيين فقط، حيث ربطت دراسة بريطانية بين العزلة والأفكار الانتحارية خلال الإغلاق الكلي، خاصة بين الشباب والنساء والأشخاص المحرومين من التواصل الاجتماعي.
وأجرى الباحثون 3 مرات مسحا على 3 آلاف بالغا منذ بدأ الإغلاق الكلي في مارس/آذار 2020، ووجدوا أن نسبة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاما أبلغوا عن رغبتهم في إنهاء حياتهم بنسبة أكبر ومتزايدة بمرور الوقت كلما افتقروا لحياة اجتماعية. ولم يكن أي من المبحوثين يعاني من أمراض نفسية أو عقلية، لكن عانى واحد من كل 4 من أعراض اكتئاب متوسطة إلى شديدة بعد انقطاعهم عن العمل وزيارة الأقارب.
ورصد تحقيق آخر لصحيفة "الغارديان" (The Guardian) عن الآثار العقلية للإغلاق الكلي، ووجد أن هناك ارتفاعا حادا في الشكاوى المتعلقة بمشاكل النوم واضطرابات الأكل وإيذاء النفس، وأظهرت البيانات أن الوصفات الطبية للأقراص المنومة ارتفعت بنسبة 30% بين المراهقين والشباب خلال عام 2020.
وتكررت النتيجة مع التطبيق على شعب اليابان، بمتابعة 7 آلاف مواطن عبر فترات الإغلاق الكلي. وأظهرت النتائج أن معظم المبحوثين بدون عزلة اجتماعية كانت لديهم سلوكيات صحية وتفاعلات اجتماعية أكثر وعلاقات جيدة عن بعد ومستويات أقل من الوحدة والضغط النفسي؛ أما المبحوثون غير المتزوجين أو غير الآباء أو المحرومون من التواصل الاجتماعي فتدهورت حالتهم النفسية والسلوكية.
احتياج وليس رفاهية
وجد العلماء في جامعة "بنسلفانيا" (Pennsylvania) تفسيرا لتدهور الصحة العقلية والنفسية خلال العزلة، وأشاروا إلى أن العزلة الاجتماعية هي قاتل صامت يرفع حدة مجموعة متنوعة من الأمراض الخطيرة، مثل ألزهايمر والسكري، كما تنشط خلايا الإجهاد والتوتر التي تؤدي للإصابة بالشيخوخة المبكرة.
وترتبط تلك النتائج بما توصل إليه عالم الأعصاب بروس مكيوين عام 2002، الذي وجد أن الإجهاد هو أهم قضية تتعلق بالصحة العامة في العصر الحديث، وأنه عند تنشيطه بشكل مزمن، يمكن أن يسبب الضرر ويسرع المرض.
بينما أظهرت أبحاث أخرى أن العديد من الضغوطات الاجتماعية -مثل الفقر والتعليم المتدني والعنصرية- يمكن أن تساهم في تطور أمراض مثل السرطان والسكري والاكتئاب.
وحتى الآن، لدينا ما لا يقل عن نتائج أبحاث على مدار عقدين تشير إلى أننا نتأثر بسياقنا الاجتماعي، وتشكل حياتنا الاجتماعية على وظائفنا العصبية والمعرفية، بل وملامح خلايانا وقدرتنا على تمرير جيناتنا الوراثية، ما يجعل من الطبيعي تماما الشعور بالحاجة إلى التفاعل مع الآخرين بعد فترة طويلة من العزلة، مثلما نشعر بالاحتياج إلى الطعام والشراب.
وعلى الرغم من عدم معرفتنا -حتى الآن- بطرق التواصل الاجتماعي المثالية لتفادي الأمراض، فإنه يمكن لأي شخص تجربة تطبيق "زوم" (Zoom) أثناء الوباء لتلبية احتياجاته الاجتماعية، وبالتالي القضاء على النشاط العصبي للتوتر والإجهاد.