المجالس والعرضة.. جسور القطريين للحفاظ على تراثهم وهويتهم
عبد الهادي النعيمي: هدف الدورات تعريف وتدريب النشء على الضوابط التي تحكم المجالس، والقيم التي يجب أن يتعلموها مثل كيفية دخول المجلس والبدء بالسلام
الدوحة- تمثل المجالس في دولة قطر والخليج بشكل عام جسرا للتواصل والحوار، وبناء العلاقات الاجتماعية وتوارث القيم والتقاليد الأصيلة، بل يراها البعض بمثابة مدارس قائمة على مدار العام، ينهل منها الصغار العلم النافع والصفات الطيبة الأصيلة، والأخلاق الحميدة.
ورغم التطور الاقتصادي والمجتمعي يرى القطريون أن المجالس ما تزال لها الدور الأساسي في تعليم وتربية الأجيال على مواجهة الحياة والتغلب على متاعبها، كما تمثل عاملا رئيسيا في الحفاظ على الهوية والتراث القطري.
وفي سبيل المحافظة على الأهمية والمكانة التي تحتلها المجالس، ودورها الاجتماعي والثقافي والسياسي، بادرت مؤسسات قطرية لتنظيم دورات تعليمية للنشء عن آداب المجلس بهدف غرس العادات والتقاليد الأصيلة في نفوس النشء وإكسابهم المهارات التي تؤهّلهم للاعتماد على النفس وتحمّل المسؤولية.
مركز "نوماس" التابع لوزارة الشباب والرياضة القطرية أطلق دورات لتعليم آداب المجلس وأداء "العرضة القطرية" باعتبارها رموزا وأبوابا للغوص في تقاليد وعادات أهل قطر، والوقوف بقوة في وجه العولمة التي غزت العالم دون استئذان وغيرت شكل كثير من الدول وأثرت في سلوك وعادات كثير من شعوب العالم دون استثناء.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsاليوم العالمي للعمل الإنساني: التغير المناخي ينذر بمآس جديدة
الأولى في قطر.. زراعة الزعفران تتحدى المناخ وتجني قطفتها البكر
رمضان زمان “مال لول” في قطر.. تجهيز بيت الله لاستقبال المصلين ونثر القواقع البحرية بيضاء اللون في ساحات المسجد
و"نوماس" مركز تربوي (تأسس عام 2004)، معنِيّ بتنمية شغف النشء بالموروثات التاريخية والعادات العربية الأصيلة، ويهتم المركز القطري بتدريب النشء (من عمر 8 إلى 14 عاما) على فنون السباحة والغوص والرماية والصقارة والهجن، ومهارات القيام برحلات برية وبحرية، وآداب المجالس والضيافة وغيرها من الموروثات العربية.
المجالس.. مدارس
يقول مدرب آداب المجلس بمركز "نوماس" عبد الهادي النعيمي إن المجلس تقليد يعرفه القطريون منذ القدم وهو أشبه بمدرسة للجميع يتم فيها تعلم الأخلاق والعادات، بالإضافة إلى إلقاء الشعر ورواية القصص والحكايات القديمة المرتبطة بتراثنا.
ويوضح النعيمي للجزيرة نت أن الهدف من تقديم الدورات هو تعريف وتدريب النشء على الضوابط والتعاليم التي تحكم المجالس، والقيم التي يجب أن يتعلموها مثل كيفية دخول المجلس والبدء بالسلام الذي تعد تنبيها لدخول المجلس، ومن ثم يخرج "راعي المجلس"، لاستقبال الضيف بالترحيب الحار الذي يزيد السرور لدى الضيف.
ويضيف أن تقديم القهوة العربية عادة أساسية في المجالس القطرية والخليجية وأنها أول ما يتم تقديمه للضيف، موضحا أنه يتم تعليم وتدريب الصغار على عمل القهوة بالطريقة التقليدية وتقديمها للضيوف.
وعن المحاذير التي يجب على مرتادي المجالس تجنبها، يؤكد النعيمي ضرورة عدم رفع الصوت والسخرية من أي شخص، وعدم انفراد فرد بعينه بالحديث لفترة طويلة، الأمر الذي يمنع الآخرين من التواصل مع بعضهم بعضا وإفساح المجال لمناقشة موضوعات أخرى.
ويشير إلى أن طغيان التكنولوجيا وراء أسباب إطلاق مثل هذه النوعية من الدورات، حيث يرى أن التطور التكنولوجي قد يسهم في انصراف البعض عن التمسك بعاداته أو الانشغال عنها.
الهوية القطرية
لكن النعيمي يعود ويؤكد أن غرس القيم والتقاليد الأصيلة في نفوس النشء منذ الصغر ستقف حائلا أمام أي محاولات لنزع الهوية أو التأثير عليها.
أما "العرضة" فهي عبارة عن فلكلور شعبي تراثي خليجي ذي أشكال متعددة، تتكرر فيها أهازيج وأبيات شعرية (شيلات)، ويؤدّيها الرجال وهم يرفعون سيوفهم على إيقاع الطبول والدفوف، وكانت تؤدى عقب رحلات البحث عن اللؤلؤ، فيعمد الغواصون إليها على سفنهم فيما يرفعون السيوف ويخفضونها حتى وصولهم إلى البر، إذ كانت السيوف رفيقة الغواصين من أهل قطر.
وعنها يقول مدرب "العرضة" في مركز نوماس، أحمد الكواري، إنها كانت في الماضي بمثابة استعراض للقوة، وإثارة للحمية عند نشوب الحروب ولكنها في الوقت الحالي تحولت إلى تعبير عن الفرح والاحتفال، ويتم أداؤها في الأعراس والمناسبات الوطنية مثل اليوم الوطني للدولة.
ويوضح الكواري للجزيرة نت أن الحرص على تعليم النشء لمهارات "العرضة" يرجع لإسهامها في الحفاظ على الهوية القطرية، كما أنها تعبر عن قيم الفخر والاعتزاز والشجاعة، وتغرس في نفوس النشء قيم المسؤولية وإذكاء صفات الشهامة والحماس وحب الوطن ومعاني الرجولة.
ويشير إلى أن طريقة أداء العرضة تتشابه في كل دول الخليج باستثناء اختلافات بسيطة من دولة لأخرى مثل طريقة قرع الطبول أو نوع الطبول المستخدمة والحركة بالسيوف، مشيرا إلى أنها فروق طفيفة وليست جوهرية.
تواصل بين الأجيال
ويلفت الكواري الانتباه إلى أن تقديم مثل هذه الدورات المتعلقة بالموروثات التاريخية والعادات الأصيلة، بات أمرا ملحا في ظل الظروف المجتمعية التي يواجهها البعض كالوفاة والسفر المتكرر لظروف العمل، والتي قد تتسبب في صعوبة تعلم الأبناء هذه الموروثات.
أما المتدرب ناصر آل ثاني (13 عاما) فيقول إنه تعرف على بعض السلوكيات التي يجب القيام بها عند دخول المجلس، كما يشير إلى أنه أدرك أن المجلس أصبح حلقة وصل بين الأجداد والأبناء ووسيلة لتوارث العادات والتقاليد بين الأجيال.
ويوضح أنه استطاع، خلال دورة آداب المجلس، التعرف على طريقة تقديم القهوة العربية للضيوف، والأدوات المستخدمة في إعدادها كالمبرد والغوري والهاون والدلة، معربا عن أمله في تعلم الكثير من الآداب والسلوكيات التي تعبر عن عراقة المجتمع القطري.